|
لقاء مع العلامة السيد هادي المدرسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهر عليهم السلام. يسرّنا في هذه الحلقة من سلسلة لقاءات حول الشهيد أن نقوم باستضافة أحد العلماء الأعلام الذين رافقوا الشهيد مدة طويلة وشهدوا الكثير من الأحداث التي مر بها السيد الشهيد وهو سماحة العلامة السيد هادي المدرسي.
مع الضيف: ولد السيد المدرسي في سنة (1376هـ)، و نشأ في مدينة كربلاء المقدسة.. فشم تربتها، و شرب من فراتها، و ترعرع في أحضانها.
و ينحدر سماحته من عائلتين اشتهرتا بالعلم و
الفضيلة.. فمن حيث الأب، والده المرحوم سماحة آية الله السيد محمد كاظم
المدرسي كان مِن كبار العلماء في الحوزة العلمية بمدينة مشهد المقدسة و مدينة
كربلاء المقدسة، جده الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر المدرسي
من مراجع الدين. و من ناحية الأم، فهو ينتمي إلى عائلة الإمام الشيرازي، العائلة المعروفة بالمرجعية الدينية في العالم الإسلامي، فجده سماحة آية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي، و خاله المرحوم سماحة آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس الله سره) وكذلك آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله). كما أن خاله الآخر سماحة آية الله السيد حسن الشيرازي هو العالم المجاهد، والأديب البارع، والشهيد السعيد الذي وقف في وجه النظام الجاثم في العراق حتى اعتقل و عذّب و أخيرا اغتاله جلاوزة النظام العفلقي في مدينة بيروت، فكان له الاثر البالغ في صقل شخصية السيد هادي المدرسي لملازمته إياه وقربهما من حيث العلاقة والعمل والأهداف. فمنذ نعومة أظفاره نمى عوده في أجواء الحوزة العلمية بمدينة كربلاء المقدسة، حيث ابتدأ دراسته العلمية وعمره آنذاك ثلاثة عشر عاماً، وأكمل دروس المراحل المتقدمة في الحوزة عند كبار علماء مدينة كربلاء وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره. ويذكر انه تخطى مراحل الدراسة بنجاح باهر، وتفوق مشهود، مما جذب أنظار الأساتذة إليه فحظي بتأييد كبار العلماء من مراجع التقليد، وقد كتبوا له وكالاتهم الشرعية في خصوص إجازة الرواية والتصرف بالحقوق الشرعية. والآن لنترك الحديث لسماحة السيد هادي المدرسي ليحدثنا عن المجاهد العظيم والمفكر الكبير الشهيد السيد حسن الشيرازي: في كربلاء المقدسة: كنا في بداية دراستنا الحوزوية في كربلاء وكان الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي واحداً من أبرز من كان يعمل ويتحرك ويكتب ويؤلف ويلقي الخطب كنا ننظر إليه كعملاق في كثير من جوانب الحياة وإذا أخذنا بعين الإعتبار والظروف التي نمرّ بها في ذلك الوقت بالتغيرات السياسية والأجتماعية والأيدلوجية وأيضاً التحديات الكبرى التي كانت تواجه المؤمنين في ذلك الوقت في العراق نعرف ان وجود رجل كالشهيد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه متحركاً وفاعلاً ومجاهداً يعني انه كان في أتون المواجهة مع مختلف التيارات التي كانت تعمل على الساحة العراقية وخاصة ان المتغيرات السياسية في العاصمة العراقية بغداد كلها كانت تصب لمصلحة التيارات المناهضة للدين من شيوعية أو بعثية أو من أشبه وكان الشهيد مع سماحة السيد المرجع الإمام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه سداً منيعاً امام تلك التيارات التي اجتاحت الساحة العراقية كلها وكان تأثير هذا السد المنيع ملحوظاً جداً في النتائج فمثلاً اجتاحت الموجة الشيوعية والبعثية بالاضافة إلى العاصمة ومدن الجنوب اجتاحت النجف إلى درجة ان المرحوم الإمام السيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه اضطر لمغادرة هذه المدينة المقدسة والسكنى في كربلاء أي أن الظروف في كربلاء كانت على عكس ما هي عليه في النجف الأشرف بالرغم من أنها كانت مدينة المرجعية العليا آنذاك ولم يكن هنالك من يعمل بجدّ وبحكمة غير السيدين الإمام الشيرازي وآية الله السيد حسن الشيرازي .
