سماحة المرجع الشيرازي في حديثه مع السيد عمار الحكيم:

عمّموا نهج الإمام أمير المؤمنين وعرّفوه للعراقيين والعالم

   

قام بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام فضيلة السيد عمار الحكيم دام عزّه رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، برفقة وفد ضم السادة الكرام من آل الحكيم، ورئيس مكتب المجلس في بغداد وذلك صباح الجمعة السابع عشر من شهر شوال المكرّم 1432 للهجرة.

بعد أن رحّب سماحته بالضيوف الكرام أعرب السيد الحكيم عن سروره وشوقه لزيارة سماحة المرجع الشيرازي، متمنياً أن يزور سماحته في عراق المقدّسات بجوار مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

فقال سماحة المرجع الشيرازي: كل أملي هو أن يأذن لي سيدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بزيارته.

ثم قال سماحته: كانت حكومة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه تمتدّ على خمسين دولة من دول اليوم، وقد حكم الإمام صلوات الله عليه خمس سنوات تقريباً. ورغم كثرة المشاكل الداخلية والخارجية التي واجهتها حكومة الإمام، ترك الإمام صلوات الله عليه بصمات لا يوجد لها نظير في التاريخ وفي أرجاء المعمورة حتى في عالم اليوم رغم ما شهده ويشهده من التقدّم الاقتصادي والسياسي والعلمي.

وأشار سماحته إلى نموذج من سيرة الإمام عليّ صلوات الله عليه التي لم ترى عند غيره أبداً وقال: يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في كلام له مذكور في نهج البلاغة: «هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ»(1). فالإمام صلوات الله عليه كان بالكوفة لكنه كان لا يأكل معظم الأيام، وإذا أكل فإنّه لا يأكل إلى حدّ الشبع لأنه قد يمكن أن يكون هناك جائع ما في البلاد البعيدة عنه كالحجاز مثلاً أو اليمامة. فـ(لعل) في كلام الإمام صلوات الله عليه تعني: يمكن وليس مؤكّداً.

وأردف سماحته: كان للإمام عليّ صلوات الله عليه أعداء في التاريخ ولا يزالون، وقد أخذوا على الإمام مآخذ، وكانوا يظنّون أنها مآخذ لكنها بالحقيقة هي فضائل ومناقب، فكانوا يركّزون عليها وينتقدون الإمام صلوات الله عليه بها، وهي قولهم: إنّ فيه دعابة. أي لم يكن خُلُق الإمام حادّاً أو فظّاً، واعتبروا ذلك مأخذاً على الإمام، في حين إنها فضيلة من فضائل الإمام صلوات الله عليه. ولكنهم ـ أي الأعداء ـ لم يأخذوا على الإمام قوله صلوات الله عليه: «وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ». فلم يخرج أحدهم ويقول: بالتأكيد كان هناك جائع في ظل حكومة الإمام صلوات الله عليه، لأنهم يعلمون جيّداً بأن الناس في ظل حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه عاشوا برفاه ورخاء.

وعقّب سماحته بقوله: انظروا إلى حكّام عالم اليوم، بالأخصّ حكّام أغنى الدول، هل يستطيع حاكمها أن يدّعي ويقول: أنا لست متأكّداً من وجود جائع واحد في ظل وفي رقعة حكومتي؟!

وشدّد سماحته قائلاً: إن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا يوجد اليوم في العراق، لكن مزاره الطاهر موجود بالعراق وكذلك نهجه صلوات الله عليه، فيجدر تعميم ونشر نهج الإمام عليّ صلوات الله عليه، والتشجيع على اتباعه، بكل الوسائل المتاحة، كي يصلح العراق شيئاً فشيئاً، ويصبح انموذجاً لجيرانه وللمنطقة، وللعالم كلّه.

وأكّد المرجع الشيرازي دام ظله: إن الاستفادة من نهج الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي لا يزال يرنّ في التاريخ، مسؤولية مهمة، ومسؤولية الجميع، بالأخصّ في العراق اليوم.

بدوره قال فضيلة السيد عمار الحكيم: إننا نسعى إلى تعريف نهج الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ونؤكّد دائماً لإخواننا بالعراق، عبر مانلقيه من محاضرات وكلمات، بإن ما يصدر من عندنا وما ترونه منّا هو من عملنا نحن، فنحن ـ والعالمين أجمع ـ لا يمكننا ولا نقدر على أن نعمل ما عمله الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فنهج الإمام عليّ صلوات الله عليه نهج ناصع وراق وفريد ولا مثيل له، وتبقى سيرته صلوات الله عليه قدوة للعالمين أجمع إلى قيام الساعة، ونحن نسعى إلى الاقتداء به صلوات الله عليه.

بعدها تحدّث السيد الحكيم عن الوضع في العراق فقدّم تقريراً مختصراً عن سير العملية السياسية بالعراق، والمشاكل التي واجهتها وتواجهها، بالأخص بالنسبة إلى التحالف الوطني كيفية لم الشمل العراقي بالخصوص للأغلبية بالعراق أي أتباع أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، ليسلم العراق وينهض نحو بناء مستقبل زاهر وتاريخ جديد ناصع.

كما تطرّق السيد الحكيم في حديثه إلى أوضاع أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في البحرين الشقيق، والمساعي التي بذلها التحالف الوطني على الصعيد الإقليمي والدولي في حلّ الأزمة بالبحرين.

وفي نهاية هذه الزيارة أشار المرجع الشيرازي دام ظله إلى أهم المسؤولية اليوم في عراق أهل البيت صلوات الله عليهم، وقال مخاطباً السيد الحكيم والضيوف الكرام: قال الله تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُْمُورِ».

إن من أفضل الأمور اليوم في العراق تعميم نهج الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومن أهم الأعمال في عراق اليوم التنمية الفكرية. وأنتم لديكم تاريخ مشرق فحاولوا بسيرتكم أن تكونوا من المعمّمين لنهج الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وياحبذا أن تقوموا في هذا المجال بتأسيس حوزة علمية مستقلّة، كي تقوم بتربية وإعداد العلماء للعراق، وتبقى مهداً فكرياً وعلمياً للأجيال الصاعدة.


1) نهج البلاغة: باب الرسائل/ الكتاب 45 من كتاب له سلام الله عليه إلى عثمان بن حنيف/ 416.