حجاج بيت الله الحرام وزيارة المراقد المشرفة بين الضرورة والإنكار  «القسم الثاني»

alshirazi.net

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

أوردنا في القسم الأول من هذه المقالة بعض الأدلة المجوزة بل المفيدة للإستحباب في زيارة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.

أما في هذا القسم فسنورد اعتقادنا بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله الأطهار رداً على المنكرين والهادفين الى التقليل من أهمية بل إعدام هذا المستحب باعتباره ضرورة لا بد منه ومن هنا نقول:

نعتقد بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام، وقد قال الله عنهم: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة: 35، ويجوز الإستمداد بهم عليهم السلام في طلب الحوائج من الله عز وجل فإنهم عليهم السلام أحياء عند ربهم يرزقون، كما ورد في الآية الكريمة بالنسبة الى الشهداء قال الله جلّت قدرته: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران: 169، وقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَ تَشْعُرُونَ) البقرة: 154.

الذين هم دون النبي صلى الله عليه وآله منزلة وقد صرّح بعض علماء السنة بأن الأنبياء عليهم السلام أحياء، وأعتبر السيوطي الشافعي أن الأحاديث الدالة على حياة الانبياء عليهم السلام متواترة، وأشار الى حديث أن الأنبياء أحياء وفي قبورهم يصلون، وقال البيهقي في كتاب الإعتقاد الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وفي حديث عنه صلى الله عليه وآله قال: «ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام»، أنظر عون المعبود: ج6ص19 باب زيارة القبور، ط دار الكتب لعلمية بيروت.

وفي عون المعبود أيضاً ج6 ص21: (قال الخفاجي أقول: الذي يظهر في تفسير الحديث من غير تكلف أن الأنبياء والشهداء أحياء وحياة الأنبياء أقوى) ثم قال: (وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أبلغته).

 

سلام من القبر الشريف:

وفي فيض القدير: ج2ص479 ط المكتبة التجارية الكبرى مصر: قال السبكي: قال ابن بشار: تقدمت الى قبر النبي صلى الله عليه وآله فسلمت فسمعت من داخل الحجرة الشريفة : وعليك السلام، وفي فيض القدير أيضاً ج6ص386: قال داود: أقبل مروان بن الحكم فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر أي قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: (أتدري ما تصنع فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم آت الحجرة).

أقول/ وهذا الصحابي ـ أبو أيوب الأنصاري ـ قد عمل عملاً وهو مفكر اليوم عند الوهابية وهو وضع وجهه على القبر الشريف وبواقع الحال كان يلثم القبر ويقبله لذلك نجد مراوان ـ ذو الفكر المتلائم والوهابي اليوم ـ يعترض عليه فأجابه أبو أيوب بأنه جاء الى الرسول ويخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وليس الحجر.

 

الصحابة والتوسل بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله:

فكما أن الصحابة كانوا يتوسّلون بالنبي صلى الله عليه وآله ويطلبون منه الحاجة حينما كان صلى الله عليه وآله حيّاً في الدنيا فكذلك يجوز للمسلمين ان يتوسلوا به صلى الله عليه وآله ويطلبوا حوائجهم فالرسول صلى الله عليه وآله حي يسمع ويرى بقدرة الله سبحانه.

أما فيما يخص أدلة توسل الصحابة بالنبي فقد جاء في باب (فتح الباري) للعسقلاني الشافعي: ج2ص494و495 ط دار المعرفة بيروت: (قول باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا .. إنَّ المصنف أورد في هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس إنَّ عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ...وفي حديث أنس بأن في قول عمر كنا نتوسل إليك بنبيك ، دلالة على ان للإمام مدخلاً في الإستسقاء.. ثم روى ما أخرجه البيهقي في الدلائل من رواية مسلم الملائي عن أنس قال: جاء رجل أعرابي الى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط، ثم انشد شعراً يقول فيه: وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا الى الرسل، فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال اللهم أسقنا، الحديث. وفيه: ثم قال صلى الله عليه وآله لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله، فقام عليّ فقال: يا رسول الله كانك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه، الأبيات.

