لقاء مع الشيخ محمد بخش الحليمي

اللقاء: الثاني والعشرون.

الشخصية المحاورة: الشيخ محمد بخش الحليمي (أفغانستان).

المكان: دمشق، السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 19/2/2006م ـ 20/محرم/1427 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة حلقات حول الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه)، وحفظ وإحياء تراث مؤسس الحوزة العلمية في سورية الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره.

يسرنا ويسعدنا أن نستضيف سماحة العلامة الأستاذ الشيخ محمد بخش الحليمي (حفظه الله وأبقاه).

 

اطلالةً على الضيف المحاور:

ولد سماحة الشيخ الحليمي عام (1938م) في أفغانستان، درس العلوم الأولية في بلدته، ثم انتقل إلى مدينة النجف الأشرف، مدينة العلم والعلماء في العراق وذلك عام (1971م) لمواصلة الدراسة، وفيها درس على أعلامها وأساتذتها.

وبعد التهجير القسري عام (1975م) انتقل إلى الشام حيث مقام العقيلة السيدة زينب عليها السلام ، وفيها التقى بالشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره الذي ألحّ على سماحته بالبقاء في الشام بجوار مرقد العقيلة السيدة زينب عليها السلام لمواصلة الدراسة والتدريس في الحوزة الفتية التي أسسها الشهيد بجوار عقيلة الهاشميين عليها السلام.

سماحته بدأ بالتدريس والدراسة في الحوزة العلمية الزينبية وبالأخص في مادة الفقه كتابي (اللمعة) و(المكاسب).

 

اللقاء الأول:

  ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ متى بدأت؟ وكيف استمرت؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد فقد قال الحكيم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

بعد إقامتنا في العراق مدة ثلاث أو أربع سنوات، قام نظام الطاغية صدام بإبعادنا من العراق وذلك عام (1975م) الموافق للرابع من شهر محرم الحرام، فتوجهت مع الشيخ الفرقاني، والسيد العلوي، والشيخ ناظر الشريفي، إلى سورية لزيارة السيدة زينب عليها السلام، حيث كان الشهيد قدس سره يؤدي صلاة الجماعة في المقام الشريف، قمت بزيارة السيدة زينب عليها السلام عند الغروب، والتقيت فيها بالسيد الشهيد قدس سره، حيث رأيت فيه الأخلاق الحسنة والروحية العالية والتواضع الكبير، وجرى الحديث بيننا، حيث طلب مني البقاء في سورية والانضمام إلى الحوزة العلمية للدراسة والتدريس.

ومنذ ذلك الوقت سكن محبة السيد في قلبي لأخلاقه الحسن، وتواضعه الجم، وروحيته العالية.

 

الاخلاق الحسنة:

  ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد؟

أخلاق الشهيد قدس سره هو نفسه في مجالس الدرس، وفي صلاة الجماعة، وفي مختلف جوانب الحياة، كان متواضعاً جداً، وكان ذو همّة عالية، وأخلاق حسنة, وكان على جانب كبير من القداسة والطهارة، وكان تعامله مع الجميع صغاراً وكباراً بمستوى واحد.

 

الفكر الخلّاق:

   من خلال معاشرتكم للسيد الشهيد قدس سره، كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة، وما هي منابع هذه العبقرية؟

المرحوم الشهيد قدس سره كان ذو فكر منفتح، وبيان جذّاب، وفصاحة بليغة, وكان يتصف بأخلاق حسنة، ويمكن القول بأنه لا نظير له، وإذا وجد فقليل جداً.

 

التواضع الكبير:

  كيف كان يتعامل مع الناس عامة؟ ومع زائريه بالأخص؟

في الاحتفالات والمجالس التي كانت تقام في مكتبه في الشام، عندما كنا نذهب إليه كان يقوم من مكانه لاستقبال الجميع، صغاراً وكباراً، عالماً وغير عالم، بأخلاق حسن وبوجه بشوش وبتواضع كبير وبحديث جذاب.

وعندما يلتقي به شخص ما كان ينجذب إليه ويسكن قلبه محبة السيد قدس سره.

 

الرأي السديد:

   انقلوا لنا بعض القصص والخواطر التي تخص الشهيد في مختلف جوانب الحياة؟

من جملة القصص حول الشهيد قدس سره، أنه قد حدّثه السيد محب الإسلام، الخطيب المشهور بأنّه قد وصل إليه الخبر اليقين باجتماع عدد كبير من وكلاء جميع الدول الإسلامية باستثناء إيران في مدينة إسلام آباد، وقد اتفقوا على اغتيال جميع العلماء واحداً تلو الآخر، لأن العلماء يقومون بتحريض الناس ضد الدول الكبرى.

فقال الشهيد قدس سر ه: علينا أن نقوم بسدّ هذه الثغرة، لأنهم سوف يقومون بقتل العلماء عما قريب حسب ما أعلم، ولهذا يجب عليك البقاء هنا مع بني قومك، وأن لا نقف مكتوفي الأيدي، فيجب أن نؤسس حوزة هنا، ونقوم بتربية العلماء والمبلغين حتى نملأ مكان العلماء الذين سوف يقتلون.

