تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الليلة الثامنة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة

تقرير: الشيخ علي الفدائي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 

(تغيير الجنس قبل تقسيم الإرث):

بدأ البحث العلمي في هذه الليلة بسؤال أحد الفضلاء: إذا مات شخص وقبل تقسيم الإرث قام أحد الورثة بتغيير جنسه من ذكر إلى أنثى أو بالعكس، فهل يرث حصة الذكر أم الأنثى؟

فأجاب سماحة السيد المرجع (دام ظله):

يقال إن ما يوجد اليوم من تغيير الجنس هو تبديل بعض الأعضاء وربما يترتب عليه بعض الآثار ولكن ليس تغييراً حقيقياً في جنس الذكر والأنثى، بناءً على ذلك يبقى الشخص على ما كان.

ولكن إذا فرضنا التغيير الحقيقي، وتبدل الموضوع، فبشكل عام في كل مورد تبدل الموضوع عرفاً فالحكم تابع له، إلا ما خرج بالدليل.

فإذا كان تغيير الجنس قبل موت مورِّثه فيرث حصة المتغير لا المتغير منه، أما إذا كان التغيير بعد موته فلا، لأن بالموت تنتقل التركة إلى الورثة وإن لم يقسم بينهم بعدُ، فالتقسيم ليس ملاكاً في الحصص بل هو تنفيذ للحصص، والملاك في الانتقال الموت، وهذا ظاهر النصوص من الآيات والروايات، قال تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين)(1)، يعني حين الموت، فالمال يتعلق بالورثة حينه لا حين التقسيم، والتقسيم تنفيذ لما تعلق وليس إنشاءً للتعلق.

فالمالك يرث حصته بموت مورِّثه، نعم هو ملك مشاع إلى أن يقسم ويفرز، ومن هنا إذا مات أحد الورثة قبل التقسيم، يرث ورثته حصته، وإن كان لم يقسم بعد، فإذا مات أحد الأولاد بعد موت أبيه ورث ورثة الولد كأولاده إرثه.

قال أحد الفضلاء: الإرث معلَّق وليس بمنجز حتى يقسم؟

فأجاب سماحته (دام ظله): من أين ذلك، إذا مات الرجل تملك زوجته حصتها وإن لم تقسم التركة بعد، فإذا جعلت نفسها بعملية جراحية رجلاً حقيقياً مثلاً لا يتغير حصتها.

 

(موارد النقض):

هنا دار الحوار العلمي بين أحد الفضلاء وبين سماحته، وقد ذكرناه بهيئة السؤال والجواب:

س: إذا لم يكن الملاك قبل التقسيم، فلماذا يرث الكافر إذا أسلم بعد الموت وقبل التقسيم؟

ج: هذا بالدليل الخاص، ولولا الدليل لما قلنا به هناك أيضاً.

س: في العبد أيضاً فإنه إذا تحرر قبل التقسيم؟

ج: هذا أيضاً بالدليل الخاص.

س: ألا تشكل هذه الأمثلة ما يفيد الملاك ويدل على أنه قبل التقسيم؟

ج: الجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً، إلا مع كشف الكبرى، ولا يكون الكشف إلا بالظهور المفقود في المقام.

س: هل يمكن القول بالتفصيل بين وجود الوصية والدين وعدمهما، قال تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين)(2)، فإن كانت هناك وصية أو دين فلا تنتقل التركة إلا بعد تنفيذ الوصية وأداء الدين، وإن لم يكن أحدهما فتنتقل؟

ج: لا دليل عليه ومجرد الاحتمال لا يبنى عليه، بل بالموت تنتقل جميع تركته باستثناء الوصية والدين إلى الورثة على نحو المشاع، لا أنه ينتظر تنفيذ الوصية أو الدين أولاً ثم يحصل الانتقال، هذا لم يقل به أحد من العلماء. فإذا كان يملك الفاً وكانت وصاياه وديونه مائتين، فالثمانمائة تنتقل إلى ورثته بعد موته فوراً.

نعم التأكيد في الآيتين(3) على الوصية والدين حتى لا يقسم التركة وبعد ذلك يصعب تنفيذهما.

س: إذا غيَّر الجنس قبل موت المورِّث فما حكمه؟

ج: مع تحقق الموضوع والتبدل الحقيقي فحسب الموضوع الجديد، وإن كان هناك بحث في الصغرى وأنه هل يتغير الشخص حقيقة أم مجرد تغيير بعض الأعضاء وحصول بعض الآثار.

