لقاء مع الشيخ محمد الواعظي

اللقاء: السادس والعشرون.

الشخصية المحاورة: الشيخ محمد الواعظي.

المكان: دمشق، السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 20/12/2005م ـ 19/ذوالقعدة/1426 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه واله ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام .

وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  ) المجادلة : 11   صدق الله العلي العظيم

وقال صادق أهل البيت الإمام جعفر بن محمد عليه السلام : «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» الكافي: الشيخ الكليني، ج1/ ص32.

صدق سيدنا ومولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام

 يسرّنا ويسعدنا ويشرّفنا أن نستضيف في هذا اللقاء الجديد من سلسلة لقاءات حول الشهيد السعيد الإمام آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره  مؤسّس الحوزة العلمية في سورية، أحد العلماء البارزين ألا وهو سماحة حجة الإسلام الشيخ محمد الواعظي (حفظه الله وأبقاه).

 

اطلالة على حياة الضيف:

ولد فضيلته في عام (1960م) في منطقة الدايكندي من مناطق أفغانستان، درس المقدمات الأولية في بلدته، ثم هاجر إلى النجف الأشرف عام (1970م) لمواصلة الدراسة الدينية فيها، فدرس على يد أعلامها العظام أمثال المرحوم الشيخ المدرس الأفغاني والشيخ الزائري.

وفي عام (1975م) وبعد التهجير القسري، غادر النجف الأشرف متوجهاً إلى الشام حيث مرقد العقيلة السيدة زينب عليها السلام ، وفيها دخل إلى حوزتها الفتية التي تأسست حديثاً.

درس على يد بعض أساتذتها الأعلام أمثال العلامة الحجة الأستاذ الشيخ محمد المقدس، وآية الله الشيخ محمدي البامياني، وفي عام (1985م) بدأ التدريس في الحوزة العلمية الزينبية في مادة الفقه كتاب (شرائع الإسلام) وكتاب (اللمعة الدمشقية) وكتاب (الدراية في الحديث).

وما زال سماحته إلى اليوم يواصل التدريس في الحوزة العلمية الزينبية.

فأهلاً وسهلاً بسماحة الشيخ الواعظي في برنامجنا.

 

إثارة الماضي:

 سماحة الشيخ السؤال الأول الذي أود أن أسأل سماحتكم:

  ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرت؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أوليائنا محمد صلى الله عليه واله ، وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام ، والسلام على أرواح الشهداء والعلماء الماضين، وبالأخص مؤسس الحوزة العلمية الزينبية، سماحة الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره .

أشكركم جزيل الشكر لقدومكم إلى منزلنا وإثارة الماضي الناصع الذي قضيناه في كنف أولاً: الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وثانياً: في كنف أبوة ومحبة السيد حسن الشيرازي (رحمة الله عليه).

 

بدايات التأسيس:

كما تفضلتم هجرنا قسراً في زمن صدام حسين من العراق، ودخلنا سورية عام (1975م)، وكان الإخوة قد هجروا من النجف الأشرف إلى خارج العراق قبلنا، قسم منهم دخلوا سورية والتحقوا بالحوزة، أساس الحوزة على الظاهر تأسس في عام (1973م) عندما كان بعض الأخوة الزوار من علماء أفغانستان قدموا إلى زيارة السيدة زينب عليها السلام ، عند اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل عام (1973م) فأغلقت الحدود العراقية على وجه الأجانب من غير العرب، فبقي بعض الأخوة العلماء هنا، فجاءت وتخمرت فكرة تأسيس الحوزة منذ ذلك الحين، وألقي إلى الشهيد من عالم الغيب فكرة تأسيس حوزة في السيدة زينب عليها السلام .

 والله تبارك وتعالى أراد بسبب من أسبابه وهو سماحة الشهيد العزيز علينا جميعاً، حبيبنا جميعاً السيد حسن الشيرازي قدس سره ، عندما قدمنا إلى سورية وجدنا مجموعة من الإخوة في منطقة السيدة زينب عليها السلام ، من الشيوخ الأفغانيين والباكستانيين والهنديين (لا أقول الهنود، لأن هذه العبارة ركيكة جداً، مطروحة أيضاً في الحوزات، يقولون الطلبة الهنود، وهم أيضاً يقولون طلبة الهنود، فهذه الكلمة ركيكة جداً، وبالنسبة للشيوخ هذه الكلمة غير صحيحة).

