فاجعة سامراء بين الانحراف العقائدي واللعبة السياسية

عدي طالب آل حمود

 

 

تمهيد:-

 :.  الإسلام العظيم هو أكثر الأديان مراعاة لحرية الفكر والعقيدة ولنا شواهد كثيرة على ذلك نكتفي بإيراد شاهد من القران الكريم وبآخر من السنة المطهرة:-

الأول:- قال تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين  الرشد من الغي) فبلحاظ الآية الكريمة نجدها ظاهرة في عدم اكراه الغير على اعتناق الاسلام وترك دينهم.

الثاني: نجد ان الرسول الاعظم صلى الله عليه واله والمأمورين بإتخاذه اسوة وقدوة قد سمح لوفد نصارى نجران بممارسة شعائرهم الدينية في المسجد النبوي الشريف.

وهذا لعمري المصداق الامثل لحرية العقيدة في التشريع الاسلامي وسياسته الالهية.

كما ونجد رسول الانسانية العظيم يسمح لليهود بالسكن في المدينة واعتبرهم جزء من الشعب الذي يحكمه وفق شروط حددتها وثيقة المدينة وبذلك فإن اول دولة اسلامية بقيادة المعصوم كانت متكونة من اديان مختلفة.

 

بداية الانحراف :-

ان بداية الانحراف عن مسار الاسلام الصحيح ابتدأت بعد استشهاد المصداق الاكمل للسياسة الاسلامية العظيمة وهو الرسول الاكرم صلى الله علية واله وذلك بتغير البرمجة الالهية للحكم الاسلامي و المتمثل بالامامة وظهور بدع الرأي في مقابل النص وتعيين الامام بدل التنصيب الالهي ولاشك ان منصب الامامة هو في قمة الهرم التنظيمي الإسلامي فالاعتداء عليه اعتداء على المنظومة الإسلامية بكاملها أدى ذلك الى اهمال جُل المسلمين لما هو ادنى اهمية من ذلك فكثرت البدع فظلاً عن السياسة المتبعة الجديدة أدت الى ظهور نظام الطبقات ولاول مرة في المجتمع الإسلامي وبخاصة ايام الخليفة الثاني فقسم المسلمون الى فئات أذعنت ببروز اول مبادئ العنصرية في الاسلام وبالتالي تدهورت الحرية ونبذت المساوات واحترام الفكر الاخر، في نفس الوقت فإن السياسة وكما هو دأبها وطبيعتها تحتاج إلى من يروج لها ويظهرها ببرواز ذهبي لا نظير له يخطف ابصار من لا عمق لهم ليجعل منهم اتباع ومريدين يصنعون نوع شرعنة وقناعة للحكام ويظهرون المسلمين وكأنهم مازالوا  على الطريق القويم.

 

ثورة الجوع:-

هكذا كانت مسيرة المسلمين والتي ادت بالتالي الى اندلاع «ثورة الجوع» ابان حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان والتي بلغت الطبقية في ايامه قمة مجدها ليستأثر بعض الشخصيات المدعية ان لها في الاسلام نصيب، بالحظ الاوفر من اموال المسلمين ويذروا البقية كأشلاء باليه من شدة الجوع وجور الولاة، اندلعت ثورة الجوع لتعلن عزل عثمان ومقتله ووجوب الرجوع الى اصالة الفكر السياسي الاسلامي الذي طبق ابان الحكومة المحمدية في المدينة، فتمت البيعة لامير المؤمنين عليه السلام والذي رأى تفقام الوضع وترسخ افكار عقائديه غربيه عن كنهة الاسلام وعند اول خطوات تصحيحية اتخذها عليه السلام باعلان المساوة بين المسلمين مرة اخرى وانه لافرق بين مسلم واخر الا بالتقوى، ثارت حمية قوم فكانت حروب الجمل وصفين اما النهروان فكانت نتيجة للسياسات السابقة التي ولدت انحراف عقائدي ادى الى ظهور حزب ادعى الاسلام ولكن بثوب مبتدع جديد قائم على اساس العنف وسفك الدماء وعدم الاحترام لاي فكر اخر بل الجميع كافرون بما فيهم أمير المؤمنين ذاته المشهود له من قبل الرسول صلى الله عليه واله بالحق اذ قال «علي مع الحق والحق مع علي».

 

إنتصار الباطل:-

على اثر استشهاد الامام علي بن ابي عليه السلام تفاقم خط الانحراف في الامة وانتعاش المغذي الرئيسي له المتمثل بمعاوية من جهة والخوارج من جهة اخرى لينتج بذلك خطوة فكرية جديدة تمثلت بمذاهب سياسية واخرى عقائدية لعبت الاهواء الشخصية والمصالح الذاتية دورها الفاعل والمؤثر في بلورت مبادئ التكفير لطوائف المسلمين وبخاصة انها وجدت في الاحاديث الموضوعة على الرسول المؤسس خير معين لا ينضب لتغذية خطها المنحرف وبذلك انقلبت الموازين ليكون الباطل اساساً والحق داحض في اذهان الكثير بما فيهم من يدعي كونه من مفكري الاسلام ومنظريه، فانتصر الباطل على الحق فكانت مأساة الامة.

