لقاء مع الشيخ محمود آل سيف

اللقاء: العشرون.

الشخصية المحاورة: الشيخ محمود آل سيف (السعودية).

المكان: دمشق، السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 2/9/2005م ـ 27/رجب/1426 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على شمس الهداية نبينا محمّد صلى الله عليه وآله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم: بسم الله الرحمن الرحيم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). صدق الله العلي العظيم

وقال أمير البلاغة والبيان، بطل الإسلام الخالد، أسد الله الغالب، الإمام علي بن أبي طالب (عليه آلاف التّحية والثّناء):

«يا كميل هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة».

يسرنا ويسعدنا في هذا اللقاء الجديد من سلسلة لقاءات حول الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره أن نستضيف وجهاً من وجوه مدينة القطيف من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وعالمٌ من علمائها الكبار، وخطيب من خطبائها الحسينيين.

 إنّه صاحب السّماحة والفضيلة العلاّمة الحجّة، صاحب القلم والمنبر والبيان، الشيخ محمود محمد تقي آل سيف (حفظه الله وأبقاه).

 

وقفة مع الضيف:

الشيخ محمود بن المرحوم الحاج محمد تقي آل سيف، من مدينة القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.

والدته كريمة الخطيب والعالم الشيخ ميرزا حسين البريكي.

 ولد في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة سنة (1379هـ)، وأتمّ دراسته الابتدائية في القطيف.

ثمّ انتقل إلى النّجف الأشرف، حيث أكمل المرحلة المتوسّطة في «مدرسة منتدى النشر» التي أسّسها العلاّمة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر.

 وقد درس على يد سماحة السيد سعيد الشريف، والشيخ جمعة الحاوي بدايات الفقه وبدايات اللغة العربية.

 وفي سنة (1395هـ) انتقل إلى الكويت حيث انتسب إلى مدرسة الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله الدّينية التي أسّسها المرجع الرّاحل الإمام المجدّد آية الله العظمى السّيّد محمّد الحسيني الشّيرازي قدس سره، ودرس المقدّمات وبعض السطوح على يد أساتذتها، ومنهم: السيد علي أكبر المدرّسي، السيد حسين المدرّسي، السيد عباس المدرّسي، الشيخ صاحب الصادق، السيد صباح شبّر، الشيخ كاظم السّباعي، السيد محمّد رضا الشّيرازي، السيد مرتضى القزويني، السيد محمّد علي الطّباطبائي. كما ودرس علوم القرآن الكريم والتفسير على يد سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي (دام ظلّه).

وفي عام (1400هـ) انتقل إلى طهران حيث أصبح جزءاً من إدارة حوزة القائم عجل الله فرجه الشريف التي أسّسها آية الله العظمى السّيّد محمد تقي المدرّسي (حفظه الله).

وفي عام (1409هـ) انتقل إلى سورية حيث جاور السيدة زينب عليها السلام، وحضر أبحاث سماحة آية الله الشيخ محمّد علي الفاضلي في الأصول، وسماحة آية الله الشيخ محمّد طاهر الخاقاني في الفقه والأصول.

وفي عام (1413هـ) عاد إلى السعودية في منطقته القطيف حيث مارس وما زال إلى اليوم دوره في العمل الدّيني والاجتماعي والتبليغي في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة القطيف.

وأكمل دراسته الجامعية بالانتساب للجامعة العالمية الإسلامية بلندن، وحصل على درجة البكالوريوس، وقدّم بحثاً مطبوعاً حول (النفس في القرآن الكريم).

له مؤلّفات عديدة، منها:

حركة المختار بن أبي عبيدة الثّقفي.

الإمام الكاظم عليه السلام أضواء من سيرته.

الإمام الرضا عليه السلام أضواء من سيرته.

الإمام الجواد عليه السلام أضواء من سيرته.

العودة إلى الدّين.

