لقاء مع الشيخ علي عزيز الطرابلسي

اللقاء: السابع عشر.

الشخصية المحاورة: الشيخ علي عزيز الطرابلسي (لبنان).

المكان: بيروت ـ مكتب الإمام السيد صادق الشيرازي.

التاريخ: 4/10/2005م ـ 1/رمضان/1426 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على شمس الهداية نبينا محمّد صلى الله عليه وآله، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهما السلام.

وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).  صدق الله العلي العظيم

وقال أمير البلاغة والبيان، بطل الإسلام الخالد، أسد الله الغالب، الإمام علي بن أبي طالب (عليه آلاف التّحية والثّناء): «يا كميل هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة».

يسرّنا ويسعدنا في هذا البرنامج من سلسلة لقاءات حول الشهيد فمن أجل أحياء تراثه قمنا بأستضافة عالم جليل وعلامة مجاهد، شيخ من شيوخ مدينة طرابلس اللبنانية، وعالم من علمائها الكبار، إنّه صاحب  الفضيلة العلامة المجاهد الشيخ علي عزيز الإبراهيم.

 

نبذة من حياة الضيف المحاورَ:

ولد سماحته في مدينة طرابلس، وذلك في عام (1950م)، نشأ وترعرع في هذه المدينة حيث دخل إلى مدارسها الأكاديمية، ودرس الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدينة المذكورة.

انتقل في عام (1966م) إلى مدينة النجف الأشرف حيث حوزتها العلمية العريقة، ودرس عند كبار علمائها وأساتذتها، أمثال: آية الله العظمى السيد كاظم الحائري، وآية الله السيد محمود الهاشمي، وآية الله الشيخ عبد المهدي مطر، وآية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي، وآية الله الشيخ عبد الهادي الحمّوزي، والأديب الشاعر الكبير العلامة المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين، وآية الله السيد محمد تقي الحكيم، وآية الله الشيخ محمد تقي الإيرواني، وآية الله السيد عبد الصاحب الحكيم.

علماً أنّ سماحة الشيخ علي عزيز الإبراهيم قد دخل إلى «كلية الفقه» منذ بداية دراسته في النجف الأشرف.

وتخرّج من الكليّة المذكورة في عام (1971م)، حيث انتقل بعد ذلك إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان، وقد أصدر الإمام السيد موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى قراراً بتعيينه مفتياً جعفرياً بالوكالة في طرابلس، وهو اليوم يشغل منصب أمين سر دار الفتوى الجعفري في بيروت.

وسماحته مشارك فعّال في الندوات والمؤتمرات الإسلامية للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران، حلب، القاهرة، ودمشق.

له من الكتب المطبوعة: (أبو طالب عملاق الإسلام الخالد)، (العلويون فدائيو الشيعة المجهول)، (المنشآت الدينية الجعفرية في الساحل السوري)، (العلويون والتشيع)، (العلويون بين الغلو والفلسفة والتصوف والتشيع)، وقدّم لهذا الكتاب سماحة الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين قدس سره.

وإلى غيرها من الكتب الدّينية النافعة.

 

لقاء الشهيد ـــ باكورة عمل طويل:

 سماحة الشيخ السؤال الأول ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرت؟

لقد سألتموني سؤالاً عزيزاً وغالياً والله على قلبي، أذكر أنني غادرت مدينة طرابلس بعد أن علمت أنّ سماحة المرحوم المقدس الإمام السيد حسن الشيرازي قد حلّ في ربوع بيروت ولبنان في منطقة الشيّاح، في شارع المصبغة، وفي بناية فؤاد غندور، وكان اللقاء هذا في عام (1971م) في دارته (رضوان الله عليه)، فوجدت فيه الأخلاق والأدب والزهد والعلم والمعرفة، ووجدت فيه عالماً جهبذاً تقياً ورعاً، فيلسوفاً زاهداً عالماً.

وتحدّثنا عن شؤون المسلمين، وشجون المسلمين، ولا سيّما في عراقنا الحبيب، وكان في ذلك اليوم العراق ضحيةً ونهباً لدكتاتورية عمياء يعرفها جميع خلق الله في ذلك الوقت.

وكلنا يعلم المعاناة الشديدة التي مرت بهذا العالم الإمام المرحوم من سجون وتعذيب، ومن آلام تعرض لها في سجون حكام العراق في ذلك الوقت، فرحبت به في بيروت، ودعوته لزيارتنا في طرابلس، وكان متفضّلاً حينما سألني عن إخوانه المسلمين الجعفريين العلويين في طرابلس وعكّار وطرطوس واللاذقية وجبلة، فنقلت له آلامهم واشتياقهم ومحبّتهم إلى الجعفريين وعلمائهم، وإلى النجف وعلمائها، وكربلاء وعلمائها.

 ولله وللتاريخ، أقول: سألني سماحته عن احتياجاتهم وعن مساجدهم وعن حسينياتهم وعن علمائهم، وأبدى رغبته في تقديم ما تسعفه الحال من العون والمساعدة لهم ولمساجدهم ولمشاريعهم ولعلمائهم.

ومهما نسيت فلا أنسى أنّ ذاك اللقاء كان الباكورة لعمل طويل، ولسنين قضيناها نحن وسماحته في ربوع الجمهورية العربية السورية، وفي ربوع جبال الساحل السوري العريقة، وعلى بحر اللاذقية اللازوردي، ومساجد تلك البلاد، وحسينيات تلك البلاد، وعلماء تلك البلاد ، وأفئدة تلك البلاد.

فالسلام عليك أيها الحسن، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث عند ربك حيّا.

 

قمةُ في بساطة العيش:

 ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد؟

لا أكتمكم القول أنني قلت لسماحته: إذا كانت الضيوف التي سوف تستقبلها في بيروت، وتقدم لها الضيافة على ما أنت عليه من زهد في طعامك وفي مأكلك وفي ملبسك وفي مشربك، يا صاحب السماحة فوالله إنّ هذا الأمر يصعب علينا، فأرجوك أن تقدم لهم ما لا أنت تتناوله في بيتك ومطبخك.

والله هذا الرجل كان من التواضع، وكان من بساطة العيش وشظف العيش، يعيش على أقراص من الخبز وعلى قليل من الجبن وعلى قليل من الشاي، وعلى قليل من الزيتون، وهذا لم يكن يصطنعه، فربّما دخلت عليه على حين غفلة، وعلى حين غرّة، وأنا أراه يتناول هذا الطعام البسيط والبسيط جداً، ولكنني اشترطت عليه ذاك الوقت أنني إذا جئت بوفود من العلماء في سورية أو حلب أو اللاذقية أو حماة أو حمص أن نطلب لهم طعاماً من المطعم أو من الفندق، فوافقني على ذلك.

وأشهد الله وهو خير الشاهدين، أن المغفور الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره كان غايةً في البساطة وفي التواضع وفي المأكل وفي الملبس وفي المشرب، وهذا لم يكن في بيروت، وإنما كان في دمشق، وكان في حلب، وكان في صافيتا، وكان في طرطوس.

 فعلى كل حال كان صورة حية نابضة من أخلاق أجداده الأئمة الكرام من أهل بيت محمد (صلوات الله وسلامه عليهم) .

فلم يكن يدعو إلى آل محمد صلى الله عليه وآله فقط بالشعارات، وإنما كان يقتدي بهم قولاً وعملاً، في حلّه وترحاله وإقامته واستقباله للناس جميعاً (رحمه الله، رحمه الله، رحمه الله).

 

الشعور بل مسئوليه وراء عبقريته الفذة:

 من خلال معاشرتكم للشهيد كيف تقيّمون شخصيته الذاتيّة وعبقريته العظيمة؟ وما هي منابع هذه العبقرية؟

إنّ هذا السيد العظيم كان يحمل في قلبه وفؤاده وعروقه ودمه هموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيّما شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله، فحينما أخبرته عن ضعف الحالة الدينية في بلاد سورية، وفي مساجدنا وقرانا وفي مدننا.

قال: والله إني لأشتاق إلى تلك الربوع، وإلى تلك القرى، وإلى تلك المدن، ولعلّ الله يساعدني أن أقوم ببعض ما يمليه عليّ واجبي تجاه أولئك أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله، وشيعة آل محمد صلى الله عليه وآله، الذين قدّموا عبر التاريخ الغالي والنفيس والدم في سبيل الولاية الصّادقة لأمير المؤمنين عليه السلام ولأهل البيت عليهما السلام.

هذا الرجل كان همّه الإسلام أولاً، وكان همّه المسلمين ثانياً، وكان همّه شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ثالثاً، في مشارق الأرض ومغاربها، ولكن بما أنه يعلم بما أني مجاور للمسلمين الجعفريين العلويين في طرابلس وعكار وطرطوس واللاذقية، فكان جلّ حديثنا ومداولاتنا وأحاديثنا ونقاشاتنا حول هؤلاء الناس ومظلوميتهم، وعن الظروف الصّعبة القاسية التي حملتهم على الصعود إلى تلك الجبال الوعرة، والاختناق في تلك الكهوف على ما يزيد على أربعمائة عام أو خمسمائة عام حيث لا يرون إلا الشمس والقمر والحجر والحيوان.

واتفقنا في أوائل تلك الجلسات على زيارة المنطقة وبدأنا بطرابلس، وبدأنا نزور تلك المناطق الكريمة العزيزة الغالية على قلوبنا، وأنا أشهد الله أنه كانت أحاديثنا في تلك الفترات حتى صلاة الفجر عن همومهم ومظلوميتهم، وعمّا تحمّلوه وعانوه في سبيل التشيع، وفي سبيل الإسلام، وفي سبيل الولاية لأهل البيت عليهما السلام.

وكان أولاً بأول يكتب إلى أخيه المرجع الديني الكبير آية الله المجدّد السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي عن تلك الزيارات، واحتياجات تلك المناطق، ويحدثه عن علمائهم ومثقّفيهم وشعرائهم وأدبائهم أولاً بأول، وحصّة بحصّة.

 

الناس سواسية كأسنان المشط:

  كيف كان يتعامل الشهيد السيد حسن الشيرازي مع الناس عامة، ومع ضيوفه وزائريه بالأخص؟

 أشهد الله أنّ هذا السيد الجليل (رضوان الله عليه) كان يستقبل الناس جميعاً على قدم المساواة، عالمهم وجاهلهم عليهما السلام وصغيرهم وكبيرهم، ولم يكن يعرف الكبر أبداً، بل كان من أعظم الناس تواضعاً، وكان من أعظم الناس ضيافةً لمضيفيه ولمحبيه، فلربّما دخل عليه الشاب دون العاشرة أو فوق العاشرة فينهض من مجلسه مستقبلاً له، آخذاً له، مبتسماً مقبلاً، لا يعرف الفرق بين صغير وكبير، عالم وجاهل، يأخذ ذلك من ينابيع أجداده الكرام من أهل البيت عليهما السلام، الذين كانوا يتواضعون لكل خلق الله من شتى الأديان، ومن شتى الأعراق، ومن شتى الأطياف.

ما وجدته متكبراً وما وجدته متبرّماً من كثرة الأسئلة التي كانت تنهال عليه من الزوّار الذين كنّا نقدم بهم إلى سماحته سواءً أكان ذلك في بيروت، أو سواءً أكان ذلك في حي الأمين بدمشق، أو سواءً أكان ذلك في فندق سمير في ساحة المرجة بدمشق، أو حتى حينما كان يحلّ ضيفاً على علمائنا في طرطوس، أو صافيتا، فكان يستقبل الصغير والكبير، والمثقّف والجاهل، وينتظر أسئلتهم ويصبر ويصابر عليها بكل تواضع، وبكل محبة، وبكل معرفة، معطياً وواهباً له ما أعطاه الله، وما حباه به رب العالمين من معرفة وثقافة خلاّقة قد لا يصل إليها إلا الأوحدي من علماء هذه الأمة، ومن جهابذة هذه الأمة، ومن فقهاء هذه الأمة.

 

الشهيد تلبس الإسلام دون تكلف:

 لكل مفكر قيم ومبادئ يرتكز عليها، فما هي الطموحات والأهداف والأفكار التي كان الشهيد يرتكز عليها؟

المرحوم الإمام السيد حسن الشيرازي قدس سره كان يتلبس الإسلام من دون مبالغة، هو الآن أصبح عند ربه وفي جواره، وأشهد الله أنه بدون أي تملّق وبدون أيّ نفاق أنه كان صورة حية عن كثير من معالم الإسلام في أخلاقه وآدابه، وتواضعه وزهده ومعرفته وعرفانه.

 والقيم التي كانت تعيش في أضلاع هذا الرجل:

الأول: هو التواضع.

الثاني: محبة الناس كل الناس.

الثالث: أنه كان يعمل الخير مع من كان يستحقه، ومع من لا يستحقه، ولربما طلب منه الكثير فيقدم القليل لأنه لم يكن يملك إلا ذاك القليل، وعنوانه في الحياة أن تقديم القليل أفضل أن لا يقدم الإنسان شيئاً. 

وهنا أريد أن أذكر شيئاً، ربما لا يعرفه الكثير من الناس، فقد كانت هناك مخططات، وكانت هناك رواتب لبعض العلماء في جنباتنا، فكان والله في كثير من الأحيان يذهب إلى المتموّلين من الناس في بيروت ويقترض، وأنا كنت رسوله إلى هؤلاء التجار حتى لا تنقطع أولئك الطلبة وأولئك العلماء من رواتبهم، لأنني كنت قد اتفقت مع الإمام المرحوم السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي المجدّد في كربلاء أن نجعل للعلويين مؤذنين برواتب لأن هذا المؤذن فقير نتيجة المطاف، يمتلك عائلة وأولاد ومدارس.

فكنا اتفقنا مع الإمام المرحوم السيد الشيرازي المجدّد في كربلاء أن نجعل ونقيم لكل مسجد مؤذناً وخادماً نغدق عليه راتباً شهرياً نقدمه له حتى لا يكون بحاجة، وحتى يصدع بالآذان في اوقاتها.

فحينما كانت لا تصل إلينا الرواتب من الإمام والسيد حسن لم يكن يملك الراتب، فكان يقترض.

إذاً... كان همّه الأول أن لا تنقطع هذه الرواتب التي خصصناها، فكان أولاً محباً لكل الناس، وكان متواضعاً، وكان زاهداً.

 

ومحسن لعدوه:

ولربّما سئل عن كثير من العلماء الذين لا يريدون له خيراً، والله ما كان يقول فيهم إلا خيراً، والله ما كان يغتاب أحداً، ولم يكن ينمّ على أحد، وكان يُنقل إليه أنّ فلاناً يقول فيك يا سيدنا كذا وكذا.

فيقول: وفّقه الله، سامحه الله، آجره الله، غفر الله له.

هذه أخلاق الأنبياء، هذه أخلاق أمير المؤمنين عليه السلام، هذه أخلاق الحسن، هذه أخلاق فاطمة، هذه أخلاق الحسين عليهما السلام.

وإذا كان اسمه حسن، فقد صحّ فيه قول من قال: روى الحسن عن أبي الحسن عليه السلام، عن جدّ الحسن صلى الله عليه وآله: «إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن».

هذا المغفور له الإمام السيد حسن الشيرازي والله كان أحسن شيء فيه، وأبرز شيء فيه هو أخلاقه، وتواضعه، وسماحته، ولين جانبه، وما كان يريد للناس إلا خيراً، وكان يتألم حينما يرى على المسلمين مصيبة أو داهية، فكنت أراه متبرّماً ساهرًا باكياً ساجداً لله، ضارعاً إليه أن يفرّج عن المسلمين همومهم وآلامهم (رحمك الله، رحمك الله، رحمك الله، يا سيد حسن).

 

همه دين الأنام في كل بقاع الإسلام:

  الشهيد هل كان يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟

 كنّا نتداول كثيراً حول المسلمين في أندونيسيا، وكنّا نتداول كثيراً حول المسلمين في أفريقيا، وكنّا نتداول كثيراً حول المسلمين في أمريكا، وفي أستراليا، وفي كندا، فقد استقبلنا في بيروت أنا وسماحته المرحوم المقدس العلامة محمد أسد شهاب أحد أعظم شخصيات الإسلام في أندونيسيا، وكنّا نستقبل ولده الصحافي الأديب المثقف السيد أحمد بن أسد بن شهاب في بيروت،

وكان السيد أحمد أسد شهاب يتحدث عن آلام المسلمين في الصين، وفي تركمنستان، وفي أندونيسيا، وعن الحرب الشيوعية التي قامت في تلك البلاد لكي تهدم مساجد المسلمين، ولكي تهدم أفكار المسلمين وعقائدهم، ولكي تنصّر كثيراً من المسلمين.

فكان همّه مع المرحوم محمد أسد شهاب واحمد شهاب أنهم يوصوا المسلمين في أندونيسيا بالصبر والمصابرة والثبات والجهاد في سبيل الله حتى لا ينال أحد من المسلمين منالاً.

 

هدفه الوحدة الإسلامية:

وأمّا في أفريقيا فقد كان على اتصال بجميع علماء المسلمين اللبنانيين الذين يذهبون إلى هناك، وكان له هو أيضاً وكلاء، فلربما أخذ الوكيل بيده إلى غانا وإلى سيراليون، وذهب إلى سيراليون وإلى غانا وإلى كثير من البقاع الأفريقية، ودرس احتياجاتهم ودرس مساجدهم وكان على اتصال بكثير من العلماء من الشيعة والسنة، لأنّ هذا الرجل كان داعية من دعاة الوحدة الإسلامية.

صحيح أنه كان إماماً من أئمة الجعفرية الإثنا عشرية، ولكن في نفس الوقت كان يرى نفسه عالماً مسلماً قبل أن يكون عالماً للجعفريين، فمدّ يده بإخلاص وبمحبّة وبشوق وبصدق إلى جميع علماء المسلمين في بقاع أفريقيا.

وفي لبنان أيضاً، وفي سورية وفي كل مكان.

فالرجل لم يكن همّه كربلاء ولا النجف ولا بغداد، وإنما كانت همومه تشمل كلّ بقاع الإسلام، وكلّ رقعة من مدن وقرى الإسلام، وجميع أطياف المسلمين لأيّ مذهب انتموا، ولأيّ بلد انتموا، ولأيّ مدينة انتموا.

 

لا تبقوا هاهل هذا البيت باقية:

  لماذا لم يتزوج الشهيد؟

 الحقيقة والواقع أنني سألته هذا السؤال، فتبرّم في الجواب، فأعدت السؤال، ثم تبرّم، وأخيراً انفجر وقال: والله من كثرة المصائب والتعذيب الذي حلّ بي في سجون العراق لم يعد لي شيء أنفع فيه معه للزواج.

وأظن هذا كان جواباً من القلب إلى القلب في تلك الفترة.

 

وقليلُ من الله ما يهجعون:

  كيف استطاع الشهيد السيد حسن أن يكتب هذه الكتب العميقة مع كثرة مشاغله؟

 أنا أيضاً معكم، ولا زلت حتى الآن أقول لأنني كثيراً من الأحيان كنت أعرف الصغيرة والكبيرة في أوقاته.

فهذا الرجل كان ينقطع إلى الصلاة، وكان ينقطع إلى استقبال الناس، وكان في الليل ينقطع إلى بعض المشورات والأسئلة التي كانت تأتيه والمنتديات، وأنا أذكر أنه ما مات رجل من عظمائنا في تلك المنطقة إلا وكان حاضراً في تأبينه، والأفراح والأتراح والاستقبالات، فكيف كان يسرق الوقت لكي يكتب، هذه مسألة والله أنا لا أمتلك الإجابة عليها حتى الآن، وربّما أن هذا الرجل كان لم يكن ينام الليل، وأنا أعلم أنه لم يكن ينام الليل، وكان ينام قليلاً من النهار، أما ليله فكان نهاراً، وكان بعض نهاره ليلاً، فلربما أخذ من صلاة الفجر، ولربما أخذ من صلاة السحر، ولربما أخذ من قيام الليل شيئاً من الوقت لكي يكتب.

هذا علمه عند ربي في كتاب لا يضلّ ربي ولا ينسى.

أنا أقول: بما أنّ وقته عندي كان معبئاً ثمانون بالمائة، فالعشرين الباقية لا تكفي لطهارته ولغسله ولطعامه ولصلاته.

 

القدوة الحسنه:

  كيف كانت علاقة الشهيد بأخيه الأكبر الإمام الراحل المجدّد الثاني السيد محمد؟

 هذه العلاقة بحسب معرفتي المتواضعة بها كانت علاقة الأخ الأصغر بالأخ الأكبر المرجع، كان لا يستحي أن يدعو لمرجعية أخيه باعتباره عالماً جعفرياً زاهداً فقيهاً عالماً،

 ولكن لله وللتاريخ أقول: لم يكن يريد من العلويين أن يقلّدوا المرحوم الإمام المجدّد السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي.

نعم حينما كان يذهب كان يقول: أنا موفد من قبل آية الله الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي.

وكان يتحدث عن أخيه، وعن علوم أخيه، وعن مناقب أخيه، وعن فضائل أخيه، وعن عبادة أخيه، وعن قيام الليل عند أخيه، وعن تواضع أخيه، وعن صوم أخيه وزهده، ولكنه أبداً لم يطلب من أحد من العلويين أن يقلّده.

بل قال: أنتم قلّدوا من تشاؤوا من فقهاء الإسلام، دونكم النجف وكربلاء وقم ومشهد، قلدوا من تشاؤون، أخي يحبكم، أخي في خدمة محبتكم، مسجداً وصلاةً وإمامةً وحسينيةً وكتاباً وعالماً.

ولكن إذا تحدث عن أخيه يتحدث بكل أنواع الاحترام والوقار والهيبة والخشوع، لأنه كان يرى في أخيه خُلق القرآن، وخُلق الإسلام، وخلق آل محمد عليهما السلام، فكان يحترمه، ولا يقطع صغيرة ولا كبيرة دون أن يعود إليه، وكان يكتب له في كل صغيرة وكبيرة كانت تمر علينا، أو صعوبة أو مشقة أو حاجة أو نعمة أو نقمة كان يكتب له بها.

احترامه له كان احترام العالم للعالم الأكبر، والأخ للأخ الأكبر، ولربّما العالم للمرجع المقلد، ولكنه لم يكن يريد أن يفرض على جماهير العلويين في سورية وفي لبنان وفي تركية أن يقلّدوا أخاه.

وأنا أشهد الله أنه كان دائماً يقول: يا مولانا يا شيخ علي أنا لا أطلب من العلويين سوى أن يخرجوا إلى الشمس، أن يخرجوا إلى النهار، ويعلنوا جهاراً نهاراً عقيدتهم وإسلامهم وولاؤهم ومحبّتهم لأهل البيت عليهما السلام لأيّ مرجع أعلنوا تقليدهم فهذا لا يهمّني، يهمّني أن يخرج إخواننا المسلمين العلويين الجعفريين المظلومين المقهورين من الفيء ومن ظلمة الليل إلى النهار وإلى الشمس، وأن يكتبوا ويشهروا قصائدهم وفقههم، وكثيراً ما كان يطبع كتب الكثير منهم، وأنا أذكر الآن أكثر من عشرة علماء طبع لهم كتباً تتعلّق بالفقه، وكتباً تتعلّق بالتفسير، وكتباً تتعلّق بالأدب والشعر.

هكذا كان الشهيد السيد حسن بالنسبة إلى أخيه المرجع المرحوم المقدس الإمام السيد محمد المهدي الشيرازي ( رضوان الله عليهم أجمعين).

 

  ما هي أفكار الشهيد الاستراتيجية؟

قلت لكم وما زلت أقول: لم يكن همّه في بيروت على الإطلاق، ولم يكن همّه في كربلاء على الإطلاق، وكان يقول: همنا المليار مسلم في شتى أنحاء الأرض، صحيح أن الشيعة قد يكونون مظلومين أكثر من بقية إخوانهم وأندادهم المسلمين، ولكن همّنا المليار مسلم، في الصين وروسيا وأمريكا وألمانيا وأندونيسيا، وفي جميع القارات، ولكن كان عنده شيء عجيب غريب، يعني كان يسأل التفاصيل في البلد الذي يأتي منه ضيف إليه، فكان يسأل عن أندونيسيا، وعن أعداد المسلمين فيها، وعن أعداد غير المسلمين، فكان يهمّه أن يسأل التفاصيل عن الشعب الأندونيسي، وعن تفاصيل الأديان التي تعيش فيها، سواءً أكان في أندونيسيا، أو كان في كندا، أو في أمريكا، فهمّه الأكبر المليار مسلم الذين كانوا في ذلك الوقت يتعرّضون لهجمات ربما من الصليبية، وربما من أعدائهم، وربما من الصهيونية، وربما من الكفرة، فكان يعيش المسلمون في قلبه نبضاً حاراً، في مشاكلهم واحتياجاتهم، وربما في آلامهم وفقرهم وشظفهم وعيشهم، وقلّة مساجدهم وقلّة حسينياتهم ونواديهم، ومع أنه كان بالنسبة إلى مراجع الشيعة لم يكن يملك إلا القليل القليل، ولكن لو أراد الإنسان أن يحسب ما فعله هذا الرجل في ربوع أفريقيا، عند ذلك يتحصّل العجيب العجيب من هذه الإمكانيات الضعيفة والقليلة جداً جدا ًجداً، ولكنه استطاع أن يبني الكثير، وأن يفعل الكثير، وأن ينشر الكثير.

 

وخلاصة القول:

كان المرحوم المبرور الشهيد السيد حسن الشيرازي بصدق وأمانة (وهو الآن في جوار ربه) كان أمة في رجل، وكان رجلاً في أمة (رضوان الله عليه، ورحمه الله).

 كيف استطاع الشهيد إقناع العلويين الشيعة الجعفريين بإعلان انتمائهم إلى مذهب أهل البيت عليهما السلام سيّما أنه كان المبادر والمساهم في البيان المشهور الذي أصدره ثمانين عالماً من علماء الشيعة العلويين الكبار في سورية ولبنان بعنوان (العلويون شيعة أهل البيت عليهما السلام)، ولا سيّما أنّ سماحتكم هو أحد الموقعين على هذا البيان؟

على الخبير سقط، وأشهد الله أن هذا من التاريخ، قال لي: أنا حينما أريد أن أذهب إلى العلويين وأزورهم أزورهم كمسلمين، وأتناول الطعام عندهم كمسلمين، وأحدّثهم كمسلمين، وأصلي معهم كمسلمين، ليس عندي شيء مسبق عليهم على الإطلاق.

 لأنني أنا قلت لسماحته: سيدنا إذا كان لديك رأي مسبق حول العلويين فسوف تكون مهمتك شاقة في تلك البلاد، فهناك بعض المشايخ وبعض العلماء ذهبوا إليهم وهم يقولون: جئنا لهدايتكم، جئنا لنشيّعكم، جئنا لنهديكم إلى صراط الحق وإلى الإسلام.

وأشهد الله أنّ المرحوم السيد حسن الشيرازي لم يكن يطالب أكثر من أن يخرجوا إلى الشمس وإلى النهار وإلى الصحيفة وإلى الكتاب وإلى المنبر وإلى الإذاعة، وإلى الخروج من العتمة إلى الشمس وإلى وضح النهار، ولكنه قال: أنتم الآن تعيشون مجتمعاً لا يقول بإسلامكم، وأنتم تعيشون دهراً ظلمكم في الماضي وفي الحاضر، فلا بد أن ترفعوا عقيرتكم معلنين عن عقائدكم.

فقام بعض الناس وقالوا: يا جناب السيد نحن في الأذان نقول: الله أكبر، أشهد أنّ علياً بالحق ولي الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، في مساجدنا وفي كل يوم، ونصلي في كل يوم.

قال: أنتم تقولون هذا في مساجدكم ومدينتكم، ولكن لو جاء رجل من وراء الأدغال، وقال (لا سمح الله): أنتم تألّهون علي بن أبي طالب فما هو جوابكم؟ إذا قال: أنكم لا تؤمنون بالصوم ولا تصومون ولا تحجّون بيت الله الحرام فما تقولون؟ أنا أدعوكم أن تخرجوا بيان يوقّعه علمائكم ومثقّفوكم ورجالاتكم، وهذا البيان لا يكون إعلان الإسلام وإنما يكون كالمؤذن الذي يجدد الشهادة لله بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولعلي عليه السلام بالإمامة في كل يوم، فهل هذا المؤذن، وهل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها حينما يأذنون يعلنون إسلامهم؟!!

كلا وإنما يجدّدون العهد مع الله سبحانه وتعالى.

وأنا للتاريخ أقول: أن فريقاً لم يكن يريد أن يوقع على هذا البيان، وكانت هناك الليالي الطوال، والسهرات الطويلة، والعناء الطويل، ولكن هذا لرجل كان صدره عجيباً غريباً رحبةً، هذا رجل كان صدره صدر الأنبياء والأوصياء، فلربما سقط عليه كلمة نابية يتلقفها بكل محبة، فيلطّفها ويجمّلها ويحسنّها، ويجعل هذه الكلمة ويأخذها من المعنى السيء ومن المعنى المظلم إلى الحقيقة، ويرجعها ويعيدها إلى صاحبه، ويقول: في الطريق هذه الكلمة أخذت مساراً آخر ولكنك أنت أردت أن تقول ذلك، وأنا أعرف ماذا كنت تريد أن تقول، بكل محبة وبكل تواضع.

وهذا البيان الذي صدر في ذلك الوقت أخذ من السيد الشيرازي الوقت الكثير، والجهد الكثير، والدم الكثير، والدمع الكثير، إلى أن ربي أكرمه (سبحانه وتعالى)، وخرج من الظلمات إلى النور، ومن القول إلى الفعل، وكان بحمد الله ذاك البيان الذي بالفعل كان بركاناً وعاطفةً سقط على الكثيرين من أعداء الإسلام، ومن أعداء الله الذين لم يكن يريدون لهؤلاء المسلمين ولهذه الطائفة إلا أن تكون خاملة الذكر، بعيدة عن الإسلام، وتعيش في الكهوف، وفي الظلمات، وفي الغيبوبة، وفي الانعزال عن المسلمين، وعن مساجد المسلمين، وعن حج المسلمين، وعن صيام المسلمين، فكان هذا البيان بمثابة العهد الجديد الذي يجدّدون فيه مع الله عقيدتهم وشهادتهم وفكرهم، فكانوا بحمد الله ربّ العالمين قد شعروا بعد طبع البيان مرة وثانية، بالعربية وبالفرنسية والإنكليزية والتركية والأردوية أن اليد العظيم عمل معهم شيئاً عظيماً، ربما لا تستطيع أيّة جامعة في الدنيا أن تقوم به.

وهذا العمل الجبار يعدل بما قام به أنبياء الله والمصلحون في العالم، وسيعلم الناس وجميع الناس كلّما مرّ الزمن عظم هذا البيان، وعظمة هذا الجوهر، وعظمة المبادئ والغايات والأرباح التي ربحناها من وراء هذا البيان.

إنّ العلويين في العالم يعادلون ثلاثين مليوناً، فلولا الجهود التي بذلت من قبل علماء الجعفرية من لدن الإمام أبو الحسن الأصفهاني، والإمام السيد الحكيم، وإلى الإمام السيد حسن الشيرازي، وإلى الإمام السيد محمد مهدي الشيرازي، وإلى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، إلى الإمام السيد موسى الصدر، فلولا هذه الجهود لكان هناك ثلاثين مليون مسلم شيعي جعفري بعيدين عن الأمة، وعن الطائفة الإسلامية الجعفرية الشيعية الكريمة، والتي هي اليوم بحمد الله لا ينكرها إلا الأعمى في بصره وبصيرته وفي قلبه، والحمد لله على كل حال.

 

  إنقاذ الأمة في المرجعية:

 ما هي نظرة الشهيد إلى دور المرجعية الشيعية في الأمة؟

 هو يقول: أنّ أيّ عمل لا يمكن أن ينتج، ولا يمكن أن يصل إلى أهدافه، ولا يمكن للإسلام أن يكون إسلاماً شاملاً عاماً إلاّ بقيادة، ولا يهم أن يكون هذه القيادة في كربلاء، أو في النجف، أو في الكاظمية، أو في بيروت، أو في دمشق، ولكن يقول: أيّ عمل في العالم الإسلامي هو ناقص ومبتور بدون مرجعية تشرف على هذا العمل، وبدون مرجعية تنسّق لهذه الأعمال، وتدير هذه الأعمال وتوجّهها نحو الصلاح والفلاح والخير.

نعم كان يرى في أخيه الإمام المتحرّك، وكان يرى في غير أخيه الإمام السّاكن، وهو يفضّل الإمام المتحرّك على الإمام السّاكن، فكان يرى في أخيه المرحوم السيد محمد رجلاً متحرّكاً من مدرسة، إلى مسجد، إلى حسينية، إلى كتاب، إلى معهد، إلى مستوصف، إلى مكتبة، إلى العشرات والمئات من المشاريع التي قام بها المرحوم السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي، والتي كنّا نراها بأمّ أعيننا في كربلاء حينما كنّا نزور الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، سواءً أكنّا مترجّلين أو في السيارات من النجف إلى كربلاء في السبعينات.

فكان يدعو إلى مرجعية أخيه الراحل النشيط العامل المتحرّك الذي كان له مئات الوكلاء في مشارق الأرض ومغاربها.

هو كان يرى بأنّه بدون المرجعية لا عمل، وهو يرى بدون المرجعية لا يوجد ديناميكية لكي يتعارف المسلمون بعضهم ببعض، ولكي تتماوج أفكار المسلمين وشؤونهم وشجونهم وقضاياهم وآلامهم وأفراحهم وأحزانهم، فالمرجعية عنده عمود فقري لا بد أن يكون كالشمعة، أو كالضوء الذي يشعّ على مناطق المسلمين الأقل ضوءاً والأقل عملاً والأقل حركة.

وفي نظره أنّ المرجعية يجب أن تهفو أفئدة المسلمين إليها حركةً ونبضاً وتقليداً، وعملاً بقوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

 

الزهد دأب الشهيد:

 ماذا كان مأكل الشهيد؟ ومشربه؟ وأين كان يسكن؟

كما قلت لكم: أنني أول ما دخلت عليه، ودعاني إلى الطعام جاءني بقليل من الخبز وقليل من الجبن وقليل من الزيتون، فتناولنا وحمدنا وشكرنا الله، ولكن قلت له: أنا سوف آتيك بالمطران والإمام والمفتي والعالم والفقير، فإذا كنت تريد أن تطعم هؤلاء الناس ممّا تأكل، والله فهذا الحال لا يمشي، وكنا نجلس على الأرض، فطلبت منه الأرائك، فوافق على ذلك، واشترينا الأرائك يومها، وأما عن لبسه، فوالله كان هناك (يعني ماذا أقول؟!!) جبّتان ما رأيت غيرهما، إحداهما للصيف والأخرى للشتاء، وكنّا إذا أخذنا الأولى إلى المصبغة تبقى الثانية يلبسها، وهكذا دواليك.

وأمّا عمامته فكانت بسيطة، وحذاؤه كان بسيطاً، وجلسته كانت بسيطة، ودخّانه (سيجارته) كان من أقلّ الدخان ثمناً في ذلك الوقت.

فالرجل بيته في «الشياح» كان بسيطاً، وقلت لكم: استقبلنا على شيء بسيط جداً جداً، فاعترضت عليه وقلت له: إنّ هذا لا يمكن، فنحن سوف نأتيك غداً بالرجال وبالشخصيات وبالنواب وبالوزراء، وأجبرته في ذلك الوقت (يشهد الله) أن نشتري له طقماً من الأرائك، فوافق على ذلك، وطلبت منه مكيّفاً فرفض، وبعد اللتيا والتي زوّدنا البيت ببعض المراوح.

إذاً... الرجل كان طعامه بسيطاً، وكان مأكله خشناً، وكان لباسه أكثر خشونة، ولكن استطعت أن أفرض وأملي عليه أن يكون استقبالنا للناس غير ما نستقبل به أنفسنا من طعام ومن مشرب ومن مأكل، وكنت أعلم أنه إذا أراد أن يأتي من شارع الحمراء في بيروت بأطايب الطعام والقوت لما عجز عن ذلك، ولكن كان همّه المسجد والحسينية والمكتبة والإمامة والخلق، ولم يكن همّه لقيمات ولذائذ من العيش هنا وهناك.

 

وللفقير مواسيا:

والشيء بالشيء يذكر، قلت له: يا سيدنا لماذا لا تشتري سيارة؟ كل يوم نفتش عن علي فنيش في الجنوب وفي الشياح حتى يأتي ويأخذنا إلى سورية.

قال: الذين لا يملكون سيارة كيف يتأسّون بي وأنا عالم الأمة وأمتلك سيارة فخمة سواءً أكانت أمريكية أم مرسيدس.

 ووالله كنّا نستأجر السيارة من دمشق إلى بيروت حتى تأخذنا إلى جبال سورية، وإلى المدن السورية ثم تعيدنا، ما كان يسمح لنفسه أن يمتلك حتى مدرسة، وكانت مدرسة الإمام المهدي مستأجرة في برج البراجنة في ذلك الوقت.

هكذا كان المرحوم الشهيد السيد حسن أخلاقاً وتواضعاً وتهذيباً وتقليداً لأجداده الطيبين الميامين من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وإن تقليدهم لا يكون بالأقوال إنما يكون بالأفعال، فكان خير مقلّد لأجداده وللأئمّة عليهما السلام في مأكلهم وزهدهم وخشونتهم، وحتى في سخائهم.

هذا الرجل الذي لم يكن يأكل إلا القليل، ولم يكن يلبس إلا الخشن، لكنه كان إذا طلب منه المال، يفرش كل ما في جيبه ويعطيه للناس (رحمك الله يا سيد حسن، وأجزل الله ثوابك، وحشرك مع الأئمة الميامين من أجدادك الطاهرين، يوم لا مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ورفع الله من درجاتك، إنه أكرم مسؤول).

 

جهاد الليل والنهار:

 كيف فكر الشهيد السيد حسن في إنشاء الحوزة العلمية في سورية؟

على الخبير سقط، طرق بابي في اللاذقية في الساعة الواحدة ليلاً، وبمعية السيد جعفر الخاتمي، ففتحت الباب، فقال: لا أدخل. قلت: لم. قال: البس ثيابك ولا أدخل.

لم يكن يريد أن يقول لي ما السبب؟ علمت فيما بعد أن السلطات السورية قد أبعدت المشايخ الأفغان والباكستانيين والهنود قسم منهم إلى باب الهوى على الحدود التركية، وقسم منهم إلى المصنع في الحدود اللبنانية، فركبنا السيارة في الواحدة ليلاً من طرابلس الشام إلى لاذقية العرب، فطرقنا باب المرحوم الحاج أحمد عيد الخير رئيس الجمعية الجعفرية الخيرية الإسلامية، ففتح الباب لنا، فقال السيد: لا ندخل إن وقتنا قصير، فقال: أنا لا أذهب معكم إن لم تدخلوا بيتي وتناولوا من طعامي أو شرابي.

 فدخلنا وشربنا القهوة سريعاً، ثم خرجنا من اللاذقية ودخلنا القرداحة أعزّها الله في الساعة الثانية ليلاً وطرقنا باب المرحوم المقدس المحسن الحاج إسماعيل علي الأسد شقيق المرحوم الرئيس حافظ الأسد، فاستقبلنا هذا الرجل الطيب بكل ود وبكل احترام، وأضافنا عنده، وفي الساعة التاسعة كنا في دمشق، وحينما اجتمع المرحوم الحاج علي الأسد بالمرحوم الرئيس حافظ الأسد، صرف المرحوم الرئيس حافظ الأسد اللواء محمد الخولي إلى الاعتناء بشؤون الطلبة وتنظيم إقاماتهم، والعمل على أن تكون إقامتهم في الهجرة والجوازات والجنسية على القواعد المعمول بها في القوانين السورية، ولكنه قال لي: يا سيد إنّ الحكومة تقول لا يمكن أن نعطيه الإقامات دون أن تنظم شؤون هذه الحوزة، فيجب علينا أن نعطي هذه الحوزة بعض اللمسات من التنظيم والتقنين والتنظير في المناهج وفي الأبحاث وفي الأساتذة وفي العلوم، وعلى مدى عامين من جهود جبارة بذلت من المرحوم الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي، والمرحوم الحاج إسماعيل الأسد، والمرحوم الحاج أحمد الخير والعبد الفقير إليه تعالى صاحب هذه الكلمات نبغت وصعدت وقامت شاهقة تسمي نفسها الحوزة العلمية الزينبية في ربوع السيدة زينب عليهما السلام عقيلة بني هاشم، ورفيقة الحسين عليه السلام في آلامه، وفي دروب جهاده العظيم.

إنّ هذا العمل الذي قمنا به بمعيته وبتأييده وبمؤازرته له أعظم عمل بعد أعمال الأئمة الطهر من آل محمد عليهما السلام، لأننا استطعنا أن نعطي هذه الحوزة صبغة نصفها رسمية ونصفها شرعية، فالنصف الأول على قواعد الحوزات العلمية من الدراسات الحرة، والقسم الثاني كان يأخذ شكلاً رسمياً من دروس وامتحانات ومناهج وأبحاث، وهي مستمرة وقائمة اليوم منارة من منارات الإسلام تدل بأصابعها على جهاد هذا الرجل العظيم، وعلى خير هذا الرجل العظيم، وعلى معاناة هذا الرجل العظيم، المادية والمعنوية التي تحمّلها على مدى سنوات قبل أن يسقط شهيداً في شوارع مدينة بيروت من قبل قوى الظلام والفجور من أعداء الدين والإسلام.

 

ما كان لله ينموه:

 ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟

أول عقبة كانت أن سورية لا تعرف الحوزات، والشيء الثاني أن المال كان قليلاً، والعلماء كانوا قليلين أيضاً، وهذه العقبات الثلاثة استطعنا أن نتغلّب عليها أولاً بأول، استطعت أن أوجد لسماحة المرحوم شبكة من الاتصالات مع فقهاء القوم وضباط القوم وشعراء القوم وأساتذة القوم وعلمائهم، بحيث أن المرحوم الرئيس حافظ الأسد كان يسأل عنه إذا لم يجتمع به يقول: أين هذا الرجل أنا أريده.

وكان عنده دماثة أخلاق تجعلك تعشقه، فكل من يجلس معه، أو يتعرّف عليه يعشق أخلاقه وتواضعه ومناقبه وفضائله، فبفضل علاقاته الحميمية في الجذور مع العلويين وتموّجاتهم استطاع بحمد الله أن يكون له قدماً راسخاً في دمشق، وهذا أدّى بنا إلى اقتناع الدولة في الجمهورية العربية السورية، ولا سيما وزارة الداخلية والرئيس المرحوم المغفور له حافظ الأسد بضرورة إقامة هذه الحوزة.

وأمّا المال فكان قليلاً، وكما قلت لكم كان يذهب إلى البحرين ليأتي بالمال وربما نجح وربما لم ينجح، وكان يذهب إلى الإمارات العربية المتحدة، وكان يذهب إلى أفريقيا، ولكنه كان يستدين أيضاً، وكنّا بحاجة إلى علماء فاستدعى من حوزة قم المقدسة العديد من العلماء الذين أنا أعرفهم وهم على جانب من الفقاهة والفضل، فبالمثابرة وبالجهد والجهاد والعمل والسعي والكدح والليالي الطوال قامت هذه الحوزة بحمد الله رب العالمين بعد جهاد طويل، وبعد مضائن وتعب وشقاء لا يعلمه إلا الله، نقول فيه وفي أمثاله: اللهم يا ربنا تقبل منا هذا القربان إنك أنت أكرم المسؤولين.

 

ومن يعمر مساجد الله:

 أذكروا لنا بعض نشاطات الشهيد السيد حسن الشيرازي في مختلف مناطق ومدن سورية ولبنان بدءاً من تأسيس المساجد والحسينيات وغيرها من المؤسسات؟

في الواقع فإن في السبعينات كان عدد المساجد في الساحل السوري قليل جداً، ولهذا اتخذنا قراراً نحن وسماحة المرحوم الشهيد السيد حسن الشيرازي (رضوان الله عليه) أن نعمل وبالإمكانيات المحدودة المتواضعة والبسيطة على إشادة الكثير من المساجد في قرى صافيتا ودريكيش  ومصياف وطرطوس وجبلة وحارة مشقيتا وعين البيضة والقرداحة وعين الشرقية، وغيرها من المناطق التي يسكنها أكثرية إمامية جعفرية من إخواننا المسلمين العلويين.

 

في كل مسجد مكتبة:

هذا من جهة ومن جهة أخرى أشرت على سماحته أن يكون في كل مسجد مكتبة، وإذا لم يكن في كل مسجد مكتبة على الأقل العلماء المخلصون الذين نذروا أنفسهم للتبليغ وللدعوة وللإرشاد أن يكون في بيت كل واحد من هؤلاء الأفاضل مكتبة ولو متواضعة يستعين بها هو وأولاده وخواصه ومحبوه ومريدوه في مطالعة الكتب التي تتعلق بالعقيدة والفكر والقرآن والتفسير ونهج البلاغة، وكثير من القضايا التي تتعلق بالإرشاد والتبليغ.

 

في كل قرية مسجد:

وأذكر جيداً أن في عام (1971م) أقمنا احتفالاً عظيماً كبيراً في منطقة صافيتا ووضعنا مع سماحته بالتعاون مع الجمعية الجعفرية الخيرية الإسلامية في صافيتا التي كان يرأسها الأخ المكرم الحاج يوسف خليل محمد العصفوري أبا علي، وبطبيعة الحال جاءتنا الوفود من الجمعية الجعفرية الإسلامية في اللاذقية واشترك معنا في الإحتفال جمعية الإمام الرضا عليه السلام في جبلة، والجمعية الجعفرية في طرطوس، وكان احتفالاً عظيماً ومهيباً، حضره بعض المسؤولين في طرطوس وفي صافيتا، وأذكر جيداً أنه كان هناك قصيدة للخطيب المرحوم السيد محمد حسن الشخص أبا نزار (رحمة الله عليه)، وفي هذا الاحتفال ألقى سماحة المرحوم السيد حسن الشيرازي كلمة جامعة مانعة تحدّث فيها عن المسجد في الإسلام ومكانة المسجد، وضرورة أن يكون في كل مدينة مسلمة أو في كل قرية مسلمة مسجداً، ويخاطب الناس بلغة القرآن ونهج البلاغة والتفسير والموعظة والإرشاد والدروس وخطبة صلاة الجمعة، ثم تحدث عن تاريخ العلويين وهجراتهم من العراق ومن الحجاز إلى مناطق سورية، بعد انتقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، وما زال يتحدث عن مظلومية العلويين في العهود الأموية والعباسية، والعهود العثمانية والتركية، وكيف أن العلويين صعدوا إلى تلك الجبال بعد أن نال منهم خصومهم، وقضوا على كثير من الأعداد البشرية في المدن اللبنانية والسورية ولا سيما جبيل وطرابلس، وغيرها من المناطق.

هذا كان وضع حجر الأساس لمسجد الإمام الحسين عليه السلام في صافيتا، وهو مسجد الآن قائم بحمد الله وحوله معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم، وحوله حسينية باسم الإمام الحسين عليه السلام، وفي نفس الوقت أيضاً يضم مستشفى باسم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، هذا الأمر أذكره جيداً.

 

ويستمر البناء:

وكذلك ساهم سماحته في إقامة مسجد في منطقة تسمى «تفاحة» من أعمال محافظة طرطوس، كان هناك مساهمة كريمة في بناء مسجد في منطقة تسمى «دوير رسلان» باسم مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكذلك كان هناك مساهمة قيّمة منه في تحسين وضع مسجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في «حي الرمل الشمالي» في مدينة طرطوس، وهذا المسجد تابع للجمعية الخيرية الجعفرية الإسلامية في طرطوس، وهي التي تشرف على هذا المسجد الكبير والجميل، فعملنا بمعية المرحوم السيد حسن على إيجاد حمامات نظيفة لهذا المسجد، وعلى إيجاد مكتبة، وعلى إعانة المؤذن والإمام والخطيب، وكذلك انتقلنا بعد ذلك إلى منطقة بانياس حيث كان هناك مسجد الإمام الحسن عليه السلام، ومسجد السيدة الزهراء عليهما السلام، وقد كان هناك تأييد ومؤازرة من سماحة المرحوم في تغذية هذين المسجدين بالكهرباء والسجاد والمكتبة والحمامات.

 

أربعون مسجداً في للاذقية:

وكذلك انتقلنا إلى مدينة جبلة وكان هناك مسجد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في حي الجبيبات، هذا المسجد الجميل الذي تشرف عليه جمعية خيرية إسلامية تسمى جمعية الإمام الرضا عليه السلام الخيرية الإسلامية، ولكن كان جلّ العمل وأكثره على مدينة اللاذقية، لاذقية العرب، هذه المدينة التي يقطنها عدد وافر من جماهير المسلمين الجعفريين العلويين، وحينما وصلنا إلى مدينة اللاذقية كان هناك تعاون كبير مع المرحوم الشيخ أبو الفضل أحمد عيد الخير الذي كان يرأس الجمعية الخيرية الجعفرية الإسلامية في اللاذقية، والتي كانت تشرف على بناء كثير من المساجد للقرى المحيطة لمدينة اللاذقية في ذاك الوقت، أذكر من تلك القرى، مثلاً كان هناك أكثر من مسجد في القرداحة، ساعدنا على تحسين هذه المساجد وإضاءتها وتغذية الأئمة والخدم، وكذلك حارة مشقيتا، وكذلك عين البيضة، وكذلك دم سرخو، ولعلّ الذاكرة تسعفني إن شاء الله أن أذكر بقية المساجد التي تربو على أربعين مسجداً فقط في محافظة اللاذقية التي تضم بالطبع مدينة جبلة.

 

جعل مسجد منبع العلم والثقافه:

إنّ هذه المساجد عادت بعد الزيارات الكثيرة لعلماء الجعفريين وعلى رأسهم المرحوم الشهيد السيد حسن الشيرازي لكي تصدح بالأذان، بحي على خير العمل، الله أكبر، وأن محمداً رسول الله، وأشهد أن علياً أمير المؤمنين ولي الله.

وجعل لكل مسجد مكتبة يعود إليها لمن يريد الثقافة والعلم، ولمن يريد أن ينهل من علوم ومعارف وفضائل وخزين أهل البيت عليهما السلام، في الإسلام وفي الفكر وفي الدعوة إلى حسن السلوك، والدعوة إلى الله جهاراً نهاراً ليلاً ومساءً.

إنّ بصمات هذا العمل الكبير الذي كان له الأثر الكبير على النساء والشيوخ والأطفال، أقول: إنّ الأصابع والبصمات لهذه الأعمال الكريمة والذي يشهد بها المخلصون من المشايخ والأدباء والشعراء والمثقفون لا زالت موجودة حتى الآن في مدن الساحل السوري، وذلك بما منّ الله علينا وتفضّل بها علينا بمعية وبتأييد وبمؤازرة المرحوم السيد حسن الشيرازي الذي كان يستمدّ عونه وتأييده والمشورة والمؤازرة من أخيه المرجع الكبير المرحوم الإمام السيد محمد المهدي الشيرازي قدس سره نزيل الكويت في تلك الأيام التي لا نذكرها إلا بالخير الكثير، والخير الوافر.

 

وحدة الكلمة هدف الشهيد:

 كيف استطاع الشهيد السيد حسن من تأسيس مكتب جماعة العلماء في بيروت؟ وما الغرض من تأسيس هذا المكتب؟

الذي أعرفه أنه كان يريد جمع كلمة علماء المسلمين قاطبة هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان يريد أن يكون هناك كيان للعلماء الجعفريين في بيروت، وقد بذل جهوداً مضنيةً، وليال طوال، وسهرات كثيرة، وأتعاب مادية ومعنوية حتى لتقوم هذه الجماعة، والتي كان يهمه من خلالها العمل على وحدة المسلمين سنة وشيعة، وتنظيم مساجد الشيعة وحسينياتهم وشؤونهم الدينية والمعنوية والاجتماعية.

 وقد وفّق إلى ذلك بحمد الله سبحانه وتعالى، فكانت هذه الجماعة التي كان هو رئيسها تعمل على مد اليد الكريمة البيضاء إلى جميع المسلمين في لبنان لكي تتوحّد صفوفهم، ولكي تكون كلمة الله هي العليا، وبالتالي كذلك أيضاً كان وباعتقادي عنده طموح أنّ هذه الجماعة يكون لها جهات ويكون لها عمل في مد اليد البيضاء للمسيحيين ولمطارنتهم ولكنائسهم حتى يتعارف المسلمون والمسيحيون على ثقافات بعضهم بعضاً، ولتكون هناك لقاءات أقلّها المحبة والتعاون والأخوّة في البلد الواحد، وفي المدينة الواحدة، وعلى حقيقة دينية واحدة دعت إليها الأديان السماوية الكبرى ألا وهي الإسلام والمسيحية واليهودية.

 

وللإسلام داعيا:

وكان هناك باعتقادي وبحسب معلوماتي زيارات بينه وبين البطرك في ذاك الوقت، وكان هناك زيارات مع بعض المطارنة، وربما زارنا الكثير من القساوسة ورجالات الدين المسيحيين الذين يودّون أن يتعرّفوا لا سيما على ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وعلى كربلاء، وعلى مقتل الإمام الحسين عليه السلام وعلى ثقافة أهل البيت عليهما السلام.

لقد أراد المرحوم المقدس السيد حسن الشيرازي من هذه الجماعة أولاً أن تتبنّى وحدة المسلمين الشيعة في إطار واحد، ونموذج واحد حتى لا تتفرّق أفكارهم وأهوائهم، وحتى تكون الأعمال في نسق واحد، وفي حقيقة واحدة، وتصدر من قبة واحدة، هدفها خدمة الإسلام والتقريب بين المسلمين والمسيحيين. وكذلك العمل على حض المسلمين على الجهاد في سبيل نهضة المسلمين، وفي سبيل دحر الصهاينة المجرمين اليهود الذين كانوا يتربّصون في ذاك الوقت بالجنوب اللبناني العزيز الشّر، وكانوا يتربّصون بالقدس الشريف، وكانوا يعملون على إذلال المسلمين العرب في حيفا ويافا والقدس الشريف وفلسطين وغيرها.

 

وللطغيان مكافحا:

لقد كان همّه أن نمدّ أيدينا إلى إخواننا الفلسطينيين لكي نقدم لهم العون والمؤازرة والدعم في كشف مظلوميتهم، والعمل على فضح نوايا اليهود في إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات عبر الاجتماعات والندوات، وعبر المحاضرات الكثيرة التي كان يتنقل المرحوم السيد حسن الشيرازي في طول البلاد وعرضها من شمال لبنان إلى جنوب لبنان وإلى بقاعه وإلى غربه في سبيل جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، والتقريب بين المسلمين والمسيحيين على كلمة سواء بيننا وبينهم ألاّ نعبد إلا الله، كما جاء في الذكر الحكيم في كتاب الله العظيم.

 

بدماثة خلقه وسعة صدره أنقذ الملايين:

 كيف تمكن الشهيد السيد حسن الشيرازي من توطيد العلاقة بالعلويين الشيعة على الساحل سواءً في لبنان أو في سورية؟

كما قلت لكم: أنّ بعض علماء الشيعة كانوا يذهبون إلى العلويين وهم يقولون أننا جئنا إليكم لكي ننقذكم من الضلالة إلى الهداية، ومن الكفر إلى الإسلام، ولهذا كانت هذه الزيارات وهذه الأعمال غير مجدية، بل كانت فاشلة، ولعلّها أوجدت بعض القروح في قلوب إخواننا الشيعة العلويين الجعفريين المسلمين في ربوع اللاذقية.

 وأما السيد فمن أخلاقه ومن دماثة معدنه وطيبه وإحاطته وفذلكته وعلومه وسعة صدره وفكره كان عنده فكرة:نحن وأنتم مسلمون.

وكان يعتقد بأن العلوية والشيعية هما اسمان مترادفتان لمسمى واحد ومعنى واحد، فكل شيعي هو علوي الهوى، وكل علوي هو جعفري المذهب، وهذا ما أشار إليه المرحوم المقدس في مقدمته الخالدة على البيان الخالد (العلويون شيعة أهل البيت).

 

ولهذا أقول:

إنّ هذا الرجل العظيم قد نجح في تبليغه وفي دعوته وفي حركته في جبال العلويين لأنه ذهب إليهم، وأكل من طعامهم، وشرب من مائهم، ونام على فراشهم، ولم يكن عنده فكرة سابقة أنهم غير مسلمين، وأنهم لا سمح الله من غلاة الجعفرية الشيعية الإمامية الإثنا عشرية على الإطلاق.

 وإذا كان هناك نقص في العلويين في إقامة الصلاة، وفي عدم وجود حرارة في صوم شهر رمضان المبارك، أو حرارة في الذهاب إلى حج بيت الله الحرام، فهذا سببه الظلم التاريخي والعسف والقتل والتشريد والانقطاع في الكهوف والجبال عن الحضارة والعلوم أكثر من أربعمائة سنة أو خمسمائة سنة، وهذه الحقائق كانت موجودة عند المرحوم قبل أن يذهب إليهم.

أضف إلى ذلك أنه كان رجلاً متواضعاً، وكان رجلاً بسيطاً، وكان رجلاً لا يحبّ الأبّهة ولا الكبرياء ولا الغرور، ومناطق العلويين هي مناطق بسيطة، على عظمة ما فيها من أدب وشعر وفكر وعلم ولكنهم قوم بسطاء، خلعوا عنهم كل شيء في فترة قرون الظلام إلا محبتهم وولايتهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

إنّ هذا الرجل مع الإمكانات المتواضعة التي كانت عنده، كان سخي الكف بالنسبة إلى العلويين، فقد أعطى كل ما يملك، وأخذ منهم محبّتهم واحترامهم لشخصه ولعلمه.

 

وشاركهم في السراء و الضراء:

وكان هناك إصرار أنه لم يكن هناك مناسبة وفاة أو أربعين إلا ويدعى المرحوم السيد حسن في ذكرى رجالاتهم وعلمائهم وأصحاب الشأن فيهم، حتى يتكلم عن الموت وعن الإسلام، وعن عظمة هذا الدين، وشؤون هذا الدين.

وكان المرحوم بحر لا ينضب، فكان يتكلم ثلاث ساعات (والله على ما أقول شهيد)، دون أن يكلّ، ودون أن يملّ، ودون أن يتعب، هذا الرجل كان خطيباً وكان محاضراً، وكان صاحب صدر واسع في الصبر والأناة.

إنّ مجموع هذه الصفات الكريمة هي التي جعلت دعوته تمخر عبابها في بحور العلويين، وفي أفئدتهم وفي قلوبهم، وحتى عند شيوخهم ونسائهم كان لهذا الرجل الاحترام الكبير والمودة الكبيرة.  

أضف إلى ذلك أنه قام بالخير الكثير بالنسبة إلى مشايخهم وشؤونهم ورواتبهم، وكثير من المكتبات التي زرعها في البيوت وفي المدن وفي القرى وفي الحسينيات وفي معاهد تحفيظ القرآن الكريم التي كان لنا شرف إشادتها في ذلك اليوم.

هذا كله باختصار لأنه لو أردنا أن نتحدث لطال بنا المقام والوقت.

 

طموح بلا حدد:

 ماذا كانت أفكار الشهيد السيد حسن بالنسبة إلى (25 مليون) علوي في تركية؟

أعود فأقول: كان همه الإسلام والمسلمين، ولكنه كان يرى أنّ العلويين الموجودين في تركية هم على جانب كبير من المظلومية والانقطاع عن العالم، وكانوا يقتربون من العلمانية، فأراد أن يمدّ اليد الكريمة والنفس السخية إليهم حتى يكون هناك وصال واتصال مع إخوانهم في الجمهورية العربية السورية، ومع إخوانهم العلويين في الجمهورية اللبنانية، فالعدد الكبير الموجود من جماهير المسلمين العلويين في ربوع تركية، والذي كنّا نعتقد يومها في السبعينات كان يتراوح ما بين اثنا عشر مليوناً وثلاثين مليوناً، ويتوزعون في أنطاكية واسكندرونة وأضنة ومرسين وكيليكيا وغيرها من المناطق،  

لقد كان همّ هذا الرجل أن نمدّ يدنا إلى هذه الجماهير، وأن نعرّفهم بالقرآن أو بنهج البلاغة، وأن نعرّفهم بالأذان، وأن نعمل ولو بإمكانيات متواضعة جداً على تقديم بعض العون المادي والمعنوي من كتاب أو مسجد أو حسينية أو مكتبة أو ما شابه ذلك.  

 

كان همه المسلمين أين ما كانوا:

 هذا الرجل كان مهموماً بالعلويين الشيعة في تركية، وكان يقول لي كيف ينبغي أن نصل إليهم؟ وما هي الطريقة التي يجب أن نصل إلى الخطاب معهم؟

قلت له: ابعث وفوداً من مشايخهم إليهم وهي الطريقة المثلى، لأنّ الحكومة في تركية علمانية وهي تناهض أيّ عمل ديني إلى أيّ مذهب انتمى، وحيث أنّ جماهير العلويين في اللاذقية يرتبطون بإخوانهم بأضنة أو بلواء اسكندرون بروابط الحسب والنسب والزواج والنكاح، وغير ذلك، فليس عليك سيدنا الأجلّ سوى أن ترسل من مشايخ العلويين الفضلاء في اللاذقية وعلى طريقة الزيارة أو السياحة أو الاصطياف إليهم، فيفحصون شؤونهم ويدرسون شجونهم واحتياجاتهم، ولعلّ الله يوفقنا وإياك يا سماحة السيد لما يحب ويرضى بهذا الشأن.

