|
||||||||
تقرير الجلسات العلمية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله الليلة الخامسة ـ شهر رمضان العظيم 1436 للهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. (العملية الجراحية التجميلية): سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): هل يجوز اختياراً أن يقوم الشخص بالعملية الجراحية التجميلية، علماً بأنه ولفترة لا يمكنه الوضوء والغسل إلاّ جبيرة أو تيمّماً. فأجاب سماحته (دام ظله): أصل هذه العملية الجراحية بما هي هي لا إشكال فيها، أي إذا لم يستلزم محرّماً كالنظر إلى الأجنبية واللمس وما أشبه. لكن إن كان يسبب ذلك فوت الوضوء والغسل الواجبين الاختياريين إلى البدل منهما وهو التيمم، فالبحث في أمرين، الحكم التكليفي والحكم الوضعي. أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي فلا إشكال، لأن إيجاد المانع عن وصول الماء إلى البشرة لا يبطل التيمّم والصلاة به, فإنه مادام أصبحت الطهارة المائية ضرّراً ولو بسببه، كانت الطهارة الترابية مجزية في الصلاة وما يشترط فيها الطهارة كالطواف الواجب. أما حكمه التكليفي ففيه خلاف بين الفقهاء، والظاهر أنه ليس بحرام، وخاصة إذا كان قبل دخول الوقت، حيث لا أمر بالغسل أو الوضوء.
(نظائر المسألة): وفي نظائره قال الفقهاء: من كان له الماء ولا يضرّه استعماله، لكنه أخّر الوضوء أو الغسل عمداً حتى ضاق الوقت فالحكم الوضعي صحّة تيمّمه وصلاته، نعم قالوا: هذا التأخير هنا حرام لأنه قد تعلّق به الأمر فلم يمتثل. والحكم بالصحّة في آخر الوقت بالترابية، لأن شرط الوقت أهم من شرط المائية، إذ لها بدل دون الوقت. والقضاء لا يكون بدلاً في الوقت، فيصدق التفويت. فالتيمّم مأمور به والصلاة مأمور بها فكلاهما صحيحان. لكن البحث في الحكم التكليفي، فإن كان قبل الوقت فلا إشكال في ذلك، لأن لا أمر حينئذ. لا يقال: هذا تفويت للملاك. لأنه يقال: لا نسلم ذلك صغرى فمن أين نعلم بالملاك الشرعي، وإن كانت الكبرى تامة أي لا يجوز تفويت الملاك. فليس لنا إلاّ ظواهر الأوامر والنواهي الشرعية، وهي لا تدلّ على الملاك أو على تمامه، نعم إذا علمنا به من دليل آخر فلا يجوز تفويته. الملاكات الشرعية مختلفة، وربما تكون مركّبة من عدّة أشياء، فبعض الملاك ما يرتبط بالدنيا وبعضه بالآخرة، وبعضه بالامتحان وهكذا. أما إذا كان بعد الوقت، فهل يجوز القيام بالعملية التجميلية مما تفوت الطهارة المائية؟ لتوضيح ذلك لا بأس بيان بعض النظائر والأشباه، فإن مورد السؤال لا خصوصية له بل هو مشمول للقاعدة العامة في أمثاله. قال الفقهاء في مثل هذه المسألة بالنسبة إلى الصلاة والصوم، إذا صار الزوال ودخل وقت الظهرين فهل يجوز له أن يجنب نفسه بحيث وهو يعلم بأنه لا يتمكّن من الطهارة المائية الغسل، لضرر الماء أو لفقده أو ما أشبه. قال في العروة نعم يجوز، ووافقه غالب المحشّين من الفقهاء.
