لقاء مع السيد محمد علي الحسني

اللقاء: الرابع عشر.

الشخصية المحاورة: السيد محمد علي الحسني (لبنان).

المكان: بيروت ـ الغبيري.

التاريخ: 9/10/2005م ـ 6/رمضان/1426 هـ.

 

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).     صدق الله العلي العظيم

وقال رسول الرحمة والإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم: «إنّ مثل أهل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طمست أوشك أن تظل الهداة».

مما لا ريب فيه بل متفق عليه أن العلماء هم أكثر الناس خشيه من الله سبحانه وتعالى وذلك لدليل القرآن المتقدم وبدليل العقل كذلك فالعلماء هم أكثر الخلق معرفة بالحق تعالى يعرفونه بما عرف نفسه به بصفاته وأسمائه ومن هنا أتخذ الأخلاص في عملهم مأخذُه فكانوا مجاهدين عاملين متألقين في سماء الشهادة مع الأبرار والقديسين وحسن أولائك رفيقا، ومن هؤلاء الأفذاذ سماحة السيد الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره فمن أجل التعرف عليه أكثر حاورنا فضيلة العلامة حجة الإسلام والمسلمين محمد علي الحسني.

 

وقفة مع الضيف المحاور:

ولد سماحة السيد الحسني في مدينة النجف الأشرف مدينة العلم والعلماء، وذلك في عام (1932م)، حيث نشأ وتربّى في هذه المدينة، ودخل فيها في السلك الحوزوي وما زال شاباً ويافعاً حيث درس على يد أساتذتها وعلمائها الأجلاّء أمثال المرحوم السيد محمد تقي الحكيم، السيد محمد حسين الحكيم، الشيخ محمد الحلي، ودرس بحوث الخارج فقهاً وأصولاً على يد الإمام الخوئي، والسيد محمد الشاهرودي.

وسماحته أيضاً متخرّج من كلية الفقه وذلك في عام (1968م).

عاد إلى بلده لبنان في بداية السبعينات حيث عمل خطيباً ومبلغاً دينياً ومربياً في بلدة مركبة الجنوبية، وبعد الاحتلال الصهيوني الغاشم انتقل إلى بيروت وتعرّف على الشهيد السيد حسن الشيرازي منذ قدوم هذا الأخير إلى بيروت، فكان من المرافقين له باستمرار في بعض جولاته في لبنان وفي بيروت.

له كتاب مطبوع بعنوان ( الأخلاق والحياة الاجتماعية)، وكتاب آخر بعنوان (في ظلال التشيع) حيث طبع هذا الكتاب مرتان في بيروت وفي الكويت، وله أيضاً كتاب آخر بعنوان (دراسات في عقائد الشيعة الإمامية).

وكتاب عن سيرة الإمام المرتضى علي بن أبي طالب عليه السلام بعنوان (سيرة المرتضى عليه السلام).

 

جبل عامل ــ من أبي ذر إلى الشهيد الشيرازي:

   سماحة السيد ما هي علاقتكم بالشهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرت؟

 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم، وآله الطيبين الطاهرين.

  قبل هذا السؤال يجب أن يسأل لماذا اختار السيد الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) لبنان وجبل عامل؟

جبل عامل كما هو معروف لكثير من العلماء والأدباء مركز علم منذ الصحابي أبي ذر الغفاري، فلذلك الشيعة في لبنان وجبل عامل ينتسبون إلى أبي ذر، ولولا أبي ذر لما وجد الشيعة في جبل عامل، فهم تربية أبي ذر (رضوان الله عليه).