 

(إذا ارتد الوارث بعد الموت):

س: إذا مات الشخص وبعد موته ارتد أحد الورثة ولكن قبل تقسيم التركة؟

ج: إذا كان حين الموت مسلماً فيرثه وإن ارتد بعد ذلك، لما ذكرناه من الملاك.

 س: إذا ارتد الرجل وكان حده القتل، لكنه قبل إجراء الحد غير جنسه فأصبح امراة، فهل يدرأ عنه الحد، لأن المرأة تستتاب.

ج: ربما يقال بدرء الحدود للشبهة، فإنها تدرأ بها، فيكون دليل الدرء حاكماً على الملاك الذي ذكرناه.

س: إذا ارتكب جناية كما لو قتل رجلاً، فجعل نفسه امراة، أو بالعكس؟

ج: لابد من ملاحظة وقت تعلق القصاص فهو الملاك، دون وقت تنفيذ القصاص، فبما أن القصاص يتعلق بالجناية، لا اعتبار بما بعده من هذا الحيث.

 

(قاعدة الميت لا يملك):

هناك قاعدة فقهية أخرى، قالوا (الميت لا يملك)، وهي تفيد نقل تركته بموته فوراً، فلا يؤثر تغيير الجنس بعد الموت، وإن ناقشنا القاعدة في بعض المصاديق الأخرى مما هو خارج عن محل البحث.

س: لا قصاص إلا بمطالبة الولي، فكيف تقولون بأنه يتعلق بمجرد الجناية؟

ج: شرط إجراء القصاص مطالبة الولي، وليس هو شرطاً في تعلق حكم القصاص.

 

(وقف المال والمالية):

من المسائل التي كثر السؤال عنها، وقف المال أو المالية، فما حكمه؟

هناك ثلاث مسائل:

1: أحياناً يوقف العين، فهو (حبس الأصل وتسبيل المنفعة) ولا إشكال في ذلك.

2: وربما أوقف مالية العين، كمالية البستان لا نفسه، فالوقف لم يتعلق بعين البستان بل بقيمته، فيجوز للمتولي إذا رآى المصلحة أن يبدل البستان إلى فندق أو محلات تجارية أو معمل أو مصنع أو ما أشبه، وإن لم يصبح البستان مسلوب المنفعة.

3: وربما يوقف الشخص الأموال، فهذا المليون وقف وذاك المليار وقف وهكذا، ليصرف ربحه في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) مثلاً.

العمومات تشمل كل هذه الصور، قال (عليه السلام): (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها)(4).

س: حقيقة الوقف على ما بينه الفقهاء هو (حبس العين وتسبيل المنفعة)، فالصورة الثانية والثالثة (وقف المالية والمال) خارج عن هذه الحقيقة.

ج: هذا التعبير(5) ليس نصاً، لا آية ولا رواية.

س: هو مصطاد من النصوص؟

ج: إذا كان مصطاداً فلا حجية فيه، بل نتعبد بما اصطيد منه من النصوص الموجودة.

 

(إشكالان على وقف غير العين):

لكن هناك إشكالان علميان، على احتمال صحة مثل هذه الوقوف التي ليست بعين، بل وقف المال أو المالية، حتى مع القول بشمول عموم النص (الوقوف...) لهما.

 

(الإعراض عن العموم):

الاشكال الأول: قال بعض بإعراض الفقهاء عن عموم (ما يقفها أهلها)، فالفقهاء لم يفهموا إلاّ خصوص وقف العين، فالنص وإن كان عاما (ما يقفها) وهو يشمل المال والمالية، لكن الفقهاء اعرضوا عن هذا العموم وقالوا بعدم شمول النص إلا ما كان حبساً للعين.

قال أحد الفضلاء: لا عرفية في وقف المال والمالية، فكيف يقال بصحتهما؟

فأجاب سماحته (دام ظله): العرفية موجودة بلا شك، إذ الكثير من عقلاء العالم في يومنا هكذا يوقفون المال أو المالية، وقد سئلت اليوم عن نفس المسألة، وكثيرا ما يسألون عنها، وهذا دليل على عرفيته.

وقال أحد الفضلاء: بما أن الوقف الشرعي هو حبس العين، فهذا ليس بوقف إذ لا حبس فيه للعين، نعم يمكن أن يكون معاملة جديدة، وبما أن المعاملات إمضائيات فلا إشكال فيها. كما أجاز العلّامة المساقاة من هذا الباب.