(إجناب النفس قبل الفجر): أما في الصوم فقد اختلفوا، فهل يجوز إجناب نفسه قبل الفجر في وقت لا يمكنه الغسل لضيق الوقت أو لضرر الماء أو لفقده؟ قال بعض الفقهاء لا يجوز، وفي المقابل أجاز البعض من الفقهاء ذلك وقالوا: الحرام هو الإصباح جنباً، أما المتيمّم فقد تطهّر ولا يصدق عليه الإصباح جنباً. مثلاً إذا كان الحمام بعيداً وهو يتكاسل عن الذهاب إليه فيؤخّر الغسل حتى لم يبق الوقت إلاّ للتيمم، فالظاهر جواز ذلك مضافاً إلى صحّته وصحّة صومه. الشارع قال: (فإن لم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً) (1)، فالتيمّم حكم من لم يجد الماء أو ما في حكم عدم الوجدان، ولم يقل لا يجوز أن تجعل نفسك في ظرف عدم الوجدان. فالتراب أحد الطهورين كما ورد، ولا دليل على أن من لا ماء له لا يجوز أن يجنب نفسه، فمع عدم الدليل الخاص لمنعه يجوز، ولا فرق بين الصلاة والصوم في ذلك وإن أشكل البعض في الصوم ولم يستشكل في الصلاة. هنا سأل أحد الفضلاء من الحضور: هذا من الواجب المعلّق فأصل الحكم بالوضوء والغسل حتى قبل دخول الوقت موجود وحينئذ لا يجوز تفويت الواجب؟ فأجاب سماحته (دام ظله): الظاهر عدم وجود الحكم المنجّز فلا يشمله التفويت لا موضوعاً ولا حكماً. فإن الموجود على فرض التسلم هو الوجوب وليس الواجب، فتأمّل. نعم إذا أحرز وجود الحكم فيكون مثل ما دخل الوقت وقد قلنا بجوازه أيضاً.
(المعيار التفويت وعدمه): والعمدة في الدليل صدق التفويت وعدمه عرفاً، والظاهر العرفي عدم تسمية من جعل نفسه في ظرف التيمّم بأنه فوت الأمر، لأن الأمر بالطهارة على قسمين مائية وترابية، ولا دليل على أنه لا يجوز جعل نفسه مورداً للتكليف بالترابية. قال أحد الفضلاء: فما تقولون في المقدّمات المفوتة؟ فقال سماحته (دام ظله): هذا يختلف عن المقدّمات المفوتة، فمثالها من يجعل نفسه فاقد الطهورين فهو حرام للتفويت، أما إفقاد الماء مع التمكّن من التراب فليس بتفويت. وقال أحد الفضلاء: هل يجوز للإنسان أن يجعل نفسه في الحالة الاضطرارية، كشرب الخمر والخنزير لمن خرج إلى الصحراء بلا زاد. فقال سماحته (دام ظله): لا يجوز ذلك، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) (2)، ولكن فيما نحن فيه ليس من الاضطرار، بل هما موضوعان موضوع للطهارة المائية وموضوع للترابية. والانتقال من موضوع إلى موضوع جائز، كالحضر والسفر. هذا كلّه فيما لو سبّبت الجراحة التجميلية الانتقال من المائية إلى الترابية، أما إذا سبّبت الجبيرة، ففي الجبيرة بحث مفصل. وعلى القاعدة جواز ذلك وإن سبّب العمل الجراحي الجبيرة، ولست الآن في مقام الفتوى بذلك، فإني أرجعت هذه المسألة إلى غيري ممن هو جامع للشرائط ولم أتحمّل الحكم فيها. الجبيرة والجبائر التي وردت في النصوص، يراد بها مثل ما لو انكسر العظم، فيجعل عليه خشبة، أو في زماننا هذا ما يسمى بالجص، ويشدّ بقوة، وحينئذ يمسح في الطهارة عليه مائية أو ترابية، وفي الدعاء: (يا جابر العظم الكسير). (3)
(فروع في الجبيرة): وفي مسألة الجبيرة فرعان، وهما محلاّ الابتلاء، ولكن أحدهما مع كثرة الابتلاء به لم تذكر في كلمات الفقهاء. الفرع الأول: العملية التجميلة، لا إشكال فيها وإن كان خروجاً عن موضوع المائية إلى الموضوع الترابية، أو من موضوع الغسل المباشر على البشرة إلى موضوع الجبيرة على ما بينّاه وقد أشرنا إلى التردّد فيها في الجملة. علماً بأن الفقهاء عمّموا الجبيرة إلى مثل أثر الصبّاغ حيث تلصق على بشرة مواضع الوضوء الأجزاء الصغيرة اللونية المانعة من وصول الماء للبشرة، مع أنه ليس جبيرة بالمعنى اللغوي، إذ لا كسر ولا جرح، كأنما استفادوا أن الجرح والكسر موردان للحكم وليسا موضوعين له.
