سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

الإحساس بمشاكل الآخرين وقضاء حوائجهم يوجب التقرّب إلى الله عز وجل وأهل البيت عليهم السلام

قام جمع من الأخوات ـ معظمهن ّمن الناشطات في المجال الديني والثقافي والإرشادي ـ وكالسنوات السابقة بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، مساء يوم الجمعة الموافق للرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك 1434 للهجرة، واستمعن إلى توجيهات سماحته القيّمة.

في مستهلّ كلامه، قدّم سماحته تعازيه بمناسبة ذكرى استشهاد مولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وبدأ حديثه بالآية الشريفة التالية: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ» سورة الصافات: 24.

وقال: في هذه الليلة اُبيّن للنساء المحترمات، مسألتين مهمّتين، إحداها شرعية والأخرى موعظة، بالأخصّ بالنسبة للشابّات والصبيّات، مع ان هاتين المسألتين تعمّ الجميع ولا تخـــتصّان بالنساء فقط.

وقال: بما ان الكثير من الأفراد لا يهتمون كثيراً لما سأعرضه بخدمتكم، لذا اُذكّر به الجميع في هذه الليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك، كي لا تضيع أتعاب وثمرات الجميع في هذا الشهر، من العبادة، والتوسّل، والقرب إلى الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم، ولكي لا يفقدوا الصفات الباطنية وكذلك البركات التي نالوها وحصلوا عليها في هذا الشهر الفضيل، وحتى لا يفقدوا الوجاهة التي حصلوا عليها عند الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم.

وبيّن سماحته: المسألة الشرعية هي: ان كل امرأة عندما تصل لمرحلة التكليف، أي يبلغ عمرها تسع سنين قمرية كاملة وتدخل في العاشرة، فهي تصبح مكلّفة شرعاً، بناء على الروايات وأحكام وآراء الفقهاء، ويكون حالها كحال المرأة التي دخلت العقد السادس من عمرها، في العمل بجميع الأحكام والواجبات والمحرّمات، إلاّ الواجبات والمحرّمات التي ليس لها موضوعية لها حينها أو ليست مكلّفة بها، كواجب التبعّل، أي تجاه الزوج، وتربية الأبناء.

هنا أرى أن اُبيّن هذه المسألة الشرعية من خلال ثلاث واجبات، بعنوان بيان الحكم الشرعي:

الأول: يجب على كل امرأة تبلغ مرحلة التكليف وكذلك المكلّفة أن تتعلّم المسائل التي هي محلّ ابتلاء وتعمل بها، أي لأجل التوضّؤ عليها أن تتعلّم واجبات ومبطلات الوضوء، فإذا لم تفعل هذا فلعلها تقع في الخطأ ولم يُقبل منها العذر. وهكذا بالنسبة لأحكام باقي الواجبات. علماً بأنها معذورة إن لم تتمكن أو غير قادرة على تعلّم كل الأحكام، ولكن لا يسقط عنها وجوب التعلّم.

بناء على رأي الفقهاء المذكورة في المصادر الفقهية، أنه يجب على المرء أن يتعلّم المسائل التي يحتمل أنه سيبتلى بها أيضاً، سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا لم يتعلّمها ووقع في الخطأ، فلا يُقبل عذره ويكون مذنباً. والشكوك والسهو هي من الموارد التي يجب على كل مكلّف أن يتعلّمها، فالذي لا يتعلّمها ويعمل خلاف الواقع فهو قد ارتكب الحرام وعصى.

وأوضح سماحته: عندما تتزوّج البنت الشابّة عليها أن تتعلّم الواجبات الزوجية، كي لا ترتكب الحرام تجاه زوجها. والزوج، أي الرجل، لا يُستثنى من هذا الحكم أيضاً، وهذا ما اتفق عليه الفقهاء جميعاً ولم يختلفوا فيه. وبالنسبة لواجب البنت تجاه والديها، فهو أمر، عليها أن تعرف واجبه وحرامه، وهي غيرة معذورة إن لم تعرف أحكام التعامل مع الوالدين. لأنها قصّرت في تعلّمها، والله تعالى لا يقبل عذر التقصير، بل يقبل عذر القصور.

هناك واجبات ومحرّمات في التعامل مع الأرحام والأقارب، وفي البيع والشراء، والرهن، والإجارة، والصلح، يجب على المرأة أن تتعلّمها، وإلاّ قد تبتلى بالربا أو بالبيع الغرري وباقي المحرّمات، ولن يُقبل منها أيّ عذر. فإذن على النساء أن يتعلّمن الأحكام التي هي محلّ ابتلاء لهنّ أو يحتمل بالابتلاء بها، على قدر استطاعتهن وبمقدار ما يتمكننّ عليه.

بالنسبة للمرأة التي تذهب إلى الحجّ، عليها أن تعرف مسائل الحجّ، أو تكون مع من تعرف أحكام الحجّ لكي تستفاد من إرشادها، ولكي لا تقع في الحرام، أو لكي لا تنسى واجباً من أعمال الحجّ. فالمرأة التي تجهل الأحكام إذا شكّت في الطواف أو في الرمي أو في السعي أو في الطهارة أو في مسألة أخرى، ووقعت في الخطأ بسبب جهلها، أو عملت حراماً، أو تركت واجباً، فستكون ضمن من يشملهم الخطاب الإلهي في الآية الكريمة التالية: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ».

الثاني: يجب على كل امرأة تبلغ مرحلة التكليف وكذلك المكلّفة أن تتعلّم المسائل العقائدية، أي الاعتقاد بأصول الدين وهو اعتقاد وجدان وبمعنى التصديق. فالمسائل العقائدية أهم من الأحكام والمسائل الشرعية. ولا يُعذر المرء إن كان اعتقاده غير صحيح بسبب جهله وعدم تعلّمه، إلاّ إذا كان ضعيفاً في التعلّم. ولكن بعنوان مسألة شرعية يجب التعلّم والعمل بالأحكام والواجبات والمحرّمات المبتلى بها أو يحتمل الابتلاء بها.

الثالث: وهو الواجب على الجميع، هو إرشاد الآخرين إلى المسائل العقائدية والأحكام الشرعية، حتى إن لم يكونوا مصداقاً ومورداً لتلك المسائل والأحكام. مثلاً: المرأة غير المتزوّجة، لا تكون مصداقاً ومورداً للأحكام الزوجية وليست واجبة عليها، ولكن وبعنوان الواجب الكفائي، يجب عليها أن تعلّم هذه الأحكام، أي الزوجية، لغيرها من النساء المتزوّجات من أقاربها ومعارفها. وهكذا بالنسبة لأحكام الحجّ وأحكام باقي الواجبات ومنها العقائدية. فالفقهاء بيّنوا كراراً وتعرّضوا لهذه المسألة وهي أنه يجب على المرأة أن لا تكون غير أُبالية بعقائد زوجها وبعمله وفي اتّباعه للأحكام، ويجب عليها أن تهتم لهذا الأمر بالصبر وباللسان الجميل دائماً، وأن تعمل على إرشاده وهدايته.

وأضاف سماحته: يقول الفقهاء أنه إذا ارتكب الرجل الحرام أو ترك واجباً بسبب جهله الحكم، فهو وزوجته سيكونان مسؤولان عن ذلك، أي عن عدم تعلّم الأحكام. ولهذا فإنّ تعلّم الأحكام للزوج والزوجة واجب عيني كالصلاة.

كما أردف سماحته بقوله: إذا كان المرء جاهلاً للأحكام فإنه سيقع في الربا في أبسط معاملة. على سبيل المثال: إذا ذهب للسوق واشترى السكر المصنوع على شكل حبّات مربعة ـ الذي يقال له بالفارسية قند ـ بمقدار كيلو غرام واحد ورجع للبيت وحينها انتبه أنه لم يك محتاجاً لهذا النوع من السكر بل كان عليه أن يشتري السكر المعروف والمعهود، فيرجع للسوق ويطلب من البائع أن يأخذه ويعطيه بالمقابل سكّراً، ويعطيه البائع سّكر بمقدار الكيلو غرام واحد ونصف الكيلو، فهذه المعاملة حرام, وهي ربا بإجماع كل علماء المسلمين، وهذا المقدار من الربا هو بمثابة الحرب مع الله ورسوله بحكم القرآن الكريم، حيث قال عزّ من قائل: «فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ» سورة البقرة: 279.

