تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة الرابعة عشرة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 

(الشك في الكرية)

سأل أحد الفضلاء: إذا شك في الكرية مع عدم العلم بالحالة السابقة فما هو الحكم، وهل يؤخذ بقول ذي اليد إن كان؟

فأجاب سماحته (دام ظله): قال الفقهاء ـ والمسألة مذكورة في العروة (1) ـ: الكرية بحاجة إلى إحراز وجداني أو تعبدي بأصل تنزيلي وهو الاستصحاب، فمع الشك لا يكون كراً، فالعاصمية والمعتصمية أمران وجوديان الأصل عدمهما.

وهناك خلاف في قول ذي اليد بالنسبة إلى الكرية فهل حجة، قال البعض: لا، لأن اليد حجة فيما هي عليه وهو الماء وليست الكرية.

قال أحد الفضلاء: الماء القليل والماء الكر كلاهما أمران وجوديان، وكل منهما بحاجة إلى إحراز، ولا يمكن إثبات أحدهما إلا بالدليل لا بنفي الآخر.

فأجاب سماحته (دام ظله): نعم ومن هنا قال بعض الفقهاء: إنه لا يترتب حينئذ الآثار الخاصة بكل منهما، لا آثار الكرية ولا آثار القلية ـ إن صح التعبير ـ (2).

هكذا قالوا في الأصل الحكمي، فإذا ألقينا ثوباً نجساً في ماء مشكوك الكرية، فالماء يبقى طاهراً والثوب نجساً، لجريان الاستصحابين فيهما، استصحاب طهارة الماء واستصحاب نجاسة الثوب.

أما من حيث الموضوع فهو بحاجة إلى إحراز.

قال أحد الفضلاء: القلة لا تحتاج إلى إثبات، ويكفي إجراء أصالة عدم الكرية فيه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هناك قولان، ومقتضى الجمع بين أدلة الانفعال وعدمه أن الماء على قسمين، قليل فينفعل، وكر فلا ينفعل.

قال أحد الفضلاء: ورد الحكم في جملة شرطية لها مفهوم: (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ‌ءٌ») (3) ومفهومه إن لم يكن كراً ينفعل.

فأجاب سماحته (دام ظله): هناك أدلة أخرى تقول إن كان قليلاً فينفعل.

عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا تَطَأُ الْعَذِرَةَ ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيراً قَدْرَ كُرٍّ مِنْ مَاءٍ») (4).

وقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَهِيَ قَذِرَةٌ، قَالَ: «يُكْفِئُ الْإِنَاءَ»(5).

من هنا ربما يكون المشهور أن الآثار الخاصة للكرية وللقلية لا تترتب.

فكلاهما عنوانان وجوديان بحاجة إلى الإثبات.

كما قالوا فيمن توضأ بأحد الإنائين في أطراف العلم الإجمالي حيث لا يحصل له الوضوء، ولا يتنجس به.

لأن إجراء الأصلين في مقام الظاهر والوظيفة لا تضارب بينهما، فالأصول هي لبيان الوظيفة لا الواقع، والتضاد في الواقع لا يتنافى مع عدمه في الظاهر.

وهذا البحث تسالمنا عليه وإن كان في النفس منه شيء، فهو بحاجة إلى تأمل أكثر، فالتناقض والتضاد وإن كانا في مقام الواقع، وكانت الأصول بالنسبة إلى الوظيفة العملية عند الجهل بالواقع، ولكن هل هناك إطلاق في أدلة الأصول ليشمل ما لو حصل هذا التضاد الواقعي؟ بحاجة إلى تأمل.

سأل أحد الفضلاء: قلتم بأن دليل الفراغ على رأي البعض أمارة (6)، فهل هناك قاعدة عامة بأن مثبتات الأمارات حجة وفي كل مكان، أم لابد من ملاحظة لسان الأدلة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): قد يقال بلزوم لحاظ لسان الأدلة وسائر ما يرتبط بها فيها، لكن ما كان أمارة فظاهره التنزيل وترتيب الآثار، فالشارع قال إنها الواقع أي تنزيلاً، ولم يقله بعنوان الوظيفة بل بعنوان الأمارية، فلوازمها تترتب.