وكان أيام الحج والشهيد مسافر إلى الديار المقدسة، ومن المؤسف أننا خرجنا من العراق من عند أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام  يوم عيد الغدير، صباح يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وبقينا ليلة في الطريق، ودخلنا إلى منطقة السيدة زينب عليها السلام  في اليوم العشرين من ذي الحجة من عام (1975م).

فالشيء الجديد بالنسبة لنا هو نظرتنا إلى عالم دين ومدير لمؤسسة كان نظرة عجيبة، لأننا نحن الطلبة تعاملنا مع المراجع وأولاد المراجع ووكلاء المراجع والمؤسسات مرجعية, وجدنا فرقاً كبيراً جداً شاسعاً لا يقاس، يعني شيء غريب بالنسبة للطلبة الذين أتوا من النجف الأشرف إلى السيدة زينب عليها السلام ، فالشيء العجيب ولكن لا ذهول ولا عجب لما نذكر شيء آخر بالنسبة للشهيد (رحمة الله عليه)، أن الشخص ينبهر بمجرد أن يلتقي بالسيد بأخلاقه وباستقباله للشخص الزائر له.

 

ارضاء الجميع:

من هنا أود أن أسأل سماحتكم، أرجوا أن تتحدثوا عن الخصوصيات الأخلاقية للشهيد.

 الخصوصيات الأخلاقية للشهيد (رحمة الله عليه) كان مصداقاً للحلم، أحد أبواب الأخلاق وهو الحلم، لا يتمكن أحد في مجلسه أن يثيره بحيث أن يفقد أعصابه، هذا كان محال.

كلما كان يحاول شخص ما إثارته لا ينجح، فكان مصداقاً للحلم، علاوة على حلمه كان عالماً، كان يعجب أي أحد كان يزور المرحوم الشيرازي يرى نفسه أنه مورد نظره، مورد عطفه وحنانه، بمعنى آخر أنه لما أي أحد يلتقي بالسيد يخرج ويودعه راضياً عنه، هذا قليل جداً بالنسبة للمؤسسات الدينية في مجتمعنا الشيعي.

 

العلم والحلم والسياسة مرتكزات الشهيد:

  سماحة الشيخ من خلال معاشرتكم للشهيد وصحبتكم معه، كيف تقيمون شخصيته الذاتية؟ وكيف تقيمون عبقريته العظيمة؟ وما هي منابع هذه العبقرية؟ وما هي منابع هذا النبوغ؟

 سؤالكم مهم جداً، أن الشخص يكون عظيماً في مجال من مجالات الحياة، هذا يرتبط بمسائل بعيدة جداً غير مطروحة، عموماً في الأوساط العلمية هذا يرتبط بالعالم الآخر الذي جئنا منه قبل وجودنا في هذا العالم، فهناك نظرية تقول أنه أي شخص يختار لحياته، لوجوده، أي شيء يعطى له، فيحمل هذا الشخص هذه المبادئ أو مرتكزات حياته من العالم الآخر، فهنا يبلوره بالعمل، فأظن أن السيد الشيرازي (رحمة الله عليه) كان في ذلك العالم على الظاهر كان واعي جداً، واختار أشياء كثيرة لنفسه من جملته العلم والحلم والسياسة والفصاحة وبقية الأمور المرتبطة بهذه الأمور.

فبالنسبة لعلمه، طبعاً هذا الشخص كان عالماً جليلاً، وكان مدرساً قديراً، وأنا ما تشرفت بدرسه، لأن الشهيد (رحمة الله عليه)، عندما أتينا كان صرف النظر عن التدريس الحوزوي، الأخوة الذين حضروا درس الشهيد كانوا راضين عنه، أحد الشيوخ وهو سماحة الشيخ التوسلي موجود حالياً في أستراليا كان معجب كثيراً بالسيد الشيرازي وبالنسبة لتدريسه، حيث كان يدرس عنده كتاب شرح اللمعة.

  سماحة الشيخ كيف كان الشهيد يتعامل مع الناس عامة؟ وكيف كان يتعامل مع زائريه وضيوفه بالأخص؟

 كما قلت في أول كلامي أنه (رحمة الله عليه) كان ينطلق في لقاءاته من منطلق الدين، كعالم ورجل دين، معنا نحن العلماء عندما كنا نقوم بزيارته.

أما بالنسبة للطلبة كما قلت لكم: أي واحد كان يزور السيد سواء كان عالماً جليلاً، أو من الطلبة العاديين، أو من غير أهل العلم، كان يخرج من عنده راضياً مرضياً.

 

نذرٌ للصلاة:

أرجوا أن تنقلوا لنا بعض القصص، وبعض الخواطر والذكريات التي تخص الشهيد في مختلف جوانب الحياة،

في أحد الأشهر تعذّر على السيد (رحمة الله عليه) إيجاد رواتب الطلبة، ونذر لله تبارك وتعالى أنه لو حصل على الراتب، فسيصلي مقابل كل ليرة على رسول الله صلى الله عليه واله ، يعني نذر أنه سيصلي ثلاثين ألف مرة، فحصل على جزء من الراتب من غير الطريق المتعارف عنده، فوفى بعهده وبنذره.

 

الترويج للمذهب:

  لكل مفكر قيم ومبادئ يرتكز عليها، فما هي الطموحات وما هي الأهداف والأفكار التي كان الشهيد يرتكز عليها؟

 كان همه الأكبر هو الترويج لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، هذا طبيعي لأنه كان من ورثة الأنبياء، وارث الحسين عليه السلام ، حيث عاش في كنف أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وكان من سلالة عريقة في إدارة عالم الشيعة، فكان همه أن ينشر دين الإسلام، في كل ترحاله، نحن كنا في السيدة زينب عليها السلام  ولم نكن معه في مكان آخر، فكنا نعلم إنه كان يحمل هم الإسلام ويجاهد ويتعب نفسه لنشر القيم الإسلامية الصحيحة.

 

هموم الشيعة:

  هل كان الشهيد يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟ مثلاً قضية فلسطين، أفغانستان، العراق؟

 كان الشهيد (رحمة الله عليه) من السياسيين النوادر في ذلك الوقت، لذلك عذّب وأبعد وهجّر من العراق، وكان همه بما إنه من بيت عريق في إدارة عالم الشيعة (الأسرة الشيرازية)، فكانوا جميعاً صغيرهم وكبيرهم يحملون هموم الشيعة في كل المناطق الشيعية الإسلامية.

 

اصدقاء بلا عدد:

  من هم أصدقاء الشهيد؟ ومن كان أعوانه في أعماله؟

   أصدقاء الشهيد كما ذكرت لكم أي أحد يزور السيد كان يخرج من عنده راضياً، لأن الشهيد قدس سره  كان يسيطر على نفس الزائر، فأصدقاؤه كل من زاره.

طبعاً لا أقول بالمطلق كل من زار الشهيد يكون صديقه، ولكن على الأعم الأغلب، فبناءً على هذا نحن الطلبة جميعاً كنا أصدقاء للشهيد (رحمة الله عليه).     

أما المعاونون له في مكتبه، مكتبه كان عبارة عن شقة صغيرة، كان غرفة استقباله لا يتعدى طولاً المترين وعرضاً متراً ونيفاً.

ولم يكن عنده التشكيلات الموجودة حالياً، فمعاونوه بالنسبة لإدارة الحوزة كانوا عدة أشخاص من جملتهم المرحوم الشيخ الحاج محمد جان، وسماحة العلامة الأستاذ الشيخ النوري، وسماحة الأستاذ الشيخ نصر الله الناصري، وسماحة العلامة الشيخ الأحمدي، فهؤلاء كانوا من معاونيه بالنسبة للأمور الحوزوية.

 

الباطل يموت بتركه:

  كيف كان تعامله مع خصومه؟

 من جملة ما كان يدعوا له الشهيد ويذكره في مجلسه ويؤكد عليه أن الشخص يجب أن لا يفكر في كيفية الرد على أعدائه، بل يجب أن يخطط لحياته ولمستقبله، لعالمه، لدينه، لمذهبه، كان يسلك هذا الخط، لا يهتم ولا يتوجه إلى الرد على خصومه، لأن الدنيا كلها مشاكل، ومصاعب الشخص يبدأ يفكر بالرد على خصومه وهذا يدل على أنه فاشل ولا يتمكن من الاستمرار في خطته.

قال (رحمة الله عليه): نحن كنا نجمع الرسائل التي تردنا، نفتحها ونقرأها فنرى أن كلها سب وشتيمة، فنجمعها ونضعها في كيس ونرميها في النهر، كان هكذا، لم يكن من دأبه وأخلاقه أن يرد على أعدائه، بمعنى أن يباشر بالعمل المضاد.

قال: هذا يتسبب بفشل رسالته في الحياة.

 

زاهد في الملذات:

  ماذا كان مأكله وملبسه ومشربه؟ وأين كان يسكن؟

 عند قدومنا إلى سورية، السيدة زينب عليها السلام  كان مسكنه في فندق سمير أميس في منطقة مرجة في دمشق، وهو فندق متواضع، وبعد ذلك لما توسع دائرة الحوزة، يعني كان المراجعون كثيرين، فاختار المكتب الموجود إلى الآن في شارع الأمين، فكان يسكن هناك.

أما بالنسبة لمأكله فالسيد قدس سره  نتيجة للتعذيب الذي تعرض له على يد البعثيين الكفرة حرم من كثير من المأكولات هذا أولاً، وثانياً: السيد (رحمة الله عليه) كان زاهداً عالماً ورعاً لا يتوسع في مأكله، مأكله كان عبارة كما سمعت من خدمه، حيث كانت امرأة تخدم أخت المرحوم هي تنقل أن السيد (رحمة الله عليه) لا يأكل شيء، فقط القليل من الخبز والفول، الأمور البسيطة كان مأكل السيد.

 

ما لنا بها من حق:

  مع أن الملايين من الأموال كانت تصل بيد الشهيد، كيف كان يعيش زاهداً حتى أنه لا يملك أجرة التاكسي؟

 قلت لكم إنه (رحمة الله عليه) كان زاهداً وورعاً، فكان لا يتصرف بهذه الأموال لأنه لا يرى له حق في أن يتصرف بهذه الأموال، والسيد (رحمة الله عليه) كان قدوة، والقدوة على الظاهر بعيد عن أن يتصرف بهذه الأموال لمصالح نفسه.

 

لا للخيانة:

  ماذا كانوا يريدون من الشهيد تحت التعذيب؟

 كما سمعت من أحد أقطاب الكوادر الإسلامية، أنه قدم له عدة أوراق مكتوب عليها بعض الأسماء وطلب من السيد (رحمة الله عليه) أن يظهر على شاشة التلفاز ويعترف بالأسماء الموجودة في الورقة على إنهم من المتعاونين معه ضد النظام، وجميع هذه الأسماء كان من أقطاب العلماء والقادة الدينيين، فطلب منه أن يعترف بهذه الأسماء فيطلق سراحه، السيد (رحمة الله عليه) استنكف من هذا.

 

التصدي للثورة:

  لماذا قتلوا الشهيد؟ وما هي الأسباب وراء اغتياله في بيروت؟

 كما قلت لكم أن السيد (رحمة الله عليه) كان عريقاً في إدارة عالم الشيعة، فكان يحمل هم كل منطقة خصوصاً مسقط رأسه العراق، بعدما استشهد المرجع الكبير السيد محمد باقر الصدر (رحمة الله عليه)، قال السيد (رحمة الله عليه): بما أنّ السيد الصدر (رحمة الله عليه) قام بالتصدي والمواجهة من حيث الوجهة الدينية، فكان لا يرى ضرورة بأن يقوم هو ايضا بالتصدي، وبعد ما أخرج وطرد من العراق، آثر أن يصرف أعماله إلى أمور أخرى، ولكن بعد استشهاد المرحوم الصدر (رحمة الله عليهم جميعاً)، قال: إنه يجب عليّ القيام والتصدي للثورة العراقية، فكان هذا هو السبب الرئيسي لاستشهاده.

