|
لقاء مع الشيخ عبد الأمير النصراوي
اللقاء: التاسع. الشخصية المحاورة: سماحة الشيخ عبد الأمير النصراوي (العراق). المكان: دمشق ـ السيدة زينب عليها السلام. التاريخ: 11/8/2005م ـ 2/رجب/1426 هـ.
تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه واله وسلم، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين. وبعد فقد قال الحكيم في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم: بسم الله الرحمن الرحيم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) صدق الله العلي العظيم وقال رسول الرحمة والإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له»
نبذة من حياة المحاوَر: ولد فضيلته في مدينة كربلاء المقدسة، وذلك في سنة (1954م)، وتلقّى دراسته الابتدائية والمتوسطة، ثم انتقل فيها إلى العلوم الدينية، حيث درس المقدمات والسطوح على أيدي كبار علمائها. وتفرّغ للخطابة والمنبر الحسيني، وشهدت منابره كربلاء والكاظمية المقدستين والصويرة ومدن أخرى. هاجر إلى سورية وأقام في الحوزة العلمية الزينبية خطيباً ومدرّساً وموجّّهاً إلى عام (1983م) حيث انتقل بعدها إلى مدينة نبّل الواقعة شمال حلب بحوالي عشرين كيلو متراً، وقد أقام فيها إماماً وخطيباً وذلك أكثر من عشر سنوات، وانتقل أخيراً إلى دمشق حيث الحوزة العلمية الزينبية خطيباً فيها. له ديوان شعر مطبوع بعنوان (عبير الأبرار وحنين الأحرار)، إضافة إلى كتاب عن حياة وسيرة الإمام الحسين عليه السلام (مخطوط).
الشجرة الطيبة: ● سماحة الشيخ لو تحدثنا قليلاً عن الشهيد السيد حسن الشيرازي؟
من أين نبدأ وكيف نتحدّث عن هذه الشخصية الفذّة العظيمة الفريدة، بل هي فلتة من فلتات التاريخ، ولا أغالي عندما أقول هو فلتة لمن يريد أن يستقصي حياته، وأن يتعرّف على هذا الرجل العظيم الذي جنّد حياته ونفسه لخدمة الإسلام والمسلمين حتى ذهب إلى ربه شهيداً محتسباً مخضّباً بدمائه يعكس صورة عن جدّه أبي عبد الله الحسين عليه السلام. لا يخفى أنّ هذا السيد الجليل ينتمي إلى أسرة عريقة معروفة بالعلم والعطاء والجهاد، أسرة آل الشيرازي. والده آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي (طيّب الله ثراه)، وأيضاً من أعمام أبيه المجدّد صاحب ثورة التنباك آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي قدس سره الذي هجم الانگليز بفتواه المعروفة في التنباك. وخال أبيه آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي قدس سره قائد ثورة العشرين الكبرى، وهو الفقيه العارف، وهو العابد الزاهد، وهو المفكر، وهو الأديب، وهو الشاعر. وكما قلت فلا نستطيع أن نستقصي حياة هذا الرجل، ولكن جهاده وحياته وتربيته وعطاؤه يدلّ عليه، فكتاباته في موسوعة الكلمة معروفة ابتداءً من (كلمة الله)، وإلى (كلمة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف). آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره كان طموحاً، وكان متصدّياً للظالمين والحكام المارقين، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. وكان يقول الحق والحقيقة، ونعرف ذلك من خلال مواقفه أمام المدّ الأحمر الشيوعي والمدّ الأصفر العفلقي، وهي مواقف معروفة وكثيرة.
المرجعية هي الحل: ● ما هي نظرة الشهيد الشيرازي إلى دور المرجعية الشيعية الرشيدة؟ لا شكّ أنّ الهدف الاستراتيجي والأساسي والأهم عند الشهيد هو المرجعية، فهو يرى المرجعية هي الحل، والمرجعية هي الملجأ، وعندما تقرأ كتابه (كلمة الإسلام) تراه ينتقد كل النظريات الأخرى.