قال أحد الفضلاء: الاستصحاب أيضاً نزّل منزلة الواقع؟

فأجاب سماحته (دام ظله): الاستصحاب لم ينزل بما هو هو بل بما هو وظيفة الشاك، ولكن الأمارات جعلت بما هي هي منزلة الواقع، فلو قال صدّق العادل، كانت لوازمه حجة.

سأل أحد الفضلاء: في قاعدة اليد قالوا بحجية لوازمها، ولكن في قاعدة الفراغ بناءً على كونها أمارة، ليس من المعلوم حجة لوازمها، وهذا نقد على كاشف الغطاء (رحمه الله).

فأجاب سماحته (دام ظله): الغالب من الفقهاء لم يقولوا بأماريتها، لكن من قال بها في قاعدة الفراغ، فهو تنزيل له منزلة الواقع، فلما قال عليه السلام (قد ركع) يعني هذا راكع تعبداً فلوازمه حجة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): رَجُلٌ أَهْوَى إِلَى السُّجُودِ فَلَمْ يَدْرِ أَ رَكَعَ أَمْ لَمْ يَرْكَعْ، قَالَ «قَدْ رَكَع» (7).

من هنا ربما لا يستبعد الإنسان كلام كاشف الغطاء وولده الشيخ حسن (رحمهما الله) بأن يكتفي بذلك في صلاة العصر أيضاً بلا حاجة إلى إعادة الوضوء فيها (8).

كاشف الغطاء له رسالة مختصرة في الأصول وشرحها ولده الشيخ حسن.

 

(الصوم النذري في السفر)

سأل أحد الفضلاء: لا يجوز الصوم في السفر، لكن مع النذر يجوز بل يجب، مع أنه يشترط في النذر أن يكون المنذور راجحاً قبل تعلق النذر به، فكيف تصحح هذه المسألة، فلولا النذر لم يكن الصوم في السفر راجحاً، فكيف ينعقد النذر؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا من الأخص المطلق، وتخصيصه بالدليل الخاص، وهناك بعض الموارد الأخرى أيضاً خرج بالدليل عن العام المذكور (9).

قال أحد الفضلاء: ظاهر الشرائع أن الصوم جائز في السفر مطلقاً إلا في شهر رمضان، فالرجحان موجود قبل النذر.

فقال سماحته (دام ظله): نعم إذا قلنا بما قاله الشرائع فلا إشكال, وفيه روايات مطلقة وبعضها معتبرة سنداً، لكن المشهور لم يقبلوا به وأعرضوا عن تلك الروايات.

قال أحد الفضلاء: دليل المشهور ما أخذوه من بطلان صوم رمضان في السفر، وهذا لا دلالة فيه.

فأجاب سماحته (دام ظله): نعم، هناك قولان في صوم غير رمضان سفراً.

سأل أحد الفضلاء: إذا قلنا بلزوم الرجحان قبل النذر، أي لولاه لكان راجحاً، ومن جانب آخر لا يخلق النذر رجحاناً، فنستكشف من أدلة انعقاد نذر الصوم في السفر أن الرجحان كان موجوداً من قبل في صوم السفر مطلقاً.

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا الكلام بحاجة إلى دليل، ومجرد الاحتمال لا يكفي، وقد يقال إنه الأخص مطلقاً كما بيناه، وكما قال البعض بالنسبة إلى نذر الإحرام قبل الميقات، فالرجحان لولا النذر شرط إلا في صوم السفر وما أشبه.

سأل أحد الفضلاء: هل يمكن القول بأن الصوم في نفسه راجح حتى في السفر، ولكن في السفر ابتلي بالمانع، والنذر يرفع المانع؟

فأجاب سماحته (دام ظله): لا دليل عليه.

قال أحد الفضلاء: ربما يكون ذلك مثل الشرط المتأخر، فبالنذر المتأخر يكون راجحاً.

