نخبة من البصرة أنصار
للحسين عليه السلام
:.
النهضة الحسينية من الثورات المتميزة بتنوع
أنصارها أو بعبارة أخرى الله سبحانه وتعالى اختبر ألأمة وابتلاها بالحسين علية
السلام وقضيته فمن نجح في مسألة التمحيص الإلهي ارتقى إلى مستوى الشهادة مع
الحسين عليه السلام فتنوع أصحابه تبعا لصلابة الموقف وقوة الإرادة في معرفة
الحق فكان أنصار الحسين عليه السلام من مناطق و أقاليم مختلفة وسنبحث هنا حول
النخبة المؤمنة الذين نصروا الإمام في ثورته من أبطال البصرة.
•
القرار
الصائب:
:.
قرر جماعة من البصريين ان يلحقوا بالإمام من
البصرة إلى مكة، بتأثير ورود رسالة الإمام لرجالات وأقطاب هذا الإقليم.
غير انه من الصعب جداً على المجاهدين أن
يخرجوا ليلتحقوا، فالبصرة تحت حكم شديد الإرهاب، وتسلط مستبد يقوم به الوالي
الأموي عبيد الله بن زياد بن أبيه قبل ذهابه للكوفة، بل أكثر من ذلك، فان
حدود البصرة قد أغلقت بتأثير ورود رسالة الإمام ورسوله المجاهد سليمان بن
رزين الذي قبض عليه بطريقة عادية، إذ اشتبه المنذر بن الجارود حين شك بصدق
الرسول وظن أنه اختبار له واحتيال عليه من ابن زياد، فصارح ابن زياد وسلمه
الرسول، بسذاجة وقلة بصيرة!!!
فقدَّمه ابن زياد ليقتله، مؤكداً للناس صدق عزمه
على التنكيل بهم بعد عودته من الكوفة، وتقدم البطل صابراً محتسباً، صامداً
أمام سيف الجلاد.. وإطمان أبن زياد إلى انه قد تم له إدخال الرعب والفزع في
قلوب البصريين، وخلف أخاً له يدعى عثمان بمكانه، وغادر إلى الكوفة بأوامر من
يزيد، وبدافع من سرجون النصراني المستشار السياسي للبلاط الأموي.
•
مصاعب
الخروج:
:.
فكيف يتمكن أي مجاهد من الخروج، والعيون قد
وضعت على الحدود، لمراقبة من يخرج بلا إذن من السلطة للقبض عليه؟؟؟
وقد كانت رسالة الإمام لا تتضمن دعوة إجبارية،
كيما يضطر أحدهم إلى تلبية دعوته، ولا تتضمن من الأغراء ما يلح على المرء ان
يبلغ مناه، أي ان خطر الخروج وعبء المسير قد يسوغ إهمال الأمر، والتعذر من
تلبية نداء الحق الحسيني.
غير ان المؤمن بقضية تسخو دونها دماء وأرواح
الرجال، لا يعرف الذريعة ولا التعذر، كما انه لا يعرف خوفاً ولا رعباً ولا
فزعاً.. وقد كانوا رجالاً – وليسوا كالرجال – على رأسهم المجاهد الصلب الكبير
(يزيد بن نبيط ألعبدي)الذي كان هو وجماعته وأعداد كبيرة، يجتمعون في البصرة
ببيت امرأة موالية لآل الرسول الأعظم صلى الله عليه واله تدعى (ماريه بنت
منقذ).. وكان أبن نبيط من المتشددين بالإخلاص والولاية للرسول وآله الأطهار
(كما جاء عن العسقلاني في الإصابة، وعن أبي جعفر الطبري) وكان له عشرة أولاد،
أنتدب منهم للجهاد عبد الله، وعبيد الله..
ثم نوى تحريض جمع من أصحابه بلا إجبار ولا
إغراء كطريقته هو الآخر، حيث قام على روؤس جمع منهم ببيت ماريه فتكلم باختصار
قائلاً: «إني قد
أزمعت على الخروج وأنا خارج، فمن يخرج معي».
فتضامن معه عدد من الأبطال الأباة، فيما قال
آخرون: «إنا نخاف عليك أصحاب أبن زياد» ذلك لان حدود البصرة قد أقيمت عليها
المراصد للقبض على كل من يخرج، ولكنه تحدى مخاطر السلطة غير مكترث للمعوقات
الكثيرة.
المتكلمون لم يقولوا إنا نخاف على أنفسنا.. بل قالوا ان نخاف «عليك».. أنه
ليس خوافاً ولا جباناً ولا يخيفه الخوافون الضعفاء، مقابل تحقيق أمنية لقاء
الإمام والجهاد بين يديه، وهكذا أكد تحديه وقراره النهائي بقوله: «أني لو قد
استوت أخافها بالجدد لهان عليَّ طلب من طلبني».
•
المسير
إلى الحسين:
:.
ثم أنطلق مع جماعته، وغادروا بلا تردد ولا
عودة وهم كل من: المجاهد البطل عامر بن مسلم ألعبدي، ومولى عامر، وسيف بن
مالك ألعبدي، والأدهم بن أمية ألعبدي فكانت عدتهم سبعة مع ابن نبيط نفسه
وولديه وقد كانت لهم صفحات مجيدة بيضاء في سوح الجهاد وميادين العمل لاعلاء
كلمة الله وراية الاسلام.
والمدهش ان أولئك السبعة كلهم لم تصل اليهم
رسالة واحدة، ولم تقصد فرداً واحداً منهم أبداً، وإنما تسامعوا بالرسائل
الحسينية فتأهبوا، وقد تركوا إبن مسعود النهشلي قائداً ينظم ببطء وسرية،
وهبوا وحدهم يسيرون بورع لاجتياز الحدود اولاً، وفي الوقت اوعز فيه ابن زياد
بن ابيه، لاخيه في البصرة ان يتشدد بوضع النظارة وبث العيون، فأصبحت المهمة
عسيرة شاقة، ولكنهم أسقطوا أي اعتبار يقف حائلاً دون جهادهم فجازفوا بصلابة،
وحدا بهم حاديهم في الطريق وكان الحادي خالص نياتهم، وكان نشيدهم الحب الوفي
لأسمى عقيدة وأقوى الصادرة من أنضمه الحكم الإرهابي وعبروا الحدود فواصلوا
نحو الإمام، وهم يغنون أغاني العقيدة، وأناشيد صرامة الأيمان بتراتيل لآيات
من القرآن الكريم!
•
الالتقاء
بالإمام:
:.
ثم بلغوا رحل الإمام وركبه في منطقة يقال لها
– الابطح من مكة – وحين التقوا بشخص الحسين عليه السلام وما أن رآه أبن نبيط
حتى هش إليه مسروراً، وقال لشدة سعادته وإغتباطه:
(بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)
السلام عليك يا ابن رسول الله، فسلم عليه وجلس إليه وأخبره بالذي جاء له فدعا
له الحسين بخير.. ثم ضم رحله إلى رحل الحسين عليه السلام.
وهكذا نلمس بالغ الإنس والفرح عندهم، بحيث
يعبر كبيرهم عن شوقه الكبير بهذه الآية:
(بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا).
وحري بهم أن يفرحوا، وجدير بمثلهم أن لا يحزنوا منذ يومهم ذاك
(فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
(وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم).
|