توبوا إلى الله جميعاً: طبعته مؤسّسة (القرآن نور)، وسيطبع قريباً بعنوان (التّوبة في القرآن الكريم).

 

الشهيد فكراً وأخلاق وموقف:

 سماحة الشيخ ماذا تعرفون عن مؤسّس الحوزة العلمية في سوريّة الشّهيد السّعيد آيّة الله الإمام السّيّد حسن الشّيرازي قدس سره؟

 بداية نقول: الرّجال يعرفون بثلاثة ميّزات:

الميزة الأولى: أنّ ما يقدّمون من عطاء فكري.

الميزة الثّانية: بما يتمتّعون به من صفات وسمات نفسّية وأخلاقية.

الميزة الثّالثة: يعرفون بمواقفهم في الحياة تجاه الأحداث التي يمرّون بها.

 

أسرة الإبداع والتفوق:

وسماحة السّيّد الشّهيد آية الله السيد حسن الشّيرازي قدس سره يمكن أن نقول أنّه حلقة من سلسلة الإبداع والمبدعين والروّاد الكبار الذين يشهد لهم هذا العصر بالنبوغ والتفوق، وهكذا أيضاً بالمواقف الحقيقية تجاه الأحداث.

سماحة السيد (رحمة الله عليه) ينتمي إلى أسرة علميّة ومرجعيّة يكاد كلّ أفرادها يكونوا من العلماء ورجال الديّن الفضلاء والموهوبين.

 فوالده المرجع الكبير آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي قدس سره، وكذلك أخوه آية الله العظمى الإمام الرّاحل السّيّد محمّد الحسيني الشّيرازي قدس سره، وثاني إخوته آية الله العظمى المرجع السّيّد صادق الشّيرازي (دام ظله)، وأخوه الأصغر آية الله السّيّد مجتبى الشيرازي.

وهو ينتمي إلى هذه السلسلة، وهو رابع الإخوة فهو ينتمي إلى هذه الأسرة.

 

جهاد الشهيد:

ومن ناحية ثانية هو مجاهد وشهيد، وكانت له مواقف تجاه حكّام عصره، ولا يخرج عن دائرة المواقف التي اتّخذها أجداده في حياتهم فكانوا عرضةً للأذى والمطاردة والتّشريد.

وسماحة السّيّد كانت له مواقف واضحة وبيّنة أعلنها على الأشهاد عبر مواقف عمليّة أو عبر مواقف فكريّة وأدبيّة.

 واتّهم فيما اتّهم بأنّه يحاول زعزعة الأمن والاستقرار في بلده، مع أنه كان من الحريصين على أن تعيش العراق حالة من الاستقرار والأمن في ظلّ الإسلام، وأن تحكّم شعائر الإسلام في تلك البلاد.

 إلاّ أنّه تعرّض للمضايقة والسجن وتعرّض للتعذيب الشديد، ومن ثمّ هاجر من بلده وعاش الغربة، وعاش التّشريد، وعاش ألم السجون لفترة طويلة، ثم بعد ذلك ختم حياته بالشّهادة في سبيل الله على يد رجال صدام ورجال حزب البعث العراقي المقبور.

فهو إذاً عالم وشهيد، مضافاً إلى ذلك  فهو مجتهد وعالم ومفكّر.

 هذه الميّزة التي نعرفها في الشهيد، فهو مجتهد، وكان يلقي أبحاث الخارج في كربلاء وفي الحوزة الزينبية التي أسّسها، وأيضاً يشهد له من حضر دروسه، وسمعت منهم مباشرة قيمة تلك الأبحاث العلمية التي تلقى.

 

الشهيد والتأليف:

وهكذا فهو كاتب وله ما يقرب أكثر من ستين مؤلّفاً في مختلف المجالات الفكريّة والحديثيّة والقرآنيّة والأدبيّة، وهكذا العلوم الاقتصاديّة، وله مؤلّفات عدّة وكثيرة تشهد السّاحة بأنّه صاحب قلم، وهذا القلم له أثر طيّب حيث ملأت هذه المؤلّفات جزءاً من الفراغ الذي تعيشه السّاحة الإسلامية في ذلك اليوم.

 

مع خلق الشهيد:

ولنا أن نتكلّم قليلاً عن خلقه الذي عُرف به، وأنا شخصيّاً لم أعايش الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره.

 ولكنّي أذكر أنّي رأيته في منزلنا عندما كان ضيفاً عند الوالد (رحمه الله) الحاج محمد تقي آل سيف.

 جاء إلى القطيف، وأعتقد أنّه كان في البحرين ثم جاء إلى منطقة القطيف، ورأيت ذلك السّيّد في ضيافة الوالد (رحمه الله)، وكان الوالد كثيراً ما يثني على شخصيّته وعلى عطائه وعلى حركته الدينيّة في الأمصار المختلفة.

 ولكن الذين لاقوه وجلسوا معه وعرفوه وصفوه بميّزة الخلق الحسن، وهي ليست غريبة على هذا الشّبل الذي ينتمي إلى أولئك النّخبة الطّاهرة التي عصمها الله جلّ وعلا من الرّجس وطهّرها تطهيرا.

 

الزهد من مميزات الشهيد:

 فقد كان سماحة السّيّد الشّهيد (رحمة الله عليه) على منوال أجداده الطّاهرين في الزّهد والتّقشّف، وهذه الميّزة لا ينكرها أحد فيه، ويكفي أنه عاش في سورية وفي دمشق سنوات طويلة ورحل عن الدنيا ولا يملك في هذه البلاد شبراً واحداً.

هذا هو الشّهيد في زهده وفي تقشّفه وفي حياته، كما كان يتّسم بالعمل الدؤوب في سبيل الله ليلاً ونهاراً، وربما لم ينم أياماً عدّة كما نقل أحدهم لنا في هذا الشّأن.

وتميّز بالإرادة الصّلبة لتحقيق أهدافه رغم الصّعوبات التي واجهت مشاريعه في كلّ منطقة حلّ بها أو ارتحل، سواءً كان في لبنان أو كانت في سوريّة.

وأخيراً أقول: أنّه عرف وشهد له الأصدقاء بحسن الخلق ودماثته وبالتّواضع.

وفي هذا الكلام القليل من بعض ما نعرفه عن حياة هذا السّيّد الكبير الذي حقيقة نستهدي بهديه وبعمله وبخلقه وبمثابرته.

 نستهدي بهديه وبهدي أمثاله الذين جسّدوا على أرض الواقع مثال العالم الرّسالي الرّبّاني.

 

حياة الشهيد فكرًً وعمل:

 كيف تقيّمون عبقريته العظيمة؟ وفكره النيّر؟ وأرجو أن تذكروا لنا بعض النشّاطات للشّهيد؟ وبعض انجازاته التي قام بها؟

في الحقيقة يمكن أن نتكلّم في ثلاثة أبعاد:

عمل الشّهيد،   أطروحة الشّهيد،   أفكار الشّهيد.  

 

  مع القرآن الكريم:

في ما يتعلّق بجانب الكتاب، فإنّ الشّهيد السّيّد حسن الشّيرازي أولى اهتماماً كبيراً بدراسة القرآن الكريم، وكتب (خواطري في القرآن الكريم).

 و الاهتمام بالقرآن الكريم أحد أهم المفاصل الثّقافيّة التي يهتمّ بها العلماء الربّانيون ذلك لأنّ المصدر الوحيد عندنا والمصدر النّقي هو القرآن الكريم، ففي هذا الجانب ألّف الشهيد السيد حسن كتباً في موضوع القرآن.

 

مع الحديث الشريف:

وثاني الاهتمامات التي نلحظها في فكر الشهيد، هو الاهتمام بالحديث حيث أن كلام العترة الطّاهرة عليهم السلام هو عدل القرآن الكريم.

قال الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «إنّي مخلف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

فالعالم يتنزّل من القرآن الكريم ثم إلى الحديث.

 فكتب في هذا الجانب (موسوعة الكلمة)، بدءاً من (كلمة الله)، و(كلمة الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله)، و(كلمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام)، و(كلمة الإمام الحسن عليه السلام)، وسائر الحلقات التي كتبت في هذا السياق.

وهذا الاهتمام وهذا الإبراز للنص الحديثي، وللسّنة هو خدمة كبيرة لأهل العلم والمعرفة الذين يستبطون من هذه الأحاديث المعارف والعلوم بمختلف أبعادها العقائدية، أو المواقف السّياسيّة أو الأخلاق أو ما شابه ذلك.

 

الشهيد والثقافة الإسلامية:

والجانب الآخر الذي نلحظه في اهتمامات الشّهيد هو الجانب الثقافي، فكتب (كلمة الإسلام)، وكتب عن (الاقتصاد الموجّه).

وفي (كلمة الإسلام) أطروحة للعمل الدّيني حيث كان في ذلك الزّمان فكرٌ سائد يقول بترجيح العمل الحزبي، ولا نشكّ أنّ العمل الحزبي بذاته لا يعدّ مثلبة للعاملين، وإنّما إذا تحوّل إلى وسيلة للطّعن والمحاصرة ومصادرة جهود وأعمال الآخرين، هذا العمل هو الذي ينتقد في الإسلام، وإلاّ الإشارة إلى نظم الأمر مطلوب.

والأمر الثاني هو أنّ هذا العمل يجب أن يخضع للتوجيه المرجعي باعتبار أنّ الولاية الدّينيّة في عصر الغيبة منوطة بالفقهاء العدول الذين هم يعرفون موازين الحلال والحرام.

 وبالتالي العمل السّياسي، أو العمل الإجتماعي، أو العمل الثّقافي، يجب أن يخضع لرعاية المرجعيّة، فكتب الشهيد أطروحة في هذا المجال.

 

الشهيد والشعائر الحسينية:

وعرف عن الشهيد أيضاً دفاعه عن الشّعائر الحسينية أمام الهجمة المنهزمة التي أرادت لهذه الشعائر أن تخبو وأن تبتعد.

 ونعلم مساحة العاطفة الكبيرة التي تحتلّها في النفوس، والشّعائر هي إبراز للعاطفة الدّينيّة، وتستقطب كثيراً من النّاس الذين يمارسون هذه الشعائر.

 ومحاربتها لم تكن فيها أيّة فائدة، ولم تخدم شعار الحسين عليه السلام والذي نعلم أنّه عليه السلام ثار من أجل الدّين وخرج من أجل الله، وحمل أهدافاً عظيمةً وكبيرة.

 ولكن إيصال هذه المفاهيم وهذه الأفكار إلى عامّة النّاس يتطلّب تقريبهم وجلبهم إلى الحسينية، والشّعائر الحسينية، ومن ثمّ التّشيّع بأفكار وأهداف الإمام الحسين عليه السلام.

ولهذا كان للشّهيد موقفاً عظيماً من الشّعائر الحسينيّة والدفاع عنها، ومحاربة الذين وقفوا أمام الشّعائر، لا لشيء إلاّ لأنها مثلاً عنوان من عناوين الانتقاد من الغرب أو الشرق لهذه الشعائر.

فهذا ما يتعلق بالجانب الثقافي.

 

مع مؤسسات الشهيد:

 ماذا تعرفون عن إنجازات وأعمال الشّهيد السّيّد حسن الشّيرازي؟ أرجو أن تتحدّثوا حول هذه النّاحية؟

البعد الثاني الذي يمكن أن نتحدّث فيه عن شخصيّة الشّهيد الشّيرازي قدس سره هو البعد العملي، والأطروحات البنّاءة التي قدّمها إلى السّاحة بعد خروجه من العراق.

خرج السّيد من العراق وقدم إلى لبنان وسورية واحتضنه هذا البلد الطيّب.

 وسماحة السّيد كما عرف عنه النّشاط الدؤوب، والعمل الخالص لوجه الله سبحانه وتعالى في العراق، انتقلت هذه الرّوح إلى بلاد الغربة والمنفى في سورية ولبنان.

 

حوزة الإمام المهدي:

وكانت له جهود عظيمة في لبنان، من جملتها تأسيس دور النّشر كدار الصّادق عليه السلام، ومن جملتها تأسيس حوزة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ومن جملتها تأسيس مكتب العلماء في لبنان.

 

الحوزة الزينبية:

ولكن العمل الأبرز والكبير جداً هو تأسيس الحوزة العلميّة الزّينبيّة التي هي شاخصة من شاخصات دمشق.

فقد كانت هذه البلاد (كما ينقل) عبارة عن قبر مهجور يتضمّن رفات العقيلة زينب عليها السلام، ولكن سماحة السيد (رحمة الله عليه)، أولاً أوصى بأن يجعل للمقام خادماً وهو كان يعطي شيئاً من ماله لهذا الخادم.

وبعد ذلك فكّر ذلك التفكير الكبير والعظيم والاستراتيجي في تأسيس الحوزة العلميّة الزّينبيّة في سورية، وخدمه في ذلك أمران:

الأمر الأول: المرقد الشريف.

الأمر الثّاني: الهجرة التي قدمت من النجف الأشرف، وكانت عبارة عن جماعة من أهل الفضل والعلم الذين هُجّروا من النّجف الأشرف على يد تلك الطغمة الفاسدة والبائدة، وتوزّعوا في الأمصار، وقسم منهم استقرّ في بلدة السيدة زينب عليها السلام.

 

اغتنام الفرص:

 فالشهيد وفّق بين مادّة الطّلبة، وبين الموقع الرّوحي، وأسّس تلك الحوزة، وعانى ما عانى، ويمكن للإخوة الذين يستضيفهم البرنامج أن يتحدّثوا عن هذا الأمر.

ولكنّنا الآن نجد أنّ الحوزة الزّينبيّة تشكّلت فيها حوزات في السّيّدة زينب عليها السلام، فالنواة كانت هي الحوزة الزينبية.

 ولكن الآن يعيش العشرات بل المئات من الطلبة في هذا المكان، وهناك مدارس متعدّدة، وحوزات مختلفة، وبحوث خارج في هذا المكان، وكلّ المستويات الحوزويّة موجودة في أرض السيدة زينب عليها السلام.

 بل إنّ المدرّسين في الحوزة الزّينبيّة هم روّاد تلك الحوزات ونواة تلك المدارس، وهم القائمون على التّهذيب والتّربية والتّعليم فيها.

وربّما آية الله أستاذنا الشيخ محمد علي الفاضلي واحد من هؤلاء، والشيخ النّاصري، والشيخ الأحمدي، والشيخ النّوري، والشيخ المحمّدي، كلّهم يتنقّلون في الحوزات العلميّة ويعطون الدروس المختلفة في مختلف المدارس والحوزات.

 

الحوزة العالمية:

إضافة إلى ذلك أنّ الذين قدموا إلى هذه البلاد كانوا من جنسيتين ربّما، وهي من بلاد أفغانستان ومن باكستان.

 ولكنّنا اليوم نجد في حوزة السّيّدة زينب عليها السلام، أو في الحوزة الزّينبيّة تزيد عدد الجنسيات التي تدرس فيها أكثر من عشرين إلى خمسة وعشرين دولة.

وطبعاً «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».

هذه الرؤية وهذا البعد العميق في شخصية السيد هو الذي يميّز الرجال الكبار عن غيرهم.

هذا من الأعمال الكبيرة التي قام بها السيد الشهيد.

 

الدفاع عن المذهب:

ومن الأعمال الأخرى التي تبنّاها السيد في حياته، ودفع حياته ثمناً لها هو أنّه أوقف نفسه للدّفاع عن الشّيعة في العالم، سواءً كان هؤلاء في بلادنا العربية أو في غيرها.

فكان اهتمامه وعلاقته المتميّزة مع العلماء الشيعة العلويين في سورية، وسفراته إلى تركيا، وذهابه إلى بلاد أفريقيا، ولقائه هناك بالشّخصيّات المؤمنة أو بالمسؤولين  في تلك الدول من أجل فسح المجال لأبناء الشّيعة والطّائفة الحقّة وأبناء الإماميّة الإثنا عشريّة لكي يتواصلوا ويعيشوا بأمن وسلام ويؤدّوا شعائرهم.

 وفي هذا المجال كتبت كتب عن رحلاته المختلفة إلى البلاد الأفريقية.

 

أضرحة البقيع:

وكذلك كان اهتمامه كبيراً بموضوع الشّعائر التي انعكست بالمطالبة ببناء البقيع، وبناء قبور أئمّة البقيع في المدينة المنورة، والتقى في سبيل ذلك بالشّخصيّات الرّسميّة، ومع علماء الدّين في المدينة المنوّرة، وكان يهدف جادّاً إلى بناء تلك المقبرة التي تسمّى بجنّة البقيع، ورفع الغمط في حقّ أهل البيت عليها السلام.

 

علاقةً منذ كربلاء المقدسة:

 كيف بدأت العلاقة بين الوالد المرحوم الحاج محمّد تقي آل سيف وأسرة آل الشيرازي عموماً؟

الوالد (رحمه الله) كانت له علاقات مع مراجع الدّين في النّجف الأشرف وفي كربلاء المقدسة.

 وكان له علاقات مميّزة مع آية الله العظمى السّيّد الحكيم، ومن بعده آية الله العظمى السّيّد الخوئي، وكذلك الشّهيد السّعيد آية الله العظمى السّيّد محمّد باقر الصّدر.

وقد وجدت في أوراقه (رحمة الله عليه) رسائل من الشّهيد السّيّد محمّد باقر الصّدر قدس سره له يكلّفه فيها ببعض الأعمال.

وينقل لنا الإخوة العلماء تلك العلاقات المتميّزة بينه وبين العلماء.

 بل كان (رحمه الله) مؤتمناً على المال عند العلماء، وكان يرسل ما يصله من أيدي الناس والحقوق وما شابه إلى الأعلام.

 وأذكر وأنا عاصرت هذه الحقبة أنّه كان يرسل المال إلى المراجع الثلاثة الذين لهم مقلّدون في بلادنا كالإمام السّيّد الخميني، والسّيّد الخوئي، والسّيّد الشّيرازي (رضوان الله عليهم أجمعين).

ولكن العلاقة المميّزة التي ربطته بآل الشيرازي، هي علاقة قديمة تبدأ بكربلاء.

وقد نقل لي آية الله العظمى المرجع السّيّد صادق (حفظه الله) أنّه رأى الوالد مع أبيه الميرزا مهدي الشّيرازي.

وكان الوالد ينقل لنا ونحن في القطيف صغار الكتب الدينية التي كانت تصدر في كربلاء، مثل (سلسلة المعصومين) وكتب التّاريخ الصّحيح، والكتب الدراسيّة التي كانت تدرّس، والمجلاّت التي كانت تصدر هناك.

وكان للوالد علاقة مميّزة مع الإمام الرّاحل السّيّد محمّد الشّيرازي قدس سره، ومع أخيه آية الله الشّهيد السّعيد السّيّد حسن الشّيرازي قدس سره.

وهذه العلاقة المميّزة هي التي حبّبتنا أن ننتقل من النجف إلى الكويت للدّراسة والتّتلمذ على يد هذه الأسرة المباركة.

