تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة العاشرة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

«القرض الربوي وبيع الدار»

بدأ البحث العلمي بسؤال أحد الفضلاء:

إذا استقرض شخص من البنوك الربوية واشترى داراً به، ثم باع الدار لشخص آخر وكان جزءاً من الثمن تسديد تلك المبالغ إلى المصرف، فما حكمه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): المعاملة الربوية باطلة، ومقدار الربا حرام أخذاً وعطاءً، من هنا إذا شرط عليه في البيع تسديد الربا، فهذا شرط (أحلّ حراماً أو حرم حلالاً) (1) فلا يجوز، كما لا يجوز تسديد الربا في الفرض المذكور، نعم تسديد أصل الدين جائز، لأن أصل الدين في ذمة المديون وإن كان القرض باطلاً لوجود الربا.

سأل أحد الفضلاء: إذا كان مجتهد المشتري لا يرى أن المبلغ الذي استلمه من المصرف ربا، وذلك لإجراء معاملة صورية مثلاً؟

فقال سماحته (دام ظله): في هذا الفرض يجوز للمشتري تسديد المبلغ، لأن الجواز يسري أحياناً ما دام يعتمد الطرف على حجة شرعية.

فإذا كان هناك مقلدان أحدهما يجوز عنده دون الآخر ـ وصاحب العروة أشار إلى هذه المسألة في باب التقليد وغيره في غيره وغيرها أيضاً ـ فقالوا بالجواز في الفرض المذكور لمن يجوز عنده، وربما تعدى آثار الجواز للطرف الآخر، إن لم يكن يعلم بحرمته إلا عن طريق التقليد.

والمسألة محل خلاف، ولها فروع عديدة في مختلف الأبواب الفقهية.

 

«إذا قلع شجرته فنبتت من جديد»

سأل أحد الفضلاء: إذا كانت هناك شجرة لشخص في ملك مشاع، فباع مالكها الشجرة لشخص آخر، وقام المشتري بقلعها، ثم بعد فترة نبتت من جديد من بقايا الجذور، فلمن هذه الشجرة الجديدة؟

فقال سماحته (دام ظله): إذا كان البيع للشجرة نفسها دون الجذور، فالجذور للمالك الأول، والنبت الجديد له أيضاً، وعليه أن يدفع ما يقابل تصرفه في الملك المشاع إلى أصحابه، هذا إذا قلنا الزرع للزارع، أما إذا قلنا الزرع لكل من كان له دخل فيه بالنسبة، فلابد من ملاحظة حصة مالكي الأرض بالمشاع أيضاً.

أما إذا كان البيع مع الجذور، فالجذور للمشتري والنبت له، أو له ولغيره على المبنيين، وفي الصورتين صاحب الجذور يضمن أجرتها لأصحاب الأرض.

إن العقود تابعة للقصود، من هنا لابد من ملاحظة قصد المتبايعين في شموله للجذور وعدمه.

وإن لم يقصدا شيئاً في البيع، فإن كان هناك ارتكاز ولو ارتكازاً عرفياً فبحسبه، وإن لم يكن فالأصل العدم.

 

«إذا اقترض الكافر ربوياً فضمنه مسلم»

قال أحد الفضلاء: إذا كان هناك كافر قد اقترض قرضاً ربوياً من كافر آخر، فضمنه مسلم بالضمان الشرعي حيث الانتقال إليه، فلابد أن يدفع الزيادة، وهذا جائز، وفي مفروض مسألة حيث القرض الربوي وشراء الدار كذلك أيضاً، لأنه ينتقل إلى ذمة شخص جديد ولا يكون بعنوان الربا بل بعنوان تسديد ثمن الدار المتفق عليه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): بالنسبة إلى الكافر وصحة ضمان المسلم لقرضه، فهو ضمان للربا الجائز، كالربا بين الولد ووالده، فلا يقاس ما نحن فيه عليه، أما إذا لم يكن جائزاً فلا يجوز الضمان كما هو واضح.

وفي ما نحن فيه ليس الربا جائزاً حتى يجوز لغيره ولو بالانتقال وتعنونه بالثمن.

نعم إذا كان للمشتري جائزاً لاختلاف اجتهاده او تقليده فلا بأس، إلا إذا علم بالبطلان من جهة أخرى فالكشمش الذي يقع في القدر ويغلي: على رأي الميرزا القمي (رحمه الله) حرام ونجس، وعلى رأي صاحب الرياض وهو معاصره وزميله، لا حرمة ولا نجاسة.

فهل يجوز لمن يحرم ذلك أن يرتب أثر الحلية لتصرف من يرى الحلية، قال جمع نعم إلا إذا علم بالواقع، أما مجرد أن رأيه بحسب المستفاد من ظاهر الأدلة، فهذا لا يُلزم عليه أن يحكم ببطلان وحرمة ما قام به الآخر لاختلاف في رأيه، بل يجوز ترتيب آثار الحجية على الرأي الآخر الحجة عند قائله.

 

«اعتماد المجتهد على مجتهد آخر»

قال بعض الفقهاء: يجوز للمجتهد أن يعتمد على مجتهد آخر في تشخيصه واستنباطه ما لم يعلم ببطلانه واقعاً، فالحجة كما هي عنده كذلك عند طرفه.

فمثلاً إذا كان الإمام يرى القبلة من جهة، والمأموم من جهة أخرى، فالإمام يقف مستقيماً والمأموم منحرفاً إلى جانب، قال بعض العلماء بصحة هذه الجماعة مع صدقها عرفاً، بخلاف ما لو كان يرى الإمام القبلة أماماً والمأموم خلفاً حيث لا يصدق الجماعة إذا صليا متعاكسين أو وقف الإمام مقابل وجه المأموم.

والخلاصة: إذا لم يكن بطلان الرأي الآخر محرزاً بالعلم، فمجرد قيام الحجة في الطرفين يجوّز حتى للمجتهد أن يعتمد على مجتهد آخر فيما يراه الثاني.

يقال إن العلامة السيد محمد المجاهد (رحمه الله) في كتاب أصوله: (مفاتيح الأصول) نقل عن البعض جواز ذلك في الأحكام الظاهرية.

وإن أشكل البعض في أصل ثبوت الأحكام الظاهرية، وتفصيل البحث في مظانه.

فأصل المسألة جواز اعتماد المجتهد على مجتهد آخر وإن اختلفا في الرأي.

 

«إذا سبب قلع الشجرة ضرراً»

ثم سأل أحد الفضلاء عن الشجرة التي بيعت وكانت في أرض مشاعة، فقال: لو قلعها المشتري من جذورها فأضر ذلك بالأرض حيث الحفر وما أشبه، فعلى من ضمان ذلك؟

فأجاب سماحته (دام ظله): يتحملها القالع فهو المباشر، إلا إذا كان السبب وهو البائع مثلاً أقوى، فمع احراز ذلك استقر الضمان عليه.

ثم إن الارتكاز في المعاملات نوع قصد، ويكفي في كثير من الموارد.

وقال أحد الفضلاء: إذا كان الزرع للزارع، فالجذور بعد تركها تكون في حكم المباحات، ويملكها من حازها وسقاها ورعاها حتى نبتت من جديد.

فأجاب سماحته (دام ظله): الجذور إذا كانت لصاحب الشجرة فكيف أصبحت من المباحات؟ بل تبقى في ملكه ما لم تخرج بسبب شرعي.

 

«الإعراض وصوره»

سأل أحد الفضلاء: السبب الشرعي للخروج عن الملك هو الإعراض، فالمشتري الذي قطع الشجرة التي اشتراها من وجه الأرض ولم يقلع جذورها، أعرض عن الجذور، فمن حازها فهي له.

فأجاب سماحته (دام ظله): إذا ثبت الإعراض فلا بأس، لكن إذا شككنا في ذلك فما ذا تقولون.

وهناك نظر في بعض المصاديق أنها إعراض أم لا، مثلاً إذا ألقى شيئاً خارج الدار معرضاً عنه، فجاء شخص وأخذه، فلحقه المالك الأول فوراً وقال: هذا لي وأريده فأرجعنيه، فهل يحق له الإرجاع، بحاجة إلى تأمل.

ثم أضاف سماحته (دام ظله): الملك شيء عرفي، والشارع جعل حكمه، فموضوعه عرفي وحكمه شرعي، نعم للشارع حق التصرف في الموضوع، فإذا كان هناك شيء لا يراه العرف ملكاً، ولكن الشارع قال هو ملك فهو، لأنه (إن الحكم إلا لله) (2) ، وكذا العكس بأن كان يراه العرف ملكاً والشارع لم يره، فحكم الشارع مقدم.

