لقاء مع الشيخ حسين الشريفي

اللقاء: الثالث والعشرون.

الشخصية المحاورة: الشيخ حسين الشريفي.

المكان: دمشق، السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 14/2/2006م ـ 15/محرم/1427 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليها السلام.

وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). صدق الله العلي العظيم

في هذه اللقاء الجديد من سلسلة لقاءات حول  السيد الشهيد السعيد الإمام آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره، يسرّنا أن نقوم باستضافة سماحة الحجة الشيخ حسين الشريفي (حفظه الله وأبقاه).

 

نبذة من حيات الضيف:

ولد سماحة الشيخ الشريفي عام (1940م)، درس المقدمات الحوزوية في بلدته، ثم انتقل إلى مدينة النجف الأشرف مدينة العلم والعلماء وذلك في عام (1960م) لمواصلة ومتابعة دروسه الحوزوية، وقد درس على أعلامها وأساتذتها المقدمات والسطوح عند كل من المرحوم الشيخ محمد علي المدرس الأفغاني، والشيخ إسماعيل المحقق التركماني، وعند آية الله العظمى الشيخ المحقق التركماني، والمرحوم الشيخ أسد الله المدني.

شغل سماحة الشيخ الشريفي منصب نائب المدير في مدرسة الحوزة العلمية الزينبية الذي قام بتأسيسها الشهيد الشيرازي قدس سره، وذلك من عام (1980م) وإلى وفاة المدير الشيخ موسى الفرقاني قدس سره وذلك عام (2000م)، حيث شغل منصب إدارة مدرسة الحوزة العلمية الزينبية منذ ذلك الوقت.

 

في كربلاء كان اللقاء:

  سماحة الشيخ الشريفي، السؤال الأول الذي أود أن أسأله إياكم، ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة وكيف استمرت؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام، وبعد فقد قال الله الحكيم في قرآنه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: 

(فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما)   صدق الله العلي العظيم

علاقتي بالشهيد السعيد هي علاقة حب وولاء خالص له، أما كيف بدأت علاقتي به، فكانت محصلة من أمرين اثنين:

الأول: إن الشهيد (رحمه الله) كان من أسرة عريقة التي أنجبت العديد من العلماء والمراجع العظام الذين كان لهم دوراً كبيراً في العالم الإسلامي، لذلك اشتهرت هذه الأسرة بين العلماء وبين عامة الناس بنحو كبير.

وكنت كلما تشرّفت بزيارة أخيه آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي قدس سره في مدينة كربلاء المقدسة، كان الشهيد السعيد (رحمه الله) يغمرني دائماً بحسن معاملته وإكرامه واحترامه لي، لحسن حبي وولائي له.

الأمر الثاني: فهو في إعجابي الشديد بشخصية الشهيد وفكره وعلمه وأدبه وفصاحته وبلاغته وخطاباته القوية التي كان يلقيها في المناسبات الدينية بين حشود المسلمين، فكان محطاًً لأنظار الجميع ومبعثاً للفرحة والسرور في قلوبهم، ونبراساً يضيء طريق الحق والهداية لهم، ومشعلاً متأججاً للثورة ضد الطغاة والظالمين في جميع أنحاء العالم.

 

في سوريا بدأ التأسيس:

وهكذا فإن العلاقة الولائية الخالصة له التي استمرت إلى يومنا هذا كان منشؤها وبدايتها من العراق، فعندما تغيّرت الأوضاع الأمنية في العراق قامت سلطات النظام بشن هجوم على كافة المدارس والمؤسسات الإسلامية، وألقى القبض على العديد من الطلبة الذين كانوا يدرسون فيها، وتعذيبهم وتسفير العديد منهم إلى خارج العراق، وفي ظل تلك الظروف الحرجة وصلنا من بعض الطلاب نبأ سفر الشهيد (رحمه الله) إلى سورية وأنه سيقوم بتأسيس حوزة علمية دينية قرب مرقد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام.

وانطلاقاً من إيماننا بقدرات هذا الشهيد العظيم، غادرنا العراق قاصدين سورية لكي نقف جنباً إلى جنب مع السيد الشهيد، وبذل كل ما بوسعنا لتحقيق هذا الإنجاز العظيم، وبالصبر الطويل وطموحاته الجبارة أثمرت جهودنا بحوزة مباركة هي الحوزة العلمية الزينبية التي ما زالت وستظل مستمرة بحول الله وقوته في عطاءاتها.

 

الشخصية المؤثرة:

   من خلال معاشرتكم للشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره، كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة، وما هي منابع هذه العبقرية؟

منابع عبقرية السيد الشهيد (رحمه الله) كانت متجسّدة في عقله الراجح، ورأيه السديد، وعلمه وفكره وأدبه وفصاحته وبلاغته وخطابته، ونحن نعلم أنه من النادر أن نجد شخصاً فيه كل هذه الميّزات، ومع ذلك فقد اجتمعت في شخصية الشهيد (رحمه الله)، وتجسدت في محاضراته وخطاباته وحواراته القوية التي أجراها مع الشخصيات الدينية والعلمية والسياسية المختلفة، والتي استطاع من خلالها وبعبقريته أن يجذب أنظارهم وعقولهم وأفكارهم إلى شخصيته ويؤثّر فيهم تأثيراً بالغاً.

 

الاخلاق السامية:

  كيف كان الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره يتعامل مع الناس عامة؟ ومع زائريه وضيوفه بالخصوص؟

كان السيد الشهيد (رحمه الله) يتعامل مع الناس عامة، وزائريه وضيوفه خاصة معاملة حسنة وعلى أفضل وجه وبصدر واسع، يفتح الأبواب لهم ويستقبلهم ويستضيفهم ويكرمهم ويقضي لهم كل ما هم بحاجة له، وبوجه باسم متمسكاً بأخلاق جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليها السلام.

 

اعلاء كلمة الحق:

  لكل مفكّر قيم، ولكل مفكّر مبادئ يرتكز عليها، فما هي الطموحات والأهداف والأفكار التي كان الشهيد يرتكز عليها؟

الهدف الوحيد الذي كان الشهيد يسعى إليه هو إعلاء كلمة الحق من خلال تبليغ دين الإسلام وهداية الناس إليه ونشر مذهب أهل البيت عليها السلام إلى الناس في أنحاء العالم كافة.

 

مثلث الهموم:

  هل كان الشهيد قدس سره يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟

نعم، كان للسيد الشهيد ثلاثة هموم تجاه العالم الإسلامي:

أولها: إنقاذ الشعب العراقي من ظلم نظام الطاغية صدام وممارساته الوحشية.

ثانيها: تخليص شعب إيران من نظام الشاه الفاسد وجوره.

أما همّه الثالث فكان متجسّداً في قضية فلسطين ومأساة شعبه.

 

اصدقاء في السراء والضراء:

  من هم أصدقاء الشهيد ومن هم أعوانه في أعماله؟

إنّ أصدقاء الشهيد ومعاونوه كما لاحظت هم أساتذة الحوزة العلمية الزينبية وطلابها، حيث كانوا معه دائماً في الشدة والرخاء.

أما من علماء العلويين وكبارهم الذين كانت تربطهم صداقة حقيقية به، فقد كان الأستاذ أحمد الخير أستاذ الرئيس حافظ الأسد، والحاج إسماعيل الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد، حتى تمكن من تأسيس الحوزة العلمية في سورية قرب ضريح السيدة زينب عليها السلام، واستطاع تأمين الإقامة القانونية له ولطلاب الحوزة وأساتذتها، وإبعاد المخالفين، وتقديم المساعدة له في مختلف المجالات، وكتجسيد لهذه الصداقة كان الحاج إسماعيل الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد يأتي من اللاذقية في كل شهر أربعة مرات يصلي صلاة الجماعة خلف السيد الشهيد (رحمه الله)، وهكذا الأستاذ أحمد الخير (رحمه الله) الذي له خدمات كثيرة وجهود قوية متواصلة للحوزة العلمية الزينبية، وكانت علاقته وصداقته مع الشهيد السعيد (رحمه الله) بنحو قوي وشديد جداً.

 

سيرة الصالحين:

  كيف كان تعامله مع خصومه؟

كان الشهيد (رحمه الله) يتعامل مع خصومه كتعامله مع أصدقائه، فكان يحترمهم ويكرمهم ويقضي لهم حاجاتهم بحلمه ورحابة صدره، وهذه هي سيرة الصالحين والمتقين التي تجسدت في أخلاق السيد الشهيد (رحمه الله).

 

زهد العلماء:

  ماذا كان مأكله ومشربه وملبسه؟ وأين كان يسكن؟ مع أن الملايين من الأموال كانت تصل بيده كيف كان يعيش زاهداً حتى لا يملك أجرة التاكسي؟

بالنسبة إلى مأكله ومشربه وملبسه (رحمه الله)، يعيش عيشة بسيطة ومتواضعة كشخص فقير مؤمن زاهد قانع أمام الله عز وجل على الرغم من الأموال الطائلة التي كانت تصل إلى يده، لأن الشهيد (رحمه الله) كان يحوّل قسماً من هذه الأموال إلى الحوزة والقسم الآخر ينفق في إنشاء المساجد والجوامع والمؤسسات الدينية والثقافية في جميع بقاع العالم.

أما من ناحية مسكنه، فقد كان يسكن في شقة بسيطة متواضعة في شارع الأمين وهي موجودة حتى يومنا هذا وبتصرف الحوزة العلمية الزينبية التي أسسها الشهيد (رحمه الله).

 

جهاد حتى الشهادة:

  ما هي الأسباب وراء اغتياله في بيروت؟

كان الشهيد (رحمه الله) من أبرز المخالفين لنظام صدام والمنددين بظلمه وجوره، فعندما كان في العراق كان يقوم بشن حملات قوية وصارمة ضد نظام صدام الجائر ضمن خطاباته البليغة والقوية التي كان يلقيها في المناسبات الدينية المختلفة.

أما في المنفى قام الشهيد (رحمه الله) بنشاطات مكثفة وفعاليات قوية ضد الطاغية صدام ونظامه، كما قام باتصالات واسعة ومشاورات مكثفة مع المراجع العظام ومع أبرز علماء المسلمين الدينيين والسياسيين، وكان همه من وراء كل ذلك تخليص شعب العراق من ظلم صدام وشره، وكل هذه النشاطات التي قام بها الشهيد (رحمه الله) في الداخل والمنفى تكللت وتسببت لاغتياله وشهادته في سبيل الحق.

 

عقبات التأسيس:

  ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟ وما هي المحاولات المختلفة من مختلف الأطراف لعرقلة تأسيس الحوزة؟ وما كانت أهدافهم من وراء ذلك؟ وكيف استطاع الشهيد تجاوزها؟

كانت هناك عقبتين اثنتين تمنع الشهيد (رحمه الله) من تأسيس الحوزة:

الأولى: عدم توفر المكان والظرف الملائم لتأسيس الحوزة.

الثانية: تمثلت في عرقلة المخالفين والطامعين والحاسدين لخطواته المباركة من نواحي مختلفة: من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية السياسية، ومن ناحية أخرى بتبليغاتهم الكاذبة ومن هذا القبيل.

وبعضهم خاف على مصالحه، وبعضهم طمعاً في السيطرة على الحوزة، والبعض الآخر ليطفؤوا نار الحسد التي أحرق قلوبهم.

وقد استطاع الشهيد (رحمه الله) تجاوز كل هذه العراقيل والموانع بحلمه وصبره الطويل وسعة صدره أولاً.

وثانياً: بشخصيته الفذة وبعبقريته وفكره الفلسفي، وسياسته الحكيمة، وتواصله الدائم مع القائد حافظ الأسد، ومع علماء الدين وشخصياتهم السياسية، وإلقاء المحاضرات الدينية والعقائدية بخطاب بليغ في أوساط العلويين وشخصياتهم السياسية، والتواصل الدائم مع القضاة والعلماء البارزين من أهل السنة في جميع المدن السورية، وحواراته القيّمة معهم وسعيه لقضاء حاجاتهم، مقدمة لهدايتهم كل ذلك أدى إلى نشوء علاقة طيبة بينه وبين جميع هذه الأوساط مما مهّد له الظروف المناسبة لتأسيس الحوزة العلمية الزينبية.

 

التوكل على الله:

وهكذا استطاع الشهيد (رحمه الله) من خلال اتكاله على المولى عزّ وجل، وتمسّكه بحبل الله المتين أن يثبت جذور هذه الحوزة المباركة في أرض خصبة مباركة عند مرقد عالمة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيدة زينب عليها السلام وهي لا تزال حتى الآن مؤسسة قوية، وبحول الله وقوته وحماية السيدة زينب عليها السلام تبقى قوية إلى الأبد إن شاء الله تعالى، وهذا دليل حي على أن أعمال الشهيد (رحمه الله) كانت خالصة لوجه الله عز وجل دون أن تشوبها أي شائبة باطلة، لأن كل عمل يكون لله تعالى ينمو ويثمر، أما لغير الله عز وجل فهو فان لا محال.

 

مراحل التأسيس:

  أذكروا بعض نشاطاته في مختلف قرى ومدن سورية ولبنان بدءاً من تأسيس المساجد والحسينيات وغيرها من المؤسسات؟

كان للشهيد (رحمه الله) نشاطات واسعة في مختلف قرى ومدن سورية ولبنان، وقد جاءت على ثلاثة مراحل:

في المرحلة الأولى: كان الشهيد يسافر بنفسه إلى تلك المدن والقرى ويتفقّد أحوال أناسها وأوضاعهم، ولقضاء حاجاتهم من الناحية المالية وغير المالية كبناء المساجد والمكتبات والمؤسسات الخيرية وتأمين الكتب الدينية والعقائدية لهم.

وفي المرحلة الثانية: بعث المبلغين إليهم ليبلغهم إلى الدين الإسلامي الصحيح، ونشر مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

أما في المرحلة الثالثة: فقد بدأ الشهيد (رحمه الله) بتأسيس المؤسسات الإسلامية وبناء المساجد في هذه المدن والقرى ومن أبرزها: مسجد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بحمص، مسجد الإمام الحسين عليه السلام بصافيتا، مسجد الإمام الصادق عليه السلام باللاذقية، مسجد الإمام الرضا عليه السلام بجبلة.

وقد عين (رحمه الله) في هذه المساجد أئمة يقيمون صلاة الجماعة فيها، وينشرون أحكام الشريعة الإسلامية بين الناس.

وأسس (رحمه الله) حسينيات عديدة في المدن والقرى منها: حسينية في بانياس، وأخرى في حمص، وهكذا الأمر بالنسبة إلى لبنان، ومن أشهر مؤسساته في لبنان حوزة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.

 

نذر نفسه لله:

  لماذا لم يتزوّج الشهيد؟

لأن السيد الشهيد (رحمه الله) نذر نفسه وحياته لخدمة الإسلام، والجهاد المتواصل والسفرات المتكررة إلى مختلف دول العالم لإعلاء كلمة الحق ونشر مذهب أهل البيت عليهم السلام في كافة أنحاء العالم، وهذا ما كان يمنعه من الزواج.

 

دروس في الحرمين الشريفين:

  ما هي خدماته وإنجازاته بالنسبة إلى حرم السيدة زينب عليها السلام وحرم السيدة رقية عليها السلام؟

أقام الشهيد (رحمه الله) بمجرد وصوله إلى الشام صلاة الجماعة في حرم السيدة زينب عليه السلام وحرم السيدة رقية عليها السلام، كما عيّن السيد مرتضى القزويني خطيباً في الصحن المبارك لمقام السيدة زينب عليها السلام لإلقاء المحاضرات الدينية والعقائدية والأخلاقية للناس, كما أمر السيد الشهيد ببقاء حرم السيدة زينب عليها السلام مفتوحاً إلى ما بعد صلاة المغرب والعشاء بساعتين، لأن خدمة الحرم الشريف كانوا يغلقون أبوابها بساعتين قبل المغرب لقلة الزوار.

وبعدما تأسست الحوزة بجهود السيد الشهيد (رحمه الله) ساهم هذا الأمر في جذب عدد كبير من الزوار من كافة البلدان إلى مقام السيدة زينب عليها السلام وبقائهم فترة طويلة في السيدة زينب عليها السلام لإتمام زيارتهم على أحسن وجه.

 

سفر في طاعة الله:

  كيف استطاع الشهيد قدس سره إقناع العلويين الشيعة بإعلان انتمائهم إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام؟

كان الشهيد (رحمه الله) يكثر من السفر إلى بلاد العلويين في سورية ويلتقي بعلمائهم وشخصياتهم بهدف التقريب بين وجهات نظر الجانبين، وقد كان من الضروري أن يطّلع عليهم من يبدد عنهم غيوم الظلام الفكري، ويبطل التهم الموجه إليهم، ويبرز هويتهم الإسلامية الأصلية لهم وللتاريخ.

فكان الشهيد من قام بهذه المهمة الشاقة ودخل هذا الميدان بهدوء وصبر طويل، فالتقى بعلماء العلويين، وعقد معهم سلسلة من الاجتماعات واللقاءات المكثفة والمباحثات الكثيرة من أجل إبراز هويتهم الإسلامية الأصلية التي غابت بمرور الزمن.

وقد رحب العلويون من جميع الأطراف بهذه الخطوة المباركة، وكانت المباحثات العلمية حول أصول الدين وفروعه تدور بين الطرفين بصورة أخوية، وفعلاً تكللت وتسببت هذه المساعي الحميدة بالنجاح، حيث اتفق الجميع وأعلنوا على أن العقيدة الأصلية للعلويين هي العقيدة الإسلامية، وأن مذهبهم هو مذهب أهل البيت عليهم السلام أي مذهب الشيعة، وأهم النقاط التي ساعدت على هذا النجاح هو العلوم والمعارف الدينية والأدبية التي كان يتمتع بها شهيدنا الكبير.

 

تبليغ في افريقيا:

  ماذا كان دوره في أفريقيا؟

كان دوره تبليغي وتأسيسي، كان هدفه من سفره إلى أفريقيا التبليغ عن دين الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام، ونشر مذهب أهل البيت عليهم السلام بين أبناء شعبه، فعندما وصل إلى (أبيد جان) عاصمة ساحل العاج، فكّر الشهيد من أين يبدأ بعمله التبليغي، الشهيد السعيد بفكره العبقري بدأ من مراكز وجهاء القوم ورؤسائهم، حيث قام الشهيد بلقاءات عديدة ومكثفة مع وجهاء القوم، وألقى الشهيد (رحمه الله) في جلساته مع وجهاء القوم المحاضرات الدينية والعقائدية والأخلاقية لهم، بعد أن مهّد فكرياً لهذا الدين ولهذا المذهب أي مذهب أهل البيت عليهم السلام بين أبناء شعوب أفريقيا، بدأ الشهيد بتأسيس المساجد والمكتبات والمؤسسات الدينية المختلفة وأبرزها المدرسة الزينبية الهاشمية في سيراليون.

هذا بعض ما بينته لكم من خدمات الشهيد في أفريقيا، وهي كنقطة ماء في بحر.

 

وقليل من الليل ما يهجعون:

  ماذا عن الأبعاد المعنوية في حياته (صلاة، دعاء، قراءة قرآن)؟

كان الشهيد (رحمه الله) يقسم أوقاته خلال اليوم والليل إلى أقسام عديدة: قسم للتفكير حول الأمور التي تهمه، وقسم للتأليف والكتابة، وقسم للمطالعة، وقسم لقضاء حاجات الناس، وقسم للعبادة والصلاة وقراءة القرآن.

وقد كان القسم الأخير في ظلال الليل، الشهيد السعيد (رحمه الله) كان يسهر الليالي دائماً، حيث كان الشهيد (رحمه الله) في الثلث الأخير من الليل مشغول بالعبادة وقراءة القرآن والإتيان بصلاة الليل.

 

وحدة الهدف:

  ماذا عن علاقته بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام؟

كانت علاقة الشهيد بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته علاقة رسالية، فكما نعلم أن الله عز وجل بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم للبشرية لإيصال الدين الإسلامي إليهم، وهدايتهم إلى الحق وتخليصهم من الجهل والكفر والفساد، ومن بعد النبي صلى الله عليه وآله جاء الأئمة الأطهار عليهم السلام ليكملوا رسالة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وفي زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تقع هذه المهمة على عاتق العلماء والمبلغين، والسيد الشهيد باعتباره واحداً من أبرز هؤلاء العلماء سار على نهج جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فسعى إلى تأسيس المؤسسات الدينية والحوزات الإسلامية لكي يتمكن من تربية أكبر عدد من العلماء والمبلغين وبعثهم إلى كافة أنحاء العالم لتبليغ الدين الإسلامي ونشر مذهب أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين كافة المسلمين في بقاع الأرض.

 

نجاة الامة:

  ما هي أطروحاته حول إنقاذ المسلمين من واقعهم المتخلف الذي يعيشون فيه؟

كانت أطروحة الشهيد (رحمه الله) حول هذا الموضوع بأن يهيئ علماء وخطباء بارزين ويبعثهم إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم، ليبينوا لهم طريق الحق، ويبلغهم إلى الإسلام الصحيح، وينشروا بينهم مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

  هل لديكم كلمة أخيرة حول الشهيد قدس سره؟

اسمحوا لي أن ألقي بعض الأبيات الشعرية باللغة الفارسية:

چون تلألأ مى نمود أنوار حق در آن جناب     *    نور علم، نور حلم، نور نطق چون آفتاب

مكتب شام ندارد چون حسن آموزگار             *     آن حسن بود شام را بنمود همچون لاله زار

لاله هاى علم چون از مكتبش در انتشار    *           بهر تبليغ ولايت دور عالم با وقار
 

في الختام أرجو المعذرة من أسرة الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمة الله عليه)، الأسرة المرجعية وعلى رأسها آية الله العظمى المرجع السيد صادق الشيرازي (حفظه الله)، من قصر فكري ولساني لبيان أوصاف الإمام الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.