|
لقاء مع السيد عزالدين الفائزي
اللقاء: الرابع والعشرون. الشخصية المحاورة: السيد عز الدين الفائزي. المكان: دمشق، السيدة زينب عليها السلام. التاريخ: 20/4/2006م ـ 21/ربيع الأول/1427 هـ.
تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه واله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام. وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة: 11. صدق الله العلي العظيم وقال صادق أهل البيت عليهم السلام: «العلماء ورثة الأنبياء» الكافي: الشيخ الكليني، ج1/ ص32. صدق سيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يسرنا ويسعدنا ويشرّفنا في هذا اللقاء الجديد من سلسلة حلقات حول مؤسس الحوزة العلمية في سورية آية الله الشهيد السعيد السيد حسن الحسيني الشيرازي (قده)، أن نكون باستضافة صاحب السماحة، حجة الإسلام والمسلمين السيد عز الدين الفائزي (حفظه الله وأبقاه) وذلك في داره العامرة (دار التبليغ الإسلامي).
مع الضيف: ولد سماحة السيد الفائزي في مدينة كربلاء المقدسة، نشأ وترعرع في هذه المدينة، دخل إلى مدارسها الأكاديمية من الابتدائية والثانوية والجامعة، إضافة إلى أنّ سماحته انتسب إلى كلية الفقه التي أسّسها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر (قده) في مدينة النجف الأشرف. درس على أساتذة وخطباء كربلاء المقدسة، وكان سماحة السيد من أولئك الشبيبة الذين تأثروا بخطباء كربلاء الحسينيين، تخرّج سماحته على يدهم خطيباً حسينياً مصقعاً بارعاً، وكان لمنابره الأثر الكبير والبالغ في النفوس في أكثر من دولة وفي أكثر من مكان، وكما قلنا فإنّ سماحته درس في كلية الفقه ونال شهادة (الليسانس) بدرجة جيد جداً في العلوم العربية والشريعة الإسلامية. ولسماحة السيد جولات تبليغية في أكثر من مكان بدءً من إيران والعراق وبلاد الشام وفي عدّة دول من قارة أفريقيا.
دار التبليغ الاسلامي: أسّس سماحة السيد الفائزي (حفظه الله) دار التبليغ الإسلامي وذلك عام (1418هـ) والتي تقوم على محاور ثلاث: أولاً: الحوار البناء مع مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية لغرض معرفة الحقيقة ومعرفة الرأي الآخر. ثانياً: تصحيح الروئ والعقائد والأفكار وبيان الحقائق والمعتقدات السليمة. وأخيراً: توجيه ونقد المذاهب المبتدعة وذلك بالكلمة الطيبة والقول الحسن لمراجعة حساباتها واعتناق الإسلام الصحيح.
كلمة اولى: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد صلى الله عليه واله، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام. في البدء أقدّم شكري الجزيل لفضيلة حجة الإسلام الشيخ حسين الفاضلي صاحب مجلة (المرشد) الدورية على إتاحته لنا لهذه الفرصة في الحديث عن رمز من رموز الفكر والأدب، وعن عالم من العلماء الربانيين الذين نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين ومذهب أهل البيت عليهم السلام، إنّه الشهيد السعيد الراحل آية الله السيد حسن الشيرازي، وفي الواقع لنا الشرف والافتخار أن تستضيفونا للحديث عن هذه الشخصية الفذّة التي عرفت في ميدان العلم والتقوى، وفي ميدان الجهاد والتضحية، وفي ميادين عديدة من الحياة الاجتماعية التي نذر الشهيد نفسه من أجلها.
التلميذ والاستاذ: ● سماحة السيد السؤال الأول الذي أودّ أن اسأل سماحتكم، ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ ومتى بدأت؟ وكيف استمرت؟
يمكن أن نقول في ذلك العصر الذي فيه شيء من الانفتاح من عام الخمسة والستين والستة والستين والسبعة والستين، هذه الفترة التي كانت الحركة الإسلامية والعمل الإسلامي والتحرّك من أجل العمل كان ميسّر في تلك الفترة. ومن ثم العلاقة استمرّت مع سماحة السيد (رحمة الله عليه) في هذه الفترة وقبل اعتقاله (رضوان الله عليه)، فكانت فترة التوجيه والإرشاد والرعاية لهذه المجموعة من الشباب الذين توجّهوا يوم ذاك إليه.
سليل الأخلاق النبيلة: ● أرجو أن تتحدث عن بعض الخصوصيات الأخلاقية للشهيد السيد حسن الشيرازي (قده)؟ في الواقع كان السيد الشهيد في قمّة الأخلاق وفي قمّة المثل الإسلامية الرائعة، فتجده متواضعاً حينما يتكلم معك، وتجده كريماً حينما تكون ضيفاً لديه أو عليه، وتجده زاهداً حينما يتعامل مع وسائل الحياة الدنيا، وتجده شجاعاً حينما يقف ويتكلّم، وتجده في جميع الجوانب الأخلاقية له قصب السبق في ذلك، لأنّه ينتمي إلى هذا البيت، وإلى هذه المدرسة، وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومدرسة الإمام الإسلام، ومدرسة رسول الله صلى الله عليه واله الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» تفسير مجمع البيان: الشيخ الطبرسي، ج10/ ص86.. فلا غرو أن يكون السيد الشيرازي يحمل هذه المواصفات الأخلاقية الرائعة لأنّه ينتمي إلى هذه المدرسة وإلى هذا البيت، وناهيك هو إمتداد لوالده المرحوم المقدّس السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قده) الذي كان كتلة من الإيمان والورع والتقوى، طبعاً هذه أفضل الصفات الأخلاقية التي يحملها الإنسان المؤمن.
العبقرية الفذة: ● سماحة السيد، من خلال معاشرتكم للشهيد السيد حسن، كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة، وما هي منابع هذه العبقرية؟
فالشهيد الشيرازي يمتد إلى هذه الأسرة الطيبة، أسرة السيد ميرزا مهدي (قده)، وإلى أجداده، هؤلاء نقلوا وحملوا إليه واكتسب منهم هذه الصفات، فكان لها الأثر الكبير في عبقريته ونبوغه وتفوّقه في مجالات الحياة المتعددة، هذا من جانب. الجانب الثاني: الجانب الذاتي والموضوعي، يقول في علم الوراثة: إذا الإنسان لم يحمل هذه الصفات من آبائه يمكنه أن يغيّر من طبيعته وشخصيته وذلك بإجراء التجارب المتعددة على نفسه في الحياة، أي إذا لم يكن كريماً يمارس صفة الكرم حتى يكون كريماً، وكذلك بالنسبة إلى الشجاعة يقدم على أمور صعبة في الحياة حتى يكون شجاعاً فيها. كما ذكر السيد محمد رضا الشيرازي في كتابه (ومضات) محاججة بين اثنين، أنّ أحدهم قال: كنت من عائلة فقيرة، ولم أكن ذكياً ولم تتوفّر لي مستلزمات الحياة مع ذلك أصررت على أن أتقدّم في هذا المجال، فدرست وتعلمت، وقضية السكاكي معروفة.
تربية النفس: فيمكن للإنسان أن يربي نفسه، يخضع لقانون التربية ولعلم التربية، ويصنع في نفسه المعجزات، «أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر» التفسير الصافي: الفيض الكاشاني، ج1/ ص92.. فالشهيد الشيرازي (رحمة الله عليه) كان يحمل الطابعين، الطابع الأول: الطابع الوراثي، الطابع الثاني: طابع التربية الذاتية. حينما ينقلون عن السيد الشهيد (قده) بأنّه لم يكن ينام الليل، هذا معروف عنه عندما كان في العراق وفي سورية ولبنان إلى صلاة الصبح، حيث نقل لي الحاج أحمد المساعد له في داره الكائنة في دمشق، حي الأمين بأنّ: السيد لم يكن ينام حتى الصباح، وفي بعض الأحيان يقوم ويخطو بعض الخطوات في ممر الشقة. عموماً نبوغه وعبقريته جاءت من عاملين، العامل الوراثي، والعامل الذاتي الموضوعي.
مدرسة القادة: ● كيف كان يتعامل السيد الشهيد مع الناس عامة؟ ومع زائريه وضيوفه بالأخص؟
يستقبل ضيوفه على أحسن ما يرام، ويكرمهم ويعين المحتاج منهم، ويقضي حاجاتهم، وهكذا بالنسبة لكلّ المسائل الحيوية الأخرى. السيد كان نموذجاً ومثالاً في هذا الجانب، فما عسى أن نقول في حقّه؟ إلا أن نقول بأنّه كان قدوة في الحقيقة، كما نقرأ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب: 21، فرسول الله صلى الله عليه واله أسوة لنا وقدوة لنا، فنحن يلزم علينا أن نتبعهم، وكان المرحوم الشهيد في الواقع من هذه المدرسة.
قصص ومواقف: ● سماحة السيد، انقلوا لنا بعض القصص وبعض الخواطر التي تخص السيد حسن في مختلف جوانب الحياة؟ في مختلف جوانب الحياة كثيرة، ولكن أنا أتذكّر في الستينات، أيام شبابه في كربلاء، بعد هذه العلاقة والتعرّف على السيد، كنت ألاحقه لكي أحصل على صورة منه، فهو مع إنشغالاته الكثيرة، كان يعدنا اليوم وغداً، فكنت أراه وأقول له: سيدنا، هل حملتم الصورة؟ متى آتي وآخذها؟ إلى أن ذهبت إليه في يوم من الأيام، أعتقد كان في الساعة الثانية عشرة ظهراً، لا أذكر الساعة جيداً، فقرعت الباب، في البيت المعروف، بيت والده الميرزا مهدي (رحمة الله عليه) في شارع الإمام علي عليه السلام، فخرج السيد وأخرج لي الصورة، وكانت الصورة جداً جميلة، من الصور المرموزة، هذه خاطرة. خاطرة أخرى: نقل عنه (رحمة الله عليه) أنّه عرض عليه الحج بسرعة، أي فوراً، فهو لبّى هذه الدعوة من دون أن تكون هناك حواجز تمنعه، فجاء إلى البيت وقال للوالدة: اريد ان اذهب. الى اين يا ولدي؟ أريد الذهاب إلى الحج. بهذه السهولة؟ بلى، البعض تمنوا لي ذلك، هكذا سمعت.
مؤسس لبعثة الحج:
أنا أذكر في عام (1972م)، وكان يرسل (واقع الشيعة) بوسيلة أو بأخرى إلى الحج، وكنت من جملة الموزّعين لهذه الكرّاسة، أتذكر في منطقة السليمانية أو غيرها كنت مع سماحة آية الله المدرسي ووالده آية الله السيد كاظم المدرسي (رحمة الله عليه) والسيد هادي المدرسي وجملة من الأصدقاء، هناك كنت أحمل هذه الكرّاسات وأرميها في السيارات، وأوزّعها للمارة، وكانت البعثة بإشراف السيد حسن الشيرازي (قده) والسيد الخاتمي كان مساعداً له، مع جماعة آخرين منهم الشيخ الكرباسي (حفظه الله). هذه كانت خطوة إيجابية بنّاءة لتعرّف العلماء فيما بينهم، الزيارات، هداية الآخرين، حيث كان يأتي الكثيرون من مختلف العالم الإسلامي وتجاب على أسئلتهم وما شاكل ذلك، هذه خاطرة ثانية بشكل مختصر. خاطرة ثالثة: عندما كانت وقت استراحته في مدرسة ابن فهد الحلي، كان لديه غرفة في الطابق العلوي، ولمدرسة ابن فهد الحلي قصة، حيث كانت هذه المنطقة مستنقعاً في الواقع، وكان فيها بيوت من قصب وما شاكل ذلك، يسكنون فيها المستضعفين والفقراء الذين لم يكونوا لديهم بيوت، هذه المدرسة بنيت بسعي السيد الشيرازي (رحمة الله عليه) وسميت بإسم هذا العلم من الأعلام لأنّ قبره كان هناك، ومعروف ابن فهد الحلي (رضوان الله عليه) أنّه كان مقدّساً، وكان السيد الشيرازي يصلي صلاة الظهر هناك، ووقت الغروب كان يستريح هناك ويزوره بعض الأصدقاء.
