تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة الخامسة عشرة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 

(ارتفاع القيمة في باب الخمس)

بدأ سماحته (دام ظله) البحث العلمي بالإجابة على سؤال أحد الفضلاء: 

إذا كان الشخص يملك أرضاً قد خمَّسها أو ورثها حيث لا خمس فيها، ثم ارتفعت قيمة الأرض فهل في الارتفاع الخمس؟ 

فقال سماحته (دام ظله): المرحوم صاحب الجواهر في رسالته العملية المسماة بـ (مجمع الرسائل) وعليها تعاليق كبار علمائنا كالشيخ الأعظم والميرزا الشيرازي والميرزا محمد تقي والنائيني والآخوند الخراساني واليزدي والحائري (رحمهم الله جميعا) قالوا: بلزوم تخميس ارتفاع القيمة السوقية في الجملة. 

قال تعالى: (إنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ) 1. 

وفي الروايات: 

قال عليه السلام: «فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا» (2)

وقال عليه السلام: «هِيَ وَاللَّهِ الإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ» 3

وعَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ الْخُمُسِ، فَقَالَ: «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ»4. 

إذن موضوع الخمس: الفائدة، قليلاً أو كثيراً، ولا يشترط في الفائدة أن يتبدل إلى النقد، فالارتفاع فائدة عرفية وفيه الخمس. 

فإذا كان لشخصين أرضان في مكانين، اشترياهما بنفس السعر، لكن ارتفع سعر أحدهما إلى الضعف دون الآخر، يقول صاحب المرتفعة: الحمد لله لقد ربحت، ويقول الآخر: ولكني لم اربح. 

قال أحد الفضلاء: الربح متوقف على البيع، وقبله لا يسمى قد ربح وإن كان ارتفاع في القيمة. 

فأجاب سماحته (دام ظله): الصدق العرفي للربح ليس متوقفاً على البيع. 

قال أحد الفضلاء: ربما يوسّع العرف في صدق الربح والضرر، ويتسامح في إطلاقهما، فمثلاً لو اشترى أرضاً ولم يربح قال تضررت، مع أنه ليس بضرر لغة. 

هذا من جانب، ومن جانب آخر الربح والضرر يصدقان في التجارات، فالفائدة في ما اتخذها للتجارة، أما إذا اشترى أرضاً ليبنيها مسكناً له، أو اشترى داراً وسكنها فارتفعت القيمة لا يقال إنه ربح. 

فأجاب سماحته (دام ظله): بالمقارنة يعرف الصدق العرفي للفائدة، فإذا اشترى في مكان وصاحبه في مكان آخر فارتفع سعر إحداهما صدق الربح في المرتفعة دون غيرها. 

قال أحد الفضلاء: الربح فيما نحن فيه أمر اعتباري وليس واقعياً، فلا خمس فيه. 

ج: العرف جعل هذا الاعتبار معياراً في صدق الفائدة، من هنا يصبح واجب الحج ويجب أداء ديونه إن كان مديوناً وهكذا. 

سأل أحد الفضلاء: المخمس لا يخمس، فإذا كانت الأرض مخمَّسة فلا خمس فيها وإن ارتفع سعرها. 

فأجاب سماحته (دام ظله): الأصل خمّسه، ولكن الارتفاع لم يخمسه. 

وهناك شبه اتفاق بين الفقهاء بوجوب الخمس فيما إذا اشترى أرضاً للتجارة فارتفع سعرها. 

بل ضمن صاحب العروة من لم يخمس الارتفاع خمس ما نزل سعره. 

قال في العروة: 

«مسألة، إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس ‌أو تعلق بها لكنه أداه فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في ذلك النماء، وأما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة لعدم صدق التكسب ولا صدق حصول الفائدة، نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها، وأما إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها‌» 5 

ثم قال: (مسألة إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية‌ ولم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة ثمَّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحققها في الخارج، نعم ‌لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه‌)6.

قال أحد الفضلاء: إذا اشترى أرضاً لا بقصد التجارة ولا البيع، بل ليبني لنفسه مسكناً فارتفع سعرها، فلا خمس فيها. 

فأجاب سماحته (دام ظله): المسألة فيها خلاف. 

وبالنسبة إلى أصل ارتفاع القيمة في الأرض، ونفرض تلك التي يريد أن يتَّجر بها، فالعرف يسمي ارتفاع السعر فائدة حتى قبل بيعها. 

فأشكل بعض الحضور وقال: لا يسمى ذلك فائدة عرفاً. 

فقال سماحته (دام ظله): العرف ببابك. 