(غسل الأموات جبيرة): الفرع الثاني: غسل الأموات والجبيرة فيه، فإذا مات شخص بالحادث لا سمح الله، وكانت على جسده جروحات يخرج منها الدم، فهل تجري الجبيرة عليه، بأن يشدّ الجرح بقطعة قماش مثلاً ثم يمسح عليها. الإشكال الفقهي على ذلك أن الجبيرة خاص بالحي، لاستلزام عدمها الضرر على المكلّف، أما الميت فلا ضرر عليه كما هو واضح، ومن جانب آخر أدلّة الجبيرة وردت في الحي فلماذا تعميمه على الميت. نعم هناك سيرة الغسّالين وغالباً ليسوا من الفقهاء بل من العوام، على الجبيرة إذا كان جرح على جسد الميت يخرج منه الدم فيشدّون ذلك ويغسلونه جبيرة. فهل يكفي ذلك، أم لابدّ من التيمّم أيضاً؟ احتاط بعض بلزوم الاثنين غسلاً وتيمّماً. والاختلاف فيه مبني على أن الحي أهو مورد للجبيرة أم هو موضوع له، فإذا كان مورداً فلا يخصّص الوارد، أما إذا كان موضوعاً أو محتمل الموضوعية فبدونه لا يترتب الحكم. والاحتياط لأنه شكّ في المكلّف به، المائية جبيرة والترابية. وإذا فرض أنه يمكن غسله بالماء حتى مع خروج الدم بتسليط بالماء الكثير أو القوي عليه بحيث في لحظة واحدة يطهر الموضع فهل يتعيّن حتى مثل الغسلين الأولين. هذا وقد أفتى أحد الفقهاء على ما ببالي بأنه لا فرق في الجبيرة بين الحي والميت.
(الجبيرة للعملية الجراحية): من هنا أشكل البعض في مثل العملية التجميلة مع عدم الاضطرار، ولو الاضطرار العرفي كما لو لم تقم بالعملية التجيملية طلّقها زوجها، وهذا المقدار اضطرار عرفي ويكفي ذلك في ترتب الحكم الاضطراري في أمثال الجبيرة. قال أحد الفضلاء: ربما هناك ارتكاز بعدم جواز إيقاع النفس في الطهارة الجبيرية. فأجاب سماحته (دام ظله): الارتكاز لابد أن يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي بحيث يفهمه كل متديّن ويكون ذلك في مرتكزه، فقيهاً أو غير فقيه، فيستهجن خلافه، وما نحن فيه غير محرز فيه ذلك. والخلاصة: الطهارة الجبيرية أهي من تبدّل الموضوع أو من الاضطرار، فإن كانت من تبدّل الموضوع كالحضر والسفر فلا بأس بها، وإذا كانت من الاضطرار فلا يجوز على تأمّل. ومن هنا يكون للتردّد في مقام الفتوى مجال، فأرجعت إلى غيري في المسألة، ولم أتجرّأ للإفتاء فيها، فكم للإنسان من العلم حتى يفتي في كل شيء.
(الصوم المندوب سفراً): سأل أحد الفضلاء عن الصوم المندوب في السفر؟ فقال سماحته: المسألة موجودة في العروة، ويمكنه الصوم بالنذر، وإن كان إنشاء نذره في السفر، فلا يشترط أن يكون الإنشاء حضراً والمتعلّق سفراً، فإذا نذر المسافر قبل الفجر بصوم يومه صحّ في المندوب. وسأل أحدهم: إذا كان السفر معصية فلابد أن يتم ويصوم، فإذا سافر قبل شهر رمضان اختياراً وكان عليه القضاء من الرمضان الماضي، فهل هذا سفر معصية ولابد له من الصوم فيه قضاءً لما فاته؟ فأجاب سماحته: حرمة تأخير القضاء عن نفس السنة فيها خلاف، ثم هل الصوم الواجب في سفر المعصية خاصّ بشهر رمضان أم حتى القضاء والاستيجار؟ بحاجة إلى تأمّل. ينقل عن المرحوم الحاج الأغا حسين القمّي أنه كان أحياناً يقول: صبراً حتى أفكر أعندي علم إجمالي أم لا؟
(الزواج من أهل الكتاب): سأل أحد الفضلاء عن رأي سماحته في عن الزواج من أهل الكتاب؟ فقال (دام ظله): فيه خلاف، نعم بالنسبة إلى غير أهل الكتاب لا يجوز النكاح منهنّ لا دائماً ولا متعةً، أما أهل الكتاب فالأقوال فيها: الجواز مطلقاً، وعدمه مطلقاً، وجواز المتعة بهنّ دون الدوام. والأدلّة فيها متضاربة، والذي يقتضيه الجمع بين الأدلة القول بالجواز مطلقاً متعة ودواماً، ولكن في الفتوى ربما يحتاط الإنسان.