 

الهيئة العامة:

  ومن هم أعوان الشهيد في أعماله؟

أصدقاء الشهيد قدس سره الهيئة العامة المؤلفة من: الشيخ علي أحمد الأحمدي، والشيخ نصر الله الناصري، والشيخ محمد المقدس، والشيخ محمد علي الفاضلي، والسيد قاسم الرضوي، والسيد الحيدري وغيرهم.

 

اهتمام للجميع:

   هل كان الشهيد يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟

كان همّ الشهيد قدس سره أن يربي جيلاً من العلماء، ووظيفة العلماء القيام بهداية الناس وإرشادهم، فكان الشهيد قدس سره يهتم بجميع الدول الإسلامية.

 

وجادلهم بالتي هي احسن:

  كيف كان تعامله مع خصومه؟

كان يتعامل مع خصومه مثل تعامل الأئمة عليهم السلام مع خصومهم، فعندما يقوم أحد بسب الإمام زين العابدين عليه السلام، ترى الإمام عليه السلام يكظم غيظه، وقال: أنتم سمعتم ما قاله هذا الشخص، فاسمعوا الآن جوابي، وعندما التقى ذلك الشخص بالإمام عليه السلام إعتذر من الإمام عليه السلام واعترف بخطئه وطلب العفو من الإمام عليه السلام.

والسيد الشهيد قدس سره عندما كان احد الشخصيات الكبار يقوم بتحريض جماعة من الأشخاص الذين كانوا طامعين في مال الدنيا، حيث قاموا بوضع مكبر الصوت في حرم السيدة زينب عليها السلام وذلك بإذن متولي المقام، ومن غرفة خاصة كان شخص آخر يقوم بالتبليغ ضدنا، وكان يقول بأن أيّ مرجع لم يأذن للشهيد ولهؤلاء بتأسيس حوزة هنا.

وفي إحدى المرات قال الشيخ آخوند التركستاني: ما هذه الفضيحة؟ إذا السيد الشهيد قدس سره يقدر على منع هذا العمل فليقم بذلك، وإلا فمغادرة سورية أفضل.

وعندما عرضنا هذا الأمر على السيد الشهيد، قال سماحته: بأنني لن أركن إلى الظالم، وسأتركهم إلى الله، والأمور ستحل بنفسها.

حيث كان باستطاعة الشهيد التصدي لهؤلاء، ولكنه كان يقول بأن الركون إلى الظالم حرام، وأنا لن أرتكب الحرام، والله هو المصلح.

 

في شارع الامين:

وفي الليلة التي تعرّض فيها ذلك الشخص وجماعته للسيد الشهيد قدس سره، ومنعه من إقامة صلاة الجماعة في حرم السيدة زينب عليها السلام، كان أحد أصدقاء هذا الشخص يسكن معنا في المنزل الذي استأجرته، جاء وروى لي ما حدث، وأن الشهيد قدس سره خرج من المقام وركب السيارة وذهب إلى الشام، وعلمنا فيما بعد بأن الشخص المذكور وجماعته قاموا بالهجوم على منزل السيد في شارع الأمين وتهديده.

 

بساطة في كل شيء:

  ماذا كان مأكله وملبسه ومشربه؟ وأين كان يسكن؟

من ناحية مسكنه، فمن المعلوم إلى الآن أن بيته ـ الإيجارـ من أصغر البيوت مساحة، ومتواضع جداً، حيث أنّ مساحته لا يتجاوز الخمسين متراً، وهذا الأمر واضح ويعرفه جميع الأصدقاء.

وملبسه كان عادياً جداً وبسيطاً جداً، أما مأكله، كانت امرأة مؤمنة تقوم بخدمة أخت السيد الشهيد قدس سره تروي لنا بأن السيد الشهيد كان يمنعنا من رمي بقية الطعام في القمامة، وكان يطلب منا أن نحفظه في البراد لكي نتناوله في المرة القادمة، هذا يدل على أن طعام السيد كان بسيطاً جداً.

 

كان فيهم كأحدهم:

  مع أن الملايين من الأموال كانت تصل بيده؟ كيف كان يعيش زاهداً حتى لا يملك أجرة التاكسي؟

المعلومات التي تتوفر لدي بأن السيد لم يكن يملك الملايين ولا حتى المئات، حيث كانت الحوزة في بدايتها، وكان الشهيد يطلب من السيد الحيدري أن يستدين المال من الكسبة الأفغانيين الذين يعرفهم، فكان السيد الحيدري يقوم بإستدانة مبلغ من المال مقدار عشرة آلاف أو عشرين ألف من الكسبة.

كان هكذا حياته، ورواتب الطلبة كانت قليلة، والأموال الذي كان يستدينه يقوم بصرفه على الحوزة والطلاب.