وسأل بعض الفضلاء: لا تتعلق الزكاة ما لم يصل المال بيده، فكيف تقولون بتعلق الخمس بالربح وليس في يده. 

فأجاب سماحته (دام ظله): الزكاة تختلف عن الخمس، فالزكاة لا تتعلق إلا بشروط منها مضي الحول، ولكن الخمس يتعلق في نفس اليوم، كما قال عليه السلام: «هِيَ وَاللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ»

مضافا إلى صدق كون الربح في اليد عند ما كان يملك الأصل والزيادة، وليس معنى كونه في يده أن يتبدل نقداً بالضرورة. 

سأل أحد الفضلاء: إذا كان يملك أرضاً لو باعها وجب عليه الحج فهو إنما يكون مستطيعاً إذا اشتراها أحد، وإلا فلم يكن مستطيعاً، ومثله نقول في الخمس، فقبل بيع الأرض لا خمس فيه؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): في مثال ارض الاستطاعة نقول: إذا قبل الحملدار مثلا بأخذ الأرض عوضاً عن تكاليف الحج، فما ذا تقولون، نعم إنه يكون مستطيعاً. 

وهنا يقبل أرباب الخمس بالأخذ من نفس الأرض فلم التقييد بالبيع؟ 

هذا مضافا إلى الفرق بين الخمس حيث تعلق بالعين، وبين الحج وموضوع الاستطاعة على ما هو مذكور في محله.8 

من هنا نرى أن كبار الفقهاء قالوا بأن ارتفاع القيمة السوقية فيه الخمس، فجعلوا هذا الارتفاع مصداقاً للفائدة. 

وإن لم يقبل في بعض مصاديقه صاحب العروة 9.

كما أشرنا إليه في مسألة ما لو اشترى أرضاً لا للتجارة بل لسكنه فارتفع سعره حيث قال البعض بعدم تخميسه لأنه من المؤنة، وقال البعض بلزوم تخميسه لأنه فائدة وليس من مؤنة تلك السنة، وإن كان يصبح في المستقبل مؤنة. 

ومن الفروع المترتبة على هذه المسألة: إذا ورث أرضاً فإنه لا خمس في أصلها، أما إذا ارتفع سعره ففي الارتفاع الخمس. 

 

(هل أبيح الخمس للشيعة)

سأل أحد الفضلاء: هناك بعض الروايات تقول بإباحة الخمس للشيعة، فما يراد بها؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا بحث مفصّل تطرق إليه الفقهاء في كتبهم، كما تطرقنا إليه في بحث الخمس وكتابه. 

وبشكل موجز: 

هناك قرائن متعددة وأدلة معتبرة على أن الإباحة كانت مخصوصة ببعض الأشياء على ما سيأتي، وكان هناك إباحة لسنة واحدة فقط دون قبلها وبعدها، من هنا كان يطالب الأئمة المعصومون (عليهم السلام) الخمس ويحذرون من تركه. 

ففي صحيحة علي بن مهزيار (رضوان الله عليه) عن الإمام الجواد (عليه السلام) أباح الخمس في سنة واحدة لعلة لم يذكرها خوفاً على شيعته، وكانت نفس السنة التي استشهد فيها الإمام (عليه السلام)، سنة مائتين وعشرين من الهجرة.10

نعم كانت الشيعة آنذاك في أشد الضيق والحرج من قبل المعتصم العباسي، وقد قتل كثيراً منهم، فالرواية صحيحة سنداً ودلالتها تامة، أنه عليه السلام أباح لهم في تلك السنة فقط. 

وهناك رواية أخرى: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «النَّاسُ كُلُّهُمْ يَعِيشُونَ فِي فَضْلِ مَظْلِمَتِنَا إِلاّ أَنَّا أَحْلَلْنَا شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ».11

ويراد بها بعض الأشياء الخاصة على ما سيأتي. 

وإلا فإن كانت الإباحة من الإمام الصادق (عليه السلام) يشمل الجميع وكل الأشياء، فلماذا كان الأئمة (عليهم السلام) من بعده، من الإمام موسى بن جعفر والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (صلوات الله عليهم أجمعين) يأخذون الخمس ويطالبون به، وفي بعض الروايات إشارة إلى العقاب لمن لم يؤدها. 

فالإباحة ليست مطلقة بل خاصة بثلاثة أشياء، كما فهمه الفقهاء من الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى زماننا هذا، حيث استثني في الروايات المناكح والمتاجر والمساكن. 