وقد ذكر ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقاً عمّن يثق به وقوله: يئط بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا يغط بالمعجمة والأطيط صوت البعير المثقل والغطيط صوت النائم كذلك وكنى بذلك عن شدة الجوع لأنهما إنما يقعان غالباً عند الشبع.. وفي رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري الى أنس قال: كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله استسقوا به فيستسقى لهم فيسقون، فلما كان في إمارة عمر، فذكر الحديث...، وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس: أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس: قم فأستسق، فقام العباس فذكر الحديث، فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسؤولاً وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل الى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له إئت عمر، الحديث.

 

أدلة أخرى في جواز التوسل بالنبي الأكرم وآله:

وقد قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النساء: 64.

فالتوسل الى الله تعالى بجاه صاحب القبر من الأنبياء والأولياء جائز، لما ثبت من الأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع وسيرة المسلمين على ذلك كله.

هناك روايات كثيرة وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ولكنا نشير الى بعض ما ورد من كتب السنة:

في سنن الدارمي: ج1ص56 ط دار الكتاب العربي بيروت: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بعد موته ح92: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمروا بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة شديداً فشكوا الى عائشة، فقالت انظروا قبر النبي صلى الله عليه وآله فأجعلوا منه كووا الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطر حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق).

وفي مصنف بن أبي شيبة ج6ص356ح32002ط مكتبة الرشد الرياض: (حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل الى قبر النبي فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له أئت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون، وقل له: عليك الكيس، عليك الكيس، فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه).

وفي (شعب الإيمان) لأبي بكر البيهقي: ج3ص492ح4168 ط دار الكتب العلمية بيروت: (وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني سعيد بن عثمان حدثنا ابن ابي فديك أخبرني عمر بن حفص أن ابن أبي مليكة كان يقول: من أحب ان يقوم وجاه النبي صلى الله عليه وآله فليجعل القنديل الذي في القبة عند القبر على رأسه).

 

طلب الحوائج عند الروضة المقدسة:

وقال في الحديث 4196: (أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا ابو عبد الله الصفار حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا سعيد بن أبي عثمان حدثنا ابن أبي فديك قال: سمعت بعض ما أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فتلا الآية: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب: 56، ـ صلى الله عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة، فأجابه ملك: صلى الله عليك يا فلان لم يسقط لك حاجة).

 

استغاثة في القبر الشريف:

وفي (شعب الإيمان) أيضاً: ج3 ص495ح4177: (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن زياد حدثنا محمد بن اسحاق الثقفي قال: سمعت أبا اسحاق القرشي يقول: كان رجل في المدينة اذا رأى منكراً لا يمكنه ان يغيره أتى القبر فقال: أيا قبر النبي وصاحبيه، ألا يا عوثنا لو تعلمونا).

وفي كتاب (المغني) لأبي محمد المقدسي: ج3ص298 ط دار الفكر: (ويروى عن العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فجاء اعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النساء: 64 ـ وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك الى ربي ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه            فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه               فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له).

روى مثله في شعب الإيمان ج3ص495ح4198.

وفي شعب الإيمان أيضاً: ج7ص343ح10520: (اخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا الحسين بن صفوان حدثنا ابن أبي الدنيا حدثنا أبو كريب حدثنا المحاربي عن عاصم الأحول قال: بلغني أن ابن عمر سمع رجلاً يقول اين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة، فأراه قبر النبي وأبي بكر وعمر فقال عن هؤلاء فسل) والظاهران أن الرجل كان يستكفف.

وفي شرح ابن ماجة للسيوطي وعبد الغني والدهلوي: ص99ط كراتشي (حديث البهيقي وابن أبي شيبة عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب فجاء رجل الى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله استسق الله لامتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه فقال: إئت عمر....والقصة مذكورة في الإستيعاب لابن عبد البر).