فضلاء حوزة النجف الأشرف في ضيافة سماحة السيد المرجع (دام ظله)

بسم الله الرحمن الرحيم

استقبل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة جمعاً من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية الوافدين من مدينة النجف الأشرف، وبعد أن تمنّى لهم التوفيق في سفرتهم العبادية وقبول زيارتهم وطاعاتهم، أوصى بالوحدة ونبذ الخلاف وعدم الإنجرار وراء المنازعات فقال:
كان قبل أكثر من مئتي عام يعيش في النجف الأشرف عالمان جليلان هما السيد مهدي بحر العلوم والشيخ مهدي النراقي. وكانا زميلي دراسة ثم تفرّقا وأصبح كلّ منهما مرجعاً للتقليد، إذ بقي السيد بحر العلوم في النجف فيما ذهب الشيخ النراقي إلى كاشان. وكانت بينهما رسائل متبادلة؛ فكتب الشيخ النراقي للسيد بحر العلوم مرة ـ ما معناه ـ : إنكم تعيشون على ضفاف بحر علوم أمير المؤمنين سلام الله عليه وفي جواره فلا تنسونا واذكرونا عنده، خاصة عندما ترتشفون وتنهلون وتغترفون من بحر علمه؛ كما جاء ذلك في أبيات كتبها له يقول فيها:
أَلاَ قُل لسكّان أهل الغريّ..... إلى آخر الأبيات.
فكتب السيد بحر العلوم في جوابه:
من شاهد غائب إلى غائب شاهد...
أي إنكم وإن كنتم غائبين بأبدانكم إلا أن أرواحكم حاضرة هنا، أما نحن فأرواحنا غائبة وإن كنّا حاضرين بأبداننا.
هذه القصة على صغرها لها دلالة عظيمة وعبرة لاسيما لأهل العلم سواء في النجف وكربلاء أو الكاظمية وسامراء أو المدن الأخرى كمشهد وقم.
فالشيخ النراقي يقول للسيد بحر العلوم: إنكم تعيشون في النجف الأشرف وإلى جوار أمير المومنين سلام الله عليه، وهذه مكانة لا تثمّن.
ولكن انظر إلى جواب السيد بحر العلوم وأدبه وودّه وإخلاصه. فهو يقول: إنك وإن كنت بعيداً عن النجف بجسمك ولكنك قريب منها بروحك؛ فما فائدة أن يكون الجسم قريباً والروح بعيدة.
والعبرة الموجودة في هذه القصة هي روح الودّ والأخوّة الصادقة رغم بعد المسافات والفترة الزمنية، وربما الاختلاف في كثير من الخصوصيات. فليس من الضرورة أن يكون هذان المجتهدان متفقين في كل شيء فربّ أمور كثيرة يختلفان فيها، ولكن نلاحظ مع ذلك أن كلاًّ منهما يتواضع للآخر ويوادّه ويخلصه القول.
إن من أهمّ الأمور التي تمس الحاجة إليها اليوم لاسيما في صفوف أهل العلم ولاسيما في العراق الجريح، العراق المظلوم المضطهد، الذي خلّف عقوداً سوداء بما للكلمة من معنى، والمقبل ـ إن شاء الله تعالى وبفضله ورعايته ورعاية النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار سلام الله عليهم ـ على غدٍ مشرق إيماني وأخلاقي، هو أن نتبنّى ثقافة التعايش.
وأضاف سماحته: إن ثقافة التعايش موجودة ولله الحمد، ولكنها بحاجة إلى تعميق وتوسيع وسحب إلى كلّ المجالات والميادين.
وقال دام ظله: يوجد في القرآن الكريم آية ما أعظمها ـ وكلّ آيات القرآن عظيمة ـ هي قول الله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا...». والمعروف في اللغة أن هذه الفاء هي فاء التفريع والإتصال أي إن ما مذكور بعدها متفرّع على ما قبلها. يقول إبن مالك في ألفيته: الفاء للتفريع باتصال.
أي مباشرة ومن دون فاصلة زمانية.
ولذلك يقولون إن تقدّم الأول على الثاني ليس زمانياً بل رتبياً أي تقدّم في الرتبة ، ومعناه إذا حصل النزاع حصل الفشل فهو معه وليس بعده ولكنه فرع ومسَّبب عنه.
إذن لنشطب على كلمة النزاع في حياتنا ونسعى للحيلولة دون تحقّقها خارجاً؛ لأن الإنسان قد يكون غير راغب في النزاع ولكن يجرّه الآخرون إليه جرّاً. فعلينا أن نكون منتبهين ويقظين وحذرين جداً.
وهذا الأمر القرآني بنبذ الخلاف ونبذ النزاع موجّه للمسلمين وفي كل زمان ومكان ولكننا اليوم أحوج ما نكون إليه وبخاصة أهل العلم ولا سيما في العراق ولنا في أئمتنا سلام الله عليهم خير قدوة. فهذا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وآله أنه: مع الحق والحق معه وأنه ميزان الأعمال، ما يعني أنه سلام الله عليه الحق المحض وأن من يقف في وجهه يكون الباطل المحض، يقف عند قبر سيدتنا فاطمة سلام الله عليها ويقول: أما حقّي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس، وأما قبر فاطمة فلا ينبش.
فإذا كان علياً سلام الله عليه يتنازل عن حقّه الشخصي وهو الحق المحض، فكيف بنا نحن الذين لسنا حقاً محضاً بل متمسكين إن شاء الله تعالى بالحق المحض.
أسأل الله تعالى أن تكون هذه الكلمات النورانية من القرآن الحكيم وأهل البيت سلام الله عليهم نصب أعيننا حتى يسرع العراق في مسيرته نحو الخير الواسع إن شاء الله تعالى.