ويراد بها ما كان يأخذه بنو العباس من الإماء والأموال والأراضي، في الحروب التي لم تكن بإذن الأئمة (عليهم السلام، ومع عدم إذنهم فالغنائم كلها للإمام (عليه السلام)، وكان الشيعة قد ابتلوا في معاملاتهم بهذه الإماء والأموال والأراضي، وكان بعضها مما يقطعه الحكام، فأباحوا تلك الأشياء لشيعتهم، وليس المراد أن الشيعة إذا اكتسبوا وحصلوا على فائدة في كسبهم وتجارتهم لا خمس عليهم. 

وفي بعض روايات الإباحة ورد التعليل بقوله عليه السلام: «لتطيب ولادتهم» أو: «لتزكو ولادتهم» (12). 

فإن تلك الإماء إذا لم تكن مباحة كان شراؤها ووطيها حراماً، والولد يكون ابن حرام، فأجيزت لهم ذلك. 

وإلا فقد ورد التأكيد على لزوم دفع الخمس من سائر الأئمة (عليهم السلام):

قَالَ قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُرَاسَانَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي حِلٍّ مِنَ الْخُمُسِ، فَقَالَ: «مَا أَْحَلَ هَذَا، تَمْحَضُونَّا الْمَوَدَّةَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَزْوُونَ عَنَّا حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا وَجَعَلَنَا لَهُ وَهُوَ الْخُمُسُ لا نَجْعَلُ أَحَداً مِنْكُمْ فِي حِلٍّ».13

وفي رواية الكافي والوسائل: «لا نَجْعَلُ لا نَجْعَلُ لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ مِنْكُمْ فِي حِل‌» 14. 

وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْلِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ وَكَانَ يَتَوَلَّى لَهُ الْوَقْفَ بِقُمَّ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي اجْعَلْنِي مِنْ عَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ فِي حِلٍّ فَإِنِّي أَنْفَقْتُهَا، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلَى أَمْوَالِ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَيْتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ فَيَأْخُذُهَا ثُمَّ يَجِي‌ءُ فَيَقُولُ اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَتَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ لا أَفْعَلُ، وَاللَّهِ لَيَسْأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالاً حَثِيثاً).15

وفي الرواية: كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) يَسْأَلُهُ الإِذْنَ فِي الْخُمُسِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ وَعَلَى الْخِلافِ الْعِقَابَ، لَمْ يَحِلَّ مَالٌ إِلاّ مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى مَوَالِينَا وَمَا نَفُكُّ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ فَلا تَزْوُوهُ عَنَّا وَلا تُحَرِّمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ وَمَا تَمْهَدُونَ لأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ، وَالسَّلامُ»16.

وفي رواية: قَالَ: «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ فَيَقُولَ يَارَبِّ خُمُسِي»17

قال الشيخ رحمه الله: 

فَالْوَجْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّهُ مَا وَرَدَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي تَنَاوُلِ الْخُمُسِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمَنَاكِحِ خَاصَّةً لِلْعِلَّةِ الَّتِي سَلَفَ ذِكْرُهَا فِي الآثَارِ عَنِ الأَئِمَّةِ (عليهم السلام) لِتَطِيبَ وِلادَةُ شِيعَتِهِمْ وَلَمْ يَرِدْ فِي الأَمْوَالِ، وَمَا وَرَدَ مِنَ التَّشَدُّدِ فِي الْخُمُسِ وَالاسْتِبْدَادِ بِهِ فَهُوَ يَخْتَصُّ بِالأَمْوَالِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ما رواه... ثم ذكر صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة.18

قال أحد الفضلاء: قال بعض الفقهاء في معنى الرواية: 

إن المراد بالمتاجر: ما يشتريه الإنسان من الكفار، فإن الكفار مكلفون بالفروع وعليهم الخمس، ولكن اذا اشترى المسلم منهم شيئاً لا يخمس ذلك وإن تعلق الخمس بعينه، وهذه هي الإباحة لشيعتهم. 

والمراد بالمناكح: إن بعض الشيعة كانوا يشترون الإماء التي أخذت في الحروب بغير إذن الإمام (عليه السلام)، وكانوا يرزقون منهم الأولاد، فأباح الإمام (عليهم السلام) تلك الإماء لهم، لتطيب أولادهم ولا يكونوا ابن حرام. 

والمراد بالمساكن: ما يرتبط بالخراج أي الأراضي التي يجب فيها الخراج. 

فقال سماحته (دام ظله): نعم قال بعض بذلك. 

وقال أحد الفضلاء: يقول بعض الفقهاء: لو اشترى الإنسان شيئاً ممن لا يخمس وإن كان مسلماً عاصياً، فلا شيء على المشتري وإن كان الخمس يتعلق بعين المال، وربما يكون المراد بالإباحة ذلك. 