كما سمعنا أنه بعد هروب إحدى العضوات في مكتب صدام، وعند إجراء مقابلة معها في إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قالت: كنّا في المكتب، جمعنا صدام وعدة أشخاص، فصمّمنا على اغتيال السيد حسن الشيرازي قدس سره .

 

تأسيس الحوزة:

  كيف فكر الشهيد في إنشاء الحوزة العلمية في سورية؟

قلت لكم: إن الله تبارك وتعالى أراد أن تتأسس حوزة هنا، فألقى في روح السيد الشهيد أن يؤسس الحوزة، وبعد إغلاق الحدود العراقية أثناء الحرب، فألهم إليه تأسيس الحوزة العلمية الزينبية.

 

عقبات في الطريق:

  هل كانت هناك عقبات تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟ وما هي المحاولات المختلفة من مختلف الأطراف لعرقلة تأسيس الحوزة؟ وماذا كانت أهدافهم من وراء ذلك؟ وكيف استطاع الشهيد تجاوز هذه العراقيل والعقبات؟

الأشخاص الذين حاولوا منع أو إسقاط أو هدم الحوزة العلمية الزينبية، على الظاهر كانت عندهم أغراض غير نزيهة، غير شرعية، غير أخلاقية، ولن أذكر منشأ هذه الأمور لأنه غير مستحسن.

وعلى الظاهر كان الدواعي النفسية لا أكثر ولا أقل، بما أنهم رأوا السيد مطارداً ومهجّراً ولا أحد معه، يقوم بتأسيس عمل ضخم في موقع استراتيجي وغير متوقع أصلاً في ذهن أحد، وبعد مضي ثلاث سنوات أقل أو أكثر على تأسيس الحوزة قامت بعض الأيادي (على الظاهر من أيّ جهة كانوا) وعملوا على إزالة الحوزة من الوجود، أو منع تأسيس الحوزة، وأظن أنهم كانوا بدواعي هوى النفس.

أما بالنسبة إلى كيفية تجاوز الشهيد هذه العقبات، فكما قلت لكم بأن أي شخص كان يلتقي بالسيد الشهيد ينجذب إليه، فأي شخص عندما يريد أن يؤسس مؤسسة، ويكون خلفه جمع غفير، فهذا بحسب الظاهر لا ينهزم، فطلاب العلوم الدينية مع عائلاتهم وأولادهم كانوا مع السيد الشهيد، وكان عدد الطلاب يتجاوز الثلاثمائة طالب في سورية عند قدومنا كانوا موجودين، بمعنى آخر كان ألف شخص يقفون وراء السيد الشهيد، والسيد لا يهدد بهذه السهولة، الأهم من ذلك إرادة الله بتأسيس حوزة في سورية، السيدة زينب عليها السلام ، ولا غالب لإرادة الله سبحانه وتعالى.

 

لوجود الاهم:

  لماذا لم يتزوج الشهيد؟

إن الشهيد كان يحمل هماً أكبر من هم الزواج، وكان يقوم بالتصدي للنظام البعثي في العراق، فإذا شخص ما نذر نفسه للخدمة وخصوصاً في الظروف الموجودة في ذلك الزمان، فلا يملك الوقت لتكوين عائلة.

 

الحيادية مبدأه:

  كيف كانت علاقة الشهيد بأخيه الأكبر الإمام السيد محمد الشيرازي قدس سره ؟

 عندما كان يسأل الزائر من الشهيد مسألة، كان الشهيد يسأله عن مرجعه الذي يقلده، ويجيبه حسب رأي المرجع الذي يقلده.

وأنا منذ مقابلتي للشهيد إلى استشهاده، لم أسمع منه، مع إني كنت أتردّد عليه كثيراً عند الشهيد، بأن له أخاً، وهو علم من أعلام العراق، ولم أسمع منه أبداً قولاً بأني شقيق آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي.

