المرأة بين الفكر الإسلامي والرؤى المقابلة

نظرة موجزة على جوانب من معاناة المرأة عبر تأريخ الإنسانية وفضل الإسلام عليها في الخلاص

 

الحمد لله كما ينبغي أن يحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين..

وبعد: فقد عاشت المرأة فبل الإسلام فترات قاسية وممضة، إمتدت لقرون متطاولة، وقد عانت الكثير، من القهر والحرمان، ففقدت دورها بالكامل، وحرمت من أبسط حقوقها المشروعة.

 

المرأة والدولة الفارسية:

ففي ظلّ الإمبراطورية الفارسية عانت الحرمان والقهر بشتّى صوره تمثّل في الجانب الثقافي والفكري والتربوي والسياسي، وهكذا اعتبرت التعاليم الفارسية المرأة شيطانة وتحمل روحاً شرّيرة، وإذا احتيج إليها فإنّه شرٌ لا بد منه للإنجاب فقط. وبهذه النّظرة السيّئة انحسر دورها كلياً، ومن حقوق أساسية كانت بأمس الحاجة آنذاك.

 

الفكر الروماني:

إما الرومان فكانوا يعدون المرأة أداة إغواء يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب، ومن أجل ذلك كانت تنزل بها العقوبات البدنية القاسية وفي إحدى الفترات كما يذكر كتاب «المرأة في ظل الإسلام» عقد مجمعاً علمياً كبيراً للبحث في شؤون المراة فانتهوا الى النتيجة التالية:

« إن المراة كائن لا نفس له وإنها من أجل ذلك لن ترث الحياة الأخروية فإنها رجس».

 

الشرع الهندي:

وإما الشرائع الهندية، فقد كانت المرأة عندهم تعتبر حطاماً «تحترق» بقيد الحياة على قبر زوجها الى وقت قريب ويشار الى إحراق النساء مع أزواجهن المتوفين بلفظ «السوتي»، ففي ولاية «مارتا» كان لأحد أمراء الهند «17 زوجة» وكان لأمير آخر هناك أيضاً «13 زوجة»، وبعد موت الأميرين قدمت الزوجات البالغات «30 إمرأة» طعمة للنار، عدى واحدة كانت حاملاً فأجل حرقها حتى تلد، وقد تذمر «البرهميون» الهنود أشد التذمر حيث أمرت الحكومة إلغاء «السوتي» فحين صدر الأمر بإلغائه في سنة 1829هـ هبّت عاصفة من الإعتراض والإحتجاج على الحكومة وأمطرها البرهميون شكايات يلتمسون فيها إلغاء ذلك القرار.

 

فرنسا قبل البعثة:

قبل البعثة النبوية وبالضبط في سنة 586هـ عقد في فرنسا مؤتمر دار النقاش فيه حول استحقاق المراة ان تعتبر أنساناً أم لا تستحق ذلك؟ وكانت النتيجة أن اعتبرت المراة إنساناً ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب. مسؤولية المرأة/ حسن الصفار ص16.

 

الصين قديماً:

ويذكر « ول ديورانت» عن أوضاع الأسرة في كتابه «قصة الحضارة» أن الصين كانت تنتهج نهجاً سيئاً إزاء المرأة حيث تترك البنات في حقول للموت في الصقيع أو غذاء للحيوانات الضّارية عندما يتجاوز عدد البنات الحد المطلوب.

 

البابليون والمرأة:

ويقول: وكان الرجل «البابلي» إذ افتقر دفع بناته الى البغاء طلباًً للمال، كما أنها كانت تباع في أغلب الحضارات والمجتمعات القديمة الى زوجها كأنها سلعة من السلع، فقد كان الرجل البابلي يعرض بناته للزواج، بعد أن ولى بمهنة المناداة عليهن لكل عابر سبيل.

 

تعليقة:

إن من يستقرأ تأريخ المرأة قبل الإسلام يقع على صورة مؤلمة ومخزية وصفحات تزكم الأنوف تنبأ عن النظرة الضيقة للإنسان قبل أن تكون للمرأة، إذ إن الإهمال يجرأ الإنسانية ويعدم فيه الشقّ المكمل له.

فالمرأة تكمل الرجل، وتقوّم شخصيته وكما جاء في الحديث الشريف، عن النبي صلى الله عليه وآله: «النساء شقائق الرجال» وهو حق يكشف عن الدور الكبير للمرأة، ويثبت قانوناًً بايولوجياً فيما يخصّ الإنسان.

