|
لقاء مع الشيخ عبدالرسول الحجازي
اللقاء: الخامس عشر. الشخصية المحاورة: الشيخ عبد الرسول الحجازي(لبنان). المكان: بيروت ـ بئر العبد. التاريخ: 8/10/2005م ـ 5/رمضان/1426 هـ.
تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين. وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم بسم الله الرحمن الرحيم: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). صدق الله العلي العظيم وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : «إنما مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طمست أوشك أن تظل الهداة». أنطلاقاًَ من الحديث الشريف أعلاه فإن العالم في زمانه لا تلتبس عليه اللوابس فيعرف الحق حقاً فيتبعه ويعرف الباطل باطلاً فيجتنبه فالعالم ينظر بنور الله فلا يضل ابداً فالأحرى بمن يريد النجاة أن يتمسك بهدي العلماء فإنهم الطريق القيّم والمنار الذي لا يخبوا ابداً حتى وأن رحل عن هذه الدنيا فإن أنواره تتجسد لنا طريقاً مستقيماً معبداً يسلك بنا إلى سبل الله الواضحه وأعلامه الناصعه ومن هؤلاء العلماء الذين لم يخبوا ذكرهم وأثارهم دلدت سماحة آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي قدس سره أردنا التعرف عليه أكثر لنستنير بهداه فحاورنا أحد المقربين منه وهو احد أساتذة حوزة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو فضيلة الشيخ عبد الرسول الحجازي.
اطلالة على حياة الضيف المحاوَر: ولد سماحة الشيخ حجازي في بلدة «عيترون» قضاء بنت جبيل وذلك في عام (1933م). نشأ وترعرع في نفس البلدة، ثم بعد ذلك درس في المدارس الحكومية في بيروت. وبدأ دراسته الدينية عند سماحة العلامة المرحوم الشيخ حبيب آل إبراهيم، وسماحة الشيخ عبد الكريم شمس الدين حفظه الله، والعلامة المرحوم الشيخ حسين معتوق وبعد ذلك غادر إلى النجف الأشرف، وذلك في عام (1959م)، حيث درس على يد أساتذتها وأعلامها، أمثال السيد محي الدين الغريفي، آية الله الشيخ حسن طراد العاملي، والسيد محمد حسين الحكيم، وحضور بحوث الخارج عند سماحة آية الله السيد أبو القاسم الخوئي، والشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر. لسماحة الشيخ وكالات كثيرة وعديدة وتوثيق من العلماء والمراجع العليا العظام، وأولى هذه الوكالات كانت لسماحة السيد محسن الحكيم مرجع الطائفة العليا في العالم، والسيد الخوئي، والشهيد السيد محمد باقر الصدر حيث كان وكيلاً عنه في مدينة الإسكندرية بجنوب العراق. غادر سماحة الشيخ حجازي النجف الأشرف إلى بلاده لبنان، وذلك في عام (1973م)، حيث إلتقى بالشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره، وبعد تأسيسه لمدرسة وحوزة الإمام المهدي عليه السلام في بيروت كان سماحة الشيخ عبد الرسول من أوائل الأساتذة فيها.
في حوزة الإمام المهدي كان اللقاء: ● ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد حسن الشيرازي؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرت؟
طبعاً بعد أن غادرنا النجف الأشرف ورجعنا إلى وطننا لبنان وأخذنا نقوم بدور التبليغ والعمل الإسلامي والديني ضمن المجالات المتاحة، كثيراً ما كانت علاقتي وثيقة مع العلماء البارزين وأهل العلم الكبار المرموقين أصحاب الفضيلة، وأصحاب النشاط الديني والعمل الإسلامي المرموق، فكنت كثيراً ما أتردّد وألتقي بهم من أجل الاستفادة، ومن أجل المعونة في مجال التبليغ لي شخصياً. وكان من البارزين والمرموقين بالعلم والتقوى والفضيلة والورع والزهد والأخلاق السامية والعالية هو سماحة الإمام المقدس الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره. وكان طبعاً له نشاطات في مجال الكتابة والدرس والتدريس في حوزة الإمام المهدي التي أنشأها في منطقة برج البراجنة. ومن دواعي التوفيق وحسن الحظ أنّه توفّقت لأن أقوم بتدريس بعض الدروس الفقهية والبلاغة والمنطق واللغة وما شابهها في هذه الحوزة، حتى كان لي ولد متفرّغ في طلب العلم منتسباً في نفس الحوزة. وكانت علاقتنا معه في هذه الحوزة وفي هذا المعهد الإسلامي وفي مجال الدرس والتدريس، وكنّا طبعاً نرافقه في كثير من المناسبات، وفي كثير من الأمور العامة والخاصة التي نلتقي فيها في حالات كثيرة.
الأخلاق المثالية: ● ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد السيد حسن؟
إن أخلاقه وأسلوبه كان فريداً ومجيداً في هذا المجال، وفي الحقيقة مع كل الناس، ومع رجال الدين وأبناء الطلبة وسائر الناس. وهذه هي الأخلاق المثالية التي هي متجسّدة في رجل الدين المقدّس الذي لا تلوّن فيها ولا تصنّع ، وإنما هي مسترسلة بشكل طبيعي وبشكل مزاجي عمّق نفسيته المقدسة وأخلاقه العام.
هموم المسلمين همه: ● هل كان الشهيد السيد حسن يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟ بالفعل كنّا نسمع منه الكثير حول هذه الأمور التي تتعلق بالمسلمين، وفي الإنسان أيضاً كإنسان، وطبعاً كرجل دين مسلم يهمّه أمور المسلمين، ولكن في نفس الوقت كان يهتم بأمور الإنسان وأمور الناس جميعاً، وكانت خدماته أيضاً عامة للجميع، وفي كل المجالات كان الناس يستفيدون منه، وكان هو يركّز على هذه الخدمة العامة الشاملة لجميع الناس.
نكران الذات دليل أخلاصة:
طبعاً كان يملك التصرف بهذه الأموال للمصالح العامة والمشاريع الخيرية، وخدمة الطلبة والفقراء والمساكين والمعوزين وأصحاب الحاجات الضرورية، لا أنه كان يملكه لشخصه، ولذلك كان لا يتصرف من هذه الأموال إلا بمقدار الضرورة من القوت واللباس. ولو كان يملك هذا المال ملكاً طلقاً ربّما تصرّف أكثر من ذلك. ومع ذلك كان في كل الحالات التي له رخصة في التصرف كان لا يملك بيتاً، ولا يملك عقاراً، ولا يملك سيارة. وإنما كان إنساناً عادياً في مأكله وملبسه ومشربه، وفي كل أموره. وهذا دليل على الصدق في العمل والإخلاص في العمل، وعلى الأمانة العظمى التي يقوم بها في الحفاظ على أموال المسلمين وعلى خدمات المسلمين، وهذه تدل على مستوىً راقٍ في التّقوى والورع والإخلاص بالعمل والزهد في الحياة. وهذا شيءٌ فريد ومجيد أن يتحلّى الإنسان بهذه القناعة وبهذا الزهد وبهذا الاسلوب في مجال الحياة، مع القدرة أن يتصرف بما يريد، ويتمتّع بما يشاء من الأموال وما شاكل ذلك.
درس السلوك الإنساني: ● ما هي الدروس التي كان الشهيد يدرّسها في حوزة الإمام المهدي عليه السلام؟
وأما بقية الدروس فكانت دروساً ابتدائية والسطوح العادية كان يقوم بها بعض الإخوة وبعض المشايخ والطلبة، ولكن الدروس الأساسية والرئيسية الراقية في تدريس الحوزة كان هو بنفسه يتولّى أمورها. وطبعاً كان له درساً خاصاً في الأخلاق وفي السلوك الإنساني وما ينبغي للإنسان أن يكون عليه. وبالفعل كنت أتمنى وأتشوق لو أنّ هذه المحاضرات الأخلاقية بصورة خاصة، والإرشادات والتوجيهات المثالية في مجال الأخلاق والدين والإيمان أن تكون مسجّلة لأحتفظ بها وأستفيد منها حاضراً ومستقبلاً، وأن تكون أيضاً دروساً للإفادة والاستفادة، ولعلّني قد سألت بعض المقرّبين من الشهيد المقدّس إذا كانت توجد هذه الأشرطة أشرطة التّسجيل أو كتابات حول هذه المحاضرات بصورة خاصة. وبالفعل أنا على شوقٍ كبير للحصول على تلك المحاضرات التي كنت أسمعها بحيث يشهد الله أشعر أنه كانت تأخذ بمجامع قلبي، وكانت تجعل من الإنسان أن يكون خاشعاً، وأحياناً يبكي ودموعه تجري خشوعاً من هذا الكلام العظيم الذي يؤثر في القلب وفي أعماق الناس. والله يشهد أنني كنت كثيراً أتأثر لتلك المحاضرات.
