تحت شعار: «الخطابة الحسينية مفتاح الإصلاح وسلم الرقي»

 مدرسة ابن فهد الحلي تعقد مؤتمرها التبليغي السادس

   

 عقدت حوزة كربلاء العلمية ـ مدرسة العلامة احمد بن فهد الحلي رحمه الله ـ مؤتمرها التبليغي السنوي السادس للخطباء الحسينيين بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام لعام 1433هـ وذلك بتاريخ الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1432هـ على قاعة المؤتمرات والندوات في المدرسة بحضور كبير.

المؤتمر عقد تحت شعار: «الخطابة الحسينية مفتاح الإصلاح وسلم الرقي» استهل بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم بصوت المقرئ الحاج مصطفى الصراف ـ مؤذن الروضة الحسينية المطهرة ـ ومن ثم كانت كلمة الافتتاح لآية الله الشيخ عبد الكريم الحائري الذي أعلن بدء أعمال المؤتمر مرحباً بالضيوف الكرام من علماء ورجال دين وطلبة علم وخطباء المنبر الحسيني الشريف.

أولى كلمات المؤتمر كانت لسماحة العلامة الشيخ علي الفدائي وقد أكد من خلالها على أهمية إعداد النفس وتهيئتها لاستقبال شهر محرم الحرام قائلا: نحن على أبواب شهر محرم الحرام وسنكون يومئذ في ضيافة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام فينبغي لنا إعداد أنفسنا وتهيئتها لذلك فمثلما تُهيئ الأنفس لاستقبال شهر رمضان المبارك بصيام شهري رجب المرجب وشعبان المعظم لنكون في ضيافة الله تعالى كذلك ينبغي أن نهذب أنفسنا لشهر محرم الحرام.

ومن ثم بحث مسألة التهيؤ على جانبين: الأول فيما يخص تهيئة الجوارح كالعين بإيجاد قابلية البكاء فيها وذلك بإبعادها عن المحرمات وذات الأمر يجري في الجوارح الأخرى في بدن الإنسان، أما الجانب الثاني ففيما يخص تهيئة الجوانح وتنقية القلب والنفس لاستقبال هذا الشهر الحرام. وقد استفاض في ذكر الأمثلة لذلك مؤكدا انه لا يمكن الإصلاح الأعم ما لم يكن إصلاح للنفس وان الثواب يأتي على قدر المعرفة وهي قاعدة مطردة.

 

 ثاني كلمات المؤتمر كانت كلمة آية الله السيد مرتضى القزويني وقد استمدها من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة:122.

فعقًّب بعد ذلك متحدثاُ حول عظم مسؤولية المبلّغ وإنها وظيفة الأنبياء والرسل سلام الله عليهم بل إنهم بذلوا مهجهم وأنفسهم في سبيل الهدف الأسمى وهو الدعوة إلى الله سبحانه وإنقاذ العباد من الجهل والظلمات والانحرافات.

وخاطب المشاركين في المؤتمر قائلاً: أيها السادة: انتم سوف تنتشرون مع إطلالة الشهر الحرام في المدن العراقية وغير العراقية مبلِّغين رسالة السماء موعظين ومحذِّرين ومتحملين في سبيل ذلك الكثير فيجب أن يكون العظماء من المصلحين قدوة لكم في ذلك لاسيما رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والسيدة الزهراء والإمام الحسين عليه السلام الذي بذل مهجته في الله ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة.

أيها السادة: إن عملكم هو امتداد لعمل الأنبياء والأوصياء فيجب أن يكون هدفكم هدفهم وهو هدفٌ مقدس أهم من أي هدف يتصور في الحياة لذا فقد تحمل المبلّغون في سبيله الكثير من الصعاب فهذا إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قد عانا ما عانا وهجّر من العراق لأنه حارب الشرك والشيطان والكفر، فتحمل المشاق في سبيل رسالته السماوية فكان بلاءه شديداً وكما ورد في الحديث الشريف: اشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل. وانتم الأمثل فالأمثل.

بعد ذلك تحدث سماحته حول العوامل والصفات الواجب توفرها في الداعي والمبلغ مستفيد ذلك من قوله تعالى على لسان موسى الكليم: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي) فاطر: الآيات 25ـ28.

وختم حديثه بالدعاء لكل الحاضرين والمشاركين بالتوفيق والسداد سيما خطباء المنبر الحسيني متحدثا حول عظم الثواب وان الدعوة إلى الله سبحانه لا تترك على كل حال حتى لو قُطّع المبلًّغ إرباً إربا ذاكرا شواهد على ذلك منها واقعة شهادة ميثم التمار رضوان الله عليه الذي اتخذ من النخلة التي صلب عليها منبرا للتبليغ والدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام.

 

ثالث كلمات المؤتمر كانت لسماحة العلّامة الحجة الشيخ ناصر الأسدي وقد استمدها من الآيات المباركة: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد: 22-24 .

وعقّب قائلاً: الآيات المباركة المتقدمة تضع أمامنا شروط المبلغ ويأتي في مقدمتها الصبر وعليه ينبغي أن يكون المبلغ صابرا متحملاّ الصعاب في مختلف الظروف والأحوال ولو تأملنا التاريخ لوجدنا الكثير من النماذج الراقية من المبلغين الصابرين في سبيل الله وتحقيقا لأهداف سيد الشهداء عليه السلام وأول من استشهد من أبطال النهضة الحسينية كان مبلغا وهو رسول الحسين عليه السلام إلى وجهاء أهل البصرة سليمان بن رزين رضوان الله عليه حيث بلّغ الرسالة إلا إن احد الوجهاء وهو المنذر بن الجارود ظن أن سليمان جاسوسا فقبض عليه وسلّمه إلى الطاغية عبيد الله بن زياد الذي أمر بقتله فمضى شهيداً صابراً.

وأضاف أن الصبر يجب أن لا يكون في مسألة التبليغ لأجل المال أو السلطة بل ابتغاء وجه الله سبحانه ولنا في سيد الشهداء عليه السلام الأسوة والقدوة حيث كان على رمضاء كربلاء مضرجاً بدمه الطاهر ينادي الهي رضاً بقضائك.

ثم تحدث سماحته حول الشروط الأخرى الواجب توفرها في الداعي والمبلّغ وفق الآيات المتقدمة صدر البحث فتحدث حول الشرط الثالث وهو إقامة الصلاة مؤكدا إن الصلاة عمود الدين كما في الأحاديث الشريفة وان من يداوم على صلاته صحيحة مقبولة سوف يضمن نهجاً صحيحا في الحياة وكذا المجتمع المصلي مجتمع نقي بعيد عن شوائب السلب والجريمة، مجتمع منظم قادر على إدارة الحياة والإصلاح العام.

أما الشرط الرابع الذي بحث حوله هو شرط الإنفاق سرا وعلانية مبيناً أن كل امرئ ينفق مما عنده والمبلّغ ينفق العلم لا المال أو غيره، بل إن عمل المبلّغ هو عين الإنفاق مما رزقه الله سبحانه من علوم لينقذ بها المجتمع ويخرجه من غياهب الظلمات إلى نور الحقائق، ونوه إلى أن الإنفاق سرا هو بتعليم فرد واحد كما نجد ذلك في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي ذر رضوان الله عليه وكذا أمير المؤمنين عليه السلام لميثم التمار رضوان الله عليه وهكذا ينبغي على المبلغ أن ينقذ العباد ولو كان لإنسان واحد.

أما الشرط الخامس الذي تحدث حوله فقد تمثل بأسلوب التبليغ الذي يجب أن يكون بالحسنى وان يدفع المبلّغ الإساءة بها ويحسن إلى من أساء إليه.

ومن ثم شرع بالحديث حول ثواب المبلّغ ومنزلته عند الله سبحانه ومكانته في الجنان وفق الآيات المباركة: (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلِّ بَابٍ*سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) وان من نعم الله على المبلغ أن ينعم بالثواب من صلح من ذريته فيشاركه فيه.

 

 خاتمة كلمات المؤتمر كانت كلمة آية الله الشيخ فاضل الصفار والتي استهلها بالكلمات الشريفة الواردة في زيارة مولانا أبا الفضل العباس عليه السلام: «.. وقلبي مسلّم لكم وتابع وأنا لكم تابع ونصرتي لكم معدّة ..»

فعقّب قائلاً: هذا النص ورد في زيارات عديدة فينبغي لنا كمبلّغين وخطباء الوقوف عنده، وهذا النص لا يقسم الناس إلى مؤمنين وغير مؤمنين بل يقسم المؤمنين إلى موالين وغير موالين، وهذه نكتة مهمة ينبغي الالتفات لها ففيها مزل الأقدام كانت ومازالت بين أهل الفضل، وإذا أراد الإنسان أن يعرف نفسه انه من أي الصنفين لا بد أن يلاحظ ثلاثة أمور:

الأول/ أن ينظر إلى قلبه هل هو مسلم لإمامه أم انه مسلم ومحب له ولغيره.

الثاني/ أن ينظر إلى رأيه هل هو تبع لرأي إمامه أم انه يجعله في قبال رأي المعصوم سلام الله عليه.

الثالث/ العمل والنصرة، فهو في مقام العمل كيف تكون نصرته لإمامه، هل إذا قُدح بأمر أو انتُقد يقوم ولا يقعد لكن إذا انتهك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أو الإمام لا يحرك ساكن.

فهذا النص اذا تأملناه يعين لنا المنهج والوظيفة، ووجوب أن نكون مسلّمين للإمام عليه السلام ومقتفين أثره وان لا نرى لأنفسنا شيء قباله وان ننصره سيما ونحن من أهل العلم، وكذا ينبغي أن نلاحظ انه ليس للعلم قيمة ذاتية بل قيمته بمنفعته ولو كان للعلم اعتبار لكان لإبليس غاية الاعتبار.

وأضاف: نسمع من كثير ممن يتحدثون في الفضائيات أو يلقون المحاضرات أو في بعض البرامج بل في بعض الكتب كذلك قد ابتلوا بظاهرة خطيرة وهي الغرور العلمي حيث يجعل نفسه مقياس للحق وعندما تعرض عليه بعض الروايات التي لا يفهمها يردها ويشكك فيها وهكذا سرى هذا المرض الخطير حتى وصل الأمر إلى التشكيك في أمهات كتبنا الأصولية، وهؤلاء في نظرهم يقدمون خدمة إلى الدين لكن الأمر في منظور أهل البيت عليهم السلام أنهم خارجون عن ولايتهم، فالأمر خطير يجب الحذر منه.

بعد ذلك تحدث حول بعض الشخصيات التي شهدها التاريخ والتي تميزت بالولاء والتسليم المطلق لأهل بيت الرسالة والعصمة عليهم السلام، حيث تحدث حول شخصية العلامة الأميني قدس سره وكتابه الغدير وما سر نجاح الكتاب إلا الإخلاص والتسليم والأتباع الحق من قبل العلامة الاميني لأئمته الطاهرين سلام الله عليهم.

هذا وختم المؤتمر بتقديم بعض الجوائز للطلبة الفائزين بمسابقة البحوث العلمية والتي أجرتها إدارة الحوزة سابقاً.