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا على فرض صحته هو التخصيص الذي ذكرناه.

 

(فرع آخر)

وهنا فرع آخر لم أر من تعرض له:

هل يجوز أن يصوم قضاء رمضان في السفر بالنذر، أم يختص الجواز بالنذر بصوم المستحب، فما ورد في الأدلة من صوم المستحب هل هو موضوع فلا يشمل غيره، أم مورد في قبال صوم شهر رمضان فيشمل غيره كالقضاء وما أشبه.

بحاجة إلى تأمل.

 

(سفر من ضاق وقته لقضاء رمضان)

سأل أحد الفضلاء: إذا ضاق الوقت لقضاء ما فاته من شهر رمضان، قالوا بأنه يجب عليه أن يصوم ولا يسافر.

فإن قلنا بأن السفر حينئذ حرام عليه، فيكون سفره سفر المعصية، وفي سفر المعصية يتم ويصوم، فإذا وجب عليه الصوم حينئذ انتفى المانع وهو عدم تمكنه من الصوم، فارتفعت حرمة سفره، وهذا ما يستلزم من وجوده عدمه، وهو محال، فلا يمكن القول بحرمة السفر لمن عليه قضاء الفائت.

فأجاب سماحته (دام ظله): إطلاق أدلة (لا صوم في السفر) ينفي ذلك (10).

نعم إذا قلنا بأن ما ورد في الصوم المستحب وأنه يجوز بالنذر سفراً، لا يراد به حسب قرينة المقابلة مع حرمة صوم رمضان في السفر، خصوص المستحب بل يشمل غير رمضان من مطلق الصوم الراجح كالقضاء وما أشبه، ولا يستبعد ذلك فيجوز القضاء في السفر بالنذر، والمسألة بحاجة إلى مراجعة أكثر.

سأل أحد الفضلاء: هل سفر المعصية ما كان بنفسه معصية أو ما يوجب ارتكاب المعصية فيه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): قسمان، ما كان بنفسه معصية كما لو نهاه والده وكان موجبا لأذيته، أو سفر الزوجة بلا إذن زوجها، وما كان الغرض منه المعصية مما تقع فيه، كما لو سفر بقصد الحرام من شرب الخمر وما أشبه، فأصل السفر بنفسه جائز ولكن لقصده فعل الحرام فيه أصبح حراماً، والظاهر أن إطلاق الأدلة يشمل الاثنين.

 

(صلاة الجماعة الدائرية حول الكعبة)

سأل أحد الفضلاء: هل يجوز التقدم على الإمام في الصلاة حول الكعبة المشرفة في قسم الدائري منه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): التقدم على الإمام لا يجوز، فيراعى الفاصل بين الإمام والكعبة المشرفة، فلابد أن يكون المأموم متأخراً حتى في سائر الجهات.

نعم الجماعة الدائرية مع حفظ سائر الشرائط تجوز حول الكعبة للصدق العرفي، وإن قال بعض بأن هذا خلاف المعهود في صلاة الجماعة، ولكنه مقتضى الجمع العرفي بين أن يكون المأموم خلف المقام، وبين ما دل على جواز الصلاة حول الكعبة بما يشمل الجماعة أيضاً.

قال أحد الفضلاء: لم يكن الصلاة دائرياً سابقاً حول الكعبة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): الفقهاء على اختلاف مشاربهم لم يمنعوا ذلك.

فأحياناً الشيء يكون خلاف المرتكز، وأحيانا خلاف المأنوس، وما نحن فيه ليس خلاف المرتكز.

سأل أحد الفضلاء: كيف يصلى جماعة في داخل الكعبة، هل يجوز أن يقف كل من الإمام والمأموم في جهتين، أحدهما نحو الأمام والآخر نحو الخلف؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا خلاف المعهود من الجماعة، فاللازم الاقتداء بالنحو المتعارف.