فقال سماحته (دام ظله): مع عدم وجود دليل ربما يقال بصحة ما ذكر، ولكن نحن لا نحتاج إلى إمضائيات العقود، بل نقول بشمول العموم له، نعم إذا ثبت الإعراض فلا يمكن التمسك بالعموم.

قال أحد الفضلاء: هذا ليس بإعراض، لأن المسألة لم تكن مطروحة من قبل، فلم يكن آنذاك وقف روح المال، وعدم التعرض لا يعني الإعراض، كما أن تعريفهم للوقف كان ناظراً للأفراد والمصاديق الموجودة ولا يراد به نفي ما يتجدد من المصاديق.

 

(الإجماع المدعى على البطلان):

الإشكال الثاني: الإجماع الذي ادعاه صاحب العروة في التكملة(6)، على بطلان وقف غير العين.

وهذا الإجماع غير مسلّم أنه ناظر لنفي ما نحن فيه من وقف المال والمالية، حيث المسألة لم تكن مطروحة من قبل حتى يقال بالمحصل من الإجماع، أما المنقول منه لم يقبل به الكثير.

ومع عدم القبول بالإجماع ولا الإعراض، فمقتضى القاعدة هو جواز مثل هذه الوقوف مالاً أو ماليةً، نعم في مقام الفتوى ينبغي الاحتياط والتأمل الأكثر.

 

(المعاملة الجديدة المستقلة):

قال أحد الفضلاء: إن كان هناك إعراض عن عموم الدليل، فيمكن القول بأن وقف المال والمالية هو كالمعاملة المستقلة الجديدة.

فأجاب سماحته (دم ظله): هذا النوع من الوقف يسمى عرفاً وقفاً، ولا يرى العرف أنه معاملة جديدة.

فقال الفاضل: هذا يشبه الضمان العرفي، فإنه يختلف عن الضمان الشرعي ولا يشمله دليله وإن رآه العرف ضماناً، ففي الضمان الشرعي يتحول الدين إلى الضامن، وفي العرفي يطالب من المديون فإن لم يدفع، طولب الضامن. حيث قال الفقهاء الضمان العرفي معاملة جديدة وإن سماه العرف ضماناً، هكذا نقول في وقف المال والمالية، وإن سمي بالوقف عرفاً، لكنها معاملة جديدة.

الجواب: في الضمان هناك دليل يحدد المعنى الشرعي، ولكن التحديد الشرعي في (الوقف) عام، فما بقوله عليه السلام: (ما وقفها) يشمل مثل وقف المال والمالية، فلا داعي للقول بأنه معاملة جديدة، كما قيل في عقد التأمين بأنه معاملة جديدة.

وكان المرحوم الوالد (رحمه الله) يستشكل في المعاملات الجديدة، ويسعى لإدخالها في عموم أحد المعاملات السابقة، فمثلا في التأمين على الحياة كان يقول لابد من أن يقوم الطرف بعمل شيء في المقابل حتى لا يكون أكلاً للمال بالباطل، ولو أن يأتيه كل شهر مرة ليفحص ضغطه.

سأل أحد الفضلاء وقال: بناءً على مبناكم المذكور في هذه الليالي بأن الألفاظ تحمل على المصاديق المتعارفة، نقول عمومات الوقف أيضاً لابد أن تحمل على وقف العين، فهو المصداق المتعارف دون وقف المالية والمال.

فأجاب سماحته (دام ظله): ليس وقف المال والمالية من غير المتعارف، بل العرف الآن يوقفون هكذا، وهو متعارف عند كثير من العقلاء، ولولا ما ذكرنا من الاشكالين الإعراض والإجماع لقلنا بصحتهما لشمول العموم لهما. فعدم وجود مصداق سابقاً لا يعني أنه غير متعارف كما هو واضح، ولا انصراف محرز في المقام، نعم كان الوقف سابقاً وقف العين بحسب مقتضى ذلك الزمان.

قال أحد الفضلاء: ربما يمكن تصحيح وقف المال والمالية حتى من دون التمسك بعموم أدلة الوقف، لأن الوقف من المعاملات وهي إمضائيات؟

فقال سماحته (دام ظله): نعم هذا الكلام صحيح في الجملة، ولكنا نقول بشمول العموم لولا الإشكالين، وهذا أقوى دلالةً كما لا يخفى.

وربما يقال: إن الشارع أمضى ما أجراه العرف، ولابد من إحراز أن ما أمضاه مطلق، والتعبير بالإمضائيات في قبال المخترعات الشرعية كالصلاة وما أشبه.