إنقاذ المسلمين: ● هل كان الشهيد السيد حسن يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟ السبب الذي أدّى إلى اعتقال وتعذيب وأذى السيد حسن (قده) هي هذه الهموم، همومه كانت إزاء فلسطين، ونقرأ في قصائده الكثيرة، قصائد يثير الهمم من أجل الدفاع عن فلسطين وإرجاع الحقوق إلى أهلها والمقدسات وما شاكل ذلك. كان (رضوان الله عليه) يسعى في هذا المنحى كثيراً، وهكذا بالنسبة إلى البلاد الإسلامية الأخرى في لبنان ونهضته للدفاع عن المستضعفين وما شاكل ذلك. في نفس العراق الجريح، حينما كان يلقي هذه القصائد الرنانة النارية يثير فيها الألباب والنفوس والمشاعر، ويرجعهم إلى أمجاد ومقدسات العراق التي ديست على أيدي أناس دخلاء في الواقع: ويل العراق فليله لا ينقضي حتى تقوم حكومة الإسلام إذاً كان عنده هم، وهذا الهم إقامة الحكومة الإسلامية، ونقرأ ذلك وندرسه في شعر السيد الشيرازي سواءً كان العامودي أو الحر أو المنثور. همومه في إنقاذ المسلمين من نير الإستعمار والعبودية والطغيان في سائر البلاد الإسلامية، وكان له دوراً فعّالاً في هذا المجال.
وحدة الرؤى والهدف: ● هل تتذكرون بعض أصدقاء الشهيد؟ ومن كان أعوانه في أعماله؟
المجموعة الثانية التي كانت تتعاون معه: الشيخ نديم الطائي، والشيخ الحاتمي، والشيخ صادق ناصر الدين، والسيد علي الفالي، والسادة المدرسية حيث تربطهم الخؤولة من جانب صلة القرابة، الذي كانوا في التيار. إنّ السيد الشيرازي أساساً كان يوجّه الشباب لأخذ منهج العمل والإستمرار في هذا الطريق، فهؤلاء مجموعة من أصدقاء الشهيد الذين كانوا يتعاونون معه ويسيرون في نفس الإتجاه والمنهج.
تسامح وغض نظر: ● كيف كان تعامل الشهيد السيد حسن (قده) مع خصومه؟ في الواقع كما قلت في البدء، من كانت هذه أخلاقه ومثله ومعانيه كيف تكون موقفه مع خصومه؟ كانت مواقف تسامح والإعراض وغض النظر عن ذلك، وهذه سيرة أئمتنا عليهم السلام أجمعين, يذكر عن الإمام السجاد عليه السلام أنه كان يُسب فيقول: «ولقد أمر على اللئيم يسبني، فمضيت ثمّة قلت لا يعنيني». يعني هكذا كان أخلاقه والإعراض والتسامح، حب الآخرين، المغفرة لمن أساء إليه، هذه هي أخلاق سماحة السيد (رحمة الله عليه). السيد الشيرازي قال: أنا عفوت عن من تكلم عليّ، وعن من يتكلم علي اليوم، وعن من يتكلم علي في المستقبل. هذه أخلاقه وهي أخلاق أبيهم السيد ميرزا مهدي (رحمة الله عليه)، في الواقع لو أردنا التحدث عن السيد مهدي سيأخذ بنا الحديث طويلاً، فهؤلاء أشبال من ذلك الأسد، وهؤلاء النخبة من تلك المدرسة، وهذه الثمرة من تلك الشجرة الأصيلة اليافعة الباسقة.
قناعة في تواضع: ● ماذا كان مأكل الشهيد ومشربه وملبسه؟ وأين كان يسكن؟ هذه مسائل بيتية، ولكني سمعت كان يسكن في بيت والده أيام كان في العراق، وحينما كان يأتي إلى دمشق في البداية كان ينزل في فندق سمير أميس ويستقبل ضيوفه هناك، ثم انتقل إلى البيت في حي الأمين، سمعت من الحاج أحمد (حفظه الله) أنه كان متواضعاً في تناوله لطعامه، يكتفي بشيء قليل من الطعام خاصة إذا كان ليلاً، فيناول من في الحواضر الموجودة، ونقل لي إذا حضر لمائدة عليها ألوان متعددة من الطعام كان يكتفي بلون واحد، هذه صفات جيدة يحملها الإنسان، نحن لم نكن معه في كل جزئية ولكن هذا المشهور. وفي لبنان كان فترة أعماله ونشاطه مكثفة، مدرسة الإمام المهدي (عج) وغيره.
إنفاق في سبيل الله: ● مع أن الملايين من الأموال كانت تصل بيد الشهيد، كيف كان يعيش زاهداً حتى يصل به الأمر أنه لا يملك أجرة التاكسي؟
فقال: كأنما لم يكن لدى السيد مالاً. وسمعت بالأمس القريب من الحاج أحمد نفس المسألة، وأعتقد أن ما كان يدخره من مال كان يصرف فوراً، كان يعطي المال الذي يأتي لديه لذوي الحاجة والمستحقين وما شاكل ذلك، فالذي يعطي المال بمجرد أن تصل إليه لا يبق لديه شيء. وينقل عن بحر الجود عبد الله بن جعفر، قيل للسيد أنك تعطي الكثير وحتى إذا أعطيت قرضة لا تسترجعها. قال: الله سبحانه وتعالى عودني أن يعطيني، فلماذا أبخل على الإعطاء؟ وهذه أخلاق أهل البيت عليهم السلام، وهكذا كان الشهيد (رحمة الله عليه).
