|
لقاء مع الشيخ ناصر الأسدي
اللقاء: التاسع عشر. الشخصية المحاورة: الشيخ ناصر حسين الأسدي (العراق). المكان: مكتب إحياء التراث، دمشق، السيدة زينب عليها السلام. التاريخ: 17/9/2005م ـ 12/شعبان/1426 هـ.
تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه وآله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام. وبعد: فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). يسرّنا في هذا اللقاء الجديد من سلسلة لقاءات حول الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره أن نقوم باستضافة أحد أعلام الأدب والفكر والبيان، وأحد أساتذة الحوزة العلمية الزينبية، والمشرف العام على «مضيف الحوراء زينب عليها السلام، وأحد الأساتذة في حوزة كربلاء المقدسة ألا وهو صاحب السماحة والفضيلة العلامة المجاهد الشيخ ناصر حسين الأسدي (حفظه الله).
نبذه من حياة الضيف المحاور: ولد سماحة الشيخ الأسدي في كربلاء وذلك عام (1955م)، نشأ وتربّى في هذه المدينة، دخل في مدارسها حيث أنهى الثانوية الأكاديمية، وبعد ذلك التحق بالسلك الحوزوي حيث درس على يد كل من الشيخ جعفر الرشتي الأدب العربي، وعلى يد السيد محمد علي الطبسي الفقه، وعلى يد آية الله العظمى الإمام المجدّد الراحل السيد محمد الشيرازي (أعلى الله مقامه) درس لديه الفقه ومقداراً من الأصول، ودرس لدى السيد المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بعضاً من الفقه والأصول في بحث الخارج.
الهجرة إلى الكويت: وفي عام (1975م) هاجر كربلاء المقدسة متوجّهاً إلى الكويت حيث التحق بحوزة «مدرسة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله» التي أسّسها الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي (أعلى الله مقامه).
في قم المقدسة: في عام (1980م) التحق بحوزة قم المقدسة حيث درس على يد كل من الإمام الراحل والسيد المرجع وعلى يد آية الله الشيخ الاعتمادي كتاب الرسائل، وحضر بحث الخارج عند الشيخ الوحيد الخراساني، وحضر في الأدب العربي عند المرحوم الشيخ محمد علي المدرّس الأفغاني.
في سوريه: وفي عام (1992م) انتقل إلى سورية حيث التحق بالحوزة العلمية الزينبية المباركة، ودرّس فيها أستاذاً في مادة الفقه كتاب (المكاسب المحرمة والخيارات)، وشرح (مختصر المعاني)، إضافة إلى تأسيسه للحوزة الزينبية القسم النسائي وذلك بمعيّة عائلته، وكان سماحته المشرف العام على «مضيف الحوراء زينب عليها السلام».
العودة إلى العراق: انتقل بعد سقوط النظام البائد إلى العراق وبالأخص إلى مدينة كربلاء المقدسة حيث يعمل مدرّساً وعضواً في مكتب السيد المرجع الآية العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، والمشرف العام على الحوزة النسائية في مدرسة ابن فهد الحلي، ومشرف على الحوزة النسائية ومركزها «مدرسة حافظات القرآن الكريم».
في كربلاء المقدسة: ● ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ متى بدأت؟ وكيف استمرت؟
فتعلّق به قلوب كل الطلاب، ومن تلك الزيارات عرفنا هذا الشهيد، وتعلّقنا به، وبعد تلك المرحلة حيث كنا في المتوسطة عرفنا شخصيته أكثر ولمع اسمه في بعض المهرجانات الضخمة، وفي نضاله ضد حزب البعث والحكومات التي سبقت حزب البعث من الحكومات القومية المنحرفة التي حكمت العراق، ومنذ ذلك الحين عرفنا هذا السيد الشهيد وتعلّقنا به.
عظمة الشخصية: ● ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد؟ كان ذا جاذبية كبيرة لمن يلتقي به، فالذي يلتقي بالشهيد مرة واحدة، كان يتعلّق به تعلّقاً كبيراً، وكان الشهيد يدخل قلبه عنوةً، ويهيمن على عواطفه، كان دائماً مرتّباً جميلاً معطراً، رقيق الكلام، يحترم الطرف المقابل، ويحاول أن يسدي نصيحة سريعة ولو خلال ثواني في وسط الطريق، فكانت شخصيته ذات جاذبية كبرى، وكل من التقى به ولو لمرة واحدة تأثّر به تأثّراً كبيراً.
أساتذة الشهيد:ٍ ● على يد من تتلمذ الشهيد؟ ومن هم تلاميذه؟ وما هي مستوياتهم العلمية؟ بالنسبة إلى أساتذة الشهيد (رضوان الله عليه) لم أكن في تلك المرحلة لأعرفهم، ولكني أعلم أن أساتذة الإمام الراحل المجدّد الثاني (رضوان الله عليه) جلّهم تتلمذ لديهم الشهيد السيد حسن، والإمام المجدّد كان أخاه الأكبر، وكان أيضاً موجّهاً ومربيّاً ومدرّساً للشهيد السيد حسن.
لقاءات لا تنسى: ● انقلوا لنا بعض القصص والخواطر التي تخصّ الشهيد في مختلف جوانب الحياة؟ التقيتُ به في لقطات تاريخية في سجن أبو غريب: اللقطة الأولى التقيتُ به في سجن أبو غريب بعد اعتقاله، وكنتُ ممثّلاً لزملائي، وكان الناس في مختلف أنحاء العراق يزورونه بصورة جماعية وفردية، وأتذكر أنّ اللقاء كان في يوم الاثنين عام (1970م)، ومن الممكن في الشهر الثاني أو الثالث من نفس العام، إلتقيت به في السجن وتأثّرت به تأثّراً كبيراً حينما رأيته متغيّراً تغيّراً كبيراً، ودخلنا عليه وقد لبس دشداشة عربية وقلنسوة، وقبّلنا وجهه ويده، وكان متغيراً في شكله وآثار الضعف والتعذيب بادية عليه، والناس كانوا عندما يرونه يتأثّرون به ويريد معظمهم اللقاء به. فهذه لقطة. في الكويت:
في مكة المكرمة: وإلتقيت به وهو محرم في المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأظنّ أنه كان في عام (1966م)، علماً أنّه هو الذي أسّس بعثة الإمام الشيرازي قدس سره، فكان الشهيد هو مسؤول البعثة ومديرها، فالتقيت به هناك، حيث ذهبت إليه وسلمت عليه وقبّلت يده وسألته عن بعض المسائل الفقهية، ولم أره بعده مطلقاً.
أسلامياً في الصميم: ● لكل مفكر قيم، ولكل مفكر مبادئ يرتكز عليها، فما هي الطموحات والأهداف التي كانت يرتكز عليها الشهيد؟ الشهيد كان ذائباً في المبادئ والقيم الإسلامية، وكانت هذه القيم هي همّه والتي هيمنت على مشاعره ومبادئه ومناهجه، وكان يريد أن يرى الإسلام حياً مطبقاً في الواقع الخارجي وبعض كتبه دليل على ذلك، فمن كتبه الرائعة القيّمة، والتي للأسف لم تأخذ مداها لعدم التركيز عليها، وعدم نشرها في المستوى المطلوب، هو كتاب (الاقتصاد)، وأنا درست هذا الكتاب ودرّسته في الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة قبل الهجرة من العراق، فهو كتاب رائع جميل، وبالمناسبة صدر هذا الكتاب قبل صدور كتاب (اقتصادنا) للشهيد الصدر (رضوان الله عليه)، أي أنّ الشهيد السيد حسن كان المبادر في الكتابة عن الاقتصاد الإسلامي. وأرى أنّ هذا الكتاب يصلح بأن يكون موضوعاً للبحث لنيل شهادة الدكتوراه.
مع المذاهب الأقتصادية: وهذا الكتاب يتناول بالبحث والتنقيب المدارس الاقتصادية المادية وعلى رأسها المدرسة الرأسمالية والمدرسة الماركسية، ثم يتكلم حول الاشتراكيات المختلفة، اشتراكيات عوجاء لم تنتج لمجتمعاتها غير المضاعفات السيئة والتخلف والفقر، ثم يأخذ بالبحث حول الاقتصاد الإسلامي.
مصادرة الكتاب: وطبعاً الحكومة البعثية في العراق صادرت هذا الكتاب، وكتبه الشهيد مرةً أخرى، فقد كُتب هذا الكتاب مرتين، المرة الأولى كان بصورة مفصّلة وأدق، وفي المرة الثانية لكثرة مشاغله كتب الكتاب بصورة موجزة عن الكتاب الأول، فهو كتاب جميل رائع يدعو إلى تطبيق نظام الإسلام في الاقتصاد. والشهيد كان هدفه إحياء قيم الإسلام، وإحياء الأخوّة، وإحياء الشورى والديمقراطية المشروعة، واحترام الرأي الآخر، وضمان الحريات الإسلامية الواسعة للشعوب، وضمان التعدّدية للمجتمعات، وكان يعتقد أنّ الإسلام هو القادر على إنقاذ الأمم وإنقاذ شعوب الأرض كلها. فهذه القيم هي التي كانت تؤرّق ليله وتستفزّه للكفاح والنضال والجهاد في سبيلها، وله آلياته الخاصة في الدعوة إلى هذه المبادئ السامية.
القلب الرحب: ● هل كان الشهيد قدس سره يحمل هموماً أو آلاماً تجاه العالم الإسلامي؟ حسبما سمعت عنه وقرأت عنه، كان الشهيد يعمل لأفريقيا، وكان يعمل للعراق، وكان يعمل لمصر، وكان يعمل للبنان، وكان يعمل لأفغانستان، وكان يعمل لسورية، وكان يعمل لتركيا، وكانت له جسور ممتدّة إلى داخل تركيا، وكان يسافر إلى بلاد الغرب، ويحاول أن يمدّ الجسور هناك مع بعض الجاليات الإسلامية ويعمل لها. لقد كان الشهيد أممياً، لم يفرّق بين عربي أو فارسي أو أبيض أو أسود، وكان رجل الأمة الإسلامية ورجل الإنسانية.
تعاون على البر: ● من هم أصدقاء الشهيد؟ من كان أعوانه في أعماله؟ الشهيد غالباً كان يلتقي بعليّة القوم في كل بلد، كان يحاول أن يمدّ الجسور معها، من قيادات سياسية، وقيادات اقتصادية، وقيادات علمائية.
في العراق: الشهيد مثلاً في العراق كان معه علاقة مع كثير من شيوخ العشائر المحترمة منهم الشيخ ضاري الفيّاض (رحمة الله عليه) الذي اغتيل قبل شهرين في العراق، فهذا الرجل التقى بالشهيد السيد حسن في السجن، وخارج السجن، وكان مغرماً جداً وموالياً للشهيد ووفياً معه. ومن أصدقائه من شيوخ العشائر الشيخ سامي آل معجون الشيخ المجاهد وهو اليوم في العراق، ومعروف بوطنيته ونضاله في العراق ضدّ الطغمة الحاكمة في العراق سابقاً.
في بلاد الشام:
عموماً كان مع خط العلماء يحترم كل الخطوط، ومع الخطوط السياسية يحترم كل الخطوط التي لا تخالف الإسلام كالخطوط الوطنية، وكان يحترم شيوخ العشائر ووجهاء العشائر.
ربيب الأخلاق السامية: ● في أيّ بيئة تربّى الشهيد؟ وكيف كان تعامل الأسرة الشيرازية مع الشهيد بدءاً من والده الميرزا مهدي وأخيه الإمام المجدّد؟ المطلعون على تاريخ الأسرة الشيرازية يعرفون أنّ هذه الأسرة تتعامل مع القيم الأخلاقية السّامية مع عموم الناس ومع أفراد الأسرة بوجه خاص، ومع الطبقات الخاصة في المجتمع. والشهيد (رضوان الله عليه) ربيب بيت المرجعية، ووالده الإمام الميرزا مهدي الشيرازي قدس سره كان مضرباً للأمثال، ولا زال هناك رجال من الشيبة من كبار السن الذين التقوا بالميرزا مهدي الشيرازي قدس سره يذكرون عنه ما يذكر عن الأئمة عليهم السلام وأولياء الله، والشهيد (رضوان الله عليه) كان في بيت يحترمه ويحبّه ويرعاه، وربّاه والده وأخوه الأكبر وأساتذته تربية قيمية نموذجية، وظهرت هذه التربية وآثارها في تعامل الشهيد مع الناس.
شعور بالواجب: وذات مرّة دخل الشهيد منزل أبيه في كربلاء المقدسة في أيام موسم الحج، وقال: حدثت لديّ شبهة أنّ الحج واجب عليّ. والاحتياط في هذه الشبهة أن يحج، وإن لم تكن الشروط متوفرة فيه، والدته (رضوان الله تعالى عليها) لم تكن مقتنعة بتوفر الشروط، فقالت: لا ليس الحج واجباً عليك، فتدخل والده الميرزا مهدي (رضوان الله تعالى عليه) وقال: إذا يريد الحج فما المانع أن يحج. وشجّع الشهيد السيد حسن بالذهاب إلى الحج، فقرّر الشهيد وكان الوقت وقت الظهر أن يسافر إلى الحج، فذهب ونسّق مع بعض قوافل الحج وفي صبيحة اليوم الثاني (أي أنّ في أقل من 24 ساعة حدثت الشبهة في نفسه)، قرّر وانطلق بالسفر إلى الحج.
الزهد الباهر: ● مع أنّ الملايين من الأموال كانت تصل بيده كيف كان يعيش زاهداً حتى أنّه لا يملك أجرة التاكسي؟
وكانت المسافة بعيدة لعلّها تصل أكثر من كيلو متر ونصف، فخجل الحاج الركابي من الشهيد ورضي بالطلب، فبدءا يمشيان إلى أن وصلا إلى المكتب، وحينما وصلا إلى هناك سأل الحاج الركابي من الشهيد: لقد صرفنا وقتاً وأرهقنا أنفسنا لو كنا نستأجر سيارة تكسي ونأتي إلى المكتب لكان أفضل. فقال الشهيد: تريد الواقع والحقيقة إنني لم أكن أملك أجرة التاكسي. الشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) كانت الأهداف والقيم هي التي تحدوه، ولم يكن يفكر بوضع حجر على حجر ولا بمطعمه ولا بملبسه وسفرات الترفيه وأمثال ذلك، لأنّ الأهداف العليا السامية هي التي كانت تحدوه، وكان يناضل في سبيلها ليل نهار.
المهرجان السياسي العالمي: ● ماذا كان دوره في احتفالات (13 رجب) بمناسبة مولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة كربلاء المقدسة؟ أتذكر أنه في عام (1968م) أو (1969م) التي كانت تنعقد فيها تلك الاحتفالات وتلك المهرجانات، فإنها كانت مهرجانات سياسية ضخمة، وكان القرار في هذه المهرجانات للمرجعيات العليا، وكان المرحوم الميرزا مهدي الشيرازي قدس سره بالتنسيق مع الإمام السيد الحكيم قدس سره هو الذي كان يرعى تلك المهرجانات الضخمة في كربلاء المقدسة، ومهرجان الإمام الحسين عليه السلام في مدينة النجف الأشرف.
حضور غفير وأدب رصين: و هذه المهرجانات كان يحضرها في ذلك الوقت حوالي (50 ألفاً) من المستمعين والضيوف، وكان الوزراء وسفراء الدول الإسلامية عموماً من الحاضرين، وكان وجهاء العراق وشيوخ العشائر والشخصيات المهمة من الداخل والخارج من المشاركين يشتركون، والشهيد السيد حسن الشيرازي (رضوان الله عليه) كان هو النجم اللامع في هذه المهرجانات، وكان اسمه متألّقاً، والجميع ينتظرون خطابه وقصائده الرنّانة التي كانت تتحدث عن الوضع العراقي آنئذ، وكانت قصائد سياسية، موجّهة ضد الحكومات الجائرة، وكانت تهيّج الناس وتثيرهم، وتعطيهم الوعي، وتصبح حديث المجالس في الأيام التي تلي المهرجان. وأنظر إلى أسلوبه وأدبه الشجاع، فكان يقول متحدياً للمدّ الأحمر ومتحدياً للبعثيين والقوميين وأمثالهم: واسحق جباه الملحدين مردّد اًلا السجن يرهبني ولا الإعدام وكان يقول: زعيمنا الكرار لا ميشيل لا ماركس لا القسيس ولا الحاخام وفي قصيدة أخرى يقول: أرض العراق مجازر ومآتم والرافدان مدامع ودماء وفي كل عام كانت الجماهير تنتظر خطاب الشهيد وقصيدته الجديدة الرائعة التي كانت تهز الساحة آنئذ.
جهاد الشهيد: ● ماذا كانت ملابسات اعتقال الشهيد؟ وما هو دور الإمام المجدّد في إنقاذه من السجن؟ في الواقع كان الشهيد السيد حسن قدس سره رمزاً لامعاً من رموز الدرجة الأولى في العراق، والكل يعرف هذا الأمر، ففي الستينيات كان من هذه الرموز ، وكانت مواقفه السياسية تثير الحكام الطغاة، وخصوصاً البعثيين العفالقة .
انقلاب العفالقة:
فكانوا يخشون من حركة الشهيد السيد حسن الشيرازي (رضوان الله عليه) و من خطاباته وكتاباته وقصائده التي كانت تحفظ وتنتشر كالنار الهشيم في الجماهير العراقية، فألقوا القبض عليه لكي يواجهوا مدّ المرجعية في العراق كمرجعية الإمام الحكيم قدس سره الذي كان المرجع الأعلى في العراق، فكان هؤلاء يريدون باعتقال الشهيد السيد حسن تقليم أظفار المرجعية في العراق، وكانوا يريدون من الشهيد تحت التعذيب أن يعترف بأنّ الإمام الحكيم وحوالي خمسين عالماً وفقيهاً في العراق ومنهم الإمام الشيرازي (رضوان الله عليه)، ومنهم السيد المرجع السيد صادق الشيرازي (حفظه الله)، وعلماء في النجف الأشرف وفي كربلاء المقدسة، أن يعترف بأن هؤلاء مرتبطون بالمخابرات المركزية الأمريكية وبنظام الشاه في إيران.
صبر العلماء: ولو كان يعترف الشهيد بذلك لكانت ضربة كبيرة للمرجعية والعلماء وكان سبباً في اعتقال الكثير، وبالأخص على الشهيد آية الله السيد محسن الحكيم (رحمة الله عليه)، وكانوا يريدون من الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره بأن يعترف بأنّه جاسوس لكي يلقوا القبض عليه ويعدموه، لكن الشهيد فقد قاومهم. وإلقاء القبض على الشهيد السيد حسن الذي يعتبر أول من أعتقل من العلماء بعد انقلاب 17 تموز، وهم بذلك كانوا يريدون التمهيد للقضاء على المرجعية وعلى الحوزات العلمية وعلى مرور الزمن صعّدوا ذلك بنسبة معينة.
الشهيد وأنواع التعذيب: فالشهيد السيد حسن قاومهم ولم يعترف بذلك، وحينما خرج من السجن وعجزت الحكومة البعثية من إعدامه بضغط الأمة الإسلامية من مختلف أنحاء العالم وردت آلاف البرقيات الاستنكارية على رئيس الجمهورية آنذاك أحمد حسن البكر، حيث تستنكر اعتقال الشهيد السيد حسن، فحينما عجزوا على استحصال الاعتراف منه، وأجبروا على إطلاق سراحه، كان الشهيد يذكر أساليب تعذيبه، فقد عذّب أكثر من خمسين نوعاً من أنواع التعذيب، وذكرت هذه الأنواع في كتاب (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) للإمام الراحل المجدّد الثاني، حيث ذكرت فيه هناك تفاصيل التعذيب وأنواعه.
الرئيس البائد: والشهيد السيد حسن عندما خرج من السجن آنئذ لم يكن اسم السيد صدام معروفاً ولامعاً في العراق حيث كان سرّاً يدير المخابرات ويدير مفاصل السلطة وآنئذ فلم يسمع احد باسمه، فكان الشهيد يقول: هناك ضابط يدير شؤون الحكومة العراقية اسمه صدام حسين. وكان حسن البكر هو رئيس الجمهورية، ولكن الأصل كان صدام حسين، وكل ما وقع في تلك المرحلة يتحمل مسؤوليتها صدام حسين الرئيس البائد.
تربص البعثيين: ● ما هي الأسباب وراء اغتيال الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره؟
فكان قدس سره في طريقه لإحياء مهرجان ذكرى الشهيد الصدر الأول بمناسبة مرور سبعة أيام، أي أن أسبوع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) الأول كانت استشهاد السيد حسن (رضوان الله عليه).
أعراض عن الضالمين: ● كيف كانت علاقاته بالحكومات سواءً في لبنان أو في سورية أو في بلاد أفريقيا أو في العراق؟ بالنسبة لحكومات العراق كان موقفه المعارضة المطلقة لعموم حكامه لأنّ هؤلاء كانوا طائفيين وكانوا طغاةً وظلمة، وأمّا بالنسبة إلى الحكومات الوطنية فكانت علاقته علاقة القيم، فكان معارضاً عنيداً للشاه في إيران لأنه كان عميلاً للأمريكان، ومعارضاً للبعثيين في العراق، وبالنسبة إلى بلاد أخرى كان يحاول أن يفتح علاقات إيجابية في سبيل تحقيق السير نحو أهدافه السامية.
الوصية التاريخية: ● كيف فكّر الشهيد في إنشاء الحوزة العلمية في سورية؟ سمعت من بعض أساتذتنا الأعلام في الحوزة العلمية الزينبية أنّ الشهيد قد نقل لهم أنّه في طريقه للحج برفقة والده الإمام الراحل السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدس سره حينما جاؤوا وزاروا سيدتنا بطلة كربلاء عقيلة الهاشميين السيدة زينب عليها السلام هو وأبوه حيث كانا في حرم السيدة زينب عليها السلام، فتوجّه إليه والده قائلاً له: ولدي حسن إن ثنيت لك الوسادة ووافتك الظروف وتمكنت من تأسيس حوزة علمية في هذه المنطقة فافعل. فظلّت الوصية حيّة في ذاكرته وانتظر الفرصة المناسبة، فحينما هاجر من العراق بطريقة معيّنة، وبعد أن تلقّى العلاج في بيروت وعادت إليه صحّته نسبياً وجاء إلى سورية وتوفرت الظروف لتأسيس حوزة صغيرة آنئذ بذر البذرة الأولى ورعى هذه البذرة ونمت إلى عام (1980م) حيث التحق بالرفيق الأعلى، واستمرت الحوزة صرحاً علمياً شامخاً، وستدوم إن شاء الله وافرة العطاء، ومشعلاً ونبراساً للعلم في العالم الإسلامي.
الجهل والحسد أفتا المؤسسات: ● ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟
والشهيد السيد حسن عارضه بعض الرجال لا أعرف لأيّة دوافع، ولكن الشهيد قد بذل كل جهرة حتى تمكن من تأسيس هذه الحوزة وتنميتها إلى هذا اليوم، فهذا عائق، وهناك بعض الجهات حاربته في هذا الأمر، والعائق الآخر هو الفقر الشديد، لأنّ الشهيد السيد حسن من الصفر أعطى الكثير، ومن الصفر تمكّن أن يبني هذه الحوزة، وقال كلمة رائعة في إسناد هذه الحوزة: سأؤسس هذه الحوزة وأناضل في سبيلها حتى لو أدّى ذلك إلى استشهادي. وفعلاً ناضل وقاوم وحلّ مشكلات هذه الحوزة بكثير من الجهود والمتاعب والمصاعب، ووفّقه الله، وما كان لله ينمو.
مساجد في كل مكان: ● أذكروا لنا بعض نشاطات الشهيد في مختلف القرى والمدن في سورية ولبنان، بدءاً من تأسيس المساجد والحسينيات وغيرها من المؤسسات؟ كان (رضوان الله عليه) يعتبر التأسيس من وسائل الإصلاح ومن وسائل النهضة في الأمة الإسلامية، فالمسجد أو الحوزة أو المستوصف أو المشروع الخيري والمشروع الإنساني والمشروع الثقافي والمشروع التربوي والاجتماعي مصاديق في نهضة الأمة ونهضة الشعوب. في سوريا: فالشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) أسّس مساجد في أنحاء مختلفة من سورية، وهناك مؤسّسات ساندها، ولقد زرت جامع الإمام الصادق عليه السلام في اللاذقية بمنطقة الزقزقانية الجامع الذي كان المرحوم الشيخ فضل غزال يصلي فيه، ورأيت بعض آثار الشهيد السيد حسن، وكان الشيخ فضل غزال من المتأثرين بالشهيد السيد حسن ومن أصدقائه، فرأيت بعض الفراش المفروشة هناك مكتوب عليها أنها بجهد وتوجيه سماحة آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره، وجيء بهذه الفراش تبرعاً للجامع، فعلى كل حال كان يساند كثيراً من المشاريع المتعدّدة لديه في سورية. وفي غير سورية كان الشهيد السيد حسن ينظر إلى المؤسسات العلمية نظرة استراتيجية، ففي سورية أسس الحوزة العلمية الزينبية، وهذه صارت منطلقاً حيث تفرعت حوزات ومدارس ومؤسسات كثيرة عن هذه الحوزة، وفي لبنان أسّس حوزة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ولكن ظروف الحرب اللبنانية الداخلية، والظروف الصعبة هناك لم تساعد على نمو المشروع، وقد استمر أربع أو خمس سنوات، وأنتج نخبة جيدة من الخطباء والعلماء، وبعضهم اليوم وكلاء وعلماء في مناطقهم. وأسس حوزة علمية في سيراليون في أفريقيا، ولا زالت الحوزة هناك قائمة، و العمل الحوزوي مستمراً.
جسور المحبة: ● كيف تمكن الشهيد من توطيد العلاقة بالعلويين الشيعة على الساحل السوري؟
لولا الأجل لأكمل المسيرة: ● ماذا كانت أفكار الشهيد بالنسبة إلى خمسة وعشرين مليون علوي في تركيا؟ سمعت من بعض علماء العلويين الذين كان الشهيد ينسّق معهم أنه كان يخطّط لامتداد حركته إلى تركية، وكان يبعث بعض العلماء العلويين إلى تركية ويحمّلهم الكتب والرسائل، ويحمّلهم الهدايا، ويحاول أن يسدي خدماته الثقافية والتربوية والعلمية لهؤلاء، ولكن الأجل قد وافاه، ولم يوفّق لإكمال المسيرة.
صدقات بلا حدود: ● كيف كانت علاقته بمختلف المذاهب والأديان كالسنة، مسيحية، وغيرهم؟ الشهيد السيد حسن كانت موازينه إنسانية، ويحترم كل إنسان، الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول في عهده لمالك الأشتر: «الناس صنفان إما أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخلق». فالناس كلهم إخوة إلا العدو الذي يشهر في وجهك السيف، فهذا عدوك فقط، وأما الآخرون فإنهم إخوة، فالشهيد كانت له علاقات وطيدة مع الشخصيات المسيحية، ففي بعض كتبه هناك كتّاب وأدباء مسيحيون كتبوا مقدّماتها، كالأديب المسيحي جورج جرداق في مقدمته على كتاب (العمل الأدبي)، وهناك علماء سنة كانت علاقته وطيدة وحميمة معهم منهم مفتي الديار السورية الشيخ أحمد كفتارو، ومفتي دمشق الشيخ بشير عيد الباري، ومع عموم العلماء كانت علاقته إيجابية سواءً كانوا مسلمين شيعة أو غير شيعة، أومسيحيين بل بمختلف الطوائف المسيحية، ومختلف المذاهب والأديان، وحتى الشخصيات السياسية العلمانية كان للشهيد السيد حسن علاقات إيجابية ووطنية معهم. ولم تكن تلك العلاقات علاقات شخصية بل كانت ملاقات من اجل القيم السامية.
قبور البقيع: ● ما هي تحرّكاته بالنسبة إلى إعادة إعمار قبور أئمة البقيع؟ وإلى أيّ مدى وصل إنجازه؟ الشهيد (رضوان الله عليه) كان يعتقد أنّ بقاء قبور أئمة البقيع مهدمة على هذه الحال الذي نراه اليوم إن دلّ هذا الأمر على شيء إنما يدلّ على ضعفنا وعلى تفككنا وعلى خوار إرادتنا، فكان يشعر بأنّ اللازم والواجب عليه أن يتحرك لبناء هذه القبور لأنها رمز لشخصيتنا وهيبتنا، وناضل في سبيل هذا الأمر نضالاً مريراً، وفتح علاقات مع حكام السعودية ومع علمائهم، ومهّد للقضيّة وأنضج الطبخة ووصلت إلى مرحلة التنفيذ، ولكن هناك بعضال الخلافات الداخلية حالت دون ذلك، ونحن أتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام السرطان المتفشي فينا هو سرطان الخلافات، فبعض الجهات الغير موافقة مع الشهيد السيد حسن الشيرازي اتصلت الحكومة السعودية بهم، فقالوا: نحن لا نعرف هذا الرجل. وما دعموا موقفه بعد أن نضجت الخطة وأشرفت على النهاية والبدء بالبناء، ولكن لم يؤيد من محاور شيعية من داخل الطائفة، فأجهض المشروع.
التفرغ للواجب: ● لماذا لم يتزوج الشهيد؟ الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) لم يتزوج لعلّه لسببين حسب تحليلي، فالسبب الأول كان مريضاً قد أرهقه المرض على أثر أنواع التعذيب في سجون العراق. والسبب الثاني أنه كان يرى أنّ الزواج يشغله عن أداء مهماته، وكان يحترق ويتألم وينطلق في أداء واجباته ومسؤولياته، ولم يكن يفكر بالزواج الذي كان يعتبره بنسبة معينة أنه يشغله عن أداء واجباته.
فكر وذكاء واستغلال للاوقات: ● كيف استطاع الشهيد أن يكتب هذه الكتب العميقة مع كثرة مشاغله ومع كثرة أعماله؟
فلا يضيع من وقته ولا دقيقة واحدة، ولذلك تمكّن بشخصيته المتميّزة وفكره الوقّاد وذكائه الخارق واستغلاله للأوقات أن يترك لنا هذا التراث العظيم والثمين.
قضية الأمة: ● كيف كان ينظر الإمام الشهيد إلى مقاومة العدو الصهيوني؟ وكيف كان ينظر إلى قضية القدس؟ وما هي مساهماته في هذا المجال؟ الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) كان يعتبر القدس قضية الأمة الإسلامية لا قضية الأمة العربية ولا قضية الفلسطينيين وحدهم، والواقع أن العدو ينظر إلى قضية القدس أنها قضية يهودية عالمية، فكل يهود العالم يجمعهم العدو للدفاع عن إسرائيل، فيلزم من هذه الجهة أن يعبئوا الأمة الإسلامية للدفاع عن قضية فلسطين وعن القدس، فالشهيد (رضوان الله عليه) كان يوجّه اقتراحاته القيادات الفلسطينية، وكان يتخذ موقفاً إيجابياً في مختلف المناسبات من البيانات والمهرجانات، وكان لديه أطروحة مكتوبة حول سبل إنقاذ فلسطين من أيدي الصهاينة، ويمكن لمؤسستكم «مؤسسة إحياء تراث الشهيد العظيم» أن تحصل على هذه الوثيقة التاريخية الهامة حول «نظرية الشهيد السيد حسن في كيفية تحرير القدس و فلسطين عموماً».
اتفاقية الكباتلسيوم: ● كيف كانت معارضة الشهيد مع حكومة الشاه في إيران؟ الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) وقف مع انتفاضة خرداد أي انتفاضة عام (1963م) ضد الشاه في إيران، والتي تسببت في سقوط حوالي ثلاثة عشر ألف شهيد مدافع عن الإسلام في إيران ضد اتفاقية إيرانية أمريكية أطلق عليها اتفاقية الكباتلسيوم، فالعلماء والحوزات والشعب عارضوا هذه المعاهدة، وانتفضت الجماهير في إيران، وآنئذ تصدّى الشهيد لإعلان المعارضة ضد الشاه، وبالتعاون مع أخيه الإمام الراحل (رضوان الله عليه) قاموا بحركة واسعة ضدّ الشاه وأرسلوا برقيات إلى كل رؤساء العالم استنكاراً على ما جرى من إراقة الدماء والمجازر في إيران، وقامت مظاهرات في العراق تأييداً لانتفاضة الشعب في إيران، وعموماً كان للشهيد دوراً إعلامياً وسياسياً في دعم انتفاضة الشعب في إيران. وعموماً كان يعتبر من المعارضين الأشدّاء ضد الشاه، وساند الثورة الإسلامية مساندة فعالة بالبيانات والخطب والمقالات وتحريك الأجواء والحركة الإعلامية الواسعة ضد نظام الطغيان نظام الشاه المقبور.
الأحترام المتبادل: ● كيف كانت علاقة الشهيد مع أخيه الأكبر الإمام المجدّد الراحل السيد محمد؟ كانت علاقة الابن مع أبيه يحترم أخاه احتراماً كبيراً، ولا يعصي له أمراً، وينفّذ القرارات التي تصدر من أخيه، وفي نفس الوقت كان يعتقد بأخيه اعتقاداً جازماً وكان الإمام الراحل أستاذاً للشهيد السيد حسن وفي نفس الوقت مرجعاً له، والإمام الراحل كان يوجّه الشهيد السيد حسن في مختلف الأمور.
الأخوة الصادقة: ● كيف كانت علاقة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي به؟ وما هو دوره في حركة الشهيد؟
دولة الأسلام:
●
ما هي أفكار الشهيد الإستراتيجية؟ وكان همّه هو هذا الأمر، وبعض كتاباته تدلّ على ذلك، حيث يقول حول العراق: ويل العراق فليله لا ينقضي حتى تقوم حكومة الإسلام فكان الشهيد (رضوان الله عليه) يهدف إلى هذا الأمر، ووسائله في ذلك وسائل حوزوية ووسائل سلمية وعن طريق الكتابة والإعلام وعن طريق التوجيه، وعن طريق العلاقات الودية مع سائر المسؤولين والشخصيات، فكان يحاول أن يسير في هذا الاتجاه.
التأليف، الأدب، المؤسسات، انقاذ للأمة: ● ما هي أطروحاته حول إنقاذ المسلمين من واقعهم المتخلف الذي يعيشون فيه؟
الأنقلاب الإسلامي: مضافاً إلى ذلك كان يعتقد بالعمل السياسي، لأنّ العمل السياسي من وسائل التغيير والمقصود العمل السياسي المشروع الإنساني السلمي، ومن الأعمال التي قام بها وهي من الأعمال الأساسية المهمة في العراق، وهذه القضية ذكرها لي أحد تلامذة الشهيد وهو المرحوم الشيخ قاسم الأسدي (رحمة الله عليه) بالتفصيل وبصورة وثائقية حيث يقول: إنّ الشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) بعد انقلاب البعثيين العفالقة عام (1968م) تمكّن أن يمدّ الجسور مع مجموعة من قادة الجيش من المعتقلين الذين يحملون روحاً وطنية في جنبهم، ونسّق مع هؤلاء لكي يرد انقلاب (17 تموز) بانقلاب وطني آخر، إلا أنّ الأمر قد اكتشف وعلى أثره اعتقل الشهيد.
وللضرورة أحكامها: لأنه بالفعل كان الشهيد يخطط لقلب الوضع في العراق كاملاً، والانقلاب ليس اسلوبا مفضلاً ولكن إذا كان عدوك لا يفهم غير هذا الأسلوب، ولا يفسح لك المجال، ويحرجك ويضطرك إلى إتباع هذا الأسلوب، فللضرورة أحكامها، فالشهيد السيد حسن كان يحاول تغيير الوضع في العراق نحو الوطنية ونحو حق الأكثرية ونحو الديمقراطية المشروعة، فبالكتاب وبالأدب وبالمؤسسات العلمية وبالتحرك السياسي والخطابات والحركة الإعلامية والمقابلات في الصحف، وفي مختلف وسائل الإعلام كانت وسائل له في إصلاح أوضاع الأمة الإسلامية.
قائد لكل المذاهب: ● ما هي علاقة الشهيد بالقمم الفكرية من مختلف الأديان والطوائف؟ عموماً كانت له علاقات إيجابية مع مختلف الشخصيات والوجهاء والعلماء والصحفيين والتجار، وهناك من اعتنق مذهبه وفكره من شخصيات مسيحية في لبنان وتأثّروا به، وشخصيات إسلامية عموماً تأثّروا به واعتنقوا مبادئه وأفكاره.
سلاحه الكلمة: ● كيف استطاع إقناع العلويين الشيعة بإعلان انتمائهم إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام؟ وسيلته المركزية كانت هي الكتاب والحوار، فقد أغدق عليهم بالكتب الكلامية والعقائدية والفكرية، وعقد معهم سلسلة طويلة من الجلسات الحوارية المفصلة من أول الليل بعد صلاة العشاء إلى آذان الصبح كان يحاورهم في مختلف أفكارهم، فأحدث فيهم حركة عقائدية.
الأسلام في أفريقيا: ● ماذا كان دور الشهيد في أفريقيا؟
إنّ تأثير الشهيد السيد حسن كان تأثيراً كبيراً جداً لأنه سافر إلى جزر القمر، وسافر إلى سيراليون، وإلى غينيا، والتقى برؤسائهم، والتقى بعلمائهم، وأسّس بعض المؤسسات عندهم، ومدّ جسور العلاقات مع بعضهم، واستقدم طلاب العلم إلى الحوزة وأثّر عليهم تأثيراً كبيراً.
الولاء المطلق: ● ماذا عن علاقات الشهيد بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام؟ كان يحمل روحاً ولائية عميقة، فقد ألّف كتاباً اسمه (الشعائر الحسينية)، وفي هذا الكتاب مقدمة مطوّلة حول فلسفة النهضة الحسينية، فقد كان الشهيد يعتقد أنّ الشعائر الحسينية هي وسيلة إعلامية فعّالة عاطفية وسلمية ومؤثّرة على كل العالم، ففي أيّ بلد من بلاد العالم إذا تمكنّا أن نقيم الشعائر الحسينية تمكنّا بالمقابل أن نؤثّر على شعب ذلك البلد، فالشهيد كان ولاؤه عميقاً لرسول الله صلى الله عليه وآله ولأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام، وألّف كتباً حول رسول الله صلى الله عليه وآله، فموسوعة الكلمة أبرز شاهد، فكتاب (كلمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله) مثل كتاب (نهج البلاغة)، ولكن (نهج البلاغة) جمعت فيه كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، و(كلمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله) جمعت فيه كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله الأدبية والحكمية الرائعة، فالشهيد كان يعتقد بضرورة إحياء ذكريات رسول الله صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام، وإحياء هذه الذكريات بالشعائر الحسينية، وهذه الشعائر الحسينية هي وسائل تبليغ فعّالة على الشعوب.
ينصر المظلوم ويأوي الضعيف: ● ما هو دور الشهيد في نصرة الشعب العراقي المظلوم بعد هجرته إلى لبنان؟ الشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) حينما هاجر إلى لبنان كانت مرحلة تأسيسية في لبنان، ومرحلة تأسيسية في عام (1973م) في سورية، فكان مثقلاً بكثير من المسؤوليات إلا أنه استطاع أن يحتوي الجالية العراقية ويحتوي الهاربين من جحيم البعث العفلقي في العراق، فكان يلتقي بهم ويؤويهم ويحلّ مشكلاتهم ويساندهم، ويحاول أن يقوم بدور إعلامي خفي لأنّ أجهزة العفالقة في لبنان كانت أجهزة قوية في تلك المرحلة وما بعدها، وكان يحاول عن طريق العمل السري من تنظيمات وعقد العلاقات مع رؤوس المعارضة، ويحاول أن ينمّي قضية المعارضة في العراق للإطاحة بنظام الظلم في بغداد.
حكومة الحريات الإسلامية: ● ما هي نظرة الشهيد للشكل الذي يجب أن تكون عليه الحكومة في العراق؟ الحكومة يجب أن تكون منطلقة من المبادئ والقيم الإسلامية، والإسلام يلزم أن يكون المصدر الأساسي للتشريع في العراق، فإذا أصبح الإسلام مصدراً رئيسياً للتشريع، فللأقليات كامل حقوقهم وللجهات السياسية كامل حقوقها، وللشعب كامل حقوقه في الحريات الواسعة، وكل إنسان يعرف الواجبات التي عليه ويعرف حقوقه كاملة، فيكون العراق بلداً نموذجياً في الديمقراطية المشروعة والتعددية والحريات الواسعة، ويكون بلداً نموذجياً يحتذي به الآخرون في بلادهم.