 

كلمة الختام:

 سماحة الشيخ هل لديكم كلمة أخيرة توجّهونها حول الشّهيد السّيّد حسن الشّيرازي؟

الكلمة وطبعاً الحدث هو أكبر من الكلام، والعمل الذي قام به السيد (رحمة الله عليه) هو الموقف الذي يتجسّد في حياة رجال الدّين والعلماء العاملين.

كانت شخصيّة السّيّد ذات أبعاد متعدّدة، ففي بعدها العلمي كان مجتهداً، وفي بعدها الفكري كان كاتباً، وفي بعدها العملي كان مؤسّساً.

وفي حماسته وفي شعوره لألم الشّيعة كان أيضاً الرّجل الثّائر.

 

القدوة الحسنة:

والعلماء أو رجال الدين أو الطلبة أمثالنا حقيقةً إذا أرادوا أن يجسّدوا أمامهم شخصيّة يستهدون بهديها، ويأخذون منها ويقبلوها لهم كشخصيّة كبيرة، يجعلون أمامهم شخصيّة الشّهيد السّيّد حسن (رحمة الله عليه)، ويحاولوا أن يجسّدوا تلك المناقبيات التي جسّدها، وتلك الأعمال التي قام بها.

والنّقطة الثّانية أنّ السّيّد الشّهيد قدس سره كان مشروعاً لنصرة الشّيعة في العالم، وفي بلده خصوصاً، وعلينا أن نحمل هذه الرّسالة، وعلينا أن نؤدّي هذا الدّور.

 الذين يسيرون اليوم على نهج السّيّد الشّهيد عليهم أن يعرفوا أنّ القضيّة هي التي تجعل من الأشخاص لهم قيمة ولهم مكانة وأيضاً لهم حضور في ساحة الفعل.

 واجترار الماضي وربّما افتعال الصراعات مع هذا أو ذاك لا يجدي نفعاً، وإنّما الذي يجدي النّفع هو حمل الراية الكبرى لهذه الأمّة، وهي حمل قضيّة الإسلام، وحمل قضيّة الشّيعة، وتأسيس المؤسّسات الخيرية والفاعلة في هذا الوجود.

 

الشهيد دروس وعبر:

وأيضاً من وحي سيرة الشّهيد أركّز على ضرورة أن تكون للدّوائر الشّيعيّة سواءً كانت مرجعيّة أو علمائيّة علاقات مع الآخرين ومع الأطراف الأخرى.

 أولاً لإيصال الرسالة التي نريد أن نبلّغها للناس، وهذه الدّوائر قد تكون سياسيّة، وقد تكون فكريّة وربّما تجهل عن الشّيعة، أو تجهل عن مطالبه.

 فعندما نتواصل معهم علاقاتياً كما كان الشهيد يصنع نوصل إليهم رسالتنا، وما نريد ونعرّفهم بأنفسنا من خلال أنفسنا، لا من خلال التّقارير التي يكتبها الأعداء، أو من خلال سوء الظّن الذي يسود الآخر منّي أو من الطّائفة.

فالعلاقات أراها مهمّة وضروريّة جداً، كما أنّ العلاقات تفتح آفاقاً كبيرة للعمل الدّيني الذي نحمل نحن مشروعه.

 فمن خلال العلاقات يمكن ترسيم المؤسّسات، ومن خلالها يمكن فتح المؤسّسات، ومن خلالها يمكن أن نحصل على إمكانيّات كبيرة لمشاريعنا الدّينيّة.

ويجب أن ننشط في هذه العلاقات، لا أن تبقى في الخفاء، حتى تعرف القاعدة التي تحاكم العالم على علاقاته، تعرف أنّ هذه العلاقات إنّما هي لمصلحة الطّائفة، ولمصلحة المذهب، ولمصلحة الإنسان الموالي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.