زيارة الأربعين المباركة بين التكامل الانساني والشبهات العقائدية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين واللعن والدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[1].

قال الإمام الشيرازي الراحل السيد محمد ـ أعلى الله درجاته ـ في التقريب أثناء تفسير الآية المتقدمة: «لما بيّن سبحانه صفات المنافقين وما يفعل بهم كما فعل بأسلافهم بيَّن صفات المؤمنين والعاقبة الحسنة التي تنتظرهم، فإن كل واحد منهم ينصر صاحبه ويؤيده ويعينه لأنهم من عنصر واحد وأصل واحد وتجمعهم عقيدة واحدة، وقوله تعالى: (سيرحمهم) المراد رحمتهم في الجنة، ولذا دخلت السين لإفادة كون الرحمة إنما تأتي بعد مدة من استمرارهم في العمل ونجاحهم في الامتحان فلا يتوقع المؤمن أن تشمل الرحمة فوراً بمجرد وقوعه في مشكلة وإنما تؤخر عنه للامتحان والإختبار»[2].

وقال السيد الطباطبائي: «يدل بذلك على أنهم مع كثرتهم وتفرقهم من حيث العدد ومن الذكورة والأنوثة ذوو كينونة واحدة متفقه لا تشعب فيها ولذلك يتولى بعضهم أمر بعض»[3].

 أقول: الشريعة الإسلامية المقدسة شملت بالخطاب الشرعي التكليفي كل من الرجل والمرأة على حدٍ سواء، ولم تفرق بينهما الا بأمور خاصة تلاءمت وطبيعة الجنسين وتركيبهما الخُلقي، ومن هنا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف: «من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما، كما تختلف واجبات الغضروف عن العظم في بدن الإنسان، حيث استقامة البدن بالعظم، وحركته بالغضروف، ولو أردت أن تساوي بينهما فمعناه أنك شللت البدن».

وقال في مقام آخر: «لو أردت أن تساوي بين المرأة والرجل في كل الأمور، تكون كمن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة كيلوات من أجهزة دقيقة، فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات تستفيد منها بالوجه الصحيح».

 

طبيعة الحياة وتكاملها:

الحياة وكما هو معروف متكون من الرجل والمرأة وان أحدهما مكمل للآخر وعليه لا غنى لأحدهما عن الآخر وفي هذا الصدد يقول سماحته دام ظله: «مثل المرأة والرجل في الحياة كمثل العاطفة والعقل، ولا يعني ذلك أن المرأة عاطفة بلا عقل، وأن الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أن المرأة كيان عاطفي تترجح فيه كفّة تأثير العاطفة، خلافاً للرجل، في الغالب، فهو كيان يتغلّب فيه العقل على العاطفة»، في وقت إن قال دام ظله في موضع آخر: «الحياة مزيج من العقل والعاطفة، فإن الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها، فلو أن الحياة سلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، ولا وجدت مجلساً منعقداً, بعض يتكلّم وبعض يستمع، فإن العقل هو الذي يحدّد العاطفة ويؤطّرها».

وعليه فإن المرأة مكملة للرجل في الحياة وكذا الرجل، ومن هنا كان الخطاب الشرعي لكليهما، ومن المعلوم ان الشريعة المقدسة هدفت إلى السير بالمكلف نحو الكمال الإنساني فأوجدت لذلك طرقاً كثيرة منها صعب وشاق قليل سالكيه، ومنها سهل قليل المؤنة وهذا من رحمة رب العزة بالمؤمنين، ومن تلك الطرق زيارة سيد الشهداء عليه السلام فهي الطريق المضمون نحو الكمال المنشود، وقد ورد في الأثر الشريف عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من زار قبر أبي عبد الله عليه السلام بشط الفرات كمن زار الله فوق عرشه»[4]، وعن ابن أبي جرير القمي قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول لأبي: «من زار الحسين بن علي عليه السلام عارفاً بحقه كان من محدثي الله فوق عرشه ثم قرأ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)»[5].

 

المرأة وزيارة سيد الشهداء عليه السلام:

مما لاشك فيه ـ وكما تقدم الحديث ـ ان زيارة الإمام الحسين عليه السلام مقتضية للكمال الإنساني لذا جاء التأكيد عليها من قبل أئمة الهدى سلام الله عليهم والأحاديث في المقام كثيرة بل بعضها أوجب الزيارة على الرجال والنساء كما عن أم سعيد الأحمسية قالت: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا أم سعيد تزورين قبر الحسين عليه السلام؟ قالت: قلت: نعم، قال: يا أم سعيد زوريه فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء»[6].

بل ان بعض الروايات الشريفة أكدت على المرأة خاصة كما في رواية زرارة قال عليه السلام: «يا زرارة ما في الأرض مؤمنة إلاّ وقد وجب عليها أن تسعد فاطمة عليها السلام في زيارة الحسين عليه السلام»[7].

