تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة السادسة عشرة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 

(الصلاة في المغصوب جهلاً)

سأل أحد الفضلاء: إذا صلى في مكان مغصوب جهلاً، كيف يحكم بصحة صلاته مع أن الأحكام مشتركة بين الجاهل والعالم، وهذه الركعات والحركات منهي عنها ولا يمكن التقرب بها؟

فأجاب سماحته (دام ظله): قالوا بصحة صلاته إذا جهل بالموضوع، لأنهم استفادوا من أدلة بعض المبطلات ومنها الغصب أنها في صورة الذكر والعلم، وأنها من قبيل (ضيق فم الركية) (1).

يقول صاحب العروة (رحمه الله) في شرط إباحة مكان المصلي:

(وإنما تبطل الصلاة إذا كان عالماً عامداً، وأما إذا كان غافلاً أو جاهلاً أو ناسياً فلا تبطل، نعم لا يعتبر العلم بالفساد فلو كان جاهلاً بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان) (2).

فقال الفاضل: نفس ركوع المصلي في الغصب هو تصرف في الغصب وإن لم يعلم به، ولا مصلحة فيه حتى يؤمر به؟

فأجاب سماحته (دام ظله): عدم المصلحة في صورة علمه لا مطلقاً.

قال أحد الفضلاء: استثني من أدلة (لا تعاد) الركوع، وهذا ركوع غصبي فلابد من الإعادة؟

فعَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إِلاّ مِنْ خَمْسَةٍ، الطَّهُورِ وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) (3).

فأجاب سماحته (دام ظله): المراد منها عدم الإتيان بالركوع أصلاً، أما إذا ركع وكان ثوبه أو بدنه نجساً ولا يعلم بها (4)، فصلاته صحيحة، وكذلك إذا لم يعلم بغصبية المكان.

ومثله إذا كان جبهة الشخص متنجساً وهو لا يعلم به وسجد السجدتين، حيث قال الفقهاء بصحة صلاته.

فدليل (لا تعاد) مفاده في الاستثناء: الإعادة في الخمسة إذا أخل بأصلها، أي بأصل الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، دون ما لو جاء بها وأخل بشروطها وما أشبه.

سأل أحد الفضلاء: أليست ألفاظ العبادات محمولة على المعاني الصحيحة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): ومع عدم علمه بالغصب تكون العبادة صحيحة، إذ لا نهي عن الغصب مع الجهل كما هو واضح، فالدليل الدال على مانعية الغصب هو في صورة العلم به، أما مع الجهل فيقول الدليل: إنه لا مانعية، والصلاة حينئذ مشتملة على الملاك والأمر.

بعبارة أخرى: دليل الشرط أضيق من شمول حتى مورد الجهل، فلا يشمله.

 

(من مسائل الإجارة)

سأل أحد الفضلاء: إذا اتفق شخص مع الأجير على عمل معين في مدة معينة، ولكن الأجير لم يعمل العمل أصلاً، أو عمل بعضه ولم يكمله، فما حكم العقد والأجرة في الصورتين، وهل الأجرة أجرة المسمى أم المثل؟

فأجاب سماحته (دام ظله): في صورة عدم الإتيان بالعمل أساساً فالإجارة باطلة، وفي صورة الإتيان ببعضه فله حق الفسخ، فإن فسخ وكان على نحو تعدد المطلوب يستحق الأجير بعض أجرة المثل بالنسبة، لا أجرة المسمى، إلا مع أقليتها عنها فمن المسمى حيث رضي بالأقل، ومع عدم تعدد المطلوب لا يستحق شيئاً.

قال أحد الفضلاء: عمل العامل محترم والأصل عدم المجانية في عمله؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا إذا لم يسقط بنفسه احترام عمله، ومع القيد وعدم تعدد المطلوب لا شيء له، فإن المؤجر لم يأمر بهذا العمل الناقص حتى يكون ملزماً بدفع الأجرة ولو بالنسبة.