 

تعاونوا على الباطل:

   ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟ وما هي المحاولات المختلفة من مختلف الأطراف لعرقلة تأسيس الحوزة؟ ماذا كانت أهدافهم من وراء ذلك؟ كيف استطاع الشهيد تجاوزها؟

المشاكل التي تعرضت لها الحوزة في ذلك الوقت، كانت عدّة من الأشخاص من أهل السنة، وعدّة من الشيعة الحاقدين الحاسدين، وضعوا يدهم بيد بعضهم، وقاموا بجمع مبلغ سبعين ألف ليرة وقدموها رشاوي لمسؤولي الدوائر الحكومية، فكان هؤلاء يريدون عدم تنفيذ أمر الإقامة وذلك بتقديمهم الرشاوي إلى المسؤولين في دائرة الهجرة والجوازات، وقاموا كذلك بكتابة عريضة باسم الشعب لرئيس الجمهورية، حيث ادعوا فيها بأن هؤلاء الأجانب قد سيطروا على جميع الأعمال، مما سبب في عدم تمكننا من العمل، وأصبحنا عاطلين عن العمل.

 

الحقيقة المرة:

ولكن في الحقيقة كان هدفهم من هذه الأمور تدمير الحوزة، وبعد ذلك صدرت اوامر بأنه من غير المسموح للأجانب العمل مكان المواطنين السوريين، وعدم التجاوز على حقوق السوريين، وعلى السلطات إبعاد هؤلاء أي الأجانب عن سورية، وعندما صدر أمر إبعاد الأجانب، قام هؤلاء الذين يريدون تدمير الحوزة بإبلاغ الأمن والمخابرات لإعتقال الطلاب، حيث أعتقل أربعة عشر طالباً من طلاب الحوزة العلمية الزينبية، من جملتهم الشيخ عزيز الله المحقق، والشيخ التوسلي، والشيخ ناظر الشريفي، والشيخ الفصيحي الذي سافر إلى إيران، وأنا، والشيخ محمدي صهر الشيخ الفرقاني، والسيد محسن الحسيني، ووضعونا في السجن، ومن بركة دعاء النبي يوسف عليه السلام الذي دعا ربه في السجن، كانت الأخبار تصلنا على الفور.

 

صعوبات في السجن:

وعندما كنا في السجن جاء الشيخ خليق الكبير (والد الشيخ إسماعيل خليق) لزيارتنا إلى السجن، وسأل عن أحوالنا، فقال له الشيخ عزيز الله المحقق بنبرة حادة: ألا يوجد أحد حي بينكم لكي يأتينا بالطعام والفواكه والسجائر؟

بعدها قال الشيخ خليق: دمعت عيناي، وقلت بأن الطلبة المعتقلين لهم الحق، وذهبت إلى مقام السيدة زينب عليها السلام وطلبت من العقيلة السيدة زينب عليه السلام أن تنظر بعين اللطف والرحمة إلى هؤلاء الطلبة.

وبعدها ذهبت إلى مقام السيدة رقية عليه السلام ورأيت هناك أحد التجار من الخليج واقفاً أمام الضريح وكنت أعرفه، قلت له: بأن الطلاب معتقلين في السجن، ولا يملكون شيئاً.

فقام بإعطائي مبلغ ألف ليرة لكي أصرفها على الطلبة في السجن.

 

تبليغ في السجن:

وكان الشيخ خليق ولمدة أربعة عشر يوماً مدة بقائنا في السجن يقوم بجلب مختلف أنواع الطعام والفواكه والسجائر لنا، وكنا بدورنا نقدّم الطعام لجميع السجناء، وأصبح هذا الأمر تبليغاً للحوزة، حيث كان يسألنا السجناء عن المال من أين نأتي به؟ فكنا نقول لهم: بأن لدينا حوزة، ولدينا جمعية ورئيس، وكان السيد محسن الحسيني يبالغ ويقول بأن رواتبنا يبلغ ألف ليرة، في حين كان رواتبنا لا يتجاوز الثلاثمائة ليرة فقط لا غير، وكنا نسأل عن حال السجناء المصريين، فكانوا يجيبون بأنه يأتينا مقدار من الطعام لكي نبقى احياءً فقط ولا نموت.

في البداية وضعتنا إدارة السجن في خارج غرف السجن، حيث كان باب غرف السجن مفتوحاً والأسلاك الشائكة على الحائط، وكانت هناك نافذة تطل على المعتقل من الخارج، الشخص الذي حرك الأجواء ضدنا يمر من أمام نافذة المعتقل كل دقيقة، وكان لسان حاله يقول: بأنني حر، وأنتم مساجين، حيث كان يقوم بالإستهزاء بنا، وكنا لذلك نتأثر كثيراً، ونتمنى أن يأتي يوم نخرج فيه من السجن بأسرع وقت ممكن.

وكانت إدارة السجن تريد أن تخدعنا، فكانوا يطلبون منا جوازات سفرنا لكي تقوم بترحيلنا، لأن أمر ترحيل الأجانب من غير الطلبة قد صدر، وقامت السلطات بإبعاد المواطنين البنغاليين، حيث رأيناهم جالسين في السيارات لكي يغادروا.

وكان المسؤول يطلب منا الجوازات بحجة منح الإقامة لنا، ولكننا علمنا أن غرضهم إبعادنا عن سورية، فقلنا لهم: بأن جوازاتنا عند السيد مؤسس الحوزة، وهو الآن مسافر إلى لبنان.