(كيف تقرأ المرأة أدعية الحور العين): سأل أحد الفضلاء، هناك أدعية ورد فيها طلب الحور العين من الله عزّ وجلّ، فكيف تقرأ المراة هذه الأدعية وكيف تطلب من الله الحور العين؟ فأجاب سماحته: يرى البعض أن الحور العين يشمل الذكر والأنثى، على خلاف من قال بأن الحور جمع الحوراء، والعين جمع العيناء، فإنه قال الحور أعم من جمع الحوراء والأحور، والعين من العيناء والأعين، فإذا قلنا بالأعمّ فالمسألة واضحة فهي تطلب الزواج من الأحور الأعين في الجنّة. قالوا: ألا تكون المؤمنة زوجة لزوجها المؤمن في الدنيا؟ قال سماحته: الأمر بيدها، إذا كانا من أهل الجنّة وفي مرتبة واحدة، كما كان الأمر بيدها في الدنيا حيث يشترط رضاها في العقد. ثم إننا أُمرنا بقراءة الأدعية هكذا، سواء الرجل أو المرأة من دون تفريق بينهما، فإنّ الأدعية وردت من المعصومين (عليهم السلام) هكذا وأمروا بقراءتها ولم يستثنوا النساء. كان شخص في كربلاء المقدّسة يزور الإمام الحسين (عليه السلام) ربما يومياً، ولكن لم يكن يقرأ هذه الفقرة من الزيارة (التارك للخلاف عليكم) ( 4)، فإن كان يقول: كيف أكذب، وقد صدرت منّي المعاصي فلم أترك الخلاف عليهم. فقال له بعض العلماء: اقرأها حتى توفّق لذلك أي لترك الخلاف عليهم. وهذا هو الصحيح حيث ورد الأمر بقراءة الزيارة هكذا بلا استثناء من كان عاصياً أو غير عاص. هذا وربما يراد بترك الخلاف، عدم مخالفتهم في أمر الولاية. وهناك وجوه أخر محتملة. وكذلك كان يقول البعض: بأن المصلّي العاصي يكذب عندما يقول (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) والجواب على ذلك أنه ورد الأمر بقراءته في الصلاة.
(صور التحاق المأموم من بعد): سأل أحد الفضلاء، بأنه يجوز للمأموم أن يلتحق بالإمام من بُعد ويمشي إلى يصل إلى صف الجماعة، فهل يشمل ما إذا كان المأموم متقدّماً مكاناً، مثلاً كان باب المسجد نحو القبلة، فدخل والإمام والصفوف أمامه، فهل يكبّر ويمشي القهقرى؟ فأجاب سماحته (دام ظله): المنصرف من الحديث هو غير هذه الصورة، والإطلاق من هذا الحيث غير محرز، فليس من المعلوم شموله لمن يلتحق القهقهرى. لأن القاعدة في الجماعة عدم الفصل بين المأموم والإمام، أو بين المأموم والمأموم، إلاّ بالمقدار القليل المذكور في العروة، والرواية أجازت على خلاف القاعدة الفصل في الالتحاق ليمشي إلى الصفوف، فيقتصر فيها على القدر المتيقّن وهي لا تشمل إذا كان متقدّماً على الإمام مكاناً، بحيث يرجع القهقهرى. وهكذا إذا كان متقدّماً على صفوف المأمومين وليس متقدّماً على الإمام.
وصلّى الله على محمد وآله
الطاهرين.
ـــــــــــــــــــ (1) سورة النساء: 43. وسورة المائدة: 6. (2) سورة البقرة: 173، سورة الأنعام: 145، سورة النحل: 115. (3) الإقبال: ص551، البلد الأمين: ص60 و338 و409. (4) بحار الأنوار: ج98 ص199 و262.
|
||||||||
|