 

(كلام صاحب الجواهر في ارتفاع القيمة)

أشرنا يوم أمس إلى ما ذكره صاحب الجواهر في رسالته العملية، والتي عليها تعاليق عدد من أعاظم الفقهاء، حيث يقول (رحمه الله): إن في ارتفاع القيمة الخمس في الجملة.

وهذه هي رسالته المسماة بـ (مجمع الرسائل) نقرأ نص المسألة، يقول في الصفحة 518 المسألة 1599، ما تعريبه (4):

(إذا وصل مال إلى شخص بسبب الإرث، ومن دون علمه ارتفع المال أو ترتبت عليه المنفعة، تعلق الخمس في المقدار الزائد).

ولم يعلق على هذا الحكم أحد من الأعلام الذين علقوا على الرسالة، وهم الشيخ الأنصاري، والميرزا الكبير الشيرازي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والآخوند الخراساني، والسيد اليزدي، والآقا ضياء العراقي والميزرا النائيني والشيخ الحائري المؤسس (رضوان الله عليهم أجمعين).

سأل أحد الفضلاء: لا يعلم أن المراد بالعبارة ارتفاع القيمة السوقية، فربما يكون المراد النماء المتصل أو المنفصل؟

فأجاب سماحته (دام ظله): (المنفعة المترتبة) في كلامه أعم، فتشمل ارتفاع القيمة أيضا، فإن ظاهر عبارات الفقهاء حجة كما قالوا.

ثم قال (دامت بركاته): المسألة الأخرى التي وردت في رسالة صاحب الجواهر (رحمه الله) هي في من لم يتمكن من شراء الدار أو بنائها في سنة واحدة، فيضطر لجمع المال لعدة سنوات حتى يشتري بها داراً، فهل فيه الخمس؟

يقول صاحب الجواهر في الصفحة 526 المسألة 1626 ما تعريبه (5):

(إذا ادخر شخص مقداراً من أرباح كسبه السنوي، ليشتري به داراً أو فرشاً أو سائر ما يحتاجه في عيشه، وحل رأس سنته الخمسية، فالأحوط أن يخمس ذلك).

وهذا الاحتياط وجوبي كما لا يخفى، لأنه ليس مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى، مع ذلك علق الميرزا الشيرازي والسيد الطباطبائي صاحب العروة (قدس سرهما) بقولهما: (اين احتياط ترك نشود)، اي لا يترك هذا الاحتياط تأكيداً على وجوبه.

سأل أحد الفضلاء: هذه المسألة في ادخار المبلغ، وكان البحث ليلة أمس في من شرع ببناء الدار ولم يتمكن من إكمالها في سنة واحدة، والفرق بينهما أنه في الادخار لم يصرف المبلغ، ولكن في البناء صرفه ولم يبق عنده شيء؟

فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، المسألة هذه في المبلغ المدخر لشراء أو بناء الدار، وفيها قال هؤلاء الفقهاء بأنه ليس من المؤنة ولابد من تخميسه، ولكن الدار إذا شرع في بنائها فما دام لم تُكمل ولم يسكن فيها لا تحسب مؤنة، فإن أدلة الخمس تقول: كل شيء تغنمه وتستفيده فعليك خمسه، وتعلق الخمس به غير مشروط بحلول السنة بل في نفس الوقت، ويوماً بيوم، نعم يجوز تأخيره ويستثنى منه المؤنة.

قال (عليه السلام): (هي والله الإفادة يوماً بيوم) (6).

وقال (عليه السلام): (الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها) (7).

وقال عليه السلام: (عَلَى كُلِّ امْرِئٍ غَنِمَ أَوِ اكْتَسَبَ الْخُمُسُ مِمَّا أَصَابَ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) وَلِمَنْ يَلِي أَمْرَهَا مِنْ بَعْدِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا الْحُجَجِ عَلَى النَّاسِ، فَذَاكَ لَهُمْ خَاصَّةً يَضَعُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا، إِذْ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، حَتَّى الْخَيَّاطُ لَيَخِيطُ قَمِيصاً بِخَمْسَةِ دَوَانِيقَ فَلَنَا مِنْهَا دَانِقٌ إِلاّ مَنْ أَحْلَلْنَا مِنْ شِيعَتِنَا لِتَطِيبَ لَهُمْ بِهِ الْوِلادَةُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ‌ءٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا إِنَّهُ لَيَقُومُ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَؤُلاءِ بِمَا أُبِيحُوا)(8).