وتخرج من جبل عامل كثير من أكابر العلماء وأجلائهم وعظمائهم، كالشيخ البهائي العاملي (رضوان الله عليه) والمدفون في مقام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام  في مدينة مشهد الإيرانية، وكالشيخ صاحب (الوسائل) الحر العاملي قدس سره  والمدفون أيضاً في صحن الإمام الرضا عليه السلام  وله مزار، وأيضاً الشهيدين الأول والثاني صاحب (اللمعة الدمشقية) وشرحها، والسيد محمد العاملي صاحب (مفتاح الكرامة) عدة مجلدات في الفقه، والشيخ العلامة الكركي، حتى قيل أنه أحد العلماء الكبار في ذلك الوقت توفيت ابنته في بلدة «جباع» فصلي عليها أربعون مجتهداً.

فجبل عامل لا زال يضخّ بالعلماء العظام والكبار إلى أن وصل الدور بالسيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره، والسيد محسن الأمين، وبعد ذلك الشيخ محمد جواد مغنية، والكثير الكثير من هؤلاء الرجال العظام، قسم منهم أحياء، وأغلبهم توفّوا.

حتى أنّ النائيني (رضوان الله عليه) كان يرجع الشيعة في لبنان إلى الشيخ حسين مغنية الذي كان رفيقاً ومعاصراً للشيخ النائيني (رضوان الله عليه)، وعلى ما سمعت كان يقول: قوله قولي ورأيه رأيي فارجعوا له بكل مسائلكم وأموركم.

 

لبنان اختيار الشهيد:

فالسيد حسن (رضوان الله عليه) الشهيد السعيد اختار لبنان وهو يعرف أنّ لبنان وبالأخص جبل عامل مركز هائل للعلم والبيوتات العلمية، فدخل إلى لبنان قبل أن يبدأ بأيّ عمل من الأعمال، ودرس الوضع اللبناني، والعادات والتقاليد اللبنانية، لأنّ لكل بلد عادات وتقاليد، ثم انطلق، وعندما انطلق الكل حسبوه أنه لبناني وانسجم مع اللبنانيين بعاداتهم وتقاليدهم وآرائهم وأفكارهم، وكأنه واحد منهم، فانطلق.

ونحن رأينا فيه النبوغ والعبقرية وعلم هائل، والانفتاح على كل المستويات، وكنّا بالفعل بحاجة إلى أمثاله، وقد رافقناه لعلمه ولسيرته الطيّبة وخلقه الواسع، ولباقته ولياقته وجهاده وأفكاره مباينة لأفكاره إلى أبعد الحدود.

وكان في الواقع عبقرياً نابغاً، وكان محبوباً، وقد أحبّته كل الطبقات السياسية والعلمائية، وجماهير الشعب، لطيبه وخلقه الكريم ولمكانته، ولنظرته البعيدة، ولتعلّقه بالفقهاء والمستضعفين، والناس العاديين، فكان المرجع لكل هذه الطبقات ولكل هذه الجماهير الموجودة.

 

التواضع الباهر:

   ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد السيد حسن؟   

 هو اكتسب هذا الحب عند الناس وعند الجماهير سواءً المثقفين أو غير المثقفين لخلقه الكريمة ولتواضعه.

كان خلوقاً إلى أبعد الحدود، وكان يجلس مع الإنسان العادي أو غير العادي لا يجد الفرق بينه وبين الجليس، بينه وبين السيد، لتواضع السيد، وخلق السيد، فلذلك أحبّوه كثيراً وكان متواضعاً إلى أبعد الحدود، فلذلك كانت الجماهير تحبه، وكان المحبّون له كثيراً بمختلف الطبقات.

 

أخلاص لله فرفعه الله:

   سماحة السيد من خلال معاشرتكم للشهيد السيد حسن كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة؟ وما هي منابع هذه العبقرية؟

 يعني كما تحدثت إنه كان خلوقاً إلى أبعد الحدود، ومتواضعاً إلى أبعد الحدود، فكان لبقاً ولائقاً، وكان محباً لكل الناس، ومريداً لكل الناس، ويعطف على كل الناس، وخاصة الفقراء والمساكين والمعوزين وأصحاب الحاجات.

 

تمثل بأجداده فأحبه الناس:

   كيف كان يتعامل الشهيد مع الناس عامة؟ وكيف كان تعامله مع زائريه ومع ضيوفه؟

 كما ذكرنا فإن تعامله مع الناس عامة باللطف والإحسان والأخلاق السامية والرفيعة.

كان بأخلاقه يمثّل أجداده الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

كان متواضعاً، وهذا التواضع والأخلاق هي التي جلبت الناس، وهي التي حببت الناس فيه.

 

وللحياء في خُلُقه شانُ:

   أنقلوا لنا بعض القصص أو بعض الخواطر والذكريات التي تخصّ الشهيد في مختلف جوانب الحياة؟

 الشهيد (رضوان الله عليه) كما أذكر قضية واحدة، فقد كانت هناك امرأة لأحد الشخصيات اللبنانية، زوجة وزير أو نائب في البرلمان، كانت لها قضية من القضايا مع زوجها أو مع الآخرين، طلبت لقاءً من السيد (رضوان الله عليه)، فدخلت على السيد، وذكرت القصة وشؤونها وشجونها والقضية التي من أجلها جاءت وخرجت بعد جلسةٍ طويلة.

سألت: كيف رأيت السيد.

قالت: رأيته وهو لم يراني.

قيل لها: وكيف ذلك فقد دخلت إليه فأنت رأيته وهو لم يراك؟

قالت: دخلت عليه ونظره إلى الأرض، وتكلمت بقضيتي بالتفصيل وكان يجيب وكان يضع بعض الحلول لقضيتي ورأسه في الأرض وما رآني، إلى أن ودعته، فقام وودّعني ونظره في الأرض.

نقلت لي هذه القصة عن هذه المرأة، قالت: دخلت عليه وهو لم يراني إلى أن خرجت.

 

قلًب أحاطًَ بالدنيا هموما:

   هل كان الشهيد يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟

 طبعاً، فالهموم ومشاكل الناس ومشاكل العالم الإسلامي والمصائب التي تحل بالأقطار الإسلامية وبلبنان، وغير لبنان، فقد كانت في الواقع هي التي تحدّ من قواه، وكان يتألم كثيراً، وخاصة عندما يكون هناك مصائب من الزلزال أو الحروب، أو مصائب على المسلمين بشكل عام، كان يتألم كثيراً وينزعج ويحاول أن يحلّ بعض المشاكل، خاصة عندما تكون بالنسبة إلى الزلازل كان يحاول ويرسل بعض المساعدات كما سمعت، ويساند بحلّ تلك المشاكل.

وكانت الأمور التي يستطيع حلها كان يبادر إلى حلها بشكل سريع، والتي كانت بعيدة لا يمكن أن يحلها أو يتدخل فيها كان يتألم وينزعج منها كثيراً.

 

لله دُر الإخلاص كيف ينمو:

   هل تتذكرون بعض أصدقاء الشهيد؟ ومن هم أعوانه في أعماله؟

 كل المحبين والمريدين والمخلصين له كانوا هم أصدقاؤه وكانوا هم أعوانه، وما كان أحد منهم يتلكأ أو يتأخر لأنهم وجدوا فيه الصدق والوفاء والعلم والإخلاص والحب إلى الناس وإلى الجماهير، فكان الكل يتمنّون أن يكونوا معه، والذين لم يكونوا معه كانوا يتمنون أن يكونوا معه (رضوان الله عليه).

 

مواجهة الطواغيت شهادة:

  ما هي الأسباب وراء اغتيال الشهيد السيد حسن في بيروت؟

 لا يمكن أن يغتال واحد عادي، لأن العادي لا يغتال، لأنهم لا يخافون منه، فالشخص العادي البسيط الذي ليس له موقع ولم يكن عنده مسؤولية فهذا يعيش بسلام ويموت بسلام، وأما الذي عنده قضية، وهمّه همّ الإسلام وانتشاره، فهؤلاء دائماً يكونوا معرّضون لأعداء الإسلام، وخاصة في بلادنا في لبنان، من الصهيونية وأعوانهم واليهود وأعوانهم وعملائهم، فهؤلاء معرّضون.

