الإسلام وسياسة الزراعة والعمران

مقال كتب وفق رؤى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله

alshirazi.net

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين..

وبعد: الماء والارض والإنسان والزمن عوامل أربعة لتقدم الإنسان وإزدهار الحياة، فاللازم ربط بعضها ببعض حتى تتقدم الزراعة، والعمارة وغيرها، وقد أباح الإسلام الماء إذا لم يكن ملكاً لأحد بأسباب الملك والتي تبدأ أول ما تبدأ بالحيازة بشروطها المقررة.

واللازم على المسلمين أن يهتموا بالماء بحفر الأبار، وصنع الترع، ومد القنوات، وبناء الجسور وانشاء السدود، إلى غير ذلك كل بقدر إمكانه، ليصل الماء كل مكان، ويستفاد منه في الزرع والضرع وفي العمارة وغيرها سيما في ظل ازمة المياه في الوقت الحالي الأمر الذي يصير من الماء أحد أهم عوامل القوة في المجتمعات الدولية.

أما البحار فهي لا تفيد للزراعة وإنما تفيد لأغراض أخر كالإتجار، وإتخاذ الملح، وصيد السمك، وما أشبه ذلك، نعم تفيد بعد التحلية، لكن التحلية بحاجة إلى وسائل حديثة وتكلفة كبيرة يمكن ان يصار إليها بالعنوان الثانوي عند تعذر الممكنة الواقعية مع الإستغلال الأمثل للمياه.

 

الاسلام والعمران:

اتخذ الإٍسلام سياسة حكيمة، في ازدياد العمران والزراعة، التي بهما تكون رفعة الدولة وسقوطها، وتلك باباحة الأراضي لمن عمرها بالبناء، او الزراعة أو فتح قناة، أو شق عين، أو اشتغال بالمصانع والمعامل، أو غير ذلك.

وبالتحبيذ إلى العمل والزراعة، واتخاذ دور وسيعة وغيرها.

فعن النبي صلى الله عليه وآله:

«من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق». مستدرك الوسائل ج17ص111باب1

وعنه صلى الله عليه وآله:

«من أحاط على أرض، فهي له».

وعنه صلى الله عليه وآله:

«من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم، فهو أحق به».

 

تعقيب:

فإذا رأى الشخص، أن الأراضي مباحة، تعطى دون أي ثمن، وهو حر في أن يختار ما يريد أن يصنع، أو ما يشاء أن يبني، ولا ضريبة عليه، ولا اجازة ولا رواح ومجيء، ولا معارض، ولا، ولا...

فمن الطبيعي أن يتخذ كسباً، أو يعمل عملاً، أو يخترع اختراعاً، أو يصنع صناعة ... ويعمر دوراً، ويتخذ مزارع، و،و، ...

وبذلك تزدهر الدولة بالعمارات الكثيرة، والمزارع الوافرة، والصنائع والمخترعات، وتتسع البلاد، و، و... وتترقى، وتفوق!

وإليك ما كتبه (جرجي زيدان) عن ازدهار العمارات والزراعات،في الدولة الاسلامية، حينما كانت يحكمها الإسلام، قال:

 

العمارات الكثيرة:

«ولكن كثيراً من المدن الإسلامية، أصبح خراباً بعد ذلك بالقياس إلى ما كان عليه في عهد الدولة الإسلامية،وخصوصاً (العراق) أو (السواد) وعلى الأخص (بغداد) و(البصرة) و(الكوفة) وسائر مدن العراق».

وقد وصف الاصطخري مدينة (البصرة) وصفاً يمثل ما كانت عليه أرض العراق من العمارة في عصره، قال:

«البصرة مدينة عظيمة، لم تكن في أيام العجم، وإنما مصرها (المسلمون) وليس فيها مياه إلا أنهار».

وذكر بعض أهل الأخبار، ان أنهار البصرة عدت أيام بلال بن أبن بردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألاف نهر، ويجري فيها الزوارق.

وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار في أيام بلال، حتى رأيت كثيراً من تلك البقاع، فربما رأيت في مقدار رمية سهم، عدداً من الأنهار صغاراً تجري في كلها زوارق صغار، ولكل نهر اسم ينسب به إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها، فجوزت أن يكون ذلك في طول هذه المسافة وعرضها.

ثم يقول (جرجي زيدان):

فاعتبر المسافة التي تحفر فيها (120.000) نهر، أو ترعة، كم يمكن أن يكون سكانها. وهذا مستغرب عند أهل هذا الزمان، لكنه يدل ـ على كل حال ـ علىعمران تلك الارض.