إذن الخمس يتعلق بالفائدة فوراً، لكنه من الواجب الموسع، كما أن الصلاة واجبة في أول وقتها وإن كانت بنحو الموسع، فلما يصلي الإنسان في أول وقتها ينوي الوجوب لا الاستحباب، وهكذا في الخمس حيث يمكنه دفع المبلغ عند حصول الفائدة بنية الوجوب، ولكن رخص التأخير إلى السنة الخمسية، كما استثني منه المؤنة.

وهذا من الفروق بين الخمس والزكاة، فإن الزكاة لا تجب إلا بعد الحول، ولا يمكن دفعها بنية الوجوب قبله، أما الخمس فالتعلق حين الفائدة ويجوز دفعها بنية الوجوب وإن جاز التأخير إلى رأس السنة.

سأل أحد الفضلاء: من كان له رأس مال يتاجر به، لكنه إذا دفع خمسه أضر برأس ماله فلا يتمكن من التجارة، قال البعض لا خمس فيه، فما تقولون؟

فقال سماحته (دام ظله): هذه مسألة أخرى مذكورة في محلها، وليس البحث فيها الآن.

إذن الخمس يتعلق بالفائدة، والمؤنة مستثناة، وهي مشروطة بثلاثة: أن تكون حلالاً، وأن تكون بمقدار شأنه، وأن تصرف، لا تبقى لأجل التقتير وما أشبه.

من هنا كما لا تصدق المؤنة الفعلية على المبلغ المدخر لأجل شراء الدار، كذلك لا تصدق على ما صرفه للبناء خلال سنوات ما لم تكمل الدار ولم يسكن فيها.

نعم إذا قال العرف بأن ما صرفه على البناء فهو من مؤنة نفس السنة، فلا خمس فيها، ومع الشك يبقى أصل وجوب الخمس حاكماً.

 

(تراب قبور المعصومين عليهم السلام)

سأل أحد الفضلاء: أكل التراب والطين حرام، واستثني من ذلك طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، فما حكم تراب سائر مراقد المعصومين (عليهم السلام)؟

فأجاب سماحته (دام ظله): الفقهاء تطرقوا إلى هذه المسألة في كتبهم، منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وصاحب الجواهر في جواهره، والمرحوم السيد الأخ (رحمهم الله جميعاً) في الفقه، وبحثوها مفصلاً في كتاب (الأطعمة والأشربة) بمناسبة محرمات الأكل.

وخلاصة الكلام: إنه بالنسبة إلى طين قبر الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) لا شك في جواز أخذ مقدار قليل حدده الفقهاء للاستشفاء.

أما بالنسبة إلى قبور سائر المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) فالنصوص متعارضة، بعض الروايات تقول بالحرمة، وبعضها تقول بالحلية، ولكن المشهور أخذوا بروايات الحرمة وأعرضوا عما دل على الحلية، إلا النادر ممن أجاز.

ومن روايات الجواز:

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طِينِ الْحَائِرِ هَلْ فِيهِ شَيْ‌ءٌ مِنَ الشِّفَاءِ، فَقَالَ: (يُسْتَشْفَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَكَذَلِكَ قَبْرُ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ الْحَسَنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَخُذْ مِنْهَا فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ وَجُنَّةٌ مِمَّا تَخَافُ وَلا يَعْدِلُهَا شَيْ‌ءٌ مِنَ الأَشْيَاءِ لِلَّذِي يَسْتَشْفِي بِهَا إِلاّ الدُّعَاءُ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا يُخَالِطُهَا مِنْ أَوْعِيَتِهَا وَقِلَّةُ الْيَقِينِ لِمَنْ يُعَالِجُ بِهَا) (9) الحديث.