ولكن هذه الحقائق الكبيرة غابت تماماً عن قاموس الحضارات القديمة وحتى الحديثة فأنحسر دور المرأة في ظل الحضارات، وتقلصت فرص المشاركة في الحياة بشتى جوانبها، كما وتعثرت الكثير من الخطوات الحضارية بمعناها الصحيح، وانهارت المشاريع، بما فيها المشروع العلمي والاجتماعي حيث عانى الرجل من الفراغ وبالذات المعنوي.

 

سؤالٌ ورد:

وقد يسأل البعض ويقول: أن تاريخ الحضارات يشيد بالحضارة الرومانية والفارسية، فأين إذن الخلل؟

والجواب: إنّ تاريخ الحضارات يشير وكما هو مذكور للجانب العمراني والمدني ولكنه يذرف الدموع على الجانب الإنساني والثقافي والأخلاقي.

وهذه الجوانب مجتمعة تشكّل نسيجاً واحداً يطلق عليه الحضارة.

فأي خلل يصيب جانباً منها فلا يصدق عليه كلمة الحضارة.

من هنا فإن الحضارة الرومانية والفارسية وغيرها كانت متقدمة واحد أو جانبين ولكنها متأخرة في جوانب كثيرة، ومثلها الآن حضارة القرن الواحد والعشرين فهي متقدمة ومتفوقة في جانب واحد وهو «التكنلوجي» ولكنها متخلفة في جوانب عديدة وأشدّها الأخلاقي.

ثم إنّ التطور العمراني فيها ضئيل إذ لم يبلغ المستوى الكافي، وكان ينبغي أن يكون أعلى مما هو عليه. ولو أعطت للمرأة دوراً لكانت الثقافة والأخلاق وقد بلغت مستوى يفوق عما كانت عليه.

فعليه فإن غياب المرأة شكل عقبة أمام الكثير من المشاريع العلمية والثقافية والاجتماعية.

يمكن أن نقول: أنّ الإمبراطوريات آنذاك لو كانت تحترم المرأة وتعطيها الإعتبار اللائق لكانت حياتها تطوَّرت كثيراً ولعمّرت قروناً أُخر، وتركت بصماتها الخيّرة على حضارات عديدة ومنها الإسلامية، ولكنها سارت في منحى آخر ودخلت في نفق مظلم الأمر الذي جعلها أخيراً تلفظ أنفاسها.

 

عقبة كؤود:

والمشكلة الأخرى التي تركتها على الشعوب، حيث جعلت العديد من الأمم تقلدها بسبب «الفراغ الحضاري» وكما هو معلوم فإن حالة التقليد غريزة مودعة في كيان البشرية وقد تطوّل حالة التقليد أو تنتقص تبعاً لقوة وضعف الشخصية سواء كانت أمة أو شخصية. فألضعيف دوماً يقلد وفي بعض الأحيان يكون تقليده أعمى، وهذا الشكل من التقليد يفقأ البصيرة، ويقتل مقومات الشخصية الأمر الذي يجعل المُقلِّد يتبع المقلَّد في كل شيئ حتى لو كان هزيلاً.

 

القبائل العربية والتقليد الأعمى:

من هنا فإن القبائل العربية أخذت تقلد الأمم الكبيرة وبالذات في إمتهان المرأة وأحتقاراها، وقد يكون هذا التقليد إحدى الأسباب في وأد البنت الذي لم يلتفت إليه الكثير، حيث كانوا يعزون الأسباب الى الغيرة والفقر.

وليس فقط القبائل العربية هي التي كانت تقلد وإنما الكثير من الأمم راحت تنسج على منوال الإمبراطوريات، وهكذا أخذت تنتشر حالات الاحتقار والوأد والإمتهان. وتتحول الى واقع يفرض نفسه لعدة قرون.

 

وأد الروح:

ولكن الظاهرة التي طغت على القبائل العربية تجسّدت في وأد المرأة روحياً وجسدياً، فإذا كانت الشعوب تأد المرأة روحاً، فإن قسماً من القبائل العربية أحذت تأد المرأة روحاً وجسداً، وإن كان وأد الروح أشد إيلاماً، حيث تعيش المرأة باستمرار تحت وطأت الحرمان والقهر والذل، وهذا بحد ذاته يعتبر وأد للمرأة في كل يوم، فحياة الإنسان تتقوَّم بعدة عوامل يأتي في مقدمتها العزة والكرامة.