 

صمود بعد التردد:

وأتذكر والد الشيخ الأخلاقي وكان رجلاً عجوزاً، ويعمل كخادم في الحوزة حيث كان يقول لإبنه: لنصبر إلى المساء، فلا داعي أن نسلّم جوازاتنا، وفي المساء كان يطلب من إبنه أن يأتي بجواز السفر لكي يغادر، وكان يقول: إلى متى نبقى على هذا الحال، والسيد الشهيد قدس سره غادر إلى لبنان، ونحن هنا في هذا الوضع، حيث لا خبر عن الإقامة، وفي الصباح يعود ويقول لنا يجب أن نصبر، هكذا كان كل يوم.  

بعد مدة سمعنا بأن السيد الشهيد قدس سره بعث وفداً رسمياً برئاسة السيد كامل الأسعد رئيس المجلس النيابي في لبنان إلى الرئيس السوري حافظ الأسد، وعند اجتماع الوفد بالرئيس حافظ الأسد قال له الوفد: سيدنا، الطلاب في السجن.

وكان رئيس الجمهورية جالساً، فقام من جلسته وقال: من اعتقلهم؟ لقد أمرت بمنحهم الإقامة. وتحدث على الهاتف وأمر بإصدار الإقامة للطلاب فوراً.

 

الفرج بعد الشدة:

وعند خروجنا من السجن منحت الإقامة الرسمية لنا، وعند عودتنا إلى السيدة زينب عليه السلام استقبلنا الجميع استقبالاً لا مثيل له، حيث لم أر مثل هذا الإستقبال في حياتي أبداً، حتى عندما كنت أعود من الحج، أو من زيارة الإمام الرضا عليه السلام لم أستقبل مثل ذلك الإستقبال.

وخرج جميع الطلبة من منازلهم دون خوف، وقالوا: الحمد لله الذي أفرج عنكم، لقد اعددنا أمتعتنا للسفر، والآن زالت المشاكل والمصاعب من أمامنا.

وكان السيد الغزنوي يقول: بأن أحد أطفالي كان يصعد على كتفي الأيمن، والآخر على كتفي الأيسر، ويقول أحدهم بأنه يريد الذهاب إلى البستان، والآخر يريد الذهاب إلى الصحن الزينبي الشريف، وأنا كنت شديد الإنزعاج بحيث كنت أود أن أصفعهما على خديهما، ولكن كنت أقول في نفسي بأن ما ذنب هؤلاء الأطفال، الخطأ مني، كان يجب عليّ تأمين المكان المناسب ومن ثم أتزوّج، فبهذا الوضع الزواج خطأ.

هذا ما حصل، ولكن دون ذكر الأسماء، إذاً عدّة من أهل السنة والشيعة عملوا على إيجاد هذه المشكلة، ولكن الله لطف بنا، وخرجنا من السجن.

 

قسوة المبغضين:

هناك مشكلة شخصية تعرضت لها: فقد كنت مع الشيخ الفرقاني، والسيد العلوي، والشيخ ناظر الشريفي، أربع عائلات عندما غادرنا النجف الأشرف في الرابع من شهر محرم، وساعدنا رجل كان يعمل في مهنة الحدادة على تحصيل تأشيرة الخروج لنا، لأنهم لم يكونوا يسمحوا لنا بالذهاب إلى الشام، وعند الحدود السورية كان المسؤول عن مركز الحدود رجلاً خبيثاً، حيث رفض السماح لنا بالدخول إلى سورية، لأن الشهيد أقام صلاة الجماعة في حرم السيدة زينب عليها السلام، وكانت الحوزة في بدايتها، وهذا الشخص كان لا يريد السماح لنا بالدخول حتى لا ننضم إلى الحوزة.

وهنا قام شخص من أصل إيراني واقترح علينا بأن نذهب مع الأطفال والنساء جميعاً، عسى ولعلّ يرقّ قلب هذا الشخص عند رؤيته الأطفال والنساء ويسمح لنا بالدخول، حيث كان الهواء بارداً جداً، وكنّا نخشى على أطفالنا ونسائنا من الإصابة بالمرض، فقمنا جميعاً نساءً وأطفالاً بالذهاب عند المسؤول، وطلبنا منه أن يسمح لنا بالمرور فقط إلى الحدود التركية لكي نسافر إلى إيران، لكنه كان شخصاً قاسي القلب، استمع إلينا ورفع رأسه علامة الرفض، ولم يتكلم بأية كلمة.

وبقينا على وضعنا، حيث كنا نجلس في السيارة، وكانت أجرة السيارة خمسة عشر ديناراً في الليلة الواحدة.

وفي إحدى الليالي أصيبت زوجتي وزوجة الشيخ الشريفي  بنزلة برد، فخفنا خشية أن تموتا، وكنا نملك الكفن الذي كان في أعلى السيارة، ولكن لم يكن يسمح لنا من إنزال أي غرض من فوق السيارة.

ومن حسن الحظ أن الشيخ الفرقاني والشيخ الشريفي جلبا معهما كمية من النفط من النجف الأشرف، فقمنا بإشعال ثلاثة مدافئ، وضعنا أحدهما في آخر السيارة، والأخرى في وسطها، وثالثة في أول السيارة, وجلبنا عدة أحجار من خارج السيارة، وبعد تسخين الحجارة على المدافئ وضعنا الحجارة في قماش ووضعناه على مكان الإصابة بالبرد إلى أن شعرن بالحرارة والدفء وتحسنت أحوالهن ولله الحمد.

 

ستة اشهر في العراء:

رجعنا من الحدود إلى مكان بين حدود أبو الشامات والحدود العراقية، وكان هناك مقهى يملكها شخص ناصبيً، ويظهر العداء لأهل البيت عليها السلام، وكان يقول لنا: بأن غداً يوم عاشوراء، والصيام في يوم عاشوراء له أجر كبير، وكنا نصلي مثل أهل السنة، متكتف الأيدي خشية أن يقوم بطردنا من المقهى، حيث الجو كان بارداً جداً فلذلك قمنا بالتقية، وكنا ندفع مبلغ خمسة عشر ديناراً لصاحب المقهى، ومثلها لصاحب السيارة، وبقينا مدة ستة عشر يوم بهذا الوضع، وبعد ذلك قمنا بالتوسل بإمام العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

علماً أنّ بعض الأخوة كانوا من التابعية الباكستانية، اتصلوا بالسفارة الباكستانية بدمشق، والسفارة اتتهم بأمر من وزارة الخارجية للسماح لهم بالدخول، وعند الحدود قال أحد الموظفين في إدارة الحدود بأنه سوف يسمح لنا بالدخول في مساء يوم الجمعة لأن المسؤول لن يكون موجوداً، وسوف آخذ منكم مبلغ مئة دينار، وأسمح لكم بالدخول من دون علم المسؤول.

بهذه الطريقة جئنا إلى السيدة زينب عليها السلام، وإلى الحوزة العلمية.

ومشكلة أخرى تعرّض لها الطلاب في بداية تأسيس الحوزة، حيث كان عنصر من الأمن إسمه أبو أديب يتعرّض للطلبة بالضرب، فقد ضرب الشيخ أصغر العالمي وكسر ضلعه، وبسببه أسقطت زوجة السيد الحيدري جنينها عند إبعادها إلى لبنان.

 

اعتقالات وحشية:

في إحدى الأيام توضأت لكي أذهب إلى المقام لأداء صلاة الظهر، وفي الطريق رأيت السيد موسى جالساً في سيارة الأمن حيث قبضوا عليه، وقاموا بالقبض علي أيضاً بتهمة أني أخ لحسن، وحسن هذا كان له أخ إسمه نوزاد علي، حيث قام نوزاد علي مع شخص آخر باسم فاضل بتزوير تأشيرة الحج لعدد من الزوار الإيرانيين، وعند الحدود السعودية قامت السلطات السعودية بتسليم هؤلاء إلى السلطات السورية، وقامت عناصر الأمن بالقبض على حسن شقيق نوزاد علي، وتم إبعاد نوزاد علي من البلاد، ولهذا قبض عليّ ظناً منهم أني شقيق حسن، حيث كان لوني مثل لونه، وطلب السلطات جواز سفري، فقلت بأن الجواز عند الشيخ أحمدي، فذهبنا إلى منزل الشيخ أحمدي، وقام الشيخ الأحمدي بفتح الباب ثم أغلقه حتى تدخل النساء إلى الغرفة، فقام العنصر بصفع الشيخ الأحمدي على خدّه وقال: لماذا أغلقت الباب بوجهي؟ وأخذوا جواز سفري، وكذلك اعتقلوا الشيخ الأحمدي أيضاً.

 

المسؤلون الطغاة:

وكان المسؤول عن هؤلاء أبو أديب، وكان جالساً على الكرسي، فقلت للسيد موسى بأن لا تتكلم باللغة العربية حتى لا نتعرّض للمشاكل.

سألنا أبو أديب: لماذا بقيتم إلى الآن، ولماذا قمتم بارتكاب عملية التزوير؟

وعندما طلب منا الكلام، قلنا: بأننا لا نعرف اللغة العربية، إذا أمكن نتكلم بالفارسية.

فقالوا: كيف تدرسون باللغة العربية ولا تعرفون التحدث بها.

قلت: بأن لدينا أستاذ يقوم بترجمة العربية إلى الفارسية، وبعدما عرف بأننا لا نستطيع التحدث باللغة العربية، أخذ عدة جوازات وقام خطيباً، وقال: العرب كان في الزمان السابق ذا غيرة وشجاعة وحميّة، ولم يكن مسموحاً للاجانب أن يتدخلوا بين العرب، حيث كانوا يخرجونهم ويقلعهم من بلادهم، العرب في زماننا لا غيرة لهم ولا شجاعة ولا حمية، جماعة الست يركبون على عواتقنا، نحن نقول لهم: انزلوا، يرفضون النزول.

وبعدها قال: الطريقة هي أن نعتقلهم اثنين وثلاثة، ونبعدهم خارج البلاد حتى نخلص من شرهم، وغداً سوف نأتي بستة حراس للفة البيضاء، وستة أخرى للفة السوداء لكي يقوم بحراستهم، ونبعدهم إلى خارج البلاد حتى نخلص من شرهم.

 

اجتماع الغدر:

ولكنهم تساءلوا فيما بينهم عن السبب الذي يسمح لهم بإبعادنا، وكانوا يجتمعون ويفكرون لإيجاد طريقة لذلك، فقد قال أحدهم بأن علاقة تركية مع أفغانستان جيدة، فلنطلب من السلطات التركية استقبالهم، ولكن الآخر قال بأن الدول لا تتدخل في شؤون بعضهم.

وأخيراً وصلوا إلى طريقة وهي إخبار وزارة الخارجية بأننا قمنا بالقبض على مواطنين من أفغانستان، وبما أن أفغانستان لا تملك سفارة هنا، سوف نحصل على أمر من وزارة الخارجية لإبعاد هذين الاثنين إلى خارج البلاد.

وقاموا بأخذ الصور لنا، وبأخذ بصمات أصابعنا جميعها، حتى لا نتمكن من العودة إلى سورية ثانية، وبعد ذلك أخذنا إلى سجن القابون تحت الأرض، ورأيت السيد موسى يبكي لأنه لم يكن يملك المال وعائلته كبيرة، فحزنت كثيراً، لأنه من طرف سوف يقومون بتدمير الحوزة، ومن طرف آخر السيد موسى لا يملك المال، فبكيت أيضاً، وقمت بفرش عباءتي على الأرض، وطلبت من السيد موسى بأن ننام، وهنا قمت بالاستغاثة بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف: يا صاحب العصر والزمان، أنت إمامنا، ونحن رعيتك، والرعية بلا راعي ينهشها الذئاب، وأبو أديب عمل من نفسه علينا ذئباً، فلم لا تنظر بعين اللطف إلينا، ففي سورية لا يوجد مال حتى نطمع في البقاء فيها، حيث نعيش في مطبخ الفلسطينيين، بقينا لكي نؤسس حوزة هنا في المكان الذي كانوا يقومون بسب جدك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسنوات عديدة، ولنبين فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا لا تريدنا أن نبقى هنا، ففرّج عنا حتى نغادر سورية إلى إيران، فإيران أفضل لنا من سورية.

 

الرؤيا الصالحة:

وبعد ذلك غفوت، ورأيت في المنام بأن باب السجن قد فتح، ودخل سيد إلى غرفة السجن، فنظرت لكي أرى من هو هذا السيد، هل هو السيد حسن الشيرازي أو لا؟ ولكنه لم يكن السيد الشهيد، لأن هذا السيد كان أطول من السيد حسن، وله شامة في وجهه، وعمامته وعباءته سوداء، وجبته بني اللون، ونزل من الدرج حتى وصل إليّ وقال: هؤلاء أعداء أهل البيت عليها السلام، وأعداء محبي أهل البيت عليهم السلام، وبإذن الله سوف نعيدكم إلى السيدة زينب عليه السلام، ولن يستطيع أحد أن يخرجكم منها.

 

في صلاة الليل:

وبعد خروج السيد من السجن استيقظت من النوم، وأصبح قلبي فرحاً ومسروراً، وقلت في نفسي: بأن أبو أديب لن يستطيع فعل أي شيء، لأنني توسلت بالإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف والإمام وعدني.

وبعدها قمت لأصلي، فقال العجوز بأنه لم يحن وقت الصلاة، فقلت أريد أن أصلي صلاة الليل، وكان في غرفة السجن عدة أشخاص يقومون بلعب الورق.

وفي أثناء الصلاة وعند الركوع والسجود، شعرت بحرقة شديدة في قلبي من شدة الجوع، واخضرّت واصفرّت الدنيا أمام عيني، فقلت في نفسي بأن الصلاة في هذه الحالة حرام، وقررت أن أسلّم وأنهي صلاتي، وعند قراءة التشهد وضع الرجل يده على كتفي وقال: لا تصلي يا شيخ، فأنت جائع، وبعدها أخرج كيساً فيها الخبز والخضروات والجبن وقدمه لي، فقمت بإيقاظ السيد موسى لتناول الطعام معاً، وبعد تناول الطعام، حان وقت صلاة الصبح، فتوضأت وصليت صلاة الصبح.

في هذا السجن تركت في مكاني دعاء جوشن الكبير، جلبته معي من أفغانستان، ومبلغ مئة ليرة كنت أعطيتها للشرطي ليأتي لنا بالطعام.

 

في المحكمة:

وعند تقديمنا للمحكمة، وضع القيود على يدينا أنا والسيد موسى، وأخذونا سيراً على الأقدام، وكان الجميع ينظرون إلينا، وهذا الموقف أثّر عليّ كثيراً لدرجة أنني بكيت، لأنهم حتماً كانوا يظنون أننا قتلة ومجرمين ونحن بهذا الزي، وتذكرت الإمام زين العابدين عليه السلام، وقلت في نفسي: يا سيدي إنني اليوم أحسست بك، هؤلاء القوم فقط ينظرون إليّ، أما معكم فقد كانوا يرمونكم بالحجارة والعصي المشتعلة.

وفي المحكمة طلب القاضي السيد موسى، وبقيت في الخلف، ومن ثم طلبني، وعندما اقتربت منه رأيت مكتوباً: (قد جرح السيد موسى بحلفه)، عندها قال القاضي: لا تنظر، ابقى بعيداً، قلت: أمرك سيدي، ورجعت إلى الخلف.

وبعدها وضعونا في سجن المحكمة، وكان الماء متوفراً في السجن، فتوضأت وصليت صلاة الظهر، وبعدها جاء الشرطي وأخذني من السجن، ولكن هذه المرة لم يقيدني، وطلب سيارة تكسي، وسألني عن المال، قلت له: بأني أملك المال.

فأخذني إلى الأمن الجنائي، فقلت له: يا أخي الكريم، ماذا جرى بالنسبة لنا، ماذا كتب القاضي، قال: اصبر قليلاً، نظر إلى الورقة وقال: بأن القاضي كتب أنه لا شيء عليكم، وقال: إذا لم يكن هذا الشخص (أي مسؤول الأمن الجنائي) خبيثاً فأنتم أحرار، وإذا كان خبيثاً فإنه سوف يعذبكم.

 

هيبة العلماء:

وفي داخل السجن في منطقة المرجة حيث كانوا يريدون إبعادنا من هناك، قال لنا: بأن السيد حسن جاء، ومن هيبة السيد الشهيد قام الجميع واقفاً لإستقباله، وقالوا جاء الإمام الشيرازي.

ومن الباب الخارجي رأينا السيد الشهيد جالساً على الكرسي، بوجه بشوش وبمعنويات عالية، قال لنا: هل تعذبتم، هل تأذيتم كثيراً؟

قلت له: سيدنا، قدومك لرؤيتنا ورؤية الطلبة أنسانا هذه المصيبة.

ثم قال السيد: بإذن الله، بعد نصف ساعة سوف أخرجكم من هنا وأرسلكم إلى السيدة زينب عليها السلام.

ولكن النصف ساعة أصبحت ساعة، فقلت في نفسي بأن السيد الشهيد حاول جاهداً ولكن السلطات لم تقبل، فما بيد السيد من حيلة.

وبعد ساعة قال السيد موسى: إنهم ينادون ويقولون بأن يخرج جماعة الإمام الشيرازي.

خرجنا من السجن بفضل السيد الشهيد، وقام عناصر الأمن بإيصالنا إلى السيدة زينب عليها السلام.

ونحن منذ قدوم السيد إلى السجن لرؤيتنا، والتحدث معنا، دخلت محبّة السيد في قلوبنا دون استئذان منذ ذلك الحين وإلى اليوم، محبة السيد مازالت في قلبي ولن أنسى أبداً السيد الشهيد قدس سره.

 

استاذ الأساتذة:

   ما هي الدروس التي كان يدرّسها الشهيد؟

كان يقوم بتدريس الكفاية، وكان الأساتذة يحضرون درسه، وفي ليالي شهر رمضان المبارك كان يقوم بتدريس تفسير القرآن الكريم، وبعد الدرس كان المرحوم الشيخ فخر الإسلام يقوم بقراءة مجلس العزاء الحسيني.

 

البيان التأريخي:

   ما هي نشاطاته في مختلف مدن وقرى سورية؟ وبالأخص على الساحل؟

كان السيد يملك بياناً جذاباً، وكان خطيباً بارعاً، وذو أخلاق حسنه، وكان يجذب أيّ شخص إليه، وكان غرضه أن يعرّّف العلويين الشيعة بدينهم، ومن إنجازاته إصدار البيان المشهور (العلويون شيعة أهل البيت عليهم السلام)، وفي حلب كانت قرية الزهراء عليها السلام تسمى باسم آخر غير لائق أبداً، والسيد الشهيد وبعد مباحثات طويلة مع علماء العلويين الشيعة قام بتسمية القرية بقرية الزهراء عليها السلام وبقيت هذه التسمية على هذه القرية إلى اليوم.

 

في بيت الله:

  كيف كانت علاقته بمختلف المذاهب والأديان؟

السيد حسن كان يجذب أي شخص ببيانه الجذاب، وأخلاقه الحسنة وتواضعه، حيث كان الحاج إسماعيل الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد يلتقي بالسيد الشهيد، وسافرا معاً إلى الديار المقدسة حيث استقبلهم المسؤولون السعوديون، وفتح لهم باب الكعبة، ودخل السيد الشهيد إلى داخل الكعبة، وهو أول معمم دخل إلى الكعبة.

 

المصير المحتوم:

  لماذا لم يتزوّج الشهيد؟

سمعت من أحد أصدقاء طلاب الشهيد في مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في لبنان، حيث قال: اجتمعنا حول السيد الشهيد قدس سره وقلنا له لماذا لا تتزوج؟

فقال لنا السيد الشهيد: إنني على يقين بأني سوف أقتل، فلماذا أورّط معي امرأة مؤمنة.

 

الخدمات الجليلة:

  ما هي خدماته في حرم السيدة زينب عليه السلام وحرم السيدة رقية عليها السلام؟

من أهم إنجازاته تأسيس حوزة في السيدة زينب عليه السلام، وإقامة صلاة الجماعة في صحن مقام السيدة زينب عليها السلام، ووضع التربة الحسينية أثناء الصلاة، حيث لم يكن يشاهد تربة في المقام قبل ذلك.

وفي الليلة الأولى التي قمنا فيها بزيارة السيدة زينب عليها السلام كان صندوق التربة موجوداً أمام باب المقام، فجاء عدة نساء وقامت إحداهن بشمّ التربة، وتذوقت الأخرى التربة، والسيد كان جالساً فوق سجادته ونحن خلفه، وكان بيننا شخص من باكستان متعصب جداً، أراد أن يقوم ليمنع النسوة، ولكن السيد حسن منعه من التعرض لهن، وقال: فليفعلوا ما يريدون، حتى يتيقنوا بأنه تراب، ويتعرفوا على التربة الحسينية.

علماً أنّ بعض النسوة أخذن التربة خفية، وقمن بكسرها لكي تشاهد ما في داخلها.

واشتهر مذهب أهل البيت عليهم السلام في كل أنحاء سورية، حتى وصلنا خبر من الأردن بأنهم يقولون بأن مذهباً جديداً وجد في سورية.

وفي حرم السيدة رقية عليها السلام كانت تقام صلاة الجماعة من قبل أهل السنة، والسيد استطاع أن يقيم صلاة الجماعة فيها، وترك أهل السنة إقامة صلاة الجماعة في حرم السيدة رقية عليها السلام، وكان الشيخ التوسلي يقوم بالتبليغ عن الحوزة العلمية.

 

جنةً بسهولة:

وأحد خطباء أهل السنة قال من على المنبر: من قال لا إله إلا الله، فهو يدخل الجنة، فهنا استشكل عليه السيد الشهيد وقال: سيدنا كلمة لا إله إلا الله عام وله شرائط، فإذا قال شخص لا إله إلا الله دون أن يصلي ويصوم، فهل يدخل الجنة!

فسكت الخطيب وخجل، وبعضهم أخبر الشرطة عن هذه الحادثة، فجاءت الشرطة وكان السيد جالساً على سجادته.

فقالت الشرطة: أين السيد الذي تعرض لإمام الجماعة وأهانه.

فقال السيد: البحث كان علمياً، وأنا على استعداد للمباحثة، ولم تكن هناك أية إهانة.

 

الولاء للمذهب:

  كيف كانت علاقته مع أخيه السيد المرجع؟

لم نسمع من الشهيد يوماً بأن طلب من أحد سواءً كان من الطلبة أو غير طلبة أن يقلّد أخاه، ولم يكن يروّج لمرجعية أخيه، وكان يقول بأن الطلبة أحرار في تقليد من يرون مناسباً من المراجع.

وعندما غادر السيد المرجع الكويت قال السيد الشهيد: إن أخي لم ير من المناسب في الظروف الحالية البقاء في الكويت، ولهذا غادر الكويت دون أن يقول لأحد إلى إيران وذهب مباشرة إلى مدينة قم المقدسة.

 

الحب الصادق:

  ماذا عن علاقته بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام؟

علاقته كانت شديدة جداً بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الممكن أن لا يتواجد شخص بعقيدة السيد الشهيد بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، لأن الشهيد عندما كان معتقلاً في العراق، طلب منه أن يتبرأ من أهل البيت عليهم السلام، وأن يدعي على بعض المراجع والعلماء ببعض التهم والافتراءات، فرفض الشهيد ولم يقبل، ولهذا عذّب عذاباً شديداً.

 

البذور الطيب:

  هل لديكم كلمة أخيرة حول الشهيد؟

السيد حسن قام بتأسيس الحوزة وبتربية الطلاب والعلماء، والآن تعددت الحوزات في السيدة زينب عليها السلام، وكل ما يقوم به الناس من التبليغ والتأسيس هي نتيجة لخدمات السيد الشهيد لأنه هو المؤسس واستشهد في سبيل ذلك، وثواب جميع الأعمال يرجع للسيد الشهيد وللأشخاص الذين كانوا مع السيد الشهيد، ونحن لن ننسى أبداً السيد الشهيد، وأنا شخصياً في كل المجالس التي أقرؤها لا أنسى أن أقرأ سورة الفاتحة على روح السيد الشهيد قدس سره وأدعو المستمعين بقراءة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة.

فإذا كانت مؤسس الحوزة في النجف الأشرف الشيخ الطوسي، ففي سورية السيدة زينب عليها السلام مؤسس الحوزة السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره والجميع يعلم ذلك.

في ختام هذه الحلقة من حفظ وإحياء تراث المجدد الثاني الآية العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه)، وحفظ وإحياء تراث شقيقه مؤسس الحوزة العلمية في سورية الإمام الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدس سره، نرفع جزيل الشكر وفائق الاحترام والتقدير والتبجيل إلى سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة الأستاذ الشيخ محمد بخش الحليمي (حفظه الله وأبقاه) على إتاحته لنا لهذه الفرصة للتحدث عن الشهيد السيد حسن الشيرازي مؤسس الحوزة العلمية في سورية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.