إذاً ... الارتباط الوثيق موجود، أما الأحزاب الأخرى فربما تأخذ طريقاً آخر، وربما تجهل قيادتها، وربما تجهل أغراضها. وإضافة إلى ذلك وهو المهم، فمرة من المرات سألته: سيدنا لماذا هناك أحزاب إسلامية أخذت مكانها في إيران وغيرها؟ قال (وبالنص رحمه الله): أسألك سؤالاً (وهذا السؤال هو الجواب) لو أنك (فرضاً) كنت عضواً في حزب من هذه الأحزاب الدينية الإسلامية وأخذت موقعاً في بلادك سواءً في العراق أو غيرها، ومكّنك الله وكانت بيدك دولة، بمن تأتي إلى الحكم؟ هل تأتي بأبناء حزبك؟ أم من الآخرين؟ قلت: نعم المسألة طبيعية. قال: لك الحق أن تأخذ من أبناء حزبك وتوزع عليهم الوزارات، ولنفرض أنه كان عندك شاغر في وزارة الصحة مثلاً أو العدل، ولا يوجد عندك كادر يليق بهذه الوزارة من حزبك، وهناك كادر لائق من غير حزبك هل تسمح بذلك الكادر أو أن تأتي بآخر وهو غير متخصص، والحقيقة أنك تأتي من حزبك بأيّ صورة فهذا هو السبب، وهذا هو المرض الكامن في الحزبية لأنها أنانية وأن الحزبي لا يحب إلا نفسه و حزبه، فهي التي مزّقتنا ودمّرتنا. الشاهد أنّ الإمام آية الله الشهيد قدس سره يرى أنّ المرجعية هي الحلّ. ولا بأس أن أوجّه الإخوة إلى مراجعة كتابه (كلمة الإسلام)، وسبحان الله تعالى الذي وهبه من العبقرية بحيث يستقرأ الأمور المستقبلية، وهذا الكتاب كتبه قبل أربعين سنة واستقرأ بما يحدث، وفعلاً أثبت أنّ الحزبية هي غير صالحة على الأقل، ولا تستطيع أن تنجز بسرعة ما يحتاجه المسلمون. فكتابه (كلمة الإسلام) شاهد عليه، فهو استبق عصره في تفكيره (رحمة الله عليه).
السابقون السابقون: ● تعرفون أنّ الشهيد السيد حسن الشيرازي اعتقل في مدينة كربلاء المقدسة، فأرجو أن تتحدّثوا ما هو السبب في اعتقال الشهيد من قبل النظام العراقي البائد؟
فكان السيد الشهيد يتصدّى بأشعاره ويهاجم أولئك، ومعروف أنه كان هدفه، وهمّه الوحيد أن يقوم حكم الإسلام في العراق وفي سائر الأرض، ابتداءً من العراق أرض المقدسات والرسالات، فيقول: ويل العراق فليله لا ينقضي * حتى تقوم حكومة الإسلام وكان يتحدّى بقوة، وقد أثبت أنه رجل اللسان والبنان والعمل والقول. واسحق جباه الملحدين مردّداً * لا السجن يرهبني ولا الإعدام وهذه التحديات كان يقف أمامها. إضافة إلى ذلك فإنّ الشهيد في أيام الحكم العارفي كان يذهب إلى التلفزيون والإذاعة ويلقي الكلمات، وكان يتصل بالشخصيات وكبار الضباط، وكان همّه الوحيد أن ينقل العراق إلى واحة من السلام والإسلام، ولكن فوجأ بمجيء البعثيين في عام (1963م)، وأعادوا الكرّة في عام (1968م) بعد أن أفسدوا العباد والبلاد في سنة (1963م). وكان السيد الشهيد هو أول رجل دين اعتقل بمجرّد مجيئهم إلى الحكم، ومن الطبيعي أن يعتقلوه ويعذّبوه.
أليس الله بكاف عبده: ● يقال بأنّ الشهيد عُذّب بأنواع من التعذيب، وذلك أكثر من عشرين نوعاً، فما هي هذه الأنواع، أرجو التحدّث عن هذه الناحية؟
سألته مرة من المرات وقلت له: سيدي كيف كنت تستطيع أن تصبر؟ قال: كنت دائماً أردّد هذه الآية المباركة (أليس الله بكاف عبده). وحتى أنهم نتفوا شعر لحيته الكريمة، وشعر رأسه، وسمعت أنّ عفلق (لعنة الله عليه) كان يأتي ويشرف على التعذيب بنفسه، ويطفئ السيجارة في وجهه، من حقدهم عليه، وأكثر من ذلك عندما سمحوا بمواجهته ولقاءه في السجن في بعقوبة ذهبت والدته (رحمة الله عليها) لكي تراه، فقال: هذا حسن. فهي لم تعرفه أبداً وتعجبت قائلة: هذا ليس بحسن. لأنه (رحمه الله) قد غيّروه من شدّة التعذيب.
يبغوك يا شمس الحقيقِة مغربا: ● سماحة الشيخ كان لكم مشاركات مهمة خلال أكثر من ربع قرن على شهادة السيد حسن الشيرازي قدس سره وذلك من خلال المهرجانات والاحتفالات التأبينية التي كانت تقام في ذكرى شهادة السيد، فلكم عدّة قصائد حول الشهيد، فأرجو التحدث ماذا قلتم عنه في قصائدكم؟ نعم ... لقد نظمت خمسة قصائد حول السيد الشهيد وأراها قليلة لأنه يستحق أكثر وأكثر، ولكن هذا جهدي لأنّ قريحتي لا تعرف الكذب والنفاق أبداً. أقول الكلمة - والله يشهد - بصدق ولو أنّ فلاناً أعطاني كذا من الأموال وقال: امدحني ببيتين فإنّ قريحتي لا تقبل وليست مسألة التبجّح أبداً، فأنا لا أعرف الكذب والنفاق، والحمد لله وفّقت في نظم عدّة قصائد، وأقرأ عليك بعض النماذج من هذه القصائد.
● وأول قصيدة قلتها: يا راكباً تمشي رويداً متعبا * غادرت أوطاناً وأيّام الصّبا أويا كريماً ما استطاب مؤونة * ما حاز من مال الحياة ولا جبا أويا عزيزاً قد تجرّع علقماً * أويا جواداً ذا مراس ما كبا قد عشت في هذي الحياة مكافحاً * وسمت نقيبتك الزكيّة بالإبا وكتبت اسماً في الوجود مخلّداً * وشرفت بالأنساب أماً وأبا وشمخت مرفوع الجبين مجاهداً * اخترت نهج الحقّ نهجاً لاحبا وسموت في أفق السماء منوراً * وطلعت بدراً قد تجلّى كوكبا
● وأيضاً قلت من قصيدة ثانية: أعطيت ربّك موثقاً وعهودا * ومضيت عن هذي الحياة شهيدا يا من لذكراك الحشود تجمّعت * قد صار يومك خالداً مشهودا وكأنّ شخصك في الجموع أمامنا * حتى ولو عنّا سرى مفقودا يا ملهماً روح الشهامة والإبا * من كنت في الخلق الرفيع فريدا من دوحة غصن دهدّل عوده * طاب العراقة والداً ووليدا حسن الصفات ونور وجهٍ مشرقٌ * وردٌ يصبّ على الورود ورودا
● وأيضاً قلت في قصيدة ثالثة: يمّمتُ شطرك لا عجزاً ولا بطراً * يا من وقفت بجنب الحقّ منتصرا يمّمتُ شطرك لا ألوي على أحد * لأنّ قلبي قبل العين قد نظرا يمّمتُ شطرك لا أرضى بمنعطف * ما لم يؤدّ إلى لقياك منحدرا يمّمتُ شطرك لا أبغي سوى مدد * من ضوع روحك من نور بها زهرا يمّمتُ شطرك لا أرجو به ثمناً * الله يشهد من ينعاك قد أجرا يا ابن الأكارم يا غصناً بدى نضرا * في دوحة أزهرت ورداً لها عطرا يا ابن الأماجد يا نفساً بها شمم * يأبى الخنوع ومن للقيد قد كسرا
● وهذه القصيدة الرابعة، أقول فيها: يا من تجلّى نورك الوضّاء * وسمت بفيض عطاءك العلياء وكأنّ وجهك ماثل في حفلنا * يحلو وتبدو غرّة غرّاء يا فارساً يعلو الجواد ليرتقي * قمم الشجاعة تعرف الهيجاء يا عالماً عرف الفقاهة ملهماً * شهدت بعليا علمه الفقهاء يا عالماً نشر العلوم بفكره * فاحت بها الأجواء والأرجاء يا عالماً حاز الشهادة مفلحاً * عاش الشهيد وعاشت الشهداء
● القصيدة الأخيرة: وأمّا القصيدة الخامسة وهي الأخيرة وإن شاء الله ليست الأخيرة، وقد نظمتها بمناسبة الذكرى العشرين لشهادة السيد حسن قدس سره، وصادف ذكرى وفاة المجدّد آية الله العظمى السيد محّمد الشيرازي (رحمه الله)، ولذلك عرّجت عليه أيضاً، حيث أقول فيها: دمع العيون جرى واحمرّت المقلُ * لمّا ذكرت شهيداً رزؤه جللُ إني ذكرتك يا مولاي منتحباً * في يوم فقدك نار القلب تشتعلُ إني ذكرتك والأيام تشهد لي * أبكيك حزناً ودمع العين ينهملُ يا من علوت على الآفاق مرتفعاً * تمشي حثيثاً لفعل الخير تنتقلُ بدرٌ أضاء على الأصقاع مطلعه * لا يجهل البدر حتى لو له جهلوا أنت الذي تعرف الأيام نهضته * فيه تجلّى التقى والعلم والعمل بحر العلوم ومن فاضت فقاهته * يعطي ويغدق لم يبخل وإن بخلوا ما أعذب القول يبدو في فصاحته * لما تراه خطيباً حين يرتجل آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمدصلى الله عليه واله وسلم، وآله الطيبين الطاهرين.
|
|