أما في غيرهما، فما قاله العرف إنه ملك فهو ملك، وما قاله بأنه ليس بملك فليس بملك.

وهذا في البحث في الملك وحدود الملك، وكذلك في الحق وما أشبه.

 سأل أحد الفضلاء: هل العرف مشرع؟

فأجاب سماحته (دام ظله): ليس العرف مشرعاً ولكن تحديد الموضوع إليه، كما لو كان له دار، وأراد شخص أن يحفر شيئاً تحت ملكه بخمسين متراً، فهل يجوز أم لا، هذا تابع للعرف، فإن سمى هذا تصرفاً في ملكه فلا يجوز، وإن لم يسم بذلك فيجوز، وكذا إذا أراد أن يطير بفاصل كبير من على سطح داره.

نعم إذا حفر المالك سراديب تحت ملكه فكلما حفر وما قرب من حفره فهو ملكه أو حريمه، وكذلك إذا بنى طوابق كثيرة على ملكه فكلها ملكه، وهذا ما يفهمه العرف ويشخصه، والشارع يحكم عليه، نعم للشارع التصرف فيما يراه العرف ملكاً أو لا يراه، كما في المعاملات المحرمة.

قال أحد الفضلاء: ما بيد العرف هو المفهوم وليس المصداق، وإلا أصبح العرف مشرعاً؟

فأجاب سماحته (دام ظله): ما الدليل على ذلك، فما رآه العرف ملكاً في مفهومه أو مصداقه ولم يتصرف فيه الشارع، كان كلام العرف حجة ويترتب على الموضوع حكمه الشرعي لا أنه هو المشرع.

فإذا قال العرف: هذا ملك أو ليس بملك، لا يسمى تشريعاً، بل هو تشخيص للموضوع وبيانه.

قال أحد الفضلاء: مثال فضاء الملك الذي تفضلتم به ليس من باب الملك بل من باب الحريم؟

فقال سماحته (دام ظله): لو سلمنا ذلك فهو لا يغير ما بيناه، من أن العرف له تشخيص المصداق أيضاً وليس بيان المفهوم فحسب، فالحريم والملك موضوعان يعينهما العرف، مفهوماً ومصداقاً.

فإذا بنى الطبقات فهي ملكه، وإن لم يبن فلا ملك ولا مانع من التصرف في الفضاء البعيد، نعم في الفضاء القريب قد يكون حقه وإن لم يكن ملكه.

فإذا اشترى بيتاً وكان تحته بعشرة كيلومترات بئر نفط، فهل يراه العرف تابعاً للدار؟ الظاهر لا.

إذ العرف يحدد الموضوع ويبين المصداق وهذا لا يسمى تشريعاً كما هو واضح.

قال بعض الفضلاء: ليس الإعراض مما يسلب الملك، فالملك أسبابه الشرعية معروفة ثبوتاً وسلباً ليس الإعراض منها؟

فقال سماحته (دام ظله): أليس الإعراض ضمن (تسلط الناس على أموالهم وأنفسهم)، والتسلط يقتضي أن يكون له الإعراض، فقانون السلطنة يفيد صحة الإعراض لسلب الملك.

قال أحد الفضلاء تصحيحاً للإعراض وسلب الملك بسببه: المعاملات بالمعنى الأعم من الإمضائيات وعدم الردع الشرعي كاف، والإعراض من هذا القبيل، فلا حاجة لدليل خاص يدل على صحته.

وقال: ما ذكرتم من ترك بعض ما كان يملكه خارج البيت مثلاً، من الإباحة وليس من الإعراض؟

فقال سماحته (دام ظله): إذا كان العرف يرى الإعراض وأنه يسلب الملكية، فلا بأس، وبالنسبة إلى الإباحة فإن علمنا بأنها إباحة من دون تسقيط الملك فيها، فلا إشكال، أما إذا صرح المالك بأنه إعراض وليس بإباحة فما ذا تقولون؟

مثلاً ألقى فرشه وقال: لا أريده وأعرضت عنه، فأخذه شخص وباعه، فهل يحق لمالكه الأول أن يأتي ويطالب بالثمن استصحاباً لملكه، الظاهر أنه لا يحق له.