قال أحد الفضلاء: الموضوع يؤخذ في مفهومه من العرف وليس من العقلاء، فالعرف لا حجية له في المصاديق بل في المفاهيم، والمصاديق تؤخذ من العقلاء.

فقال سماحته (دام ظله): هذا الكلام بحاجة إلى تأمل، ولكن العموم موجود في ما نحن فيه، ولا حاجة إلى علاج المسألة بخصوص الإمضائيات.

سأل فاضل آخر من الحضور: على رأيكم هل يجوز بيع البستان الذي أوقف ماليته حتى وإن لم يكن هناك ضرورة في بيعه؟

فأجاب سماحته (دام ظله): بناءً على صحة وقف المالية نعم يجوز، ولكن لسنا الآن في مقام الفتوى، بل مجرد البحث العلمي وطرح المحتملات الفقهية.

وقال أحد الفضلاء: هل كلامكم هذا هو نفس كلام المحقق الأردبيلي الذي يقول بأن الأحكام تختلف بحسب الزمان والمكان والموضوع؟

فقال سماحته (دام ظله): ليس في بالي الآن كلام الأردبيلي (قدس سره)، ولكن تبدل الحكم لا يكون إلا بتبدل الموضوع، ويمكن تصوره بكون الزمان والمكان وما أشبه جزءاً من الموضوع وإلا فالأحكام باقية لا تتغير.

فقال الفاضل: مراده ربما مثل بيع الدم حيث كان يفتي الفقهاء سابقاً بحرمته، والان أفتى البعض بالجواز، والا فالدم نفس الدم، فهل تبدل الحكم هنا أم الموضوع؟

فأجاب سماحته (دام ظله): هذا ليس من تبدل الحكم من دون تبدل الموضوع، لم يكن للدم سابقاً منفعة عقلائية محللة فكان بيعها أكلاً للمال بالباطل، واليوم فيه منفعة عقلائية محللة لإنقاذ المصابين ومن يحتاج إلى الدم مثلاً.

فمن أجاز البيع أشكل في عموم ما دل على حرمة بيع الدم، وقال المراد به الدم الذي لا منفعة محللة فيه، فهذا من تبدل الموضوع، وبعبارة أخرى لم يكن سابقاً بيعاً عقلائياً، والآن هو بيع عقلائي، فتأمل.

فقال الفاضل: وكذلك الوقف، فسابقاً لم يكن وقف المال والمالية والآن موجود، أو نقول بأن (أوفوا بالعقود)(7) يراد به العقود الخارجية التي بأيدكم، فإن كان سابقاً الوقف في الأعيان فهو مصداق الآية، واليوم وقف المال والمالية مصداق الآية فيجب الوفاء به

فقال سماحته (دام ظله): ظاهر القضايا أنها حقيقية لا أنها خارجية، إلا إذا ثبت بالدليل، فكلما كان بيعاً أو عقداً كان حلالاً ويلزم الوفاء به، لا أنها المصاديق الخارجية.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء: 11.

(2) سورة النساء: 11.

(3) سورة النساء: 11 و12، وفي الأولى (يوصي) وفي الثانية (يوصى).

(4) الكافي: ج7 ص37 باب ما يجوز من الوقف.. ح34.

(5) أكثر ما ورد في تعريف الوقف هو (حبس الأصل) والأصل ربما يشمل وقف أصل المال أي الصورة الثالثة، وإن لم يشمل وقف المالية، فتأمل.

(6) تكملة العروة الوثقى: ج1 ص205، وفيه: (الفصل الثاني في شرائط الموقوف وهي أمور، ‌أحدها: أن يكون عينا‌، فلا يصح وقف المنافع، مثلا إذا استأجر دارا مدة عشرين سنة وأراد أن يجعل منفعتها وهي السكنى فيها وقفا مع بقاء العين على ملك مالكها طلقا لم يصح، لأنّ الانتفاع بها انّما هو بإتلافها فلا يتصور فيها تحبيس الأصل، إذ الأصل حينئذ هي المنفعة، وكذا لا يصح وقف الدين كما إذا كان له على الغير عشر شياة مثلا لا يصح أن يجعلها وقفا قبل قبضها من ذلك الغير، وكذا لا يصح أن يكون كلّيا في ذمّة الواقف كان يوقف عشر شياة في ذمته، وذلك للإجماع على الظاهر وانصراف الأدلة وعدم معهوديته والعمدة الإجماع إن تم).

(7) سورة المائدة: