سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: مسؤولية أهل العلم اليوم هي كشف

 التحريف الذي طال السنّة النبوية والتاريخ، للبشرية جمعاء

   

 

إن للعلماء وطلاب علوم الإسلام شأناً مهماً وكبيراً بحيث إن الله سبحانه وتعالى يذكر مرتبتهم بعد مرتبة الإيمان بقوله عزّ من قائل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة:11.

 فالأنبياء والأئمة هم القمة ثم يليهم في المراتب المختلفة ـ وعلى حدّ تعبير القرآن: هم درجات ـ سائر أهل العلم. فشأن العالم وطالب العلوم الدينية على شتى المستويات ومن يوم دخوله الحوزة العلمية وتلقيه علوم الدين وإلى أن يصبح عالماً كبيراً هو أمران:

الأول: التعلّم.

الثاني: التعليم. وهذه هي أهم مهمة خلق الله سبحانه الإنسان من أجلها.

هذا ما أكّده المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في كلمته القيّمة التي ألقاها بجمع من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية من كربلاء المقدسة (مدرسة العلاّمة ابن فهد الحلّي قدّس سرّه) وذلك في بيته المكرّم يوم الأحد الموافق للرابع والعشرين من شهر رجب الأصبّ 1429 للهجرة.

وقال سماحته أيضاً: إن القرآن الكريم لا تمسّه ولم ولن تمسّه يد التحريف، فقد قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: 9.

أما غير القرآن كالسيرة النبوية فقد مسّتها يد التحريف، وكذلك السنة النبوية، والتاريخ أيضاً. وعلى سبيل المثال أذكر لكم نماذج من ذلك:

الأول: نقل العلاّمة الأميني رضوان الله تعالى عليه في كتابه القيّم (الغدير) مجموعة من الأحاديث الموضوعة الموجودة في مصادر أهل العامّة، ومنها ما يلي:

... وأخرج أبو نعيم عن فرات بن السائب: قال: سألت ميمون بن مهران قلت: فأبو بكر كان أول إسلاماً أم عليّ؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب حين مرّ به واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد عليّ!!!

أقول: لقد وُلد مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ولادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بثلاثين سنة، ووُلد مولانا الإمام عليّ صلوات الله عليه قبل البعثة الشريفة بعشر سنوات، وفي هذه السنين العشرة لم يبشّر النبي صلى الله عليه وآله بالإسلام ولم يكن هناك بالظاهر إسلام، فكيف أسلم أبو بكر ولم يبشّر النبي بعد بالإسلام ولم يكن هنالك إسلام بالظاهر؟!!

الثاني: يقول الطبري في تاريخ مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه وسبب استشهاده: ... إن علي بن موسى أكل عنباً فأكثر منه فمات فجأة!!

وقال ابن خلدون: .. فمات علي بن موسى في طريقه فجأة!!

الثالث: إن كتاب (الصواعق المحرقة لابن حجر) هو من المصادر المهمة لدى العامّة، وهذا الكتاب طبع عدّة طبعات، وكانت أول طبعة حديثة ـ أي غير حجرية ـ له في القاهرة قبل حوالي خمسين سنة ولديّ نسخة من هذه الطبعة. فعند مقارنة هذه الطبعة وما تلتها من الطبعات مع الطبعات التي قبلها نجد تحريفاً ـ في المطبوع ـ في موارد عديدة ومنها:

نقل ابن حجر ـ في الطبعات السابقة عن طبعة القاهرة ـ بسنده عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ذِكْر عليّ عبادة. وعند مراجعة طبعة القاهرة والطبعات التي تلتها نجد أن هذا الحديث قد تم حذّفه. وكذلك نقل ابن حجر في تأويل قوله تعالى: (هذا صراط عليّ مستقيم) الحجر: 41.

 أن الصراط إلى الله هو صراط عليّ ـ ويقصد مولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ـ ولكن عندما ما تراجعون طبعة القاهرة والطبعات التي بعدها تجدون أنهم قد غيّروا قول ابن حجر من (أن الصراط إلى الله هو صراط عليّ) إلى (أن الصراط إلى الله صراط مستقيم).

وعقّب سماحته قائلاً: إن هذه التحريفات وأمثالها لا يعرفها ولا يكشفها للناس سوى العلماء وأهل العلم، وهذه هي مسؤوليتهم اليوم.

 

   

 

وأضاف سماحته: لقد مرّت في التاريخ أحقاب وأزمنة سوداء ما كان يستطيع فيها المرء أن يصل إلى معرفة مفردة من ألوف المفردات إلاّ عبر سنين، أما اليوم فالوسائل الحديثة مهيّأة وبات تحصيل العلوم سهلاً وميسراً أكثر بكثير من الماضي، ومع توفر وسائل تحصيل العلم وسهولة التعلّم سوف لا يبقى اليوم للطالب ما يعتذر به إلى الله تعالى في طلب العلم، فالوسائل الحديثه قد هيأت الأمور لكسب العلم، وما على أهل العلم إلاّ أن يلتزموا بأمرين وهما:

الأول: التعبئة العلمية. فالذي عنده تعبئة علمية جيدة سيكون قادراً على معرفة التحريف في المأثور والتاريخ والأحكام، ونقلها وكشفها للعالم حتى لا يقعوا في الضلالة. وكلما كانت التعبئة العلمية أكثر كانت المقدمة أقوى للوصول إلى ما لأجله خلق الله سبحانه وتعالى البشر وهو قوله جلّ وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُون) الذاريات: 56.

 فعلى أهل العلم أن يغتنموا الدقائق والساعات في طلب العلم حتى يوفّقوا لمعرفة الإسلام الذي أراده الله تبارك وتعالى، ويعرّفوه للبشرية أجمع.

الثاني: التقوى الحقيقية. إن طالب العلم بحاجة إلى التقوى بل المزيد من التقوى، فكلما يرتقي الطالب في العلم مراتب عليه أن يرتقي في التقوى مراتب ومراتب أيضاً حتى يشمله التوفيق الإلهي. فإذا لم يقرن طالب العلم رقيّه العلمي بالرقي في التقوى فسيحرم التوفيق والإعانة من الله تعالى ويحرم الرعاية من مولانا بقية الله الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

واعلموا أن أسهل طريق للتقوى ما أكّده سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأكّده كذلك الإمام الصادق وابنه الإمام الكاظم وحفيده الإمام الرضا صلوات الله عليهم: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم».

أسأل الله تعالى أن يوفّقكم لذلك، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.