وفي رواية محمد بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام)، وقد أعطاه شراباً فشربه فشفي من مرضه، أنه (عليه السلام) قال له: (يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الشَّرَابَ الَّذِي شَرِبْتَهُ كَانَ فِيهِ مِنْ طِينِ قُبُورِ آبَائِي وَ هُوَ أَفْضَلُ مَا نَسْتَشْفِي بِهِ فَلَا تَعْدِلْ بِهِ فَإِنَّا نَسْقِيهِ صِبْيَانَنَا وَ نِسَاءَنَا فَنَرَى مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ) (10).

وفي المقابل:

عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (وَلا تَأْخُذُوا مِنْ تُرْبَتِي شَيْئاً لِتَتَبَرَّكُوا بِهِ فَإِنَّ كُلَّ تُرْبَةٍ لَنَا مُحَرَّمَةٌ إِلا تُرْبَةَ جَدِّيَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهَا شِفَاءً لِشِيعَتِنَا وَأَوْلِيَائِنَا) (11).

وما ورد من التعبير بالأكل من لحومهم ودمائهم، وهو من أشد المحرمات، حيث ورد ذلك في من تناول أكثر من الحمصة أو أكل طين الحائر الشريف لغير الاستشفاء:

قال عليه السلام: (وَلا تَنَاوَلْ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ حِمَّصَةٍ فَإِنَّ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ مِنْ لُحُومِنَا وَ دِمَائِنَا) (12).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (مَنْ أَكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام غَيْرَ مُسْتَشْفٍ بِهِ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ مِنْ لُحُومِنَا) (13).

قال أحد الفضلاء: هناك رواية خاصة تجيز أكل القليل من طين قبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، لكنهم أعرضوا عنها, وهي معارضة برواية أخرى حيث تفيد العموم: (فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا).

وسأل أحد الفضلاء: ما هي حدود طين قبر الحسين (عليه السلام)

فأجاب سماحته (دام ظله): فيها خلاف، قال بعض الفقهاء إنها أربعة فراسخ في أربعة، وقيل أكثر، وقيل أقل (14).

سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون بالأتربة التي تجمع في الصحن الحسيني الشريف وحرمه المطهر؟

فأجاب سماحته (دام ظله): مع الصدق العرفي لا بأس، ولذلك كان بعض المؤمنين يبيتون شيئاً من التراب عند القبر الشريف ثم يأخذونه للاستشفاء.

 

(من مسائل السعي)

سأل أحد الفضلاء: هناك درّاجات مخصصة حديثاً في بعض طوابق السعي يركبها الساعي، فهل يجوز السعي عليها اختياراً، وهي سريعة جداً بحيث لا يطول السعي عليها إلا دقائق معدودة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): لا إشكال في ذلك، فإن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، وفي الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) طاف على ناقته.

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي (عليه السلام): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ وَسَعَى عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ) (15).

فقال أحد الفضلاء: ألا تكون هذه المدة القصيرة خلاف المتعارف فهي خارجة عن إطلاق أدلة السعي؟

فأجاب سماحته (دام ظله): الإطلاقات تشمل كل ذلك، والزمن ليس شرطاً في مثل هذه المسائل.

 

(لماذا الأحوط وليس الأقوى)

رجع أحد الفضلاء إلى المسألة السابقة التي طرحت في الخمس، وقال:

لماذا صاحب الجواهر (رحمه الله) قال بالاحتياط فيها ولم يفت فيقول الأقوى مثلاً، مع أنه من الواضح تعلق الخمس بالمال المدخر لعدم صرفه، بخلاف ما صرفه في البناء وإن لم يكمل بناؤه في نفس السنة، حيث يمكن القول بالاحتياط فيه دون الفرض الأول؟

فأجاب سماحته (دام ظله): ربما لشبهة احتياجه للدار، وأنه لا يمكنه الشراء في سنة واحدة، فعليه أن يدخر شيئاً فشيئاً، فما ادخره كان من مؤنة نفس السنة، هذه هي الشبهة.