وأردف قائلاً:

«وناهيك ببغداد... فقد ذكر الاصطخري أيضاً، في وصفها كما شاهدها في أيامه ـ في القرن الرابع للهجرة ـ قال: وتفترش قصور الخلافة وبساتينها من بغداد إلى نهر بين فرسخين على جدار واحد، حتى تتصل من نهرين إلى شط دجلة، ثم يتصل البناء بدار الخلافة مرتفعاً على دجلة إلى الشماسية نحو خمسة أميال، وتحاذي الشماسية في الجانب الغربي الحربية، فيعتد نازلاً على دجلة إلى أخر الكرخ ... الخ».

ثم قال: «وقس على ذلك مدينة دمشق وغيرها من المدن التي ضعف أمرها اليوم، وهناك مدن اخرى كانت يومئذ (أي: في الحكومة الإسلامية)، في ابان مجدها، فأصبحت الآن اسماً بلا مسمى، مثل الفسطاط في مصر، والكوفة في العراق، والقيروان في أفريقيا، وبصرى في حوران وغيرها».

هذه بالنسبة إلى العمارات.

 

الزراعات الوافرة:

 وأما الزراعات، فهي أيضاً كانت بكثرة هائلة منقطع النظير ـ حتى بالنسبة إلى هذه الأيام التي سهلت فيها الزراعات، وصنعت مكائن تعمل لاستخراج المياه ورش البذور والحصاد وغيرها..

فالعراق كانت تسمى بـ(أرض السواد) لأن الشخص في العراق أين ما كان يذهب أو يحل، يبصر ـ بمرمى بصره ـ الزراعات، وكان يقول واصفوا مزارع العراق:

انها لا يوجد فهيا فدان غير مزروع.

 

مصر بلاد النيل:

ومصر كانت مزروعة خصبة في عهد الحكومة الإسلامية.

قال المقريزي ـ وهو من المؤرخين ـ:

«ان هشام بن عبد الملك سنة 107 هجرية، أمر عبد الله بن الحجاب عامله على خراج مصر أن يمسحها (أي: يستعلم مساحتها) فمسحها بنفسه، فوجد مساحة أرضها الزراعية،مما يركبه النيل 30000000 فدان (ثلاثين مليون فداناً).

 ثم يقول (جرجي زيدان): مع أن مساحة الأرض الزراعية في وادي النيل سنة1914مع ما تبذله الحكومة من العناية في اخصابها وتعميرها لم تتجاوز ستة ملايين فدان كثيراً.. الخ.

ثم يقول: لأن مساحة مصر بما فيها من الواحات في صحراء (ليبيا) والأرض بين النيل والبحر الأحمر، وبينه وبين بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) إلى العريش تزيد على 400،000 ميل مربع، وذلك يساوي نحو 187 مليون فدان، فلا غرابة ـ اذن ـ أن على يكون العامر منها (30) مليون فدان.

ثم يردف قائلاً: واعتبر نحو هذا العمران أيضاً في مدن الإٍسلام الكبرى في الأندلس مثل: قرطبة وغرناطة و طليطلة وفي العراق والشام بلاد لا تحصى، كانت في تلك الأيام مدنا كبرى، وأصبحت الآن قرى صغيرة.

وهذه الشواهد وان كانت لا تعطينا صورة تفصيلية عن العمران والزراعة في ظل الحكم الإسلامي في البلاد الإسلامية كلها، إلا أنها تكفي لأن تكون انموذجاً عن ذلك.

وما هذا التدهور القهقرائي في الزراعات والعمارات في الدولة الإسلامية إلا من جراء إزاحة الإسلام عن مجال الحكم والتنفيذ، ومن جراء الاستبدال بالاسلام قوانين ليست من الإٍسلام، ولا الإسلام منها، وجعل قيود ثقيلة على الزراعات والعمارات والضرائب.

ولو رجعت الأنظمة الإسلامية ـ اليوم ـ إلى دست الحكم، وأبيحت الأراضي لمن عمرها وأحياها،ورفضت القوانين الحديثة، والضرائب الباهضة لساد البلاد الإسلامية ذلك العمران الشامل، وتلك الزراعات التي تملأ الدنيا وبهما تترقى الدولة الإسلامية، وتزدهر في جميع النواحي، وتستطيع أن تجعل من نفسها أغنى دول العالم وأرقاها، من أراد التوسعة في الموضوع فليراجع كتاب «الإصلاح الزراعي في الإسلام» لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلة الوارف.