|
||
أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ أَظَنِنْتَ يا يَزيد!
من المهم جداً تشكيك الطّاغوت بمتبنّياتهِ، او بعبارةٍ أدقّ تذكيره بخطأ متبنّياتهِ، فهو في الحقيقة مهما تظاهر باليقين او بصحّة ما يذهب إليه ويعمل عليه ففي قرارةِ نَفْسَه يعرف جيداً انّهُ على خطأ وانّهُ ليس على صواب بأَيّ حالٍ من الأحوال، فلقد وصف القرآن الكريم حقيقة الإنسان وما يعتقد به في قرارة نَفْسِهِ بقوله: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ*وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ). قد لا يستفيد الحاكم الظّالم من تشكيكِنا بمتبنّياتهِ وثوابتهِ الا انّهُ من المؤكد ان الآخرين سيستفيدونَ من ذلك، ولهذا السّبب ربما نقرأ اُسلوب التشكيك في القرآن الكريم كثيراً، كلّما ادّعى احدٌ ما ليس لهُ او فيه، او تقوّلَ على غيره ظلماً وعدواناً، فضلاً عن انّهُ نهجٌ طالما وظّفتهُ مدرسة أهل البيت عليهم السلام كثيراً، سواء على الصّعيد العقدي والفكري او على الصّعيد السّياسي والسّلطة والحكم. في القرآن الكريم نقرأ هذا المنهج في قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ*وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). امّا في قولهِ تعالى: (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، فانّ الله تعالى يحطّم معنويّات ومتبنّيات وثوابت الظالمين ليس بنفيها ونسفِها بشكلٍ مباشر، وإنما من خلال جدال علمي رصين ومتين، وكأنّه يُقرُّ لهم قولهم بشرط البرهان، ولانّهم أعجز من انْ يأتوا بايّ دليلٍ او برهانٍ على دعواهُم لذلك هزمهم المنطق القرآني شرّ هزيمة. وفي تحدّيهم للقرآن الكريم، استخدم المنطق القرآني نفس الأسلوب لهزيمتهم بقوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ). امّا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام فنقرأ المنهج كثيراً في سيرة ومسيرة أمير المؤمنين عليه السلام كما في جوابهِ على كتابٍ وردهُ من طاغية الشّام الطّليق ابْنُ الطّليق مُعاوية بن ابي سفيان: «أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ [فِيهِ] اصْطِفَاءَ اللهِ تعالى مُحَمَّداً(صلى الله عليه واله) لِدِينِهِ، وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ بِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً، إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاَءِ اللهِ عِنْدَنَا، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذلكِ كَنَاقِلِ الَّتمْرِ إِلَى هَجَرَ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ. وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الاِْسْلاَمِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّهُ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ، وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، وَالتَّمْييزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الاَْوَّلِينَ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا!. أَلاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا الاِْنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ، وَلاَ لَكَ ظَفَرُ الظَّافِرِ! وَإِنَّكَ لَذَهّابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْد». ان التّشكيك بما يعتقد به الظّالم انّهُ ثوابت ومتبنّيات صحيحة، وانَّ ما يقولهُ ويُبشّر به ويُشيعهُ من أكاذيب وافتراءات ما انزلَ الله تعالى بها من سلطان، يُساهم كثيراً في فضحِها وتعريتِها، وبالتّالي يسلب عنها هالة القدسيّة التي يخلقها الطّاغوت حول سياساته ومنهجيّاتهِ. كما انّ ذلك يُساهم في تصحيح المفاهيم وطريقة التّفكير المنحرفة التي يتبنّاها الطّاغوت ويزرعها ويكرّسها في المجتمع. وانّ أوّل ما شكّكت به العقيلة زينب بنت عليّ عليهما السّلام في مجلس الطّاغية يزيد وبحضورهِ وحضور وزرائهِ وحاشيتهِ وضيوفهِ من مشارقِ الأَرْضِ ومغاربها، الذين حضروا لتهنئتهِ على الانتصار العظيم الذي حقّقه على (التّرك والدّيلم) في كربلاء، هو السّلطة ذاتها، عندما خاطبتهُ بقولها: «أَظَنِنْتَ يا يَزيد»، فأنت لستَ حاكماً ولا سلطاناً ولا خليفةً، وانّ الامّة لم تجتمع عليك، ولذلك لا شرعيّةَ لَكَ ابداً، فأنت تبوَّأت مكانك بالقوّة والعنف والإرهاب وليس بإرادة الأمة واختيارها. كان هذا أوّل تشكيك هزّ عرش الطّاغوت في عُقرِ داره.
|
||
|