الحوزة والمد الاحمر:
الشيوعية ودروس التربية الاسلامية: هنا لا بد من ان أذكر مفارقة غريبة حدثت في ذلك الوقت وهي أن الشيوعيين دخلوا في معاهد المعلمين وتخرجوا كمعلمين وفي مادة الدين بشكل خاص أي أنهم كانوا يختارون هذا المادة لتدريسها في المدارس، فكان المعلم يدخل الصف وبدل أن يعلم القرآن والسنة النبوية الشريفة كان يقول للطلاب كلكم تعرفون هذه الخرافات، دعوني أتحدث لكن عن الإقتصاد وعن طبقات المجتمع ثم يتكلم عن الاقتصاد الرأس مالي والاقتصاد الاشتراكي ويتكلم عن البرجوازية الكبيرة والبرجوازية الصغيرة وإلى آخره، وفي الحقيقة فإننا نجد في أنشطة الشهيد الشيرازي الكثير من الانتاج الفكري من دون ان نعرف لماذا كان يهتم بهذا الجانب دون ذاك لماذا كتب كتاباً في الاقتصاد الاسلامي مثلاً وهو لم يكن من المتخصصين في هذا المجال ولم يدّعى ذلك، إلاّ أن الحديث عن الاقتصاد كان مدخلاً من قبل الشيوعيين للدخول على الناس، كانوا يقولون للناس الصلاة والصيام والحج وما شابه ذلك لا يبني لكم حياة سعيدة، وبأن حياتكم قائمة على الاقتصاد ولا يوجد إلاّ إقتصادان اقتصاد رأسمالي وإقتصاد اشتراكي. فتصدّى الشهيد الشيرازي لهذا الأمر وكتب كتابه في ثلاث مجلدات حول الاقتصاد الاسلامي كان الشهيد متعدد الأبعاد أي انه لم يكن يكتفي بنشر الوعي الإسلامي في المجال الثقافي من دون ان يعمل في الجانب السياسي العمل كان يناضل في جبهة سياسياً ويعمل في جبهة أخرى ثقافياً ويهتم بالحوزة اجتماعياً وخلال فترة وجيزة زاد عدد طلاب العلوم الدينية في كربلاء في الوقت الذي كان ينقص من العدد في النجف الأشرف وفي هذا المجال كان سماحته الساعد الأيمن لأخيه وكان بالفعل نعم الأخ المواسي له في الضراء والسراء واستطيع القول ان كثيراً من خطباء ورجال الدين والمؤلفين مدينون للسيد الشهيد الشيرازي رحمة الله عليه سواءاً في دخولهم في هذا السلك أو في تعلمهم بعض المجالات .
الشهيد والادب الاسلامي:
الشهيد ووسع الافق والهموم العظيمة: من الامتيازات التي امتاز بها رحمة الله عليه انه كان صاحب نزعة كونية لم يكن يفكر إقليمياً ولم تكن اهتماماته وهمومه محصورة في جغرافية العراق كان من النماذج المهمة في تاريخنا المعاصر لمن يحمل همّ الأمة ويعمل من أجل تحريرها من رقّة الجبت والطاغوت معاً ومن ذكرياتي التي أذكرها معه رحمة الله عليه حينما كنا نحضر عنده كل يوم خميس لنتعلم من البلاغة والأدب اننا حينما كنا نقدم بحثاً أو نكتب شعراً ومحتوى الشعر كان محصوراً في زاوية كربلاء أو في جغرافية العراق كان يشير إلينا ان فكروا بفكر أوسع واكتبوا بالقاعدة العريضة في الأمة كلها لا تحصروا انفسكم في زاوية ضيّقة كان يعلمنا أن نكون عظماء عن طريق أن نحمل الهموم العظيمة كما كان هو مثالاً لذلك.
كلمة الحق:
أو ليس قد سمّاه يعرب عفلقاً وبقلبي يحب حقد الصليب دماء وأبوه جاء بأرضنا مستعمراً والأم پاريسية عجماء هذه العروبة لا عروبة مسلما حملت به وطنية عربـاء حينما لم يكن أحد يجرأ في ان يطالب بأحترام الإسلام رفع الشهيد الشيرازي شعار حكومة الإسلام وقال قولته المعروفة: ويل العراق فليله لا ينقضي حتى تقوم حكومة الإسلام هذه الشجاعة بالأضافة إلى الطموح بالأضافة إلى أنه كان كوني الفكر دفعته إلى أن ينطلق بأتجهات مختلفة وأن يتجاوز الناس الذين كانوا حوله والمنطقة التي كان يعيش فيها له آفاق واسعة.
محاضرات جديدة في الادب العربي:
الشهيد واعتقال البعث: إعتُقل بعد أن تحرك لأنقاذ العراق كله واجتمع بأكثر من جهة لتغيير المعادله السياسية في العراق واعتقل ودخل في قصر النهاية وتعرّض للتعذيب إلى درجه انه حينما دخل السجن كان وزنة يتجاوز السبعين كيلوغراماً وحينما رأته أمه لم تتعرف عليه فقد وصل وزنه إلى أقل من أربعين واتذكر انه حينما خرج من السجن وسافر إلى لبنان وكنت هناك واستقبلناه ونزل عندنا سئلته عما لاقاه قال بأختصار أقول لك ونحن نتلقى شتى أنواع التعذيب في بغداد في قصر النهاية كنا نقارن بين ما نلاقيه وما لاقاه اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله من أمثال بلال الحبشي حينما كان يضعون الأحجار التي أحمتها اشعة الشمس على بطنه وظهره كنا نرى أنه ما كان يلاقونه اولئك لم يكن تعذيباً كنا نتمنى أن نتلقى تعذيباً كتعذيب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا يعذبوننا إلى درجة أنهم يريدون ينسوننا اسمائنا وكان التعذيب مختلفاً جنسياً وشخصياً وجسدياً كان المعذبون يطفئون سجائرهم في أجسامنا كانوا يعلّقوننا من كرسي بأرجلنا اما الضرب ونتف الشعر وخلع الأظافر كانت من الأمور العادية عندنا قلت له سيدنا اكتب ما لقيت قال أتخاف أن أنسى قلت ولم ذا قال ان التعذيب الذي لاقيته محفور في كل خلية من خلايا جسمي ولا يمكن أن أنسى لكنه رحمة الله عليه قُتل قبل أن يكتب ما لاقاه كنا نعرف إنه لن ينسى لكننا لم نكن ندري أن العدو سيتعقّبه ويفرغ في جسده أكثر من ثلاثين رصاصة حتى لا يكتب ما لاقاه.
مطالب الطواغيت:
جهاد في المهجر:
الأوّل /انقاذ المسلمين:- ما يرتبط بالعمل مع العلويين فقط طلب مني ومن سماحة الشيخ الحاتمي ونحن في لبنان ان نذهب إلى جبال العلويين في سوريا ونعلمهم بأنه قادم إليهم ويدعو لأجتماع في جامع الإمام زين العابدين في اللاذقية وذهبنا إلى هناك وإلتقينا بالكثير من فعاليات العلماء ثم رافقنا سماحة السيد الشهيد رحمة الله عليه في رحلته اليهم ومنذ اللقاء الأوّل أُعجبوا به إعجاباً باهرً جداً وبالفعل كان من يتعامل مع الشهيد يُعجب به وبدئت العلاقات معهم وتعامله في المجال العقائدي والفكري ومحاولات اقناعهم بالأعلان الذي نشروه فيما بعد بجهود شخصية من المرحوم الشهيد الشيرازي رحمة الله عليه وكان له صدى كبير لمصلحة الأمة الإسلامية كلها ولمصلحة الطائفة فالعلوييون كانوا متهمين بالكفر وبهذا الأعلان أسقطوا كل حجج الآخرين ضدهم كما ان هذا الأعلان التاريخي اضاف عدداً هائلاً وقفز بهذا المذهب إلى داخل بلاد الشام التي كانت عاصمة للامويين ومركزاً للتآمر ضد أهل البيت سلام الله عليهم. الثاني/ بناء البقيع:- ما يرتبط بمحاولة اعادة قبور بناء أئمة أهل البيت في البقيع لقد ذهب في سفرة إلى لقاء الملك فيصل في السعودية وتحدّث معه بمنطق ديني واجتماعي وسياسي حول ضرورة اعادة بناء قبور أئمة أهل البيت في البقيع واقنع الملك فيصل لكن الملك قال ان هنالك علماء يحتجون فأقنعهم وأنا معك فقال السيد ليكن ذلك بحضورك وأنت الحكم وأتذكر فيما قاله للملك فيصل قال نحن لانتحدث عن موتى ولا نريد بناء القبور للموتى إنما نريد ذلك للاحياء فأنتم تبنون مضلات للذي ينتظر الباص على قارعة الطريق أليس كذلك؟ قال نعم قال مع ان بقائه في الشارع ومحاولة ركوبها الباص ليس عملاً من الاعمال المستحبة في الاسلام يريد بها الذهاب إلى بيته أو مركز عمله لكن يجمع المسلمون على إستحباب زيارة القبور فقال نعم، قال هل من يقف لركوب الباص يستحق أن تبنى له مظلّة وهو لا يقوم بعمل مستحب لكن من يقوم بزيارة القبور ويقرأ الفاتحة على الموتى ممنوع عليه أن يستظل في ظل يجب أن يبقى تحت إشعة الشمس أو تحت المطر فقال الملك فيصل أقنعتني لكن عندنا مشكلة مع بعض المتشددين واتفقوا على موعد معيّن واتذكر بعض الرسائل التي كانت تأتي من الديوان الملكي إلى السيد في كربلاء لأنني كنت أقوم بخدمات اقدمها له مثل ارسال الرسائل في البريد وماشابه ذلك لكن لا أدري أيّة يد خبيثة امتدت وقطعت الطريق على الشهيد الشيرازي وقيل في وقتها ان من بين من منع تحقيق هذا الأمر كان هو شاه ايران الذي كان يطمح هو في ان يقوم بأعادة بناء قبور أئمة البقيع ويكتسب من ذلك سياسياً وعلى كل حال جهوده في هذا المجال ومع الأخذ بعين الاعتبار انه لم يكن يحتل منصباً سياسياً معيّناً في العراق أو غير العراق كانت جهود جبّارة، تأسيسه لدار الصادق في لبنان واعماله المختلفة كلها تكشف انه كان شخصية نموذجية وقدوة حسنة لمن يريد ان يتعلم رحمة الله عليه وحشره مع محمد وآل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
|