بلى إن هذا المقدار القليل من جهل الإنسان بالأحكام تجعله في صف المحاربين لله ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله. وفي تلك المعاملة التي ذكرناها يكون المشتري والبائع مسؤولَين عن فعلهما.

وبيّن سماحته: يجب على النساء أن يسعين إلى تعلّم هذه الواجبات، وأن يهتمن إلى ما يرتبط بهنّ وما هو محلّ ابتلائهن هنّ وغيرهن، وأن يعلّمن ذلك لغيرهن بعنوان الواجب الكفائي.

وذكر سماحته الرواية التالية: (لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض)، وأوضح: إذا عمل الإنسان عملاً مستحبّاً فسيتقرّب إلى الله تعالى ويقبل الله عمله المستحبّ إذا لم يك قد ضيّع عملاً واجباً.

ليعلم الجميع أن بعض المستحبّات لها أثر في تهذيب النفس، حيث في هذه الحالة تصبح واجباً عينياً، مثل: دعاء أبي حمزة الثمالي، ودعاء الصباح، وأدعية الأول من شهر رمضان المبارك، ودعاء الافتتاح، وما شابه ذلك، التي تربّي النفس. ولذا فهي واجب عيني بمقدار تربية النفس والحصول على ملكة العدالة. ولكن إذا انشغل الإنسان بالمستحبّات أكثر بحيث يلحق الخلل بالواجبات بسببها عندها سيكون المستحبّ غير مقرّب إلى الله. فبالقدر المتيقن أنه يجب على الجميع أن يتعلّموا الأحكام قدر استطاعتهم، وأن يعلّموها لغيرهم كي لا يقعوا في الحرام، لا سمح الله، ولكي لا يتركوا واجباً بسبب جهلهم، لأنهم يحاسبون على الحرام وترك الواجب في عالم الآخرة.

وأكّد سماحته: إنّ الغفلة عن كلا الأمرين قد تبعد الإنسان عن مقام الرب إلى الله سبحانه وأهل البيت صلوات الله عليهم الذي ناله في هذا الشهر المبارك. إذن يجب على الإنسان أن يسعى للحفاظ على هذه الموهبة وخلودها عنده.

يقول الإمام صلوات الله عليه: (وهلك من حيث لا يعلم).

وفي رواية ّأخرى عن ابن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد صلوات الله عليه وقد سُئل عن قوله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)؟ فقال صلوات الله عليه: إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أَكنتَ عالماً؟ فإن قال نعم قال له أَفلا عملت بما علمت؟ وإن قال كنت جاهلاً قال له أفلا تعلّمت حتى تعمل؟ فيخصم، فتلك الحجّة البالغة.

ثم تحدّث سماحته عن المسألة الثانية وهي الموعظة، وقال: الموعظة التي اُريد بيانها ترتبط بالمرأة والرجل، ولكن النساء هنّ المخاطبات بها حالياً، وهي: على المرء أن يجعل نفسه في مكان الطرف المقابل وأن يجعل الطرف المقابل في مكانه في تعامله وتصرفاته مع من هم حوله، مثلاً تعامل المرأة مع زوجها، أو أمّها أو أبيها، أو اختها، أو الجيران، وفي المسجد، والحسينية، والمدرسة، والجامعة والحوزة، وأن يحكم على هذا الأساس، ففي هكذا تصميم وإقدام التوفيق الكثير، وفي حال عكس ذلك فسيكون مسؤولاً مسؤولية كبيرة.

هذا التعامل له مراحل واجبة ومراحل مستحبّة. على سبيل المثال: إذا طلب منك أحد الأشخاص طلباً حلالاً أو واجباً أو مستحبّاً وأنت بمقدورك أن تلبيه له، ولكن لا تريد تلبيته له لدليل ما، أو جاءك شخص لرفع حاجته المالية ويمكنك أنت بنفسك أو عبر توسيط غيرك أن تقضي حاجته المالية، وامتنعت عن ذلك بحجج ما، فهنا يجب عليك أن تضع نفسك مكان ذاك الذي طلب منك طلباً حلالاً، وذاك الذي عنده حاجة مالية، فماذا سيكون توقّعك؟

وشدّد سماحته: إن هذا التغيير وجعل الإنسان نفسه مكان غيره هو بنفع الإنسان نفسه, ويقول الله تعالى في هذا المعنى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ» سورة فصلت: 46. وللتوضيح أقول: إنّ هذا الإقدام يمنع من النزاع والاشتباك مع الآخرين، ويمنع من حدوث المشاكل، أو إذا، لا سمح الله، حدثت مشكلة فإنه يسهّلها عليه. وهناك الكثير من الروايات الشريفة بهذا الخصوص، يجدر بالحاضرات، وبالجميع أيضاً، أن يسعوا إلى مطالعتها. واعلمن أن هذا النوع من التعامل يربّي نفس الإنسان.

وبيّن سماحته ذلك بقوله: لو كان الإنسان محتاجاً إلى أحد معارفه أو أقاربه وقام الأخير بحلّ مشكلته رغم ما يتحمّله من تعب وزحمة، ألا يقول له: إنّك ما تعبت وما تزاحمت للغريب؟ أي لم يذهب عملك هدراً أو لم يكن في غير محلّه. فإذن يستحسن بالإنسان أن يقوم بمثل هذا العمل، لأن هذا العمل فضلاً عن أنه يوجب القرب إلى الله تعالى، فإنه يوجب رضا مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف عنه ويحبّبه عند الإمام ويقرّبه إليه، ويوجب هذا العمل دفع الأخطار الكبيرة والكثيرة عن الإنسان أيضاً، كما في الرواية الشريفة التالية: (الصدقة تدفع البلاء وقد اُبرم إبراماً)!

وفي شرحه للرواية الآنفة الذكر قال سماحته: تقول الروايات الشريفة بأنه في ليالي القدر مثلاً يقدّر للإنسان ويُقطع عليه بأنه سيموت بعد عشرة أيام، ولكن بسبب خدمة قدّمها لمحتاج أو قضاء حاجة عملها لطالب حاجة، فإنه يتغيّر تقديره إلى الأحسن. بعبارة أخرى: الإنسان الذي يعمل، عملاً مشروعاً، على حلّ مشاكل الناس، يضاف عشرين سنة على السنتين المتبقيتين من باقي عمره كله. وأما الذي لا يهمّه ولا يهتم لمشاكل الآخرين فتقصر العشرين سنة المتبقية من عمره إلى الأقل.

كذلك السعي والوساطة ليوم أو يومين لها آثار كثيرة كلّها بنفع الإنسان.

وأكّد سماحته: اسعين إلى أن تجعلن أنفسكن مكان غيركنّ وأن تجعلن غيركن مكانكن، وأن تعملن على حلّ المشاكل الموجودة ورفعها قدر استطاعتكنّ وقدراتكنّ. وهكذا على الرجال أيضاً أن يقوموا بما مرّ ذكره.

إنّ هذا التغيير يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تعامل الزوجة والزوج، وأن تجعل المرأة نفسها مكان زوجها وتتحمّل تعامله الخشن، ولتعلم أنها ستحظى بمنافع وأرباح دنيوية، فضلاً عما لها من الأجر في الآخرة.

وختم دام ظله: في الأيام الأخيرة لشهر رمضان المبارك، لنسعى جميعاً إلى أن لا نضيّع اللحظات النورانية لهذا الشهر الفضيل, وأن نروض أنفسنا ونمرّنها على القبول بالتغيير الذي مرّ ذكره.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يمنّ علينا جميعاً توفيق درك ثواب وفضيلة شهر رمضان المبارك، وتوفيق الطاعة والعبادة بأحسن ما يمكن، وأن يديم ذلك علينا جميعاً ويزيد منه.

وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.