لقاء مع السيد محمد علي العلوي

اللقاء: الثامن.

الشخصية المحاورة: سماحة السيد محمد علي العلوي (أفغانستان).

المكان: دمشق ـ السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 3/9/2005م ـ 28/رجب/1426 هـ.

 

«العلماء ورثة الأنبياء»

تمهيد:

قال الحكيم في محكم كتابه الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم  (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل إحياء عند ربهم يرزقون)

فبلحاظ الآية الشريفة نجد أن الشهداء إحياء لم يعرفوا الموت وأن رزقهم مستمر إلى يوم القيامة بدلاله يرزقون كما وإننا نجد أن للشهداء منزلة سامية وأنهم كالنجوم بالنسبة لأهل الأرض هكذا هي منزلة الشهيد وأن الشهداء تختلف منزلتهم بعضهم عن البعض الأخر كلاً حسب عطائه يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم (يا حسين أن لك درجات عند الله لن تنالها إلا بالشهادة) فهكذا أصبح سيد الشهداء فسار على نهجه الكثير الكثير من المؤمنين الرسالين ومنهم شهيدنا الشيرازي الذي بذل مهجته من أجل إعلاء كلمة الله والحفاظ على دينه وللتعرف عليه أكثر اللتقينا أحد أساتذة الحوزة العلمية الزينبية التي أسسها سيدنا الشهيد من أجل أن يحدثنا ذكرياته عن الشهيد السيد حسن الشيرازي.

 

إطلاله على حياة المحاوَر:

ولد السّيّد العلوي في إحدى القرى القريبة من مدينة باميان، وذلك في عام (1946م).

 تابع دراسته الإبتدائية والحوزوية في بلدته، ثم انتقل إلى مدينة النّجف الأشرف عام (1971م)، حيث واصل دراسته الحوزويّة على يد أساتذة كبار.

 ومن هؤلاء الأستاذ المرحوم الشيخ المدّرس الأفغاني الذي درس على يديه الأدب والنحو واللّغة العربيّة.

 ودرس على يد الشيخ الزاهدي الأصفهاني كتاب (شرح اللمعة الدمشقية).

 ودرس على يد سماحة العلاّمة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد المقدّس كتاب القوانين.

 ودرس المنظومة للسبزواري، والأصول كتاب (الكفاية) للآخوند الهروي عند سماحة آية الله الشّيخ محمّد علي الفاضلي.

 إضافة إلى دراسته عند سماحة آية الله الشيخ محمّدي البامياني كتاب الكفاية أيضاً.

وحضر بحوث الخارج عند سماحة آية الله الشيخ محمّد علي الفاضلي في الأصول، إضافة إلى سماحة آية الله السيد فاضل الميلاني أيضاً في الأصول.

يواصل سماحة السّيّد العلوي اليوم عمله التّدريسي في الحوزة العلميّة الزّينبيّة. حيث يقوم بتدريس الفقه (كتاب اللّمعة الدمشقية)، إضافة إلى عمله الاجتماعي والدّيني والتبليغي وإمامة الجمعة والجماعة في حسينيّة الحوزة العلميّة الزّينبيّة.

 

الأستاذ العظيم:

 سماحة السّيد ما هي علاقتكم بالسّيّد الشّهيد؟ متى بدأت هذه العلاقة؟ وكيف استمرّت؟

 علاقتي مع المرحوم (رحمة الله تعالى عليه)، علاقة التلميذ مع الأستاذ، فمن حين دخولنا إلى سورية مع بداية سنة (1976م) تتلمذت على يده، وحضرت دروسه التّفسيريّة، وبالأخص في شهر رمضانّ الزّينبيّة.

 وقد حضرت هذه الدروس، وكتبت تقريرات بحثه، علماً أنّ هذه التقريرات سلّمتها إلى سماحة الشيخ المحقّق في مدينة قم المقدّسة.

ومن ناحية أخرى كنت أتردّد عنده في عدة مسائل وأمور وحاجات.

 وكان قدس سره مقابل ذلك المحبّة والودّ، بحيث يتشوّق الإنسان أكثر باللقاء والتردّد عليه، أو إظهار حاجاته ومطالبة عنده.

 فحينما كنت أقول له: بأنني أخجل أن أتردّد كثيراً على سماحتكم.

 كان يجيبنا قائلاً: لا.. لا مجال هنا للخجل أبداً، فعندما تحتاجون شيئاً لا بدّ من المجيء إلينا.