 

(بين الداعي والشرط الضمني)

قال أحد الفضلاء: بالنسبة إلى المسألة المطروحة ليلة أمس، حول الداعي والشرط الضمني والفرق بينهما، يمكن أن يقال: الشرط الضمني يكون بين طرفين، والداعي من طرف واحد، فمن يشتري طعاماً لضيوفه ربما لا يعلم به البائع فهذا هو الداعي.

فقال سماحته (دام ظله): ربما يخبر الإنسان بداعيه البائع فيكون بين طرفين وإن لم يكن شرطاً، فما ذكر ليس فارقاً، نعم قد يكون في بعض المصاديق ولكنه ليس معياراً للفرق بينهما.

فقال أحد الفضلاء: ليس الكلام في العلم والجهل، بل الكلام في بناء العقد عليه.

فأجاب سماحته (دام ظله): ما ذا تقولون في عقد النكاح إذا بنيا على العيشة عدة سنوات ثم جعلا المهر، ولكن ماتت الزوجة بعد يوم من العقد، فهل يمكن القول بأنه ليس لها حق المهر أو كامل المهر لأنه خلاف ما بنيا عليه، أم يقول الفقهاء إنه من الداعي.

قال أحد الفضلاء: في مثال النكاح ليس بشرط، لأنه لا يمكن أن يشترط عدم موتها، فإنه شرط غير اختياري.

فأجاب سماحته (دام ظله): لم يشترطا ذلك ـ وإن كان يمكن اشتراط أنه لو ماتت لأرجع قسماً من المهر ـ لكنهما بنيا على العيش لعشرات السنوات، فما الفارق بين الداعي والشرط الضمني.

وبشكل عام: الداعي والشرط الضمني من الأمور الاعتبارية، وأحياناً نعلم بأن هذا المصداق من أيهما فبها، وإلا فكيف يميز بينهما؟

سأل أحد الفضلاء: كيف تعرّفون أنتم الداعي والشرط الضمني بحيث يحصل الفرق بينهما؟

فأجاب سماحته (دام ظله): لسنا الآن في صدد التعريف، فإن التعبير بما يكون جامعاً ومانعاً ولو في الجملة بحاجة إلى تأمل أكثر.

ولكن بدواً ربما يقال: ما كان سبباً بالمعنى الأعم لإقدام الطرف فهو الداعي، وما كان أكثر من السبب فالشرط الضمني، فتأمل.

سأل أحد الفضلاء: إذا لم يعمل أحد الطرفين بالشرط فما حكم العقد؟

فأجاب سماحته (دام ظله): تختلف الموارد، فربما يكون مفسداً وربما لا يكون، وهناك فرق بين الشرط والقيد، إلى غيرها من المباحث المذكورة في محلها.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى: ج1 ص36 المسألة 7، وفيه: (الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط‌) المسألة.

(2) انظر العروة الوثقى: ج1 ص36 ـ 37 المسألة 7، وفيه: (الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط‌ وإن كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يجري عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكر عليه و لا يحكم‌ بطهارة متنجس غسل فيه و إن علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة).

(3) تهذيب الأحكام: ج1 ص40 ب3 ح47.

(4) الاستبصار: ج1 ص21 ب10 ح4.

(5) وسائل الشيعة: ج1 ص153 ب8 ح381.

(6) على رأي كاشف الغطاء وولده الشيخ حسن (رحمهما الله) .

(7) تهذيب الأحكام: ج2 ص151 ب9 ح54.

(8) في مسألة ما لو صلى الظهر وبعد الصلاة شك في أنه هل توضأ أم لا، حيث قال الفقهاء بجريان قاعدة الفراغ وصحة صلاة الظهر، ولكن لابد أن يتوضأ لصلاة العصر، وفي المقابل يقول الشيخ كاشف الغطاء وولده: بعدم الحاجة إلى الوضوء لصلاة العصر، لأن قاعدة الفراغ أمارة ومثبتاتها حجة.

(9) مثل النذر للإحرام قبل الميقات.

(10) وربما يقال: حرمة سفره باعتبار ترك صومه الواجب في الحضر، ورفع الحرمة باعتبار آخر، فبالاعتبارين لا استحالة، فتأمل.