 

العمل لصالح الاسلام:

  ما هي أفكاره الاستراتيجية؟

 قلنا لكم بأنه كان من أهل بيت يتصدر الزعامة والرئاسة في عالم التشيع، فكان يحمل هموم عالم التشيع والإسلام، لذلك قتل، لو لم يعمل لصالح العالم الإسلامي ما كان يقتل.

الكثير من الشيوخ عندنا تجاوز التسعين من العمر وهم أحياء إلى الآن، لا علاقة لهم بشيء من الأمور الاجتماعية وغيره.

 

قليل الهجوع:

  ماذا عن الأبعاد المعنوية في حياة الشهيد (صلاة، قراءة قرآن، دعاء)؟

 كان (رحمة الله عليه) لا ينام في الليل، وكان يستثمر الليل إما بالصلاة والتسبيح وإما بالمطالعة والكتابة، فقيل له: لماذا تطالع الكتب يا سيدنا؟

فكان جوابه أنه يجدد علمه.

فليل السيد (رحمة الله عليه) كان ينقضي بالعبادة، إما الصلاة والتسبيح، أو الكتابة والمطالعة.

ففي إحدى الليالي طلبنا السيد (رحمة الله عليه) من أجل كتابة أسماء الشيوخ، فخرجت لحالة ما فرأيت السيد (رحمة الله عليه) جالس على كرسيه ويسبح الله وسجادة صلاته مفروشة على الأرض.

فليله كان يقضيه بالعبادة والتفكر إلى طلوع الشمس، أو بعد صلاة الصبح، كان ينام قليلاً ما.

 

مسك الختام:

  سماحة الشيخ هل لديكم كلمة أخيرة توجهونها حول الشهيد السيد حسن؟

 أوجه له كلمة: ما يحكم به من تأسيس وبقاء الحوزة تحققت الحمد لله، وأنتجت ثمراته وثمراتنا جميعاً، والدكم وبقية الشيوخ.

أهدي له بشارة استحكام الحوزة العلمية،لأن الله أراد ومن خلال السيد الشهيد (رحمة الله عليه) تحققت هذه الأمنية وستبقى منارة.

وأخيراً: أنا أدين للسيد الشهيد (رحمة الله عليه) حالتي النفسية لأن الشهيد أثّر فيّ نفسياً، حيث كنت أزوره كثيراً عندما يأتي من بيروت، وكنت من الأشخاص المداومين في مجلسه كنت أنا، لم يتحدث الشهيد (رحمة الله عليه) في مجلسه عن الأمور المتداولة حالياً في المجالس مع الأسف.

كان دائماً يوجه الناس إلى الله سبحانه وتعالى، مجلسه كان مجلساً دينياً، يروي الأحاديث ويذكر القصص حول الإسلام، ويشجع الناس وطلبة العلوم على هذه الأمور.

أدين بالتغيير الذي حصل في نفسيتي للشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره .

بارك الله بكم سماحة الشيخ.

 سلّمكم الله، جزاكم الله خيراً، لجهادكم وقيامكم بإحياء تراث الشهيد، فجزاكم الله عن السيد، وعن الإسلام، وعن صاحب المذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، ونحن في جوار بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام  خيراً.

ونشكر لكم هذا الجهاد، حيث أنكم تجمعون هذا التراث، وفي الواقع أنا وأنت والشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره  كلنا خدم للسيدة زينب عليها السلام ، وإنّ للشهيد الفضل علينا جميعاً.

 وفي ختام هذه المقابلة الكريمة، وهذا الحوار الودي والشيق، نرفع جزيل الشكر وفائق الاحترام والتقدير والإجلال إلى صاحب السماحة العلامة الشيخ محمد الواعظي على إتاحته لنا لهذه الفرصة في برنامجنا وحفظ وإحياء تراث مؤسس الحوزة العلمية في سورية الإمام الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره .

فإلى سماحته جزيل الشكر وفائق الاحترام والتقدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.