وعن أم سعيد الأحمسية قالت: جئت إلى أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه، فجاءت الجارية فقالت: قد جئتك بالدابة، فقال: يا أم سعيد أي شيء هذه الدابة، أين تبغين تذهبين؟ قالت: أزور قبور الشهداء، فقال: ما أعجبكم يا أهل العراق، تأتون الشهداء من سفر بعيد، وتتركون سيد الشهداء لا تأتونه؟! قالت: قلت له: من سيد الشهداء؟ قال: الحسين بن علي، قلت: إنّي امرأة، فقال: لا بأس لمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره، قالت: قلت: أي شيء لنا في زيارته؟ قال: تعدل حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما وخير منها، قالت: وبسط يده وضمها ثلاث مرات[8].

 

شبهات ومعوقات في طريق الزائرات:

أتضح مما تقدم أهمية زيارة المرأة لمرقد سيد الشهداء عليه السلام وإنها مشمولة بثواب الزيارة وكمالها كما في حديث الإمام الصادق عليه السلام: «من زار قبر الحسين ـ عليه السلام ـ عارفاً بحقه كتبه الله في أعلى علّيين»[9]، وعدم تركها ففي ذلك الجفوة المحرمة فعن حنّان قال: قال الإمام أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : «زوروا قبر الحسين ـ عليه السلام ـ ولا تجفوه، فإنه سيد شباب أهل الجنة من الخلق، وسيد الشهداء»[10]، وعن الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ (في حديث طويل) قلت: جعلت فداك، ما تقول في من ترك زيارته وهو يقدر على ذلك؟

قال: «أقول: أنه عق رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وعقّنا، واستخف بأمر هو له....»[11].

 أما ما تلاقيه المرأة من مشاق وصعوبات ففي مقابل ذلك الثواب العظيم، وأما مزاحمة الرجال فالأمر جار أيضا في الحج فهل يمكن أيضاً منع المرأة من الحج الواجب أو المستحب؟! بل ينبغي العمل على توجيه الزائرين نحو النظام وعدم مزاحمة النساء والنساء كذلك وقد أشار بعض الروايات إلى ذلك ونصت ان الرجال تسير في وسط الطريق فيما النساء على جانبيه، ويمكن كذلك إيجاد مراكز توجيه وإرشاد للزائرين من قبل رجال الدين والمتخصصين في هذا المجال، الأمر الذي يساعد على اغتنام الزيارة على أفضل وجه فمن المعلوم أن الكثير من فوائد الحجة وفلسفته موجودة في الزيارة لاسيما المخصوصة كزيارة الأربعين.

وكذا ان من الشبهات المطروحة ان ذهاب المرأة للزيارة يتعارض وواجباتها المنزلية وحق الزوج، والجواب بديهي: فان تنظيم العلاقة الزوجية تكفلت به الشريعة المقدسة وأعطت للزوج حقوقا وأعطته كذلك حق التنازل عن هذا الحق فله حق المنع كما له حق الإجازة، اما ما يقال من ان الكثير من الرجال لايستطيعون منع زوجاتهم لأن ذلك يفسر بأنه معاداة لسيد الشهداء عليه السلام؟ فهذا جهل ولا تبنا الأحكام الشرعية على الجهل، فمن كان متفقه في دينه يعلم ان ذلك ليس معاداة لسيد الشهداء عليه السلام.

كما واثيرت مسألة احتياج المرأة لعناية خاصة لاسيما في قطع المسافات الطويلة سيرا على الأقدام، فينبغي التوجيه إلى ان تخرج المرأة مع محرم معها او من يساعدها ففي ذلك الحق وليس منع الزيارة مشيا على الأقدام رغم كونه من شعائر سيد الشهداء عليه السلام فضلا عن إباحته للأصل. والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــ

[1] سورة التوبة: 71.

[2] تقريب القرآن الى الأذهان، السيد محمد الشيرازي، مؤسسة الوفاء، الطبعة الأولى، 1400 للهجرة، ج10، ص118.

[3] الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1397 للهجرة، ج9، ص353.

[4] جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين الطباطبائي البروجردي، قم المقدسة، 1418 للهجرة، ج15، ص180.

[5] سورة القمر: الآيتين 54و55.

[6] الوسائل: ج 14، باب استحباب زيارة النساء الحسين عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام ولو في من سفر بعيد ص 435 و 436 و437. وكذا كامل الزيارات ص 129.

[7] مستدرك الوسائل: ج 10، باب استحباب زيارة النساء الحسين وسائر الأئمة عليهم السلام، ص 259.

[8] جامع احاديث الشيعة: ج15، ص224.

[9] مستدرك الوسائل، ج10، ص250.

[10] نفس المصدر: ج10، ص256.

[11] نفس المصدر والجزء، ص257.