|
لقاء مع الأستاذ محمد علي اليوسفي
اللقاء: العاشر. الشخصية المحاورة: الأستاذ محمد علي اليوسفي (ايران). المكان: دمشق ـ السيدة زينب عليها السلام. التاريخ: 18/9/2005م ـ 13/شعبان/1426 هـ.
تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين. وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم: بسم الله الرّحمن الرّحيم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) صدق الله العلي العظيم و قال أمير البلاغة والبيان، سيد البلغاء والمتكلمين، أسد الله الغالب، بطل الإسلام الخالد، الإمام علي بن أبي طالب (عليه آلاف التّحية والثّناء): «يا كميل هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدّهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة. يا كميل العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، صدق سيّدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فهكذا نشهد بل التاريخ نفسه يشهد أن الكثير الكثير من خزان الأموال اتباع الشهوات الفانية هلكوا وأهلكوا وهم إحياء والعلماء باقون بقاء الدهر، فمن يجعل من الدنيا مزرعة للآخرة أحرى بالبقاء من الذي يكون همهُ الدنيا فمثله مثل السائمة همها علفوها أما العلماء فللخلود خلقوا فذكرهم جميل وآثارهم عطره فهم علماء أتقياء ازكياء شهداء سارو على نهج محمد وعلي عليهم السلام ذلك النهج القويم فصفحاتهم الناصحة ملئت التاريخ بطولات ومواقف يعجز البيان عن وصفها والقلم عن أن يسطرها فبانت أعمالهم أبين من الشمس في خدر أمها ومن هؤلاء المجاهدين السيد حسن الشيرازي الذي ملئ الأيام شهادة ومواقف ولتعرف عليه أكثر حاورنا أحد مريديه والمقربين منه وهو الأستاذ محمد علي اليوسفي.
وقفة مع الضيف المحاوِر: ولد الأستاذ اليوسفي أبو ميثم في عام (1955م)، وذلك في مدينة كربلاء المقدسة، نشأ وترعرع في هذه المدينة، دخل إلى مدارسها الأكاديميّة حيث تخرَّج من ثانويّتها. وفي عام (1967م) غادر العراق متوجّها إلى طهران، حيث عمل كمحاسب في إحدى البنوك الإسلامية، إضافةً إلى عمله في مجال الطّباعة والنّشر. وفي عام (1981م) انتقل إلى سورية، حيث عمل في الحوزة العلميّة الزّينبيّة في بعض الأمور الإدارية. وبعد ذلك قام بتأسيس مؤسّسة البلاغ في بيروت التي تعنى بطباعة ونشر الكتب الإسلاميّة، حيث طبع حتى الآن مئات الكتب من أمّهات الكتب الشيعيّة. واليوم إضافةً إلى إشرافه على مؤسّسة البلاغ فهو يدير مكتبة الحسنين لبيع الكتب في جوار العقيلة زينب عليها السلام بدمشق.
إحياء المؤمنين:
إنّ من الواجب علينا أن نحيي ذكر عظمائنا وقادتنا، وخاصة الإمام الشّيرازي (تغمّده الله برحمته الواسعة) فله الحقّ والفضل الكبير على الجميع، ليس علينا فقط نحن أصدقاؤه وتلامذته وزملاؤه، بل على كلّ من أتى إلى دمشق الشّام، ورأى الحوزة العلميّة، حيث أسّس فيها العديد من المؤسّسات الدينية منها والاجتماعية والتي مازلت موجودة هنا والمكتبات، فكان للشّهيد الفضل الكبير عليهم جميعًا.
قصيدة وموقف: ● الأستاذ أبو ميثم السؤال الأول ما هي علاقتكم بالسّيّد الشّهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرّت؟ بدأت علاقتي بالمرحوم آية الله الشّهيد السّيّد حسن الشّيرازي منذ العام (1384هـ)، المصادف لـ (1966م). حيث اصطحبني أحد المؤمنين إلى استماع تلك الخطبة الرّائعة والقصيدة الرّنّانة بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين علبه السلام في مدينة كربلاء المقدسة. وكنت أرى وأسمع السّيّد الشّهيد كيف كان يخطب تلك الخطبة، وكيف كان يلقي قصيدته الرّائعة، وكيف كان الجمهور الغفير من قيادات الدولة، وقيادات المجتمع المدني آنذاك، يشجّعونه ويرحبّون بقصيدته ويصفّقون له إلى أبعد الحدود. وكنت أراه بين فترةٍ وأخرى في مدرسة العلامة احمد بن فهد الحلي قدس سره في كربلاء المقدّسة، وفي المناسبات، وفي بعض المجالس، وفي بعض أوقات الصّلاة عند الحرم الشريف للإمام الحسين عليه السلام.
أيام لها ذكرى:
وقد أنجاه الله ببركة دعاء أمه الحنون، وسائر المؤمنين، وقد خرج من السّجن مغادراً العراق إلى لبنان كنّا نسمع عنه ونعرف أخباره، وكان يتّصل بنا ويرسل مطبوعاته من بيروت إلى كربلاء، وكنّا على اتصال دائم به. وبعد ذلك ولظروف كانت تمرّ على العراق آنذاك سافرت إلى إيران وذلك في عام (.197م)، وكان لنا في طهران بعض الخدمات الثّقافيّة والاجتماعيّة والتبليغيّة أيضاً. وبعدها كان اتصالي أكثر بشقيق الشّهيد سماحة السّيّد مجتبى الشّيرازي حين أتى إلى إيران، وكنت أذهب إليه في كلّ يوم جمعة من طهران إلى قم لأستفيد من علمه ودرسه في الدّين والعقائد والأخلاق.
تواصٍ في الحق: ● متى بدء تعاونكم مع السيد الشهيد في ميدان العمل المشترك؟
وبدأ تعاوني واتصالي بالمرحوم الشّهيد من هنا، حيث كان يأتي بعض الزّوار والعلماء وبعض التّجار إلى دمشق الشّام، إلى زيارة مرقد العقيلة زينب عليها السلام، وقبل رجوعهم كان يتّصل بهم المرحوم الشّهيد ويشجّعهم بالتّعاون مع الحوزة ومؤازرتها ومساعدتها وبالأخص وهي في بداية تأسيسها. فكان المرحوم يرسل عناوينهم وأسمائهم إلينا، وكنت الرابط بينه وبين هؤلاء، وذلك عن طريق السيد مجتبى، فكنت أذهب إلى بعض العلماء وأسلّم لهم رسائل المرحوم الشهيد، أو إلى بعض التّجار لآخذ منهم بعض المساعدات الشهريّة، أو بعض المساعدات الماديّة بشكل عام وأرسلها إلى الشّهيد. والطّريف هنا أنّ أغلب الذين التقيت بهم والذين التقوا بالسّيّد الشّهيد كانوا يتكلّمون عن عظمة هذا السّيّد، وعن عظمة تأسيسه، وفي هذا البلد بالذات. ولكن أيضاً كان هنالك بعض الأشخاص الذين كانوا في بداية تأسيس الحوزة من المشجّعين والمؤازرين لها، ولكنّهم أصبحوا فيما بعد من المخالفين والمناوئين لها وكانوا يعرقلون بعض ما يتعلّق بها من أمور أدارية أو حوزويّة.
شمولية الإسلام: ● لكلّ مفكّر قيم ومبادئ يرتكز عليها، فما هي الطّموحات وما هي الأهداف والأفكار التي كان الشّهيد يرتكز عليها؟ وهل كان الشّهيد يحمل هموماً وآلاماً تجاه العالم الإسلامي؟
وفي هذا المجال ألّف كتابه (كلمة الإسلام)، وأنا أتذكّر حينما صدرت الطّبعة الأولى من كتابه كيف أنّ بعض المتحزّبين من الإسلاميّين والعلمانيّين أثاروا وعملوا ضجّةً كبيرة ضدّه، لماذا؟ لأن المرحوم كان يريد أن ينظّّم جيل الشبّاب المؤمن في حركة جماهيريّة بإشراف المراجع العظام وتحت رعايتهم وبعيداً عن التّحزّبات المغلقة والضيّقة. وكان يريد للحركة الجماهيرية للشباب المؤمن أن تكون بإشراف المراجع العظام، ولكن مع الأسف بعض المتحزّبين عملوا ضجّة كبيرة ضدّه لأنهم كانوا يريدون أن يكون المرجع بإشراف الحزب وليس العكس. وهذا بعدٌُ مهم أنّ المرحوم الشهيد كان يختلف مع هؤلاء من جهة التنظيم.
القلب الكبير: وأيضاً من جهة همومه الكبيرة، كان يفكّر بالعالم الإسلامي كلّه، نراه في الآن معا يفكّر بنجاة الشّعب العراقي، وكان يفكّر بالشّعب المظلوم في أفغانستان، وكان يذهب إلى الخليج ويحاضر، وكان يسافر إلى أفريقيا، وكان يكتب عن فلسطين. وفي كلّ هذه الهموم الإسلامية كان لا يفرّّق بين منطقة وأخرى من العالم الإسلامي، وكانت الشموليّة عنده شاملة بكلّ المقاييس.
التوجه إلى الله: ● هل تتذكّرون من هم أصدقاء الشهيد؟ ومن هم أعوانه في أعماله؟ وكيف كانت تعامله مع خصومه؟
وأما تعامل المرحوم مع خصومه، فإن هؤلاء الخصوم كانوا على مستويات مختلفة، فكان الشهيد لا يردّ عليهم بمثل ما يتكلّمون، وكان في جوف اللّيل يشكوا إلى ربّه، أو مثلاً كان يتوسّل بالأئمّة المعصومين للخلاص من هذه المشاكل، ولم يكن يشكوا أبداً عن عمل هؤلاء، بل كان يشكو همّه إلى الله سبحانه و تعالى.
قل تعالوا إلى كلمة سواء: وأذكر في بداية تأسيس الحوزة العلمية المباركة في السيدة زينب عليها السلام، أرسل وفوداً مختلفةً إلى مختلف الشخصيّات الإسلاميّة، وإلى مختلف المراجع، يطلب منهم العون والمساعدة والمؤازرة في هذا التأسيس وهذا المجال. ومع الأسف الشديد ويؤسفني أن أقول هذا الكلام أنّ أغلب المراجع وبعض الشخصيّات ممن توفّاهم الله، أو ممن هم على قيد الحياة لم يساعدوه ولم يساندوه لنقطة واحدة أنّه ليس منهم، ولم يتجاوبوا معه لأنّه لم يكن واحداً منهم، أو في خطّهم، أو في تيّارهم. ولكن اليوم نرى أنّ الحوزة العلميّة تأسّست، والكل يستفيدون منها وقد اجتمعوا هنا و أسّسوا بجانبها مؤسساتهم، والجميع يعملون بكافة تياراتهم وخطوطهم.
تعاون في الخير: ● كيف فكّر الشّهيد في إنشاء الحوزة العلميّة في سوريّة؟ وما هي المحاولات العديدة من مختلف الأطراف لعرقلة تأسيس الحوزة؟ وماذا كانت أهدافهم من وراء ذلك؟ وكيف استطاع الشّهيد تجاوز هذه العراقيل؟
وكانوا في وقتهم قد انتخبوا سورية لفترة معينة ليروا مصيرهم ووضعهم هل أنّهم سيعودون إلى بلادهم، أم أنّهم سيعودون إلى العراق، فاقترح عليهم المرحوم الشّهيد البقاء هنا والتّركيز لتأسيس حوزة علميّة مباركة بجانب السيدة زينب عليها السلام، فالفضل الأكبر في بداية التّأسيس لهؤلاء الأفاضل. وفي البداية أيضاً تحمّل الكثير الكثير، والمرحوم الشّهيد لو لم يكن مخلصاً في عمله لما بقيت الحوزة، ولما استمرّت. واقتسم لقمة الخبز مع صغير الطلبة و كبيرهم لتأسيس الحوزة.
الرؤيا الصادقه: أذكر هنا أيضا ما سمعته من آية الله المقدّس السّيّد أحمد الإمامي أحد كبار علماء أصفهان، حيث كان يأتي كل سنتين مرّة إلى سورية لزيارة السيدة زينب عليها السلام، فكنّا نذهب إلى زيارته مع بعض الإخوة المؤمنين ونسلّم عليه. فذكر لنا هذه الرؤيا، رآه في منامه وهو في سورية، أنّه في ليلةٍٍٍٍ من الليالي رأى أنّه جالس في الصّحن الزّينبي الشّريف، من الجهة اليسرى يأتي الشّهيد السّيد حسن، ومن جهة المقام الشّريف تأتي امرأة مجلّلة بكبريائها وجلالها وهي السّيّدة زينب عليها السلام، وعندما اقتربت منّي قالت لي: يا سيّد أحمد هذا السّيّد حسن نجّاني من غربتي، وأخرجني من غربتي. لأنّه إلى ذلك اليوم لم يكن هناك لا حوزة ولا مدرسة ولا بناية ولا مؤسّسة ولا مركز، بل كانت المنطقة منطقة صحراء. ولذلك كانت بداية التأسيس للشّهيد السّيّد حسن (رحمة الله عليه)، وكان هذا الصرح الشامخ.
ثورة أكلت أبناءِها: ● كيف كانت معارضة الشّهيد لحكومة الشّاه في إيران؟ ولماذا ساند الثّورة الإسلاميّة؟ وكيف كان موقفه تجاه الثّورة قبل انتصارها وبعد الانتصار؟
وفي وقتها كانوا يصدرون المجلاّت والمقالات والكتب والشّعارات والقصائد في تأييد الثورة. في حين كان الآخرون يتّهمون الثورة بالحمراء والصفراء، فكان هؤلاء يؤيّدون الثورة، وكانوا مساندين لها منذ بداية انتفاضة الخامس عشر من خرداد. ولكن نعلم أنّ الثورة عادةً تأكل أبنائها ومع الأسف الشّديد. ولكن مع الأسف الشّديد من البعض، ولا أحبّ أن أذكر أسمائهم، الذين كانوا في لبنان سابقاً، وبعدها ذهبوا إلى إيران، ولأغراض ولضغائن كانوا يعملون ضد المرحوم الشّهيد السّيّد حسن، ويوجّهون له بعض التّهم والإشاعات، ويتّهمونه ببعض الأمور، وعلى كل حال إلى الله المشتكى. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
|
|