 

عصر بني أمية وتركيز الانحراف:

قيل ان السياسة هي التعامل مع الواقع بما هو واقع في محالة لتوجيه النار الى قرص الساسة بغض النظر عن مصالح الامة، فالسياسي يقتفي أي طريق كان واي وسيلة توفرت في الوصول الى غايته ومحافظته على مصالحه ضارباً بمادئ الاسلام وفكره عرض الحائط، هكذا هو الحال في دولة بني امية فكانوا يسيسون الناس وفق اهواءهم سواء كان بطرق الاغراء بالمال او التعذيب بالسيف والنار، استمالوا قلوب العامة بالمال وضربوا الخاصة بالحديد والنار، وبذلك تمركزت الافكار الانحرافية وتفشت اكثر فاكثر وظهرت مدارس، لم تعرف من الحكم الاسلامي الا العنف والقتل وعدم المساواة فلا للشورى ولا للسلم ولا للحرية ولا للتعددية نعم للاستبداد نعم لسفك الدماء. لتغطي هذه الحقب الزمنية والعقود المأساوية على نضارة الاسلام واصالته ولتمد جذورها في الامة حتى زمن اضمحلال الدولة الاسلامية وتقطعها دويلات لتصفح بذلك لقمه سائغة للدول الاستعمارية.

 

الامة والدول الاستعمارية:-

من المعروف ان الدول الاستعمارية تدرس اوضاع الامم التي تحتلها ليسهل السيطرة عليها ولتضمن الولاء لها اطول مدة ممكنة ولا يتأتى ذلك الا بابراز نقاط ضعف تلك الامم بتقوية خطوط الانحراف فيها، فمن المعلوم ان فكر الامة ومنهاجها اذا كان رشيداً اصيلاً ناشئاً من صميم دينها وقيمها. يكون السبيل الاقوم لنهوضها وانقاذها من براثن السيطرة الاجنبية عليها.

بحثت تلك الدول الكبرى في تأريخ الدولة الاسلامية لتجد في انحرافات بعض رجالها كمحمد بن عبد الوهاب المتأثر بافكار الضال المضل إبن تيمية خير معين لها فإبتكرت وكما هو معروف لدى كثير من مفكري ومثقفي الاسلام ديناً جديداً يناقض الاسلام في فكره وحريته وشورته وتعدديته يعمل على تهديم كل تراث حضاري يذكر المسلمين بمجدهم التليد واصالة دينهم ليجعل منهم بغبغاوات تردد ذات الكلام الذي لا يجدي والصادر من غير فكر ودليل فكانت الحركة الوهابية قمة الانحراف تجاه الخط الرسالي في ذات الوقت الذي اوجدت فيه احزاب علمانية تضاد الاسلام على الطراز الاوربي فكان حزب العفالقة قمة الجناح الاخر لتحطيم الاسلام وينبوعه ونمير ماءه.

 

واليوم لماذا سامراء؟

هل سامراء هي البداية في قطف ثمار الانحراف العقائدي الانف الذكر ام قد سبق ذلك امر اخر.

الجواب واضح المعالم فها هي المدينة المنورة وبقيعها الغرقد ورموز الاسلام وقادته وقد طمست معالمهم وآثاراهم في محاولة لطمس فكرهم الاصيل المؤدي الى نهضة المسلمين وتكاتفهم واعادت اعوجاج دينهم كما انزل على قلب الرسول كانت خطة الانحراف تبدأ هناك لتشمل بعد ذلك جميع الرموز في الدول الاسلامية كافة ولربما حتى الكعبة ذاتها ولو ان السياسية يومها غذت بعض خطوط الانحراف الأخرى لأدى ذلك الى ازالة الحجر عن موضعه وابطال الطواف حوله كما ادعى البعض من المنحرفين.

واليوم سامراء في خطوة جديدة لطمس معلم جديد من جهة ولزيادة التباعد بين المسلمين وتفرقهم من جهة اخرى وبذلك ضمان ضعف الاسلام وعدم قدرته على المواجهة والنهضة. اختيرت سامراء لان الضروف المحيطة بها تساعد على ذلك فضعف الامن من جهة ووجود بيئة خصبة لزرع الانحرافات الجديدة والمتغذية اصلاً من الانحراف الانف الذكر وعدم وجود موالين (الشيعة) قرب المرقد المقدس وفر فرصة ذهبية تم اغتناهما لتحقيق الهدف المنشود، وبخاصة من اوكلت لهم حراسة المرقد لا يؤمنون بقدسيته فكانت الكارثة وللتتكرر مرة اخرى في ذات اليوم إلا وهو يوم الاربعاء الاسود.

 

سياسة اليوم:- اللعبة الجديدة القديمة:-

في استقرار الاوضاع السياسية اليوم وما يكتنفها من مشاكل جمة في محاولة للتوفيق بين مختلف الاتجاهات الفكرية المتناقضة فيما بينها والمؤدية بالتالي الى المصائب تلو المصائب هل ستسمع تلك المذاهب السياسية بتلبية المطالب في اعادة بناء المرقد الطاهر في سامراء؟ ومتى؟

ومن جهة اخرى هل ستسمح تلك الدول الاستعمارية لاعادة البناء وبالتالي تحطيم كل النتائج المستحصلة لجهود حثيثة والتي اشرنا اليها سابقاً هل سيسمح باعادة بناء رمز من رموز الاسلام يعيد الى الاذهان قوة الاسلام ومنعته وعزته ووجوب اظهاره على الدين كله ويكون الدين كله لله.

واخيراً نقول تلك التساؤلات سوف نتعرف الاجابة في الاشهر القادمة وان كانت بوادر ذلك قد بدأت تلوح في الافق وهو بقاء الوضع على هو عليه والتعذر بعدم الملائمة في المرحلة الانية ووجوب الصبر اكثر على هدر كرامة الدين ومقدسات الاسلام وبالتالي فان وراثة الذل والخنوع تكون السمة البارزة للحياة العصرية. ولربما يبدأ العمل الاقناعي في محاولة لكسب الشارع الاسلامي الا ان النتيجة سوف تكشف وتبان في المستقبل انشاء الله.