بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله
رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين واللعن الدائم على أعدائهم
أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال سبحانه
وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنكاً)[1].
مما لا شك
فيه أن مجتمعاتنا ودولنا الإسلامية تعاني اليوم من ظنك المعيشة وتفاقم الظلم
وظهور الطبقية بشكل كبير في الواقع الاجتماعي، ومن الناحية القانونية فأن مشكلة
عدم التزام المواطن بالقانون الوضعي تكاد تكون من المشاكل المتفاقمة والكبيرة
المؤدية إلى المظالم والفقر، فهل السبب يكمن في ذات القانون؟ بمعنى انه لم يقنن
القانون بطريقة توجب التزام المواطن به، أم أن القانون اوجد عوامل الالتزام إلا
أن المجتمع يتضمن أفراد كُثر متمردين على القانون؟ وبالتالي فأن الأغلب هم من
المجرمين وفق المنظار القانون الوضعي المجعول، وهذا أمر خلاف الوجدان والواقع
حقيقة لدى المنصف.
تعريف القانون:
القانون: هو
مجموعة القواعد التي تحكم وتنظم سلوك الأفراد في الجماعة، وتوفق بين مصالحهم
والتي تفرض على مخالفها جزاء توقعه السلطة العامة.
فالقانون
يتكون من قواعد قانونية سلوكية تحكم النظام الاجتماعي، فيلزم أن تكون متلائمة
وظروف المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته، أما القانون المنبثق من عادات
وتقاليد ومعتقدات أجنبية لا يكون قانون مشعر بلزومه من قبل الفرد أو النظام
الاجتماعي الذي شرع فيه.
مصادر القاعدة القانونية:
يمكن تقسيم
المصادر إلى قسمين:
المصادر
الموضوعية: وهي التي يستمد منها مضمون القاعدة القانونية فتشتمل على عناصر
دينية واجتماعية واقتصادية.
والمصادر
الشكلية وتتضمن طرق إصدار القانون من الناحية الإجرائية.
والذي نحن
بصدده هو الأول، فالقانون لدى المجتمعات الإسلامية لابد أن يكون مستفاد من
الأدلة الشرعية الأربعة: الكتاب العزيز والسنة المطهرة والإجماع والعقل. حيث إن
كل واحد منها ثبت حجيته، وكل قانون يخالف هذه الأدلة بالمباينة أو بالمطلق، أو
من وجه، فهو قانون باطل[2]،
وبذلك يكون مبرر عدم الالتزام، فالباطل لا يلتزم به أحد وان كان مدعوما بسلطة
الدولة الظاهرية، بمعنى انه لا يوجد لدى الفرد شعوراً بالالتزام به وان التزم
به خوفا من قهر الدولة فانه في اغلب الأحيان ما إن يجد بُعد الرقابة عنه يخالف
القانون وهو مرتاح الضمير كون هذا القانون خلاف ما يؤمن به.
القانون الصحيح:
القانون
الصالح هو القانون المتجذر في الأمة فمثلا القانون الإسلامي هو قانون قد عمل به
أنبياء الله والتزموا به قال تعالى: ( مِّلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ)[3]،
وكثير من القوانين جاء بها آدم عليه السلام ماراً بكثير من الأنبياء عليهم
السلام إلى إن وصل إلينا، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم
مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا
وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن
يُنِيبُ)[4]،
فهذا القانون يمكن وصفه بالديمومة لأنه اكتسب عصمة من معصوم ثبتت عصمته بالأدلة
النقلية والعقلية.
وفي الحديث
الشريف: «إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عزّ وجل».[5]
أما القانون
الوضعي فان لم يكن منبثق من صميم تراث المجتمع وما يؤمن به فلا يمكن أن يكتب له
النجاح والديمومة، مثال على ذلك جملة من القوانين العراقية المدنية مصدرها ما
وضعه عبد الرزاق السنهوري المصري، وقد استفادها من أستاذه لامبير وبدوره قد
أخذها من القانون الروماني، ولم يجري عليها إلا بعض التغييرات لكي تكون متلائمة
مع الزمان والمكان[6].
فهل الصحيح
إن يترك طريق الأنبياء عليهم السلام والمصلحين العظماء مع إقرار السماء لتلك
القوانين بل تشريعها لها وإتباع القوانين التي وضعها الرومان والعلمانيين من
حقوقيي أوربا، ان هذا لشيء عُجاب! ومن ثم يلزمُ المسلمَ المعتقد بالإسلام
ومشرِّعه العظيم بل المجتمع الإسلامي بتلك القوانين.
وجازة تاريخية:
أول من جعل
القانون ـ تقليدا للغرب ـ في بلاد الإسلام هم العثمانيون ثم تبعهم القاجاريون
في إيران ثم سائر بلاد الإسلام المتجزئة كالعراق وسوريا ومصر وغيرها.[7]
وقد تذرع
العثمانيون بإلغائهم قوانين الله سبحانه بقوانين الغرب بأمور ثلاثة:
الأول: إنهم
تحت ضغوط مباشرة وغير مباشرة من الغرب.
الثاني:
متطلبات الظروف الراهنة في بلادهم.
الثالث:
مستحدثات المدنية الجديدة.
لكنهم لم
يفكروا ولو لساعة واحدة: إن المشكلة في استبدادهم لا من الغرب فقط، وان الغرب
تقدم لأنه استطاع التخلص من الاستبداد بالموازين الديمقراطية، ولو أن
العثمانيين تمكنوا من رفع اليد عن الاستبداد إلى الاستشارية الإسلامية لم يكن
مبرر لتغير القوانين الإسلامية.[8]
لا يقال: إن
الغرب تقدم لأنه طبق قوانينه وهي ذاتها التي استبدلنا بها القوانين الإسلامية،
فلماذا إذاً الاعتراض عليها؟
نقول: إن
الجواب جلي فيما تقدم، فإن تلك القوانين هي من صميم الحضارة الغربية وما يعتقده
الغربيون ويلتزموا به، أما نحن المسلمون في الشرق فحضارتنا وتراثنا متباين من
وجه معهم، بل تجد التباين في أكثر القوانين فكيف يمكن الالتزام بها لاسيما في
الدول ذات الغالبية الشيعية فالشيعة فقهاء ملتزمون بمصادر تشريهم بل إن الظلم
بعينه إقصاء ما يؤمن به المجتمع وتطبيق ما لا يؤمن به!؟
تناقض
المصادر وتداخلها:
كتب سماحة
الإمام الراحل قدس سره[9]:
ذكر بعض رجال القانون في كتابه: «مبادئ أصول القانون» بما لفظه: نستطيع ان نحدد
أهم المصادر بصورة مجملة بما يأتي:
1ـ الدين،
2ـ العرف والعادة، 3ـ مبادئ العدالة، 4ـ سوابق القضاء، 5ـ آراء الفقهاء، 6ـ
التشريع.
ويؤخذ عليه:
انه جعل مصادر القانون أمور ستة، بينما لا تناسق بينها في نفسها، كما لا وجه
لجعل الخمسة الباقية في قبال الدين الذي جعله أولاً.
أما انه لا
تناسق بينها: فلأن بعضها مربوط بالموضوع وبعضها الآخر بالحكم، فحاله مثل من
يقول: الحكم إما انه ماء وإما انه طاهر.
وإما أنها
لا يصح جعلها قبال الدين: فلأن الدين عبارة عن مجموعة الأحكام من الطهارة إلى
الديات، فأي مكان للخمسة الأخر؟
والشريعة هي
الدين، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ)[10].
تنويه:
التشريع/
فهو عبارة عن تقنين القوانين وفق ما يراه المجلس النيابي أو مجلس الأمة أو
الشعب مناسباً ضاربا عرض الحائط ما كان سابقا، هذا وان صحَ عند من يرى: (ما
لقيصر لقيصر) فانه لا يصح عند من يرى (الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)[11]
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً)[12]
ولذا فلا مجال له إطلاقاً في بلاد الإسلام سنّة وشيعة.
نعم للمجالس
النيابية ونحوها (التطبيق) بمعنى: تطبيق كليات الشريعة على الموارد الخاصة التي
هي محل الابتلاء, مع ملاحظة القوانين الثانوية إلى جانبها كالاضطرار, والضرر,
وقاعدة الأهم والمهم, وما أشبه ذلك[13].
الحكام والقانون:
تقدم أن بين
المسلمين وحكامهم تنافر من جهة أن الحكام لا يطبقون الأحكام الإسلامية ولذا فلا
احترام للقوانين عند المسلمين مهما أضفى الحكام على القوانين صفة شرعية، كما
انه توجد أمور أخرى سببت تنفير المسلمين من حكامهم مثل تأخر البلاد وشيوع
التعذيب وشيوع الجهل بين الحكام والأمة والقضاة بالإسلام، وبدورنا سنتطرق إلى
احد الأسباب فقط لكون التوسعة لا تتلاءم وحجم المقالة:
تأخر البلاد:
ما يراه
المسلمون من تأخر بلادهم عن بلاد الغرب تأخرا هائلا على اختلاف ألوان الحكام
وأنواع ما يطلقونه من شعارات بعثية عفلقية أو قومية أو ديمقراطية أو إسلامية،
حتى إن الغرب أصبح يتجول في الفضاء وبلاد الإسلام بعدُ تتخبط في أوليات الحياة
فلا تصنع حتى الإبرة ولا توفر حتى الأكل فإن لحمهم وأرزهم وحنطتهم تأتي إليهم
من بلاد الغرب فلماذا يا ترى كل ذلك؟
هل لأن
المسلمين من حيث الجسم والروح، والفكر والعقل، أقل من الغربيين، بينما المسلمون
باعتراف من علماء الطبيعة والجغرافيا وغيرهم هم المتفوقون في هذا المجال؟
أو هل لأن
مبادئهم مبادئ غير صحيحة، بينما اثبت التاريخ أن نفس المبادئ سببت لهم التقدم
المذهل يوم كانوا يطبّقون الإسلام؟ أو هل لأنهم لا ثروة لهم بينما ثبت بالأرقام
أن الغرب يعيش على ثرواتهم ويستفيد منها أيّة استفادة؟
إذن فلم يبق
إلا أن حكامهم هم الذين سببوا تأخرهم بسنّ تلك القوانين الجائرة التي لا تنفع
ديناً ولا دنياً بل تضرّ بهما أضراراً بالغة، حتى انطبق على المسلمين قوله
سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنكاً)[14].
هذا
بالإضافة إلى ما يراه المسلمون من سرقة حكامهم أموالهم بمختلف العناوين
وإيداعها في صناديق الغرب والشرق.
كما أنهم
لاستبدادهم وعدم التزامهم بنظام الشورى، ينصبون في الوظائف كل من يتملق ويصفّق
لهم، ويتركون أصحاب الكفاءات والمؤهلات، ومن الواضح: إن أصحاب الكفاءات وذوي
المؤهلات هم الذين يقدِّمون البلاد لا المصفقّين والمتملّقين الذين جاؤوا طمعاً
في المنصب والمقام، وبقصد ملئ الجيوب وتوفير أرصدتهم المالية.
هذا مع
العلم بأنه لا يرجع حال المسلمين إلى العافية ومنه إلى التقدم إلاّ بتطبيق
قوانين الإسلام والتي منها الشورى في الحكم ومنح الحريّات الإسلامية والتي منها
الأحزاب الحرّة والنقابات والجمعيّات وغيرها، وبالتالي تطبيق قوانين الإسلام في
كل جوانب الحياة.
اللهم إنا
نرغب إليك بدولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا
فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين.
__________________
[2]
ـ القانون، الامام السيد محمد الشيرازي ، مركز الرسول الاعظم، الطبعة
الثانية، 1419هـ، ص7.
[5]
كتاب من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4،ص250، ب178،ح4.
[6]
ـ القانون، مصدر سابق، ص173.
[7]
ـ القانون، مرجع سابق، ص177.
[13]
ـ القانون، مصدر سابق، ص188.
|