وبالأخص موقفه ضد الدكتاتور البائد الذي كان يحكم في العراق من صدام وأعوانه، فقد خرج من العراق بعد أن سجن وبعد أن عذب وبعد أن هتكت حرمته، فخرج وهاجر إلى لبنان، وظل ملاحقاً، ورأوا أن هذا السيد (رضوان الله عليه) لا يمكن  له أن يسكت ولا يقرّ له قرار إلا بالمواجهة وبالنضال والتحريك للمجاهدين في العراق وتشجيعهم، فرأوا أنهم يغتالوه جسدياً أفضل من أن يبقى.

وهذا شأن أجداده، لأنّ الحق والباطل لا يمكن أن يجتمعا في مكان، فدائماً كان الأئمة عليهم السلام موضعاً للاضطهاد وموضعاً إلى القتل لأن الخلفاء في ذلك الوقت من الأمويين والعباسيين الذين يحكمون لا يمكن لهم إلاّ أن ينعموا في ملذاتهم وشهواتهم وكراسيهم، وعندما يأتي إنسان فيقف بوجههم ويحاربهم، ويقول لهم: هذا لا يجوز وهذا حرام، وهذا كذا، ويحرك الناس والجماهير فيقدمون إلى قتلهم، فلذلك: «ما من إمام إلا وهو مسموم أو مقتول».

فالشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) على طريقة خطهم، خط الأئمة وأجداده عليهم السلام من النضال والجهاد، فلذلك قتلوه وظلموه.

 

عزيز جمع القلوب محبةً:

   كيف كانت علاقة الشهيد السيد حسن مع الحكومات في لبنان وفي سورية وفي أفريقيا؟

السيد حسن (رضوان الله عليه) دخل إلى كل قلب، إلى قلوب العلماء وإلى قلوب الزعماء وإلى قلوب السياسيين وإلى قلوب الأدباء وإلى قلوب الحكام، وهو الذي فرض نفسه عليهم بسلوكه وأخلاقه وسيرته وبعد نظره، وهو الذي فرض نفسه على الحكام والساسة من وزراء ونواب، وفرض احترامه وتقديره، وحتى أنه كان يعتبر أكبر شخصية في لبنان، وكان محترماً ومقدّراً.

وهكذا كان في سورية، وكان يتعامل هناك مع السياسيين باللطف والحكمة والتوجيه والنصح، وكان هذا ديدنه، وكان هذا عمله.

 

كلما أفلَ نجمً بزغَ لهم نجمً:

   كيف فكر الشهيد في إنشاء حوزة علمية في سورية؟

 عندما حصل الاضطهاد في العراق وملاحقة العلماء وقتلهم بما فيهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وتخريب الحوزات في سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف، وهتك حرمة الحوزات، وهدم بعض المؤسسات والمدارس، وقد دخلت أنا في بعض الزيارات قبل سقوط الطاغية إلى الإمامين العسكريين وذهبت إلى مدرسة الشيرازي الكبير في سامراء، ووجدتها خربة، فسألت عنها، فقيل لي: لقد جرفت المدرسة.

أي فنيت وتلاشت وأصبح مكانها شارعاً، وأتذكر أنني قد سكنت هذه المدرسة حوالي الثلاث سنوات، وكانت فيها مائتي غرفة، فذهبت، وهكذا في الكاظمية، وكربلاء، والنجف، وبعثرة الكتب، واغتيال العلماء، وإغلاق المدارس، ومنع الطلبة من دخول هذه المدارس الدينية، والكل هجّروا وأخرجوا من العراق بدءاً من الإيرانيين إلى إيران، واللبنانيين إلى لبنان، وهكذا لم يبق في العراق، فاضطر الشهيد (رضوان الله عليه) على أن يقوم بمشروع مؤسسة في السيدة زينب عليها السلام، لأنها عتبة مقدسة، وقد هاجر إليها كثير من العراقيين والعلماء، وكثير من الطلبة الذين كانوا في النجف الأشرف وكربلاء من الطلبة الأفغانيين والباكستانيين والإيرانيين الذين هاجروا إلى السيدة زينب عليهم السلام، فاحتضنهم الشهيد سماحة السيد (رضوان الله عليه)، وأسس لهم مؤسسة علمية لكي تحتضنهم ويدرسوا فيها ويتابعوا دراساتهم الخاصة والعليا كدراسة السطوح حسب التعبير الحوزوي ودراسة بحث الخارج.