نعم إذا شككنا في الإباحة أو الإعراض، فأخذ شخص الفرش الذي ألقاه فناداه المالك الأول فوراً وقال: أريد فرشي، فهنا يمكن التمسك بالاستصحاب إن لم يكن معارضاً باستصحاب آخر أو دليل أقوى، أو لم نعلم بتبدل الموضوع.

قال أحد الفضلاء: الإباحة مثل نثر الأعراس، لا تفيد الملك.

فقال سماحته (دام ظله): ربما تختلف المصاديق والمرتكزات، وللنثر أحكامها الخاصة المذكورة في محلها، وأتذكر أنه عند ما كان ينثر في الروضات المقدسة كان تمليكاً لمن أخذه، فمن لم يحصل علي شيء منه ربما كان يشتريه ممن حصل عليها للتبرك.

والنتيجة: إن الإباحة شيء والإعراض شيء آخر، فإذا كان الطعام في السفرة فهذه إباحة لا يجوز أن يأخذها بل يأكلها، إلا إذا أجاز المالك بحملها، أما إذا كان الطعام يوزع فأعطاه وقبضها بيده فهذا تمليك وليس إباحة.

 

«الولد المتبنى»

سأل أحد الحضور: إذا تبنى الزوجان ولداً وكبر الولد فكيف يصبح محرماً على الزوجة؟

فأجاب سماحته (دام ظله): الولد المتبنى أجنبي عمن تبناه أو تبنته، إلا مع وجود سبب شرعي للمحرمية، وقد ذكر الفقهاء بعض الوجوه، منها أن يتزوج بعد ما كبر أم الزوجة إذا كانت خلية ويدخل بها.

 

«حدود المسجدية»

سأل أحد الفضلاء: بالنسبة إلى حدود المسجد وأحكامه هل يكون من تخوم الأرض إلى عنان السماء؟

فأجاب سماحته (دام ظله): ما ورد من تخوم الأرض إلى عنان السماء فهو بالنسبة إلى الكعبة وكونها قبلة، أما سائر المساجد فلم يرد فيها ذلك، بل هي تابعة للصدق العرفي.

فإذا حفروا تحت المسجد نفقاً بعيداً فيجوز مكث الجنب فيه، لأنه لا يسمى عرفاً مسجد، أما إذا حفروا سرداباً للمسجد فهو مسجد بلا شك، ولا يجوز للجنب اللبث فيه.

وكذا بالنسبة إلى فضائه العالي.

 

«الشأنية في الخمس»

سأل أحد الفضلاء: إذا كان في بيته أربع غرف، وهو يحتاج إلى ثلاثة منها، فهل يتعلق الخمس بالغرفة الرابعة؟

فأجاب سماحته: الحاجة إلى الغرفة وما أشبه مما يسمى عرفاً بالمؤونة ليس بالاحتياج الفعلي بل هو أعم من الفعلي والشأني، قال الشارع: (الخمس بعد المؤنة) (3)، فإذا كان من شأنه أن يستقبل ضيوفاً وكان بحاجة إلى غرفة لهم فهي من المؤنة العرفية وإن كانت مغلقة طول السنة أي لم يأته ضيف اتفاقاً.

سألني أحد المؤمنين وقال: زوجتي خياطة وتأخذ الأجور وتشتري بها ذهباً وتلبسه، هل عليها أن تبيع الذهب وتذهب للحج؟

فقلت: إذا كان زائداً عن شأنها فتبيع الزائد للحج.

فقال: كيف نعرف الزيادة.

قلت: إذا قال الناس عنها: ما بها، لماذا قد لبست هذه الكثرة من الذهب.

والمثال الآخر للشأن، العباءة لأهل العلم فالعباءات مختلفة في الأسعار، قد يكون هناك خطيب يخطب في مجالس مهمة ويحضره من يقتضي أن يلبس عنده عباءة فاخرة فهو، ولكن ما يناسبني العباءة العادية غير الثمينة وهكذا.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــ

(1) إشارة إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام: (فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً).

(2) سورة الأنعام: 57. وسورة يوسف: 40 و67.

(3) الكافي: ج1 ص547 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس ... ح24.