الضمان الاجتماعي وفق رؤى المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله

alshirazi.net

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله المنتجبين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين..

وبعد: الضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمتها ولذا فإن الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبالتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي الإسلامي.

إنه يقول: إن كل من يموت وعليه ديون، فعلى إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كله لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء..

فهل سمعت ضماناً اجتماعياً كهذا، حتى في أعمق الحضارات؟

بالتأكيد لا..

 

زخم النصوص:

وفي نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك وهو إن دلّ على شيء فإنما يدل على مدى إهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الإجتماعي العظيم، حيث تكرر نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام.

إقرأ معي النصوص التالية:

روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعلي أولى به من بعدي»

فقيل له ما معنى ذلك؟

فقال: قول النبي صلى الله عليه وآله: «من ترك ديناً، فعلي، ومن ترك مالاً لورثته».

وأخرج الطوسي رحمه الله بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه قال: ان النبي صلى الله عليه وآله كان لا يصلي على رجل عليه دين، فأتى بجنازة فقال: صلى الله عليه وآله: هل على صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم، ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم.

فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله.

قال: فصلى عليه، فلما فتح الله على رسوله، قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالاً فلورثته، ومن ديناً فعلي».

وأخرج علي بن أبراهيم في تفسيره، بسنده المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يقول: «ما من غريم ذهب بغريمه الى من وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلا بُريء هذا المعسر من دينه، وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين».

قال الإمام الصادق عليه السلام بعد نقل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله وأنهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم».

 

الضمان في روايات الأئمة الطاهرين:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من مات وترك ديناً فعلينا دينه وإلينا عياله ومن مات وترك مالاً فلورثته».

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينزل من منبر إلا قال: «من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي».

وأخرج الكليني والطوسي قدس الله سرهما في كتابي الحديث عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام انه قال: «من طلب من حله، ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله فان غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسول الله ما يقوت به على عياله فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه فان لم يقضه كان عليه وزره».

وأخرجا أيضاً بأسانيدهما عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: «الإمام يقضي على المؤمنين الديون».

وأخرج الطوسي رحمه الله بسنده عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: أنه قال له (عطا) جعلت فداك، إنَّ علي ديناً إذا ذكرته فسد عليَّ ما أنا فيه، فقال عليه السلام: «سبحان الله! ما بلغك أن لرسول الله كان يقول في خطبته: من ترك ضياعاً، فلأهله ضياعه، ومن ترك ديناً فعليَّ دينه ومن ترك مالاً فلأهله، فكفالة رسول الله ميتاً ككفالته حياً وكفالته حياً ككفالته ميتاً».

فقال الرجل: نفَّست عني جعلني الله فداك.

وأخرج العياشي عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام انه سُئل، فقال له رجل من أهل الجزيرة: إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: (فَنَظِرَةٌ إِلَى‏ مَيْسَرَةٍ) فأخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله، لها حد يعرف إذا صار المعسر لا بد من له من أن ينتظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفق على عياله وليس له غلة ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه.

قال عليه السلام:

«نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره الى الإمام فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين».

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار بسنده المذكور عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

«صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر، فقال: من ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ وإلي ومن ترك مالاً فلورثته، فصار بذلك أولى من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده، جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله».

وأخرج الشيخ المفيد رضوان الله عليه في مجالسه، بسنده المذكور عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه كان يقول: «صعد رسول الله صلى الله عليه وآله الى المنبر فتغيرت وجنتاه والتمع لونه ثم أقبل بوجهه فقال: يا معشر المسلمين! إنما بعثت أنا والساعة كهاتين الى أن قال: أيها الناس من ترك مالاً فلأهله وورثته ومن ترك كلأ أو ضياعاً فعليَّ وإلي».

واخرج أيضاً عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: «ومن كان له على رجل مال أخذه ولم ينفقه إسرافاً أو في معصية فعسر عليه أن يقضي حتى يرزقه الله فيقضيه وإذا كان الإمام العادل قائماً فعليه أن يقضي عنه دينه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ وإلي وعلى الإمام ما ضمنه الرسول صلى الله عليه وآله».

هذا واحد من بنود الضمان الإجتماعي في الإسلام ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام وفي هذا النظام بالذات.

 

الضمان الإجتماعي في عالم اليوم:

بالعكس تماماً مما تعمله عدة من أنظمة العالم المتحضر المتمدن من جعل الضريبة على الإرث على من مات وترك أموالاً.

ولو مات شخص وعليه ديون فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت الإجتماع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات إذ لا يملك ضماناً لو أعطى ديناً لفقير معدم، لأنه لو مات فمن الذي سيتكفل ديونه؟

فمن تراه يفرض المحتاجين والمعوزين؟

فهل هناك ضمان إجتماعي كما في الإسلام؟   

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.