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا القول نادر، قال به الآقا ضياء العراقي (رحمه الله) وله بعض الفتاوى النادرة. 

نعم في أموال المخالفين والكافر وإن كان الخمس قد تعلق بعينها، إذا اشتراها المؤمن أو انتقلت إليه بصلح أو هبة أو ما أشبه لا خمس فيها، وهذه أيضاً أبيحت للشيعة. 

 

(الأرض التي هي في طور البناء)

سأل أحد الفضلاء: إذا كان يبني أرضاً ويصرف عليها، ولكن لم يكتمل البناء في رأس سنته، فما حكم خمسه؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): فيه خلاف، والمسألة مبتنية على أنه هل يعتبر ذلك من مؤنة نفس السنة أم لا. 

قال أحد الفضلاء: إذا كان عنده مال وصرفه بمقدار شأنه لا خمس فيه، وهكذا نقول في الدار التي يبنيها شيئا فشيئاً فإنه قام بصرف أمواله ولكنه لم يكمل البناء بعد، فيصدق عليه أنه صرف المال في البناء وكان الصرف بقدر شأنه وليس أزيد، فلماذا تقولون بأنه يخمسها؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): حسب ما يستفاد من الروايات أن الخمس يتعلق بجميع الأموال التي يحصل عليها، ويستثنى منها المؤنة بشروط هي: 

أن تكون حلالاً، وأن تصرف لا التقتير، وأن تكون بقدر شأنه لا أكثر. 

وفيما نحن فيه ليس مؤونة عرفية لنفس السنة، فإذا اشترى داراً كاملة ولكنه لا يريد أن يسكنها الان بل بعد خمس سنوات مثلاً، فهل تقولون بأن هذه الدار من مؤنة نفس السنة التي اشتراها ولا يخمسها؟ 

سأل أحد الفضلاء: إذا سافر شخص لسنة كاملة وترك بيته ولم يسكنها، فهل تقولون بأن على بيته الخمس؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): لا خمس على ذلك، لأنه من المؤنة العرفية، وإذا شككنا فنستصحب المؤنية. 

فالعرف هو الملاك في المؤنة وعدمها، مثلاً تهيئة ما يسمى بجهاز البنت في بعض البلاد ولو لعدة سنوات لا خمس فيه، ولكن لم يقل أحد بعدم الخمس إذا كان الولد يجمع الجهاز لنفسه. 

وكذلك إذا كان يجمع المال ليشتري به بعد سنوات الجهاز لبنته ففيه الخمس. 

فالمؤونة يعني ما صرفه بقدر شأنه في غير الحرام. 

سأل أحد الفضلاء: ماذا تقولون في المرأة التي لا تلبس الحلي لسنة كاملة حداداً على أبيها مثلا، هل تخمس الحلي؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): لا تخمس ذلك، لأنه من المؤنة عرفاً، أما إذا كبرت وتركت لبس الذهب لخروجه عن شأنها ففيه الخمس. 

سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في التقتير مع أنه كان من شأنه صرفه؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): فيه الخمس، لأن المؤنة بمعنى ما يصرف، بالقيود التي ذكرناها من حليتها وكونها بقدر شأنه وأن تكون لنفس السنة، وهذا لم يصرف. 

يقول صاحب العروة: (مسألة، المناط في المونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها، ‌فلو قتر على نفسه لم يحسب له، كما أنه لو تبرع بها متبرع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط بل لا يخلو عن قوة‌). 19

 

(إذن الولي في نكاح البنت) 

سأل أحد الفضلاء: ما ذا تقولون في نكاح البكر إذا كانت رشيدة، ولا يمكن الوصول إلى أبيها كما لو كان مسجوناً مثلا؟ 

فأجاب سماحته (دام ظله): أصل إذن الأب في نكاح البكر الرشيدة، والمقصودة بالرشيدة ما كانت رشيدة في سنها، لا أن تكون رشيدة بمقدار رشد امرأة لها خمسون سنة مثلاً. فقال بعض الفقهاء: أصل الإذن ليس بشرط بل هو تأدبي مستحب، كالمرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي (رضوان الله عليه)، ولكننا نرى الاحتياط الوجوبي في إذن الولي. 

نعم إذا لم يمكن إذن الولي، كما لو كان في الإغماء، أو كان كافراً أو مخالفاً لا يشترط عندهم، أو كان الزوج كفواً ولم يقبل الأب بذلك، هنا يسقط اشتراط إذنه. 

والمسألة خلافية كل يرجع إلى مقلَّده. 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. 
 