فكان المشروع مشروعاً ناجحاً وقيّماً وبسرعة فتحت المدارس وبالأخص الحوزة العلمية الزينبية في السيدة زينب عليها السلام، ومن ثم أصبحت هناك مدارس أخرى جديدة بجانب الحوزة الزينبية.

 

وتشيع بهداهُ الملايين:

  سماحة السيد كيف تمكن الشهيد من توطيد العلاقة بالعلويين الشيعة على الساحل السوري واللاذقية؟

 هو كما قلت كان (رضوان الله عليه) منفتحاً إلى أبعد الحدود مع كل الطبقات ومع كل الناس، وكان يعرف أنّ في سورية منطقة طويلة اسمها جبال العلويين، هؤلاء مشهورون عنهم أنهم يحبون علياً عليه السلام، فحاول السيد (رضوان الله عليه) أن يمدّ الجسور معهم وتغلغل في أوساطهم ونجح، ووزع عليهم الكتب والمناشير والمطبوعات، وأرسل الطلبة إليهم للتبليغ في بعض المناسبات، وأسس لهم بعض المساجد والحسينيات، إلى أن تشيّع كثير منهم، وكان همّه أن لا يبقى علوي في سورية إلاّ وأن يجعله مؤمناً شيعياً علوياً، ولكن الأجل قد داهمه.

 

أغتنموا الفرص فهي تمر مرََ السحاب:

  كيف استطاع أن يكتب هذه الكتب العميقة بدءاً من موسوعة الكلمة، مع كثرة مشاغله ومع كثرة أعماله؟

في الواقع أنا كنت أتعجب لأنه قضى أوقاتاً كله بالاستقبال للناس ومشاكلهم وبالمحبين وبالزوار وبالمقابلات السياسية وغير السياسية، فكانت أوقاته مليئة بالأعمال، وحتى في الليل كان إلى آخر الليل يقضي بالمواعيد والاستقبالات والتوديع وإلى آخره، فكنت أتعجب أنه كيف يستطيع أن يطالع ويكتب ويراجع بعض المصادر.

فأتذكر أنني مرة سألته هذا السؤال؟ فقال: إنني أنام فترات قليلة، وهي تعوض عن النوم الكثير، والأعمال الكثيرة تحتاج إلى سهر وإلى فكر وتحتاج إلى كتابة وإلى مطالعة، فكنت أغتنم الفرصة وخاصة في أواخر الليل وأكتفي بالنوم القليل، وأكتب.

إذاً في هذه الأوقات القليلة كان يكتب وينشر في الصحف وغيرها.

 

المسلمون كالجسد الواحد:

   كيف كان ينظر الشهيد إلى مقاومة العدو الصهيوني وقضية القدس؟ وما هي مساهماته في هذا المجال؟

 قضية القدس، وقضية فلسطين قضية عامة شاملة، وهي قضية ما من مسلم من المسلمين إلاّ وهو يتألم لما جرى على فلسطين والقدس الشريف، لأن فلسطين بلاد إسلامية وفيها المدن الإسلامية والقرى الإسلامية، فدخل اليهود ودخلت الصهيونية، فشتّت هذا الشعب المسلم إلى خارج فلسطين، حيث هاجروا قسم منهم إلى لبنان، وقسم إلى سورية ومصر، وغيرها من البلاد فسكنوا في مخيمات لهم في داخل فلسطين حتى لا يتركوا الأرض ولا يتركوا البلاد، فلذلك قضيتهم قضية إسلامية بحتة «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم».