 

الوفد الأول إلى تركيا:

وأذكر جيداً أنه أوفد في المرة الأولى صديقنا الغالي العزيز المرحوم الشيخ فضل فضة (رحمه الله)، وفي المرة الثانية ارسل رجلاً فاضلاً من فضائلهم في اللاذقية وهو اليوم على فراش المرض (عافاه الله وشافاه) عنيت بذلك مدرّس الفتوى الجعفري فضيلة العلامة الشيخ إبراهيم النجار، والشيخ أبو يوسف هذا الفاضل الكريم من آل حلوم الذي زوجته السيدة الفاضلة أم يوسف هي من أضنة كان على صلة وثيقة بإخوانه العلويين بأضنة، فكان يذهب من خلالنا، وكان سماحة السيد يزوّده بما تيسّر لنا من (الكافي)، و(الكليني)، و(التهذيب)، و(الاستبصار)، و(الغدير)، و(الميزان)، فنرسله مع هذا الشيخ الفاضل إلى أئمتهم وإلى مشايخهم، وكنّا نرسل بعض الدريهمات التي كنا نمتلكها في ذاك الوقت بمعية سماحة السيد بشراء منزل صغير للإمام لتحسين مصلى أو قبة مسجد أو حسينية أو معهد، وبذلك على السنوات القليلة جداً التي قضيناها في ربوع اللاذقية وجبلة استطعنا أن نتواصل مع إخواننا جماهير العلويين لا سيما في أنطاكية والاسكندرون وأنطاليا ومرسين.

 

الشهيد يجسد رحابة الإسلام:

 كيف كانت علاقة الشهيد السيد حسن الشيرازي بمختلف المذاهب والأديان كالسنة أو مسيحية أو يهودية أو غيرها؟

أذكر جيداً أنه في فترة السبعينات انتقل إلى جوار ربه المطران  المعوشي فاستدعاني سماحته وقال: هل ترى من المناسب أن نذهب إلى البكركي ونقدم التعزية باسم سماحة الأخ المرجع السيد محمد إلى السادة المطارنة؟

قلت: إنها أحسن فكرة سيدنا.

 وعزمنا ونوينا وتوكلنا على الله سبحانه، وقمنا أنا وسماحته بزيارة البكركي وقدمّنا التعازي للقائم بأعمال البطركية في ذاك الوقت، وهو بطرك الموارنة الحاضر السيد الفاضل صفير، فاستقبلنا في البكركي استقبالاً طيباً، وتحدث سماحة السيد حسن عن الإسلام، وعن سعة صدر الإسلام، ورحابة الإسلام، وفكر الإسلام، ومحبة الإسلام، ومحبة المسلمين لإخوانهم المسيحيين.

وأذكر جيداً أن المطران صفير آنذاك قال له: إني أحب أن أعيد الزيارة إلى سماحتكم فأرجو أن تتكرموا عليّ بالعنوان والهاتف.

وغادرنا البطركية المارونية في البكركي بحفاوة كما استقبلنا بحفاوة، هذا أذكره جيداً.

 

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء:

وللتاريخ: نعم إن هناك بعض الآباء المسيحيين اتصلوا بسماحة السيد وكانوا على صلة بمحبة السيد، وفي دماثة أخلاق السيد، الذي كان يحدثهم عن الصلاة في الإسلام، وعن العقيدة في الإسلام، وعن التوحيد في الإسلام، وعن الزواج في الإسلام، وعن كل أركان الإسلام التي تريد منا إقامة مجتمع طيب مستقيم محب خال من المخدرات والكحول والفجور والخنا، يتحابب فيها جميع خلق الله على كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، بل إن هناك من القسس المسيحيين ومن خلال المرحوم السيد حسن الشيرازي أحبّ الحسين بن علي، وأحبّ ثورة الحسين عليه السلام، فكتب عن الحسين وعن ثورة الحسين عليه السلام، والكتاب موجود اليوم في بيروت، وأظن هذا الأب هو الأب أنطوان بارا، الذي كان يكثر من زيارتنا في ذاك الوقت.

هذا على الصعيد المسيحي، فالأولى والأجدى على الصعيد الإسلامي فالسيد (رضوان الله عليه) كان على صلة بالمرحوم محمد علي الزعبي الذي كان إمام مسجد العمري، وطلب مني لقائه، فقلت له: أطيب شيء أن نلتقي في المسجد بيت الله، فأعاد علينا الزيارة الدكتور الشيخ محمد علي الزعبي، وهو من دعاة الوحدة في المسلمين والتقارب ونبذ الخلاف والأحقاد التاريخية التي حلّت في قلوب المسلمين وأفئدة المسلمين وفي أسواق المسلمين.

 

تعاون على البر:

وكان هناك تعاون مع بقية علماء المسلمين في طرابلس وفي صيدا وفي البقاع، وحتى على صعيد دمشق طلب مني أن أحضر له العلماء المسلمين السنة ليشاركوننا عاشوراء في السيدة زينب عليهما السلام، فكان كثير من فضلاء المشايخ في دمشق الحبيبة والغالية في سورية يشاركوننا أفراحنا وأحزاننا بمواليد الأئمة ووفيات الأئمة عليهما السلام.

ومهما نسيت فلن أنسى، أننا اتفقنا في يوم من الأيام مع المرحوم الشيخ عبد الستار وزير الأوقاف أن نقيم عاشوراء في باحة مقام السيد زينب عليهما السلام، وأن ندعو إليها كل علماء المسلمين في سورية وكل المطارنة في سورية، ولهذا انتدبني سماحته مع الأخ الشيخ محمد إسماعيل الخليق إلى حلب، فذهبنا إلى حلب ودعونا المرحوم الشيخ محمد الحكيم مفتي حلب للحضور إلى هذا الحفل العظيم، ودعونا مطران السريان في حلب، ودعونا مطران الكاثوليك، ومطران الروم، ثم شددنا الرحال إلى اللاذقية وإلى طرطوس، ولئن كان المرض ألمّ يومها بالمرحوم الشيخ عبد الستار (رحمه الله) وزير الأوقاف ومفتي طرطوس في ذاك الوقت وإلا لكنّا قد أقمنا احتفالاً عاشورائياً لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

 

القلب الكبير:

نعم إن هذا الرجل المرحوم المقدس السيد حسن الشيرازي كان عالي الهمّة، كان رفيع الجناب، كان يسبر أغوار المسلمين في شتّى بقاع الأرض كي تكون المحبة والإخاء والصفاء والاشتياق واللقاء هو الهدف الأسمى لتوحيد كلمة المسلمين ولجمع كلمة المسلمين، ولرباط الجميع في سبيل كلمة المسلمين، وفي سبيل دحر ما يحيكه اليهود والنصارى من مؤامرات ودسائس لكي يهدموا وحدة المسلمين ويشقّوا وحدة المسلمين، ويشقّوا بلاد المسلمين، ويجعلوننا أيادي سبأ.

إنّ هذا الرجل المقدس المرحوم السيد حسن كان فؤاده يرنو إلى المسلمين في شتّى أصقاع الأرض، فكان يفكر بالمسلمين في استراليا وفي كندا وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أفريقيا، وإنه بالفعل زار أفريقيا مرة وثانية وثالثة، وجعل هناك أئمة للمسلمين الشيعة في تلك البقاع يمثّلونه، ويمثلون مرجعية أخيه المرحوم السيد محمد الحسيني الشيرازي (رضوان الله عليه).

كان همّه وحدة المسلمين، كان همّه أن اليد المسلمة تمتد إلى المسيحيين لكي نعرّفهم أنّ اليهود يتربّصون بالمسيحية وبالإسلام شراً، فإذا كان هناك بعض المسيحيين ينظر إلى اليهود نظرة طيبة كان السيد يقول: أنظروا إلى أفعالهم إنهم يريدون بالأقصى كما يريدون بكنيسة القيامة، إنهم يريدون بالإسلام ما يريدونه بالمسيحية، إنهم هم في زعمهم شعب الله المختار الذي خلقهم الله ولم يخلق غيرهم، فكان عملنا الحثيث مع المرحوم السيد حسن أن نجمع قدر الإمكان كلمة المسلمين في شتّى أصقاع الأرض لا سيما في سورية وفي لبنان التي كان سماحته (رحمه الله) يتنقل على الأكثر بين بيروت وبين الشام.

 

لجنة الموسوعة:

 هل لديكم كلمة أخيرة توجّهونها في برنامجنا؟

إذا أردنا إحياء ذكرى الإمام الراحل السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه)، وإذا أردنا أن نحي ذكرى الفيلسوف الشهيد السيد حسن الشيرازي، فما علينا إلا أن نوجد لجنة من أفاضل المسلمين كي تدرس آثار هذين العظيمين من كتب ومؤلفات ومشاريع، وأن نقتدي بهما، ونعمل على نشر سيرتهما البيضاء التي تعبق بعظمة الإسلام وسماحة الإسلام ونداء الإسلام وخصوبة الإسلام وفكر الإسلام وتسامح الإسلام.

أدعو لتشكيل لجنة من أكابر فضلاء وعلماء الشيعة كي تدرس مؤلفات المرحوم رجل العرفان السيد حسن الشيرازي ولا سيما موسوعة الكلمات، بدءاً من (كلمة الله)، و(كلمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله)، و(كلمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام)، هذه الموسوعة التي أحبّ أن يسميها سماحة العلامة الشيخ حسين الفاضلي أنا أدعو إلى نشرها من جديد وإلى طرحها من جديد بأسلوب بسيط يستفيد العام والخاص وجميع المسلمين لأيّ مذهب انتمى، ولأيّ فرقة انتمى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على خير خلفه محمد وآله الطيبين الطاهرين.