ـــــــــــــــــــ

(1) سورة الأنفال: 41. 
(2) وسائل الشيعة: ج9 ص501 ب8 ح12583. 
(3) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح10. 
(4) وسائل الشيعة: ج9 ص503 ب8 ح12584. 
(5) العروة الوثقى: ج2 ص391 كتاب الخمس المسألة 53. 
(6) العروة الوثقى: ج2 ص391 ـ 392 كتاب الخمس المسألة 54. 
(7) الكافي: ج1 ص544 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح10. 
(8) انظر العروة الوثقى: ج2 ص396 المسألة70: (مسألة، مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة‌، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكن من المسير بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام، احتسب مخارجه من ربحه، وأما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب و إلا فلا، ولو تمكن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير و إذا لم يتمكن فكما سبق يجب إخراج خمسه‌). 
(9) انظر العروة الوثقى: ج2 ص391 المسألة 53. 
(10) تهذيب الأحكام: ج4 ص141 ب39 ح 2: 
وفيه: عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَقَرَأْتُ أَنَا كِتَابَهُ إِلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: الَّذِي أَوْجَبْتُ فِي سَنَتِي هَذِهِ وَهَذِهِ سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ فَقَطْ، لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي أَكْرَهُ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى كُلِّهِ خَوْفاً مِنَ الانْتِشَارِ، وَسَأُفَسِّرُ لَكَ بَعْضَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إِنَّ مَوَالِيَّ أَسْأَلُ اللَّهَ صَلاحَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ قَصَّرُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ ذَلِكَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُطَهِّرَهُمْ وَأُزَكِّيَهُمْ بِمَا فَعَلْتُ فِي عَامِي هَذَا مِنْ أَمْرِ الْخُمُسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى‌ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ وَلا أُوجِبُ عَلَيْهِمْ إِلا الزَّكَاةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسَ فِي سَنَتِي هَذِهِ فِي الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ الَّتِي قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي مَتَاعٍ وَلا آنِيَةٍ وَلا دَوَابَّ وَلا خَدَمٍ وَلا رِبْحٍ رَبِحَهُ فِي تِجَارَةٍ وَلا ضَيْعَةٍ إِلا ضَيْعَةً سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمْرَهَا تَخْفِيفاً مِنِّي عَنْ مَوَالِيَّ وَمَنّاً مِنِّي عَلَيْهِمْ لِمَا يَغْتَالُ السُّلْطَانُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِمَا يَنُوبُهُمْ فِي ذَاتِهِمْ، فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى‌ وَالْيَتامى‌ وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى‌ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ) وَالْغَنَائِمُ وَ الْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا وَالْجَائِزَةُ مِنَ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ الَّتِي لَهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَالْمِيرَاثُ الَّذِي لا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلا ابْنٍ، وَمِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ وَمِثْلُ مَالٍ يُؤْخَذُ لا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبُهُ وَمِنْ ضَرْبِ مَا صَارَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ مِنْ أَمْوَالِ الْخُرَّمِيَّةِ الْفَسَقَةِ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَمْوَالاً عِظَاماً صَارَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنْ مَوَالِيَّ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْ‌ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوصِلْ إِلَى وَكِيلِي وَمَنْ كَانَ نَائِياً بَعِيدَ الشُّقَّةِ فَلْيَتَعَمَّدْ لإِيصَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ فَإِنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، فَأَمَّا الَّذِي أُوجِبُ مِنَ الْغَلاّتِ وَالضِّيَاعِ فِي كُلِّ عَامٍ فَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ مِمَّنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ تَقُومُ بِمَئُونَتِهِ وَمَنْ كَانَتْ ضَيْعَتُهُ لا تَقُومُ بِمَئُونَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نِصْفُ سُدُسٍ وَلا غَيْرُ ذَلِك‌. 
(11) وسائل الشيعة: ج9 ص539 ب3 ح12668. 
(12) الفقيه: ج2 ص43 باب الخمس ح1654. 
(13) تهذيب الأحكام: ج4 ص140 ب39 ح18. 
(14) الكافي: ج1 ص548 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس... ح26. ووسائل الشيعة: ج9 ص539 ب3 ح12666. 
(15) الكافي: ج1 ص548 ح27. 
(16) الكافي: ج1 ص547 ح25. 
(17) الاستبصار: ج2 ص57 ب32 ح1. 
(18) راجع الاسبتصار: ج2 ص60 ب32 ذيل ح11. 
(19) العروة الوثقى: ج2 ص395 المسألة 65.