وكان من هذا المنطلق كان السيد يتألم ويتأذّى ما حلّ بالشعب الفلسطيني، وبالأمة الإسلامية الموجودة في فلسطين، وكيف أنّ الصهيونية واليهود احتلوا هذه البلاد.

وفي الواقع أن أسبابها هو تقاعس من المسلمين حيث تركوا المجال لأعدائهم، وأغلب من كان من الزعماء في ذلك الوقت كانوا عملاء إلى الأجانب وإلى أمريكا والصهيونية وبريطانيا، فكانوا هؤلاء ولأجل الحفاظ على كراسيهم وعروشهم ومراكزهم ليس فقط يبيعوا فلسطين بل يبيعوا الإسلام.

ولذلك كان الشهيد السيد حسن يتألم لما يتألم به الشعب الفلسطيني، وكان بحسب إمكانياته وقدراته يساهم ببعض الأمور في لبنان وغيرها على ما أظن ذلك.

 

الشهيد بذاته ثورة:

   لماذا ساند الشهيد الثورة الإسلامية في إيران؟ وكيف ساندها؟ وماذا كان موقفه تجاه هذه الثورة قبل انتصارها وبعد انتصارها؟

 الحديث عن السيد، وعندما يغوص الإنسان في حياة السيد حسن (رضوان الله عليه)، وعندما يقرأ كتاباته، وعندما يقرأ مؤلفاته، وعندما يحضر محاضراته، يجده أنه هو ثورة، ثورة على الظلم، ثورة على الفساد، ثورة على كل طاغية، ولذلك كان يأنس عندما يقوم إنسان بمشروع إسلامي، وبعمل إسلامي، فكان يساند ويعاضد الذين يقومون بأيّ عمل إسلامي بأيّ بقعة من البقاع، فعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران حطّمت الإمبراطورية الشاهنشاهية ودمّرتها.

وكيف لي وللشهيد السيد حسن وجميع المسلمين أن لا يهلّلوا ولا يكبّروا لهذه الثورة، فالسيد حسن كان في طليعة العلماء اللبنانيين من الذين جاهدوا وساهموا وهلّلوا وكبّروا وساندوا الثورة.

ولكن يد الغدر ما تركته لتكمل فرحته، فاستشهد الإمام الشهيد السيد حسن قبل أن تكتمل فرحته، فكان (رضوان الله عليه) يتابع باستمرار الحركات الإسلامية في كل مكان وخاصة في إيران، كان يتابعها ليلاً ونهاراً، ويقرأ ما تكتبه الصحف وما يكتبه الأعداء والمحبون والموالون بالنسبة إلى الثورة الإيرانية.

وعندما تجلس معه تجده فرحاً مسروراً، وكيف لا؟ وهو أب لكلّ حركة من الحركات، ويحب كل حركة من الحركات الإسلامية، وأيّ جمعية، وأيّة مؤسّسة في أيّ مكان من الأمكنة كان يساهم ويجاهد ويشجع عليها.

 

ختامهُ مسك:

   هل لديكم كلمة أخيرة توجهونها حول الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره؟

 الكلمة الأخيرة أنه علينا جميعاً والذين رافقوا الشهيد السيد حسن، وعاشوا مع الشهيد السيد حسن (رضوان الله عليه) أن لا ينسوا السيد حسن، وأن يسيروا على سيرة السيد حسن، وخط السيد حسن في الجهاد، سواءً بالكلمة أو التأليف أو تشجيع المؤسسات، لأنه كان ديدنه المؤسسات والتشجيع لكلّ عمل خيري.

وأتمنى من الجميع ومن الأخوة والمحبين أن يسيروا بسيرة هذا الطيب الكريم العلمي الموفّق إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين