بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله
رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الخاتم محمد وآله الطيبين الطاهرين
المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الشباب وهم
الشريحة الأكبر في المجتمع وركن الارتكاز الاقتصادي والثقافي الأبرز،
كانت ولا زالت موضع اهتمام المفكرين والقادة المصلحين
والرسل والانبياء لاسيما رسول الانسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه
وآله، حيث اعتمد
على الشباب كثيراً فكان لها
الدور الأبرز حتى أدى الأمر إلى شكاية مشركي قريش من هجر أولادهم لهم
ولحوقهم بالإسلام وداعيته العظيم،
الذي صيّر من كل شابٍ مشروعاً إصلاحياً عملاقاً وقيادياً بارعاً وشخصية مؤثرة،
فلو استثنينا أمير المؤمنين عليه السلام كونه صناعة إلهية، فإن لعمار والمقداد
وحذيفة وغيرهم الأمثلة الأبرز لتلك الشريحة، فقد كانوا السند والمعتمد في ثورة
الرسول صلى الله عليه وآله الاصلاحية وتأسيس مبادئٍ وقيم اسلامية راقية، حيث
أضفى الشباب إثر فتح الإسلام لهم آفاق تجديدية رحبة حيوية ونشاط عظيم وصمود قل
نظيره تمسكاً بالمبدأ الأسمى.
وذات الأمر
نجده في جميع الثورات عبر التاريخ حيث الشباب محورها الأساس،
فالثورة تعني فكراً وقيماً ومبادئ تضفي على المجتمعات
تغييرات في الصعد كافة، وهذا أمر لا نبالغ إن قلنا
أنه من المسلمات، وكيف لا يكون ذلك والشباب بما يتمتعون به من طاقات قادرة على
بعث الحياة ولو في مثل الجسد الاجتماعي الذي أنهكته الطغاة ومصاعب الحياة
المختلقة، وما الثورات
التي شهدها العالم والتي ما زال يشهدها إلا دليل قدرة الشباب على التغيير، هذا
التغيير الاجتماعي لا بد أن يسبقه تغيير في ذات الشاب قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[1]،
وبواقع الحال بعد الإصلاح الذاتي للنفس الإنسانية وهو ما يعبر عنه بمرحلة
الإعداد تأتي مرحلة العطاء وبذلك يكون النجاح والفلاح.
ومن الجدير
بالتنويه أن لكل ميدان أو اختصاص شروط وعوامل ولنأخذ على سبيل المثال
طالب العلوم الحوزوية بما له من اختصاص في الإصلاح العام فيمكن لنا ـ ولو بصورة موجزة ـ
إيراد عوامل النجاح على المستوى الفرد المشترط تكامله ونجاحه لإتمام الإصلاح
العام بمحاور ثلاث هي: الإخلاص والجهد المتواصل والاتصاف بمحاسن الأخلاق، وهذا
ما صرح به سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بقوله[2]:
كل إنسان يملك طاقة كبيرة، خصوصاً الشباب من الشيعة،
وبالأخصّ أهل العلم من الشيعة، الذين لهم طاقات
عظيمة وأكبر من الدنيا. وهذه الطاقات بحاجة إلى شروط
ثلاثة للنجاح والتوفيق, وهي:
الأول: الإخلاص لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله
عليهم، أي أن يكون رجاء كل واحد منكم وأمله هو الله
تبارك وتعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم فقط، وأن لا يسمح للمشاكل والمصائب
بتحطيم معنوياته وإيذائه نفسيّاً.
الثاني: بذل الجهد الدائم والنشاط الدائم والجدّ
والاجتهاد.
الثالث: الالتزام والتحلّي بالأخلاق الحسنة مع
الجميع بالأخصّ مع المسيئين، فالمهم هو أن تتعامل
بالحسنى وبالخُلُق الحسن مع من يسيئ إليك، كما يؤكّد
القرآن الكريم ذلك، وهو قوله تعالى:
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)[3].
ومن الأخلاق الحسنة الصبر والمواصلة والعزم، حيث قال
عزّ من قائل: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[4].
وخاطب سماحته الشباب المؤمن قائلاً: كل واحد منكم،
إذا توفّرت فيه هذه الشروط الثلاثة، أو إحداها بنسبة
جيّدة، أي فوق الخمسين بالمائة،
وجعل الله تعالى نصب عينيه دائماً في كل ما يواجهه
من مشاكل وأذى، فسيكون منقذاً للشيعة على صعيد
العالم كلّه.
وأردف سماحته: كانت إيران قبل مئات السنين غير
شيعية وكان يحكمها النواصب الذين يناصبون العداء لأهل البيت صلوات الله عليهم،
وفي تلك السنين عذّبوا وقتلوا الألوف من أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم
وشيعتهم. فتصدّى الشيعة، بالأخصّ الشباب منهم رجالاً
ونساء، وشمّروا عن سواعدهم،
وعرّفوا أهل البيت صلوات الله عليهم وسيرتهم ونشروا تعاليمهم ومناقبهم،
وذلك بالمواصلة والصبر والتحمّل وبالحكمة، فتحوّلت
إيران وصارت شيعية كما هي الآن.
ويؤكّد سماحته:
أن هناك مثل معروف ومشهور،
وهو: ما حكّ ظهرك مثل ظفرك. وهذا المثل يحكي الواقع
ويطابق الحقيقة. فكل واحد منكم إن التزم وعمل بالشروط الثلاثة،
بنسبة جيّدة، فيستطيع إنقاذ الشيعة في كل مكان،
وليس في بلده أو في الشرق الأوسط فقط.
كما يجدر
بالشيعة الذين يتعرّضون للظلم أن لا ينتظروا المنقذ من خارج بلدهم،
بل عليهم أن يعملوا على إنقاذ أنفسهم بأنفسهم، وذلك
بالتزامهم بالشروط التي مرّ ذكرها آنفاً وبحكمة.
والحمد لله رب
العالمين.
_________
[2] ـ خلال لقاءه سماحته عدد
من طلبة الحوزة العلمية الزينبية في بيته المكرم بمدينة قم المقدسة
بتاريخ الأربعاء الخامس عشر من شهر ربيع الأول 1433 للهجرة.
|