الأخلاق النادرة:

 ماذا كانت الخصوصيّات الأخلاقية للشّهيد السّيّد حسن الشّيرازي؟ هل تتذكّرون بعض هذه الخصوصيّات؟

 بالنسبة إلى خصوصياته الأخلاقية، فقد كانت متميزّة على غيره، فقد كان خلقه مصداقاً لأخلاق الأئمة الأطهار عليهم السلام.

 فقبل زيارته واللقاء به لم أر في الحقيقة أحداً من العلماء بأخلاقه، فمن يلتقي به صغيراً كان أو كبيراً كان كمن يعرفه قبل ذلك اللقاء، هكذا كان تعامله، وهكذا كانت خصوصيّاته الأخلاقية.. وجهٌ بشوش، والبسمة بادية على محيّاه.

 

أستاذ العلماء:

  فضيلة السيد العلوي من هم تلاميذ الشهيد؟ وما هي مستوياته العلمية؟

 بالنسبة إلى تلامذته في سورية والحوزة الزّينبيّة، فعندما شرع بدرس التفسير كان يحضر جميع الطلبة في الحوزة.

 وكان يحضر في درس بحث الخارج لسماحته أساتذة الحوزة، كسماحة آية الله الشيخ محمّد علي الفاضلي، وآية الله الشيخ المحمّدي، والعلاّمة الحجة الشيخ المقدّس، والشيخ النّاصري، وبقيّة الأساتذة والطلبة.

 

الشخصية الجذابة:

  كيف كان يتعامل الشهيد السيد حسن مع النّاس عامّة؟ ومع الزّائرين والضّيوف بالأخص؟

تعامله مع النّاس ومع الزّائرين كانت جداً جيدة.

 كان يستقبل ويزور الزّائرين وضيوف السّيّدة زينب عليها السلام بوجهٍ بشوش.

 وكان تعامله مع المجتمع تعاملاً قلّ نظيره وعجيباً، فكلّ إنسان كان يتعامل معه كان ينجذب لخلقه الحسن فهو الحسن.

 

تعاون على البر:

 من هم أصدقاء الشّهيد؟ ومن هم أعوانه؟

منذ البداية كان معه الشيخ محمّد صادق الكرباسي، والسّيّد محسن الخاتمي، والحاج عبد الرّسول.

 وكان مساعديه من اللجنة التي أسّسها الشهيد من الأساتذة، بالإضافة إلى سماحة الشيخ الوفائي الذي كان يصلّي نيابة عنه في مقام السّيّدة رقيّة عليها السلام بإمامة الجماعة، عندما لم يكن الشهيد حاضراً، أو كان مسافراً إلى لبنان.

 وكذلك كان من معاونيه السّيّد الحيدري.

 

الصفاء العائلي:

 في أيّ بيئةٍ تربّى؟ وكيف كان تعامل الأسرة الشّيرازية معه، بدءاً من والده المرجع، وأخيه المجدّد الثّاني السّيّد محمّد الشّيرازي؟

من الواضح أنّه قد تربّى في مدينة مقدسة، وهي مدينة كربلاء المقدسة، وفي بيئةٍ إيمانية، وتحت يد أسرة عريقة في تاريخ الإسلام والمذهب.

 كالميرزا محمد حسن الشّيرازي، والميرزا مهدي الشّيرازي، والميرزا محمد تقي الشّيرازي صاحب ثورة العشرين.

 وكانت علاقته مع الأسرة علاقة وطيدة ومحبّة، ولم تكن تجد بين الأسرة الكريمة أيّة شائبة سوء أبداً.

 بل أكثر من ذلك فقد كان يمدح بعضهم بعضاً، وكان الشّهيد يمدح ويثني على إخوته.

 وبالأخص كان السّيّد صادق الشيرازي يمدح أخوه الشهيد لبعض الأعمال التي كان يقوم بها، والذي كان يترك البيت ويذهب إلى مدرسة كان يسمّيها، ويتفرّغ هناك للكتابة بعيداً عن الأصدقاء والأحباب، وكان يقول لا تخبروا أحداً بوجودي هناك.

 

بالتي هي احسن:

 كيف كان تعامل الشّهيد مع خصومه وأعدائه؟

كان تعامله مع الخصوم كما يقول الشّاعر حافظ الشيرازي:

«مع الأصدقاء بالهدوء، ومع الأعداء بالمراراة».

لقد كان للشهيد مداراة عجيبة وكثيرة مع الخصوم، فلقد كان البعض من دون ذكر أسمائهم يقوم بالإساءة والإهانة تجاه الشهيد.

 وكان الشّهيد يقول: باستطاعتي إخراجهم من سورية، ولكنّني لن أقوم بهذا العمل أبداً.

فكان يقف أمامهم بالمداراة.

 

لا افراط ولا تفريط:

 ماذا كان مشربه ومأكله؟ وأين كان يسكن؟

كان يقطن بدمشق في منطقة حيّ الأمين، وإلى اليوم ما زال المكان محفوظاً ومستأجراً باسمه (رحمة الله عليه)، وهذا المسكن كان وما زال بعنوان المكتب، وفيه يقام الاجتماعات والاحتفالات بالمناسبات الدّينيّة، وإقامة المجالس الدّينيّة بمناسبة الأعياد أو الوفيّات.

وكان ملبسه ومشربه ملبساً ومشرباً عاديّاً جدّاً، وخالياً عن الإسراف والتبذير.

وكانت إحدى النساء الأفغانيّات خادمة عند السّيّدة العلويّة أخت الشهيد فهي كانت تتحدّث وتقول: أنّه عندما يبقى شيء من المأكولات في اليوم الأول، فهم يأكلونه في اليوم التّالي سواءً في الغداء أو العشاء.

وكان الشّهيد لا يستعمل أبداً المحارم الورقيّة الدارجة اليوم.

 بل كان يستعمل المحارم من القماش.

 

تصحيح التاريخ:

 كيف فكرّ الشهيد في إنشاء الحوزة العلميّة في سورية؟

كانت إنشاء وتأسيس الحوزة في سورية جبراً للتّاريخ الأمويّ والتاريخ الماضي، فقد قال الشّهيد: علينا اليوم أن نقوم بجبر التاريخ الماضي، وبالأخص أنّ دمشق تعتبر عاصمة للأمويين.

 فلا بد أن نقيم ونبني حوزة علميّة لإحياء مذهب أهل البيت عليهم السلام  في عاصمة الأمويّين أعداء أهل البيت عليهم السلام.

 

عقبات الجهاد:

 ما هي العقبات التي كانت تمنع الشهيد من تأسيس الحوزة؟

لقد كانت العقبات متعددة سواءً من جهة المخالف أو المؤالف.

 فالمخالفين كانوا يسعون عندما رأوا تأسيس الحوزة العلمية إلى تسفير الطلبة وتشجيعهم للسّفر.

 ولكن بسعي وجهود الشّهيد حصل الطّلاّب على الإقامات الرّسميّة، وارتفعت كل المعوّقات التي كانت تواجه هؤلاء الطّلاّب.

وأمّا بالنّسبة إلى المؤالف، والّذي لا يسع المجال لذكر الأسماء بسوء، فبعضهم كانوا يعارضون الشهيد حسداً وبعضهم خوفاً من تأثير الحوزة بالنسبة إليهم.

 فبعضهم كانوا يقولون: أنتم مثلاً عندما تقيمون شعائر أهل البيت عليهم السلام هنا (من الحسينيات والمساجد وإقامة المجالس)، فإنّ أهل السّنّة يحملون الأحقاد.

 وأنتم سوف تسافرون إلى بلادكم، فمن يتحمّل الضربات والمشاكل والمصاعب فنحن الشّيعة طبعاً، نتحمّل ذلك، (شيعة سورية).

 

التوكل على الله:

ولذلك فقد كان هؤلاء يدفعون للطلبة أجرة السيارة ومصاريفهم ويشجّعونهم للسّفر إلى بلادهم، ويتحجّجون أن ليس هنا مجالاً للحوزة، ولإقامة الشّعائر الدّينيّة والحسينيّة، والبلاد، بلاد أهل السّنّة وليس هنالك مجال لهذه النشاطات.

ومع كلّ هذا فقط كان توكّله (الشهيد) على الله سبحانه.

 فأسّس الحوزة، واستقرّت وازدهرت وتوسّعت، وأُسّست إلى جانبها عدّة حوزات، وانتشر مذهب أهل البيت عليهم السلام  في مختلف المحافظات السورية، ولله الحمد.

 ولم نتعرض إلى أيّة محاولة للإساءة إلى هذه المؤسسات، بل أكثر من ذلك فهم يتعايشون معنا بوئام وسلام ولله الحمد.

 

مفسر وأصولي:

 ما هي الدروس التي كان يدرّسها الشهيد في الحوزة؟

في البداية بدأ بإلقاء درس التّفسير من على منبر الحوزة، بعد ذلك شرع بإلقاء بحث الخارج (وهذا طبعاً قبل استشهاده)، درّس الأصول على ضوء كتاب (الكفاية).

 

وقل اعملوا:

 أذكروا لنا بعض النّشاطات للشّهيد في مختلف قرى ومدن سورية ولبنان؟ بدءاً من تأسيس المساجد والحسينيّات وغيرها من المؤسّسات؟

ولله الحمد، كان للشّهيد نشاطات بارزة في مختلف المناطق السورية، وبالأخص في مناطق إخواننا الشّيعة العلويين.

 وفي لبنان أسّس حوزة الإمام المهدي عجل الله فرجة الشريف، وكانت له مواقف سياسيّة مهمّة مع القادة السياسيين.

وأسّس الشّهيد في سوريّة كثيراً من المساجد والحسينيّات في قرى ومدن إخواننا الشّيعة العلويين على السّاحل السّوري، وفي حلب.

 

بالتواصل والأخلاق والمنطق تحققت الأهداف:

 الشّهيد الشّيرازي كيف تمكّن من توطيد العلاقة مع العلويّين الشّيعة على السّاحل السوري؟

من خلال ثلاثة أشياء:

1. بالزّيارات المتواصلة معهم على السّاحل، ولم يكن ينقطع عنهم أبداً، وحتّى أنّه كان يصطحب معه ثلاثة من علمائهم ومشايخهم على نفقته الخاصة إلى حجّ بيت الله الحرام إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة.

2.  بخلقه الحسن فهو الحسن.

3.  بمنطقه الجذّاب، فقلد كان له أسلوباً جذّاباً. 

 

أعمار البقيع:

 ما هي تحرّكات الشّهيد السّيّد حسن بالنّسبة إلى إعادة إعمار قبور أئمّة البقيع في المدينة المنوّرة؟

لقد سمعت من بعض الإخوة من أهل العلم أنّه بذل قصارى جهده في إعادة إعمار البقيع.

 حيث إلتقى في سبيل ذلك بالملك خالد وبجهات سياسيّة عديدة من المسؤولين المعنيين، وبحيث استطاع أخيراً من إقناعهم بهذه الفكرة، فكرة الإعمار وذلك بعد جهودٍ مضنية، وبعد مباحثات ومداولات ومشاورات شاقّة بينهم.

 وقد تكفّل الشّهيد تأمين جميع مواد البناء والإعمار من الخارج ولا تكون هناك أيّة نفقة من قبل الحكومة السعودية.

وهنا طلبت الحكومة السعودية أن يتكفّل هذا البناء جهة حكوميّة رسمية، وباعتبار الشهيد من العراق، فعلى الدولة العراقيّة أن تقوم بكفالة البناء والتّعمير.

علماً أنّ العلاقات السعوديّة والعراقيّة في ذلك الحين لم تكن جيّدة، فاعتذرت الحكومة السعوديّة عن إعادة الإعمار.

 

الشخصية الفذة:

 وفي الختام سماحة السّيّد هل تذكرون بعض القصص والخواطر التي تخص الشهيد في مختلف جوانب الحياة؟

القصص والذّكريات كثيرة جداً سواءً في الحوزة أو في مجلس الدّرس.

الشهيد كانت همّته عالية جداً، ولم يكن يخضع البتّة لأيّ موظّف في الدّولة. ففي إحدى الأعوام اعتقلت الحكومة السوريّة ثلاثة أفراد من العلماء الطّلبة، أحدهم المرحوم السّيد موسى، فذهب بعض الأشخاص وأخبروا السّيّد منهم الشّيخ عبّاس النّوري باعتقال هؤلاء الثلاثة.

فقال السّيّد: أنا لا أعرف الجهة المسؤولة عن اعتقالهم ولكنني لن أذهب عند هذا الضابط أو ذاك.

فاستفسروا من الطّلاّب والإخوة عن الجهة المسؤولة، فأنا شخصيّاً سمعت بالخبر من قبل الشّيخ عبّاس النّوري.

 وكان لديّ صديق من المخابرات السوريّة من الشّيعة فتحدّثت معه بقصة المعتقلين الثلاثة من الطلبة، فأخبرني فوراً باسم الضابط المسؤول الكبير وكان برتبة العميد، واسم اللواء المسؤول، إضافة إلى اسم وزير الداخلية، وهؤلاء الثلاثة لهم ارتباط وثيق بقضية الاعتقال، وزوّدني بالعناوين.

فأخذت الأسماء والعناوين والتقيت مباشرةً بالشّهيد حيث قدّمتها له، فذهب فوراً إلى اللّواء المذكور والتقى به، وبعد ساعات أفرج عن سراح العلماء الثّلاثة من الطّلبة.

والحمد الله رب العالمين