مهرجان أمير المؤمنين عليه السلام: ● ماذا كان دور الشهيد في احتفالات الثالث عشر من شهر رجب بمناسبة مولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة كربلاء المقدسة، سيما أن سماحتكم عشتم في تلك المدينة وتحدثتم قبل قليل عن بعض تلك النشاطات؟ هذه اللجنة، لجنة الاحتفالات، احتفالات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من اللجان التي أسست في كربلاء بتوجيه من السيد ميرزا مهدي (رحمة الله عليه)، وكان هو المبادر، وكان يضم اللجنة السيد سعيد الزيني (رحمة الله عليه)، والسيد عبود الشروفي (رحمة الله عليه)، والسيد حسن الموسوي (أبو لحية)، وكان فيها الإمام الراحل السيد الشيرازي، وكان فيها الحاج عبد الأمير الحمامي (تتنجي) محله في شارع قبلة الإمام الحسين عليه السلام إلى جوار السيد حسن، فتشكلت لجنة الاحتفالات وأعتقد في عام (1959م)، توفي السيد ميرزا مهدي (رحمة الله عليه) بعده بسنة، فوضعت لبنة الاحتفالات في عام (1959م) وكان بمناسبة مولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان له ميزة، حيث دعي إلى هذه الاحتفالات الشعراء والأدباء من مختلف مناطق العالم، ومن لبنان ومصر والأردن وسورية للمشاركة في هذا الاحتفال، من المسيحيين والمسلمين، وكان ليلة يشاد بها، ليلة بهيجة مفرحة، كانت كربلاء تزين نفسها بأنواع الزينة، وكانوا يبدعون في هذا الشيء. الإضاءة كانت ملونة، ومكبرات الصوت تنصب في الميادين، فحينما كان أحد يلقي كلمة كان الصوت يأخذ مدينة كربلاء بأجمعها. طبعاً كان في كل ميدان يعمل أثراً، مثلاً في إحدى الميادين كان سفينة نوح عليه السلام التي تشير إلى أهل البيت عليهم السلام، وفي ميدان آخر تنصب الكعبة لأن مولد الإمام أمير المؤمنين عليهم السلام كان في وسط الكعبة، وكان في ميدان ثالث البقيع على شكل مجسم، أتذكر مجسم البقيع كان إلى جانب أبي الفضل العباس عليه السلام، أول شارع العباس عليه السلام، فالبقيع حقيقة كان يثير الدهشة والأعجاب.
في الحسينية الطهرانية: ● سماحة السيد، موقع الاحتفال أين كانت تقام؟ موقع الاحتفال كانت في الحسينية الطهرانية، بعد تهجير الإيرانيين سمّوها الحسينية الحيدرية، أي أنّ النظام سمّاها الحسينية الحيدرية، والآن تسمى حسينية الإمام علي عليه السلام. الاحتفال كان فيها بروتوكولات كثيرة لا يسع المجال لشرحها جميعها، كانت توزع البطاقات، وكانت هناك لجنة لرؤية البطاقات، فالذي لا يملك البطاقة لا يدخل، وكانت باب الحسينية من الجانب الغربي إلى باب القبلة مغلقة، والناس يقفون في الطريقين حتى يدخل الوفود، وهكذا الجانب الثاني من سوق البزازين يسمى، سوق العرب باتجاه باب قاضي الحاجات.
جهاد الكلمة: ● ماذا كان دور الشهيد؟ دور الشهيد في أكثر من سنة كان لديه خطابات جداً رائعة، في البداية كانت بعضها بكلمات ثم بقصائد، وكان يتناول في قصائده الجانب السياسي، ويدعو الأمة إلى والنهوض والإنتصار لمباديء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ومن بعض تلك الأبيات:
دستورنا القرآن نهتف بإسمه
وشعارنا في العالم الإسلام
فالقصائد كلها كانت من هذا القبيل: أرض العراق مجازر مآتم والرافدان مدامع ودماء هذا يدل على رؤية الشهيد، إلى الآن أرض الرافدين تمر بهذه الحالة، أرض العراق اليوم لا يسعنا ولو جملة أن نترك هذا الواقع المرير الذي نعيشه، وجود المحتل من ناحية، ووجود هؤلاء الذين لا يفهمون من الإسلام شيئاً، البعض لا يعرفون من الإسلام إلا الإسم ومن القرآن إلا الرسم، وهؤلاء لا يعرفون لا الإسم ولا الرسم، فهذه الفئة التكفيرية والإرهابية والتدميرية ومن، الأعمال الشنيعة التي يقومون بها يندى لها جبين التاريخ في الواقع، على كل نسأل الله سبحانه وتعالى الهداية.
إنهاض الامة: دور الشهيد في الحقيقة كما قلت كان إنهاض الأمة للرجوع إلى أصالتها وإلى ماضيها وإلى تاريخها المجيد المشرق، لذلك كان يتناول كل الحكومات التي مرت في العراق، من أيام عبد الكريم قاسم، وأيام المد الأحمر، قال: أو ليس قد سماه يعرب عفلقاً ولديه أحقاد الصليب دماء هذه كانت تدل على شجاعته وسعة صموده وعلى قول كلمة الحق بهذا الشكل دون خوف من أحد، وهذه القصائد وهذه المواقف التي صارت سبباً لإعتقاله وإيذائه وما جرى عليه.
في قصر النهاية: ● ما هي أنواع التعذيب التي لاقاها السيد في سجون العراق؟ وما هي الآثار التي تركها التعذيب على جسده؟
السيد الشيرازي (رحمة الله عليه) عندما اعتقل أخذوه إلى قصر النهاية، بقي هناك مدة أربعة أشهر أو أكثر، ومورس بحقه أشد أنواع التعذيب، وأقل ما يقال بأنه المروحة، وأقل ما يقال أنه الضرب، أقل ما يقال أنه إطفاء السجائر على بدنه، ونتف لحيته الكريمة، ومختلف وسائل التعذيب. والزيارات كانت ممنوعة في قصر النهاية، وسمح بالزيارة في سجن بعقوبة، وبدأت الوفود بالذهاب إلى سجن بعقوبة لزيارة السيد الشهيد، وفي أحد المرات كنت موجوداً مع هذه الزيارة، ورأيت السيد نحيفاً، ضعيفاً، مصفر الوجه، وكان يلبس ثوب أسود وغطاء على الرأس، فاجتمعنا حول السيد ودعونا له بالشفاء والنجاة العاجل إن شاء الله من هذا السجن الرهيب الذي عاشه.
شاء الله وشاءوا: ● ماذا كانوا يريدون منه تحت التعذيب؟ في تلك الفترة نضجت حركة فكرية وثقافية ضد النظام، لأنهم كانوا يقومون بأعمال إجرامية في الأشهر التسعة الأولى، وصدر كتاب في حقهم (المنحرفون)، فصار حركة لإرجاع الأمة إلى أصالتها من الجانب الثقافي والفكري، فظن أولئك بأن جماعة تتحرك ضدهم، فبدؤوا بالإعتقالات والمحاكمات، وكانوا يريدون الشهيد عند اعتقاله الإعتراف على جماعة من العلماء ورجال الفكر وأمثال ذلك أن هؤلاء يدبرون مؤامرة للإطاحة بنظام الحكم، والسيد كان صامداً وشجاعاً فلم يتكلم ببنت شفة كما يقال، فتحمل التعذيب والأذى حتى وصل إلى الإعدام لولا إرادة الله سبحانه وتعالى، يعني صدر أمر الإعدام.
تضحيات بلا حدود: ● ما هي الأسباب وراء اغتياله في بيروت؟ بعد أن سافر السيد الشهيد من العراق إلى بيروت كان له حركة مستمرة في الدفاع عن العراق أيضاً مرة ثانية، وهو في الخارج، ونشر الثقافة استمر، وهو يحمل فكراً أيضاً، والسيد الشيرازي رجل مفكر ورجل ثوري ورجل علم، ويحمل المواصفات التي تخيف الأعداء، الثورة تخيفهم، الفكر يخيفهم، العلم يخيفهم، وكان الشهيد السعيد يتصف بهذه الصفات (رحمة الله عليه)، وبالتالي يدعم الحركة العلمية والثورية والثقافية والفكرية، فلما كانت هذه مسيرته، ولما كان يقوم بهذه المناسبات والاحتفالات والذي منها الحفل التأبيني الذي قام به على روح الشهيد السعيد آية الله العظمى الصدر (رحمة الله عليه)، فطبعاً هم أعدموا الشهيد الصدر بتلك الحالة المعروفة مع أخته بنت الهدى، فكانت هذه الحركة إثارة للنظام أن الخارج يتحرك، الداخل كان تحت ظل الإرهاب وسطوة الجبار لم تكن لديهم حركة، وفي الخارج كانت هناك حركة يقوم بها أصحاب الفكر والرؤية السليمة وكان السيد الشيرازي واحد منهم.
أهل البيت منار للعلم في كل مكان: ● كيف فكّر الشهيد في إنشاء الحوزة العلمية في سورية؟ ليس موضوع كيف فكّر، وإنما هكذا نقول: لماذا فكّر الشهيد في تأسيس الحوزة؟
علماء من كربلاء: قال السيد الشيرازي الراحل: أكتبوا ألف عالم من كربلاء، ألف خطيب من كربلاء، ألف شاعر من كربلاء. أنا شخصياً سألته وقلت: سيدنا، موجود فعلاً ألف عالم في كربلاء؟ قال: ابحثوا في الرجال، انظروا وسترون أكثر من ذلك أو لا؟ فكربلاء مدينة العلم، مقابل المدرسة الأصولية كانت البحرانية، فالشيخ يوسف البحراني صاحب المدرسة الإخبارية، ومدرستان كانتا تتناطحان فيما بينهما، وكانت الغلبة للمدرسة الأصولية لأنها تبتني على أساس.
مباحثة حتى الفجر: وأنقل قصة لطيفة في هذا المجال، طالبين أحدهما من مدرسة الشيخ وحيد البهبهاني والآخر من المدرسة البحرانية، كانا يتناقشان فيما بينهما داخل الحرم، فجاء الخادم وقال: أريد أن أغلق الباب، فتفضلوا إلى الرواق، فخرجا من الحرم إلى الرواق، وبعد إغلاق أبواب الحرم جاء إلى الرواق وقال لهما: إلى الآن تتناقشان، أخرجا إلى الصحن يرحمكما الله، فخرجا إلى الصحن، ومن الصحن إلى خارج المقام، يقال بأن الخادم رجع عند صلاة الفجر فوجدهما يتناقشان، هكذا يقال. وبما أن هناك حوزات علمية في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء وقم ومشهد، فأراد الشهيد أن يبني حوزة هنا حتى تكون منارة لهداية الناس، فعلاً هذه الحوزة أعطت ثمارها بعد هذه الفترة والتي نراها اليوم ما شاء الله بتلامذتها وأساتذتها وإنجازاتها وكل شيء ومبلغيها، فهنيئاً لهم ورحمة الله عليه لهذا المشروع الممتد وهذه الصدقة جارية حقيقة له إن شاء الله تعالى.
المال والحسد عقبات التأسيس: ● ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟ أحد العقبات في البداية كانت الجانب المادي، لأن السيد كان يشكو من الحالة المادية، فلم يكن لديه الإمكانات، إلى أن قيّض الله سبحانه وتعالى من يقوم بهذا الأمر، ويمكن الجانب الثاني الحسد، حيث كانت هناك أشخاص يحسدون السيد، ولكن إرادة الله فوق هذه المسائل، إذا شاء يكون وكانت إرادته أن تكون هذه الحوزة وأن تبنى هذه اللبنة الطيبة.
الشهيد مؤسساً: ● أذكروا بعض نشاطات السيد حسن في مختلف قرى ومدن سورية ولبنان بدءاً من تأسيس المساجد والحسينيات وغيرها من المؤسسات؟
فسماحة السيد الشيرازي (رحمة الله عليه) كان همه إرجاع هذه العقائد إليهم، لذلك نقرأ في (العلويون هم شيعة أهل البيت عليهم السلام)، هذا في الواقع عنوان انتزع من نفس معتقداتهم، يعتقدون بالأصول والفروع، غاية ما هنالك أن هناك بعض الشبهات التي وردت وهي غير صحيحة.
مسجد للإمام الرضا عليه السلام: فزيارات السيد الشهيد إلى هذه المناطق كانت زيارات عملية، فبنيت على أساس تأسيس المساجد لإقامة الصلاة فيها، في حمص السيد بنى مسجداً، في جبلة مسجد الإمام الرضا عليه السلام، في صافيتا، في اللاذقية، في طرطوس، ومن جملة الطرائف التي تنقل أن السيد علي البدري (رحمة الله عليه) قال لي مرة في اللاذقية: ذهبت إلى مسجد الإمام الحسين عليه السلام للصلاة فيها، فجاء الخادم وقال: هذه السجادة التي كان يصلي عليها السيد حسن الشيرازي حينما كان يأتي إلى هنا، وتبرع أيضاً بخمسمائة ليرة في حينه للجامع. ومسجد الإمام الحسن العسكري عليه السلام في منطقة الزقزقانية، ذهبنا إلى هناك للزيارة، وأنا قرأت على السجاد المفروش في الجامع أن الجامع بني بواسطة السيد حسن الشيرازي (رحمة الله عليه). فكان همه بناء المساجد والحسينيات إضافة إلى رفد الجانب الفكري والثقافي، والحمد لله آثاره موجودة إلى الآن، آثاره العلمية وآثاره الحضارية، التحول في المعتقد الذي صار أيضاً أخذوا مدرسته، وطبعاً كان له علاقة وثيقة جداً مع الشيخ أحمد الخير أستاذ الرئيس حافظ الأسد، والشيخ عبد الرحمن الخير.
في المدينة المنورة: ● سماحة السيد، ما هي تحركات الشهيد بالنسبة إلى إعادة إعمار قبور أئمة البقيع عليهم السلام؟ وإلى أي مدى وصل إنجازه؟ بالنسبة لقبور أئمة البقيع عليهم السلام التي هدمت من قبل الحركة الوهابية في السعودية، هذه القبور بقيت على حالها، ولم تبن، والمسلمون حينما يذهبون إلى الحج ويريدون زيارة هذه القبور بهذه الحالة التي نراها، ونحن شيعة أهل البيت عليهم السلام تعلمنا أن نتواجد إلى جوار هذه الأضرحة، نصلي عندها، نعتقد أنها أضرحة مقدسة، وهؤلاء أولياء الله سبحانه وتعالى، وهم ذرية رسول الله صلى الله عليه واله، ولابدّ من إكرامهم في الحياة الدنيا وبعد وفاتهم، إنهم أحياء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً). فالسيد الشيرازي (رحمة الله عليه) سعى لتجديد هذه القبور التي هدمت من أجل المسلمين في مكان واحد مع أداء هذه الشعائر، وهي من الشعائر الإسلامية، (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). بالإضافة إلى الشعائر العبادية، الشعائر الحسينية، هذه أيضاً من الشعائر.
التعصب الاعمى: فالسيد الشهيد بجهاده تمكن أن يقنع السلطات هناك لبناء هذه القبور، والسلطات أوعزت الأمر وعوّلت على مجالس الفتيا، فإذا مجالس الفتيا وافقت فلا مانع من البناء. والمعروف أن هناك نوع من الحدية في هذا المجال، متبنيات غير صحيحة في الحقيقة، أنّ هذه المقابر بدعة وضلالة وما شاكل ذلك وغير جائزة، فسعى السيد سعياً حثيثاً من أجل إقناع هؤلاء. يبدو أنه في النتيجة حصل على ضوء أخضر، ولكن عادت السلطة ثانية بالتأثير عليها من البعض الآخر في الممانعة وبقي الحال على ما هو عليه، فيعتبر السيد الشيرازي (رحمة الله عليه) من المساهمين الأوائل والمبادرين لبناء هذه القبور، وما كان يقف أمام المتصدين أموال أو شيء من هذا القبيل.
اغتنام الفرص: ● سماحة السيد، كيف استطاع الشهيد أن يكتب هذه الكتب العميقة كموسوعته الكبيرة (موسوعة الكلمة) مع كثرة مشاغله وأعماله؟
عزائم الرجال: هذا إذا عرفنا كما قلنا بأنه لم يكن ينام الليل، حيث كان يفكر وكان يكتب وكان ينضم وكان يقوم بهذه الأعمال الثقافية والعلمية مضافاً على هذه الروحية التي كان يحملها،«همم الرجال تزيل الجبال». يعني الهمة العالية التي كانت عنده كان يدعوه إلى ذلك، تفضلتم بأن السيد الشيرازي مع إنشغالاته الكثيرة كيف كتب هذه الكتب؟ وأعتقد جمع في ثمانين كتاباً، ما بالك بسماحة المرجع (رحمة الله عليه)، وماذا كتب؟ وكم كتب؟ وما شاكل ذلك. على كل استفاد من الوقت وهمته وطاقاته وإمكاناته الخاصة التي كان عنده.
الأرض السليبة: ● كيف كان ينظر الإمام الشهيد إلى مقاومة العدو الصهيوني وقضية القدس، وما هي مساهماته في هذا المجال؟ من الهموم التي تفضلتم بها هي فلسطين، قضية القدس بالذات لأنه أرض الأنبياء، أرض الرسل، أولى القبلتين، أرض الرسالات، فالمسلمون حرموا من الذهاب إليها لتسلط العدوان الصهيوني الغاشم عليها، طبعاً بلفور وزير خارجية بريطانية هو الذي أصدر هذا القرار بتملك اليهود لفلسطين، وعدهم بوطن قومي لهم في فلسطين، وكانت روسيا الدولة الثانية التي أيدت هذا المشروع، واحتلوا القدس وجلسوا هناك ومنعوا المسلمين من الذهاب والإياب إلى زيارة هذا الحرم، أولى القبلتين وثالث الحرمين كما يقال عنه. فالسيد يقول في أبياته حول فلسطين بعد النكسة التي أصابت المسلمين في عام (1967م):
هاتيك إسرائيل أكلة آكل
إن كان في سيناء ليث يوجد الحديث بأثر الشهيد الذي بقي لهذا اليوم، وخير ما رأيت في الحقيقة أخيراً الديوان الذي جمعه وركبه وحقه فضيلة الشيخ حسين الفاضلي، حقيقة ديوان رائع جداً خاصة بالمقدمات التي كتبت في بدايته.
جهاد في ايران: ● سماحة السيد كيف كانت معاملة الشهيد مع حكومة الشاه في إيران؟
لكن نأسف وإرادة الله فوق كل شيء، شاء القدر أن يخطف من أيدينا الشهيد الراحل، اختطفه يد المنون بسرعة وهو في العقد الخامس من عمره المبارك، وفقدنا بفقده عمداً ووتداً من أعمدة الحركة الرسالية العاملة الناهضة، ولو كان السيد الشيرازي حياً إلى اليوم لكنت ترى خدماته الجليلة وفي هذا المنحى أيضاً.
باراً بوالديه: ● كيف كانت علاقة السيد بوالده السيد ميرزا مهدي الشيرازي (رحمة الله عليه)؟ كتب العلامة الأميني (رحمة الله عليه) في مقدمة الغدير بالنسبة للسيد الشيرازي (ووالد وما ولد)، يعني هي علاقة الولد البار بأبيه، علاقة الإحترام والتقدير والحب، علاقة الطاعة، هو بار لوالديه، ولا غرو أنه تربية السيد مهدي الشيرازي، هذه التربية الحسنة، وهي أكثر من هذا ولكن أقول أنها علاقة وطيدة قائمة على أساس الطاعة والحب والولاء.
الأخوة الحقة: ● كيف كانت علاقته بأخيه الأكبر السيد المرجع؟ علاقة عملية، كانت علاقة العمل والطاعة في هذا الميدان، خاصة في العمل المرجعي، وكان التشاور بصورة مستمرة مع السيد ويأخذ منه، وكان يد السيد الإمام الراحل سواء كان في العراق أو في سورية أو في لبنان، في كل هذه الأماكن.
شورى + حرية + مساواة = الدولة الإسلامية: ● ما هي أفكار الشهيد الإستراتيجية؟ أفكار الشهيد الإستراتيجية نقرؤها في كتبه، الكتب التي كتبها السيد الشهيد (سلسلة الكلمة) يؤكد فيها على جميع الجوانب الحيوية التي وردت في أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، ففصولها يتحدث عن الجانب السياسي، الجانب الإجتماعي، جانب المواعظ والإرشاد، الجانب الأخلاقي. فهو يذكر في سلسلة الكلمة هذه الأبواب للأئمة عليهم السلام، من جملة الأفكار الإستراتيجية هو بناء المجتمع الإسلامي الواعي القائم على أساس الإيمان والتقوى. الشيء الثاني: الدولة الإسلامية، ولابدّ من دولة إسلامية، وسعى في هذا المنحى وذكره في كتبه وقصائده المتتالية. الشيء الثالث: دعوة إلى العمل المرجعي وإتباع قيادة العلماء، هذا يذكره في كتابه (كلمة الإسلام) فيها بحث موضوعي مفصل في حركة الفقهاء المراجع، وأنّ هؤلاء امتداد للإمام المهدي (عج)، ومن الروايات والأحاديث التي ذكرها، «من كان من العلماء صائناً لنفسه»، «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا»، وغيرها، فكان يبني على هذا الأساس المجتمع الإسلامي. ثم الأفكار الأخرى الذي كان ينادي بها: الحرية، التشاور، المساواة، الدفاع عن المستضعفين، إنقاذ الطبقة المحرومة مما تعيشها إلى أحسن حالة.
طموح الإسلام: ● ما هي علاقته بالقمم الفكرية من مختلف الأديان والطوائف؟
ومن جملة المحاور الذي ذكرتها في بواعث تأسيس دار التبليغ الإسلامي هو هداية أهل الكتاب وسائر الأديان، لأننا إذا كنا نعيش مبدأ الحوار فلماذا نخبيء؟ القرآن الكريم يقول: (إن الدين عند الله الإسلام)، والقرآن الكريم يقول على لسان عيسى عليه السلام: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد)، فإذا كان القرآن الكريم يقول، ونبينا خاتم الأنبياء، ورسالتنا خاتمة الرسائل، فلماذا لا ندعو؟ قرأت في أحد كتب السيد، يقول هناك: أن للسيد طموح في دعوة اليهود والنصارى كلها للإسلام، يعني أسلمة هؤلاء، فهذه طموح الإسلام. الآن وصل عدد المسلمين إلى مليارين على وجه الكرة الأرضية، ونملك الإمكانات والطاقات لكي نعمل من أجل هداية الآخرين، ولكن مع الأسف الشديد لا يوجد لدينا الهمة والسعي والإقدام. المؤسسات والمراكز موجودة ولكن ليس بمستوى الطموح المطلوب.
تبليغ في أفريقيا: ● ماذا كان دوره في أفريقيا؟ بعد أن استقر السيد في لبنان، بقي في لبنان سنة أو أكثر، ثم جاء إلى سورية، أصبح له طموح في القارة السوداء، فقام بجولات متعددة، ذهب إلى ساحل العاج، ذهب إلى سيراليون، ذهب إلى كثير من دول القارة السوداء، وأسس في أربع دول مشاريع وأعمال ثقافية وفكرية، كمكتبات وحسينيات ومساجد وما شاكل ذلك، وهذه موجودة إلى اليوم والحمد لله، وهذه تعتبر أيضاً بذرة من البذور التي بذرها هناك، ثم إن السيد لم يترك البلاد بعد أن، خرج منها وإنما وجّه إليها السيد الهاشمي، والشيخ حسين شحادة الذي كان طالباً في مدرسة الإمام المهدي (عج) قي بيروت. على كل آثاره موجودة إلى الآن في العراق ولبنان وسورية وأفريقيا، هنيئاً له.