لقد تعاملت بعض القبائل العربية بشكل قاسي مع البنت وسبب هذا التعامل نزيفاً في العاطفة مما جعل الينبوع يجفّ وتتلاشى الأحاسيس الإنسانية وهذا ما دعى القبائل تتعامل بقساوة وبشاعة، فظهرت حالات الإنتقام وتفجرت ينابيع الشر. وهكذا كانت بعض القبائل تغير على الأخرى لا حباً للغزو وإنما حباً للإنتقام.

إنَّ جفاف العاطفة تقود الإنسان الى أعمال وحشية بدون أن يشعر بها بعض الأحيان.

 

ولادة الزهراء وأثره في التغيير الحضاري:

وشائت الإرادة الإلهية ان تكون الولادة الميمونة للزهراء عليها السلام بعد البعثة النبوية بخمس سنوات، وفي مكة المكرمة وشكّلت الولادة حدثاً هاماً في حياة المسلمين، حيث كانت لها دلالات عظيمة فقد رافقت ولادتها معاجز كبيرة، أعطت أهمية للمرأة وخلقت إنطباعاً طيباً في النفوس، كما وسلطت الضوء على الجانب الإجتماعي الأثر الفعال في ترطيب النفوس وترقيق القلوب، الأمرالذي جعل الكثير يهتم بهذا الجانب ويوليه أهمية، بدليل إختفاء الكثير من المظاهر اللاإنسانية  التي كانت طاغية في المجتمع منها «إحتقار المرأة» والإمتعاض الشديد من ولادتها.

وهكذا عندما ولدت الزهراء عليها السلام اولدت الجانب الإجتماعي وصيرته واقعاً يؤلفه المسلمون، ويستمرؤنه بكل قلوبهم ومشاعرهم.

 

تجسيد الفكر الإسلامي:

وإذا نقرأ حياة او سلوك الرسول صلى الله عليه وآله مع السيدة خديجة والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام نقف على هذه الحقيقة، حيث كان يحترم السيدة خديجة وكذلك الزهراء عليها السلام.

وفي حديث: «وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت فقبلته وأخذت بيده فأجلسته في مكانها».حقائق الحق ج10

وعن نافع عن أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قبل رأس فاطمة وقال: «فداك أبوك، كما كنت فكونني». البحار ج22ص491

وفي خبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «فداك أبي وأمي». فاطمة بهجة قلب المصطفى ج1ص110

وعن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وآله قبل نحر فاطمة». نفس المصدر

وعن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قدم من سفر قبل نحر فاطمة، وقال: منها أشم رائحة الجنة». نفس المصدر

وهكذا كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يحترم الزهراء البنت عليها السلام وقد ساهم الإحترام في صياغة شخصيتها المباركة بشكل لم يدع فجوة ولو صغيرة فيها، ومن جانب كان الإحترام يدفع الزهراء عليها السلام في تمثيل صفات الرسول الأعظم وتجسيد أخلاقه المباركة مع زوجها الإمام علي عليه السلام.

 

ثمار يانعة:

نعود ونقول أن ولادة الزهراء عليها السلام بعد البعثة شكلت عاملاً حيوياً هاماً في إظهار الجانب الإجتماعي وتأكيد مفرداته في الحياة الإجتماعية.

وكانت إحدى مفرداته ترتيب البيت الإسلامي، فقد أثرى البيت بمفاهيم عالية وغرس فيه مثل الإسلام، فأورقت المثل واخذت تظلل البيت، الأمر الذي جعل الرجل والمرأة يتعلقون به ويستغنون عن البؤر الفاسدة.

وعندما استقامت الحياة داخل البيت أخذ الرجل يكدح بقوة لتوفير مستلزمات الحياة السعيدة، وهو تطوّر إيجابي كبير ويسعى في تحسين وضعه التربوي والإقتصادي والعلمي. وهكذا تطورت حياة المسلمين وأنتقلت الى مرحلة راقية تكشف عن قوة الإستيعاب لمفردات الجنب الإجتماعي والتعلق به، إن عامل الولادة المباركة، كان يتكامل مع قوة الإيمان ونضوج العقل فالحياة تتكامل جوانبها باستمرار. إذ كل ما في الوجود يتكامل بعضه مع البعض، ويبقى عامل واحد يؤثر في التكامل وهو «القوة» فإذا كان الجانب الإقتصادي قوي فإنه يتكامل مع الجوانب الأخرى بقوة وسرعة وكذلك الجانب الإجتماعي.

والحمد لله رب العالمين.