بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله
رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين واللعن الدائم على أعدائهم
أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى:(
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ
أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
سورة
البقرة:105.
إن ابرز ما
يميز التشريع والفكر الاقتصادي الإسلامي هو صدوره من أصل معصوم وبذلك فاحتمال
الخطأ فيه صفر فهو فكر مستق من الكتاب العزيز والسنة المطهرة والإجماع والعقل
ووفق شروط تبحث في طرق الاستنباط الشرعي في علم الأصول، أما التشريع الاقتصادي
الوضعي والتخطيط
الاقتصادي المتأتي من آراء المفكرين الاقتصاديين
فنسبة
الخطأ فيه عظيمة فهو فكر وتشريع لم يقم الدليل المعتبر على صحته بل هو أما
نتيجة تجربة
أثبتت نجاحها
في بلد
وفشلها في
بلد
آخر أو نتيجة إمعان فكر احد
الاقتصاديين المتأثر بالفكر اليهودي أو المسيحي فيأتي بنظرية
اقتصادية ويقيم الأدلة على صحتها ثم لا تلبث
إن تثبت فشلها عبر الزمن فهاهي نظريات آدم سميث[1]
التي طالما اعتمدها علماء
الاقتصاد والمالية في العالم اجمع وقفت عاجزة عن معالجة الكساد الأعظم الذي
اجتاح العالم في نهاية عشرينات
القرن المنصرم إلى أن اضطر الاقتصاديون يومها إلى الاعتراف بفشل نظريات آدم سميث فظهر كينز[2]
بنظرية جديدة أدت إلى تحريك عجلة الاقتصاد مرة أخرى.
جون مينارد كينز
الاقتصاد والأديان والأعراف السائدة:
جاء الإسلام
الحنيف بشريعة متكاملة من جميع الأنحاء لاسيما جانب الفكر والتشريع الاقتصادي
مراعيا في ذلك الأعراف السائدة ومصحح للفاسد منها بحيث استطاع تقويم الواقع وفق
التشريع الجديد المتلائم والعقيدة الإسلامية السائدة، وبذلك فأن خضوع الفرد إلى
القوانين وشعوره بضرورة التزامها أمر مسلم به ألا من شذ، وبذلك كان قوام الدولة
الإسلامية.
إذاً فالدين
بجنبته الروحية الآسرة للقلوب والأبدان والمتوافق مع الأعراف الموروثة كان له
الأثر البالغ في نجاح التشريع الاقتصادي المعصوم في الناحية العملية.
الفكر الدخيل وأسباب الفشل:
أما الفكر
الاقتصادي الدخيل ـ وهو مع شديد الأسف هو السائد ـ فيمكن لنا بحث أسباب فشله
على جانبين:
الأول/ انه
فكر دخيل بعيد عن الدين الإسلامي والمذهب الحق وبذلك فان أي تشريع اقتصادي سواء
كان في ناحية فرض الضرائب أو في مسألة التنمية الاقتصادية لا يجد تقبل من قبل
المجتمع ومن يخالفه يجد المبرر بسهولة كبيرة بل ربما يجد البعض ضرورة مخالفته
كونه مخالف لما يؤمن به، بل انه مبتني على آراء مفكرين مسيحيين ويهود مصادر
فكرهم أجنبية عن البيئة الإسلامية فضلا عن عدم عصمتها وكما تقدم نسبة الخطأ
فيها عظيمة.
الثاني/
انه فكر استورد بواسطة العملاء للاستعمار وبالتالي فالمقصود ضمان مصلحة
المستعمر «بالكسر» على مصالح المسلمين وبعبارة أخرى انه علم منحرف قُصد منه
تحطيم اقتصاد البلاد الإسلامية لا تنميتها،وهذا ما ينص عليه الإمام الشيرازي
الراحل نور الله مضجعه حيث يقول: «العلم الذي يوجب تحطم
الاقتصاد, هذا هو المنهج الذي وضعه المستعمرون للبلاد التي استعمروها سواء في
داخل مدارسها أو سائر وسائل إعلامها, أوفى المدارس التي تستقبل البلاد
المستعمرة, ليكون أولاد المستعمرات إذا رجعوا إلى بلادهم محممين للاقتصاد
الوطني, أو ان لا يستفيدوا من علمهم الذي حصلوه في البلاد المستعمِرة
(بالكسر)في ترفيع مستوى اقتصاد أوطانهم, وبالآخرة يكون علمهم حياداً عن
الفائدة, وسنذكر بعض تلك الخطط التي نجدها في كافة البلاد الإسلامية وغيرها من
البلاد المستعمرة (بالفتح) ولذا نجدها بين ما تتقهقر في التأخر او تقف بدون
تقدم»[3].
بعد ذلك
يبدأ بإيراد تسعة خطط أو أسباب لتحطم الاقتصاد في البلاد الإسلامية يمحور
أُولاها حول دور عملاء الدول الاستعمارية، فيما يفرد الثانية للبحث في مسألة
ترويج الدراسة في الدول الاستعمارية، وفي الثالثة يبحث في مسألة إفراغ الدروس
داخل البلد من المحتوى المثمر، الرابعة تقليل عدد الطلبة الجامعيين في داخل
البلد، الخامسة تخصص أبناء الوطن في أمور لا يجدوا في وطنهم لها مورد لا من
ناحية الأسباب ولا من ناحية الوسائل، السادسة الاهتمام ببقاء الطلبة المتفوقين
في الدول الاستعمارية التي درسوا فيها فيبقى وطنه الأصلي متخلفا لعدم وجود من
ينهض به، السابعة استثمار الاستعمار بواسطة عملائه أو مباشرة للطلبة العائدين
إلى وطنهم الأمر الذي يضمن للمستعمر مصالحه أكثر فأكثر على حساب الوطن المحتل،
الثامنة يبحث فيها خلل فني تربوي يوضح قدس سره من خلالها الفرق بين طلبة البلاد
المستعمرة «بالفتح» والبلاد المستعمرة «بالكسر»، التاسعة ويبحث فيها مشكلة
احتياج المؤسسات العامة والخاصة للمستشارين الأجانب لعدم كفاءة أبناء البلد.
هجر مصادر الفكر والتشريع الإسلامي:
إن
اقتصاديي اليوم بعيدين كل البعد عن مصادر الفكر الإسلامي وقد أشار الإمام
الشيرازي قدس سره إلى ذلك ضمن بحثه حول العلم المنحرف الذي يحطم الاقتصاد بل
انهم لا يحسنون التعامل مع الأدلة وهذا كما هو واضح نتيجة ما روجه المستعمر
وعملاءه من نخلف الفكر الإسلامي ومناهجه وبالتالي فهو غير صالح للتطبيق في عالم
اليوم، بمعنى ان أطروحات علماء الإسلام غير متلائمة والواقع الحضاري المعاش
وغير صالحة لإحداث تنمية اقتصادية جيدة وفاعلة على خلاف اطروحات الرهبان المسيح
والأحبار اليهود ـ وهم أساتذة الاقتصاديين المحدثين من حيث يعلمون أو لا يعلمون
ـ فهي صحيحة وواقعية ومتلائمة والواقع ومحققة للتنمية المطلوبة.
كما يمكن
القول لو ان اقتصاديي اليوم سلَّموا بان الحق مع الفكر الاقتصادي الإسلامي
وعزموا على تبنيه مصدراً ومنهجاً وتشريعاً فهل يستطيعوا ذلك أم توجد أيدي خفية
متحكمة بالاقتصاد العالمي تمنعهم من ذلك؟
وكذا كيف
يمكن لاقتصادي ما التنظير للفكر الإسلامي وهو لا يحسن التعامل مع مصادره الأمر
الذي يتطلب منه بذل جهود جبارة للتعلم وكأنه ليس بمفكر بل طالب علم عادي، وهذا
من الصعب عليه الاعتراف به.
وعليه
فالتخطيط الاقتصادي الهزيل والدخيل على الواقع الإسلامي هو المتحكم والنتيجة
وفق الواقع معروفة بلا أدنى تأمل فإلى الله المشتكى وعليه المعول ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم. والحمد لله رب العالمين.
_________________
[1]
ـ آدم سميث فيلسوف
اسكتلندي ورائد في
الاقتصاد السياسي. وأحد الشخصيات الرئيسية في
التنوير الاسكتلندي، سميث هو صاحب كتب
نظرية المشاعر الأخلاقية والتحقيق
في طبيعة وأسباب ثروة الأمم. هذا الأخير، عادة ما يشار إليه باختصار
باسم ثروات الأمم، ويعتبر من 'أعظم
ما أبدع وأول عمل يتناول
الاقتصاد الحديث. آدم سميث يعتبره الكثير من الاقتصاديين والد الاقتصاد
الحديث على نطاق واسع.
درس
سميث
الفلسفة الأخلاقية في
جامعة جلاسجو،
وجامعة أوكسفورد. بعد تخرجه القى سلسلة ناجحة من المحاضرات العامة في
أدنبره، مما دفعه إلى التعاون مع
ديفيد هيوم خلال التنوير الاسكتلندي. سميث حصل على الأستاذية في
جلاسجو وهو يدرس الفلسفة الأخلاقية، وخلال هذا الوقت كتب ونشر نظرية
المشاعر الاخلاقيه. في حياته لاحقا التحق بموقع تدريسى الذي مكنته من السفر
في جميع أنحاء
أوروبا حيث اجتمع مع غيره من القادة الفكريين في عصره. سميث عاد إلى
بلاده وقضى السنوات العشر التالية في كتابة
ثروة الأمم (وأغالبها من مذكراته ومحاضرته) والتي نشرت في العام 1776.
توفي في عام
1790.
[2]
ـ جون مينارد كينز John Maynard Keynes، اقتصادي إنجليزي
5 يونيو
1883 -
21 أبريل
1946 اشتغل في بداية حياته في
الهند والف كتابا عن الإصلاح فيها واشترك في مؤتمر السلام بعد
الحرب العالمية الأولى.
و كتب
كتابا بعنوان (الاثار
الاقتصادية للسلام).
مؤسس
النظرية الكينزية من خلال كتابه (النظرية
العامة في التشغيل والفائدة والنقود)
1936 وعارض
النظرية الكلاسيكية التي كانت من المسلمات في ذلك الوقت.
من أهم
ما تقوم عليه نظريته ان الدولة تستطيع من خلال سياسة
الضرائب والسياسة المالية والنقدية أن تتحكم بما يسمى الدورات
الاقتصادية. وله كتب أخرى في نظرية النقود ونظرية الاحتمالات الرياضية.
كانت
لكينز مساهمة كبيرة سنة 1929 ازمة الكساد العالمية. حيث انه حاول تسليط
الضوء على سبب هذه الازمة وما هو المخرج منها.
[3]
ـ الاقتصاد، الإمام السيد محمد الشيرازي قدس سره، دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر، الطبعة الخامسة، 1413ه ـ 1992م، ج2، ص151.
|