خواطري عن القران: ● سماحة السيد ماذا عن الأبعاد المعنوية في حياته كالصلاة والدعاء وقراءة القرآن؟ يكفيك أن تقرأ كتاب (خواطري عن القرآن الكريم) ترى فيها ماذا يقول السيد، هذا أولاً. ثانياً: الجانب العبادي جانب ضروري جداً، الإنسان يجب أن يكون له أوراد في اليوم، كما قرأنا في الأحاديث أقل ما يمكن أن يقرأ الإنسان في اليوم عشرة آيات من القرآن الكريم حتى لا يكون من الغافلين، ومئة آية ليكون من الذاكرين، عندنا تسلسل قراءة القرآن. فهو كتب عن القرآن الكريم (خواطري عن القرآن الكريم) لأجل أن يطبقه، وطبقه إن شاء الله، وهكذا بالنسبة إلى الصلاة والعبادة، السيد كان يصلي صلاة الظهر في مقام السيدة رقية عليها السلام، وصلاة المغرب في مقام السيدة زينب عليها السلام، والسيد الشيرازي كان يصلي ثلاثة أوقات، هذا إلتزام صعب وليس بالسهل، صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر وصلاة المغرب والعشاء، فكانت علاقته بالأمور العبادية علاقة وثيقة جداً، الدعاء والزيارة والصلاة والقرآن والأوراد.
المولى ووليه: ● ماذا عن علاقته بالنبي الأعظم صلى الله عليه واله وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام؟ علاقة الإنسان الموالي بهم عليهم السلام، ودليله أنه كتب (سلسلة الكلمة) عنهم، وهذه صدقة جارية، «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث: علم ينتفع ، هذا علمه، ولد صالح، أولاده السببيين الصالحين كثيرة، وصدقة جارية، هذه الصدقات الجارية أكثر من أن تعد» فهنيئاً له.
المرجعية هي الحل: ● ما هي نظرة الشهيد إلى دور المرجعية الشيعية في الأمة؟
وقلت لكم أيام النهضة الإسلامية في العراق والوعي الإسلامي، صارت أحزاب وحركات وما شاكل ذلك، فالسيد الشهيد كتب كتاب (كلمة الإسلام) يؤكد فيه على الحركة المرجعية، يعني في يومها كان المصطلح الذي نعمل لأجله الإنطواء تحت الحركة المرجعية عبر نظرية التقليد، وكتب (حركة الفقهاء المراجع)، إذا راجعنا كتاب (كلمة الإسلام) نرى هناك فصولاً متعددة في هذا المجال، ودور المرجعية الشيعية في إنقاذ الأمة وهداية وتوجيه وتوحيد الأمة يكون عن طريق المراجع. وهذا الفكر أثبت وجوده واستمراره، اليوم الذي طرح فيه السيد الشيرازي هذه الفكرة، مرجعية السيد الحكيم، مرجعية السيد الخوئي، مرجعية السيد الشيرازي، مرجعية الشهيد، مرجعية مراجع العراق وإيران وغيرها، يعني إلى الآن في بعض الأحيان الفتوى مسألة كبيرة، يقول له أنت من تقلّد؟ مسألتك جوابه كذا، خاصة في الحج، فيأتون إلى هذه البعثات التي تمثل المراجع، يسألون أسئلتهم منهم، فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على هذا الفكر البعيد المدى الذي يربط الأمة بالمرجع، وناهيك أن الثورة الإسلامية في إيران قامت على أساس المرجعية.
إنقاذ العراق: ● سماحة السيد، ما هو دور الشهيد في نصرة الشعب العراقي المظلوم بعد هجرته إلى لبنان؟ كما قلت في الحديث عن تأييد السيد الصدر (رحمة الله عليه)، كان للسيد في لبنان عدة مؤسسات منها دار الصادق عليه السلام، وكانت تطبع مختلف الكتب الثقافية والفكرية، من كتب التوعية، وكتب التوجيه، وكتب الإرشاد، هذه كانت لها دور كبير في توعية الأمة،، تأسيس جماعة العلماء وأيضاً كمبلغين وكرسل وكهداة لهذه الأمة، ثم مدرسة الإمام المهدي (عج)، ثم العمل من أجل مساعدة المحرومين أيضاً في لبنان، الحركة كانت مستمرة حقيقة ما بين الشهيد الراحل وما بين الداخل عبر الأصدقاء الذين يذهبون ويأتون، لأن حركة السفر كانت موجودة في تلك الأيام، ولم يكن هناك منع عن السفر. والسيد كما قلت في البداية كان معه الشيخ صادق ناصر الدين، والشيخ نديم، والشيخ تاج الدين، والسيد الفالي، وكان عندهم ذهاب وإياب إلى العراق، والسيد كان يبعث برسائل إلى الشخصيات هناك، وكان يعطي منهج عمل، فكان عمله مستمراً في نصرة الشعب العراقي مادياً ومعنوياً وفكرياً.
العراق والحكومة الإسلامية: ● ما هي نظرته للشكل الذي يجب أن تكون عليه الحكومة في العراق؟ حكومة إسلامية عادلة قائمة على أساس المبادئ القرآنية السليمة في تطبيق العدالة وإنقاذ المستضعفين وإعطاء المحرومين حقوقهم، والسيد على المنهج الذي جاء به النبيصلى الله عليه والهوشكّل أول حكومة إسلامية في المدينة التي جمع تحت لوائها الفارسي والحبشي والرومي والعربي من قلب المدينة ومن عمق الصحراء، وكوّن أول دولة إسلامية.
ويل العراق فليله لا ينقضي
حتى تقوم حكومة الإسلام أنا أتذكر السيد الشيرازي كتب (الحكومة الإسلامية في المدينة)، فالمرحوم السيد حسن كانت هذه مبادئه، قيام حكومة إسلامية عادلة.
ختامه مسك: ● سماحة السيد، هل لديكم كلمة أخيرة توجهونها حول برنامجنا لإحياء تراث الشهيد السيد حسن ؟ أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيديكم لإنجاز هذا المشروع إلى نهايته بأحسن وجه، وأن يكون مثمراً إن شاء الله سواء كان عن طريق المقابلات التي تعرض في شبكة الأنوار أو الكتب التي سوف تظهر إلى النور، أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يسددكم ويضافر في جهودكم، ويأخذ بأيديكم لما فيه الخير والرضا وإنه على كل شيء قدير. وفي الختام أشكر مرة ثانية هذا الجهد وهذه الفرصة التي أتحتموها لنا، طبعاً أتعابكم كثيرة ودراستكم، على كل الله سبحانه وتعالى يسدد في خطاكم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى العمل الصالح، وفي الختام نقرأ سورة الفاتحة على روح الشهيد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه واله وأهل بيته الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|
|