والفقهاء رعاية لشدة التقوى والورع، إذا شكوا في مورد فلا يفتون عادةً، بل يحتاطون، فإن )المفتي على شفير جهنم).

قال (عليه السلام): (أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار، فإن المفتي على شفير جهنم).

سأل أحد الفضلاء: فما ذا تقولون في المبلغ الذي يقدّم لتسجيل الحج، ويبقى عند الحكومة عدة سنوات مثلا، فهل فيه الخمس؟

فأجاب سماحته (دام ظله): إن كان من مؤنة نفس السنة لا خمس فيه، وإن كان من مؤنة سنة الحج تعلق به الخمس ما دام لم يحج في نفس السنة.

إذن (المؤنة) استثنيت، وهي موضوع عرفي، فمع إحرازها لا خمس، ومع إحراز العدم أو عدم الإحراز أي الشك، كان عليه الخمس.

قال أحد الفضلاء: يمكن أن يقال بأن ادخار المال إن كان تكليفاً شرعياً فلا خمس فيه، لأنه صرفه في الادخار بأمر الشارع، كما قالوا في باب الحج فيمن وجب عليه التسجيل قبل الحج بسنوات، فحيئنذ لا خمس على ذلك المبلغ، بخلاف المبلغ المدخر لبناء البيت، فإنه ليس من التكليف شرعاً أن يبني الإنسان بيتاً، ففيه الخمس؟

فأجاب سماحته (دام ظله):

نقضاً: بما لو وجب عليه إسكان عائلته بما يليق بشأنهم في دار وسيعة، فأخذ يدخر المال لسنوات حتى يمكنه شراؤها أو بناؤها.

وحلاً: بأن الحكم يدور مدار (المؤنة) سلباً وإيجاباً عرفاً، فهل ما ادخره أو صرفه مؤنة نفس السنة، أم مؤنة السنوات الآتية، ففي الأول لا خمس دون الثاني.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــ

(1) مثل عربي يقال لحافر البئر لكي يضيق فمها، ويستعمل لما يراد إيجاده ضيقاً ابتداءً لا تضييقه بعد السعة.

(2) العروة الوثقى: ج1 ص571 الفصل 12 في مكان المصلي.

(3) الفقيه: ج1 ص279 باب القبلة ح857.

(4) أي بالنجاسة.

(5) الرسالة هي بالفارسية ونص المسألة هو: (مالي به سبب ارث به شخصي رسيده، وبدون اطلاع او آن مال افزايش يابد، ويا منفعتي بر آن مترتب شود، كه در تمام اينها خمس در مقدار زائد خمس تعلق ميگيرد).

(6) الرسالة هي بالفارسية ونص المسألة هو: (هر گاه شخصي مقداري از منافع كسب ساليانه خود را براي خريد خانه ويا فرش ويا سائر ما يحتاج زندگي خود ذخيره كند، در هنگام سال خمسي احتياطا بايد خمس آن را بدهد).

(7) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ... ح10.

(8) تهذيب الأحكام: ج4 ص141 ب39 ح20.

(9) تهذيب الأحكام: ج4 ص122 ب35 ح5.

(10) وسائل الشيعة: ج24 ص227 ب59 ح30403.

(11) وسائل الشيعة: ج14 ص526 ب70 ح19749.

(12) وسائل الشيعة: ج14 ص529 ب72 ح19753.

(13) وسائل الشيعة: ج24 ص229 ب59 ح30407.

(14) وسائل الشيعة: ج24 ص229 ب59 ح30406.

(15) للتفصيل راجع موسوعة (الفقه) للإمام السيد محمد الشيرازي رحمه الله، ج76 كتاب الأطعمة والأشربة ج1.

(16) الفقيه: ج2 ص402 ح2818.

(19) العروة الوثقى: ج2 ص395 المسألة 65.