المرجعية والتنظيمات السياسية: ● ما هي نظرة الشهيد إلى دور المرجعية الشيعية في الأمة؟
ففي هذا الكتاب (كلمة الإسلام) الشهيد لا يرتضي الأحزاب الإسلامية، ولكن في مقابلة له ذكرت في الكتاب الذي صدر عن حياته يقول: نحن نرتضي التنظيم، ونرتضي الحزب لو كان مرجعياً وتحت راية المرجعية لأن الحزب والتنظيم الوسيلة السياسة التي تقود، لأنّ المرجعية هي التي تقود جهاز المرجعية ولا تدير الدولة، فالأحزاب والتجمعات هي التي تدير الأمة، فهذه الأحزاب يلزم أن ترتبط بالمرجعية والتجمعات السياسية كلها يلزم أن تكون كذلك، وآنئذ يصير النظام إسلامياً. والشهيد كان يرى أن المرجعية هي القمة، وهي الأصل، وهي الموجّه الرئيسي للأمة.
بعثة الحج الدينية: ● ماذا تعرفون عن ترأس الشهيد لبعثة الحج لممثلية أخيه السيد المرجع آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي قدس سره إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة؟ الشهيد (رضوان الله عليه) هو المؤسس لبعثة أخيه سماحة آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره وذلك في عام (1967م) حسب ما أتذكر في مكة المكرمة، وكان الشهيد في كل عام يذهب إلى الحج ويفتتح هذه البعثة، ويستقبل الشخصيات، وكان يتواجد دائماً في البعثة رموز وعلماء كبار وشخصيات سياسية واجتماعية ووجهاء وشيوخ عشائر وأساتذة حوزات، وكان (رضوان الله عليه) في بعثته يحاول أن ينشر الكتاب، ويحاول أن يعقد الاجتماعات المفصّلة، ويحاول أن يقوم بنشاط إداري واسع وكبير، وكان يفتح علاقات مع شخصيات سعودية وشخصيات من مختلف العالم الإسلامي، وكان يستضيف في البعثة شخصيات علوية وشيعية، علماً أنّ العلويين فرع من الشيعة ومن ضمن البيت الشيعي، فكانت بعثة رائعة في التحرك، وكان من أعمال البعثة مساعدة رجال الدين، ومساعدة المنكوبين في الحج، أو أبناء السبيل الذين ضاعت وسرقت وتلفت أموالهم، وأسس الشهيد (رضوان الله عليه) برنامج التقسيمية، فالآن هناك برنامج التقسيميات في بعثات المراجع، فأول من بدأ بهذه التقسيمية هو الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره في مكة المكرمة. وفي الحقيقة كانت البعثة بعثة رائعة، وكان الأستاذ الفاضل حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جعفر الهادي (حفظه الله) أحياناً عضواً في هذه البعثة، والمرحوم المجاهد الشيخ قاسم الأسدي قدس سره كان في بعض الأحيان ضمن هذه البعثة بل ضمن كوادرها، وكان المرحوم المجاهد السيد علي الفالي قدس سره من أعضاء هذه البعثة، والأستاذ الفاضل حجة الإسلام والمسلمين السيد محسن الخاتمي كان ضمن أعضاء هذه البعثة، والأستاذ العلامة الشيخ صادق الكرباسي كان من ضمن أعضاء هذه البعثة فترة معيّنة. فكانت بعثة نشيطة وقويّة وفاعلة، استمرت إلى هذا اليوم لآثار وهمّة ذلك الشهيد (رضوان الله عليه).
الكلملة الأخيرة: ● سماحة الشيخ هل لديكم كلمة أخيرة توجّهونها في هذا المجال؟ الشهيد السيد حسن قدس سره والإمام الراحل قدس سره هما من رموز الصحوة الإسلامية، من العلماء الكبار، ولا زال مجهولي القدر على صعيد العالم، أفكار نيّرة، وتاريخ مشرق، ومرجعية مجاهدة متألّقة في تاريخ الطائفة الشيعية والأمة الإسلامية وأنا أؤكّد على إخوتي وأعزائي أن يتعرّفوا على شخصية الشهيد ويطالع كتبه ويحاولوا إحياء ذكراه في كل عام، وأنا أقترح عقد مؤتمرات حول الشهيد، فلا تكفي المهرجانات والمجالس المتواضعة، وبالأخص في دمشق بمنطقة السيدة زينب عليها السلام، حيث انطلق الشهيد السيد حسن انطلاقة كبيرة من هنا. فأقترح إقامة المؤتمرات، واقترح أيضاً كتابة بحوث ودراسات حول رسالة ماجستير، أو رسالة دكتوراه في كتاب (العمل الأدبي)، و(الأدب الموجّه)، وكتاب (الاقتصاد)، وكتاب (خواطري عن القرآن)، وسلسلة الكلمة التي هي كتب في القمة، ويمكن أن تكتب حولها رسائل ماجستير ودكتوراه، وأمثال ذلك. وأرجو من الله تعالى أن يوفّقكم ويوفّقنا للسّير على خطى هذا الشهيد المخلص المجاهد الذي تآمر عليه أعداء الأمة الإسلامية. ووفّقكم الله لكل خير، وأشكر مؤسّستكم التي تكافح في هذا الطريق. وفي ختام هذه الحلقة الشيّقة، وهذه المقابلة الكريمة، وهذا الحوار الودّي، نرفع جزيل الشكر وفائق الاحترام والتبجيل والتقدير والتكريم إلى صاحب السماحة والفضيلة العلامة المجاهد الشيخ ناصر حسين الأسدي (حفظه الله وأبقاه) لإتاحته لنا لهذه الفرصة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|
|