شعاره الحكمة والموعظة الحسنة: ● أذكروا لنا بعض النشاطات للشهيد في بيروت؟ سواءً الثقافية أو الدينية أو السياسية؟ طبعاً كان يلتقي مع الجميع، حتى مع من كان ينتقده ويتكلم عليه، ومع خصومه، وربّما إذا سمع شخص يتحايل عليه ويغتابه يزوره كأنّه لا علم له بهذا الموضوع، وكان طبعاً يلتقي بكبار رجال الدين والسياسة، وعلى جميع الأصعدة كنشاط ولقاءات وندوات ومقابلات على الهواء وغير الهواء، كانت كلّها بالفعل وعلى جميع الأصعدة، وكنّا نعرف عنه هذا النشاط وهذه اللقاءات العامة.
أسلوب مثالي في أخلاق عالية: ● كيف استطاع الشهيد السيد حسن من تأسيس جماعة العلماء في لبنان؟ وما الغرض من هذا التأسيس؟
وهذا العمل الذي أوجد أثراً وفائدة كبيرة في لبنان، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى أطال عمره لكان عمل كثيراً في لبنان، وفي العالم. وهذه الأسرة الكريمة، ومن بيت عريق (الأسرة الشيرازية) معروفه بالعلم والجهاد، بدءاً من السيد الميرزا مهدي المقدس المرجع والدهم، وأخوه الإمام الراحل السيد محمد، وأخوه اليوم المرجع السيد صادق، وكل هذه الأسرة فعلاً إنّها تقوم بجهدٍ كبير وبعملٍ عظيم جداً في مجال التأليف والنشرات والكتابات والمساعدات، وكل الأمور التي تعود بالمجتمع الإسلامي بالنفع. وهذا شيء مهم جداً أن يصدر من رجل الدين، وأن يوفّق لمثل هذه الأعمال الكبيرة والمجالات الواسعة.
نظرية التعايش السلمي: ● كيف كانت علاقته بمختلف المذاهب والأديان كالمسيحيين أو كالسنة أو غيرهم؟ كان قدس سره يدعو للتعايش السلمي الإسلامي بين جميع المذاهب الإسلامية، وكان يحاول ويعمل على صعيد التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، وبداية التعايش السلمي كانت من فكرته ولعله السبّاق لها، ولذلك أصبحت الآن هذه الفكرة متداولة وأصبح يعمل لها الكثيرون مما يهمّه أمر التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، وبين كل الفئات في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان. وهذه فعلاً أصبحت نظرية متبعة، وأنها محل للاهتمام عند رجال الفكر والعلماء المخلصين. وهذا شيء جيد جداً ومهم.
التنظيم أسلوب الشهيد: ● كيف كان ينظر الإمام الشهيد لمقاومة العدو الصهيوني وقضية القدس؟ وما هي مساهماته في هذا المجال؟
وكان بالفعل كثيراً ما يحاول أن يؤسّس ويدعو إلى العمل المنظّم والمسلّح من أجل تحرير القدس ومن أجل تحرير فلسطين. وهذه القضية تعتبر من القضايا الإسلامية، ومن الثوابت في الإسلام، وعمل في هذا الصعيد فعلاً كثيراً، وكان له تأثير كبير في هذا الجانب.
أثارهم تدل عليهم: ● سماحة الشيخ هل لديكم كلمة أخيرة توجّهونها حول الشهيد السيد حسن الشيرازي؟ إنّ موضوع الشهيد السيد حسن قدس سره هي أن آثاره تدلّ عليه، من المؤلفات، ومن كل من يعرفه، في أخلاقه، وفي علمه، وفي ورعه، وفي تقواه. وهذه الأسرة الكريمة أسرة آل الشيرازي طبعاً لا تخفى اليوم على أحد، واليوم فإنّ الكل يعرف نشاط هذه الأسرة أنها في خدمة الدين، وفي خدمة الإسلام والمسلمين، وفي خدمة المجتمع العام للإنسان والبشرية. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نوفّق للسير على هذا النهج، وللعمل على هذا الطريق طريق الإسلام ومبادئه الرفيعة والكبيرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
|
|