لقاء مع الشيخ محمد حسن الرجائي

اللقاء: السادس.

الشخصية المحاورة: الشيخ محمد حسن الرجائي (أفغانستان).

المكان: سوريةـ دمشق ـ السيدة زينب عليها السلام.

التاريخ: 9/8/2005م ـ 3/رجب/1426 هـ.

 

«العلماء ورثة الأنبياء»

قال أمير البلاغة والبيان، أسد الله الغالب، بطل الإسلام الخالد، الإمام علي بن أبي طالب (عليه آلاف التحية والثناء): «هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة».

 

صدق سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

 نعم فالعلماء آثارهم باقية وأمثالهم في القلوب موجودة لا تنسى وبخاصة لدى طلبتهم وأولادهم الروحانيين فيكون الإبن أعرف بأبيه من غيره فعلمه وصفاته وخصائصه ونصائحه تكون محفورة في قلب الأبن لا تنسى ولا تفقد أبدا لذا إرتأينا أن نلتقي هذه المرة مع أحد أولاد أو تلامذة الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره ألا وهو فضيلة الأستاذ الشيخ محمد حسن الرجائي.

 

إطلالة على حياة المحاور

ولد سماحته في أفغانستان حيث درس المقدمات في بلدته، ثم انتقل إلى مدينة العلم والعلماء مدينة النجف الأشرف، وعند التهجير القسري لطلبة العلوم الدينية وذلك في أواخر عام (1975م).

انتقل إلى سورية حيث مقام السيدة زينب عليها السلام، والتقى في هذا البلد المضياف بسماحة الإمام الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي قدس سره، والذي رحّب به وطلب منه أن يكون أحد الطلبة في هذه الحوزة الفتية «الحوزة العلمية الزينبية».

درس سماحته على أساتذة الحوزة أمثال آية الله الشيخ محمد علي الفاضلي، وآية الله الشيخ محمدي البامياني، وسماحة العلامة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد المقدس.

وسماحة الشيخ الرجائي يقوم اليوم بتدريس السطوح العالية في الحوزة، وهو أحد أعضاء مكتب الإمام آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله).

 

الأبوة الرحيمة والبنوة الصادقة

سماحة الشيخ ما هي علاقتكم بالسيد الشهيد؟ ومتى بدأت هذه العلاقة؟وكيف استمرت؟

علاقتنا بالسيد الشهيد لا يستطيع الإنسان إظهارها حقيقة، لأنّ الألفاظ قاصرة في ذلك، ولكن كانت علاقتي مع الشهيد كعلاقة الأب مع ولده، أي أنه كان أباً رحيماً لنا، بدأت هذه العلاقة عندما قدمت إلى سورية والتقيت به وأنا في عمر الخامسة والعشرين ربيعاً، وذلك في أواخر سنة (1975م) بعد التهجير القسري من النجف الأشرف، وقد كانت العلاقة بيني وبينه مستمرة إلى يوم استشهاده، وإنني سوف لن أنسى أبداً هذا الحق الأبوي للشهيد.

 

الورع...الزهد...التقوى...أخلاق الشهيد

ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد؟ فهل تتذكرون بعض هذه الخصوصيات؟

الألفاظ قاصرة عن وصف ذلك، فعندما كنا نلتقي به، كان خُلقه وزهده وورعه لا مثيل له، فإذا حضر أحد الأشخاص والتقى به فإنه كان يحسّ ويظن أن الشهيد قام بأداء واجب الاحترام والتقدير فقط لأجله، ولقد كان الشهيد في نهاية التواضع والورع والزهد والتقوى.

 

السيرة العطرة

على من تتلمذ الشهيد؟

نقلاً عن السيرة الذاتية للشهيد، فإنه ولد في عام (1937م)، وبعد سني الطفولة ترعرع ونشأ تحت يد والده المعظّم آية الله السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدس سره، وكان هو أحد أساتذته، والأستاذ الثاني الذي تتلمذ على يده هو آية الله السيد محمد هادي الميلاني، والثالث هو آية الله العظمى الشيخ محمد رضا الأصفهاني، والرابع هو أخيه الأكبر الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي قدس سره.

وبناءً على هذا كان يحمل الشهيد فكراً نيّراً وذهناً واسعاً، وفي الحقيقة فإنه خلال فترة قصيرة وصل إلى مرتبة الاجتهاد.

 

شخصية متميزة وعظيمة

من خلال معاشرتكم للشهيد كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة؟

في الواقع إن الرّد على هذا السؤال، هو أنني كنت قد عاشرت الشهيد لمدة قليلة حيث اختطفته يد المجرمين من بين أيدينا، وخلال مدة خمس سنوات أو أقل كنت بصحبته، والذي لم يكن في سورية دائماً لأنه كان في لبنان أيضاً.

وعلى كل حال، كان إنساناً مجاهداً، وكان جلّ اهتمامه رفع لواء الإسلام والمسلمين.

وكان قدس سره يحمل فكراً نيراً، وذا شخصية، ونابغة الدهر، وكنت في ذلك الحين في أوان الشباب ولم أكن أستطيع تشخيص كثير من الأمور لأنني كنت قليل التجربة ولم ألتقي بالشخصيات.

 

التواضع العجيب

كيف كان يتعامل الشهيد مع الناس عامة؟ وكيف كان يتعامل مع زائريه وضيوفه؟

كان تعامله مع الناس عجيباً، ومن باب القصة كنت في يوم من الأيام في زيارة لمقام السيدة زينب عليهاالسلام وكان بجانبي أحد الزوار الإيرانيين حيث سألني قائلاً: هل أنت تسكن هنا في منطقة السيدة زينب عليها السلام. قلت: بلى فأنا في الحوزة العلمية الزينبية. قال: هل ترون السيد الشيرازي في هذا المساء؟ قلت: بلى. قال: أرجو أن تبلغوا له سلامي. قلت: ما اسمكم؟ قال: فاطميان. قلت: أين تقطنون؟ قال: في الفندق الفلاني بدمشق. وفي ذلك المساء وبعد الانتهاء من صلاة الجماعة التي كان يقيمها الشهيد في الصحن الزينبي التقيت به وأبلغت سلامه.

فسلم السيد الشهيد بكلّ حرارة.

ثم سألت السيد: هل تعرفونه؟ فقال: لا أعرفه، ولكن اذهب غداً إليه في الفندق وخذ منه موعداً لكي نذهب لزيارته فإنّ له حقاً علينا.

وفي الغد ذهبت إلى الفندق لآخذ من الزائر المذكور موعداً للشهيد، ولكن وصلت إلى الفندق في الوقت الذي كان يستعدّ للذهاب إلى المطار، فأبلغته سلام السيد الشيرازي، وقد تأسّف كثيراً لعدم لقائه وحرمانه من لقاء السيد.

 

حياة قصيرة وعطاء كبير

أرجو أن تنقلوا لنا بعض النشاطات الثقافية والاجتماعية للشهيد الشيرازي ؟

في هذه الناحية، فإنّ سيرة ومسيرة الشهيد كان عجيباً، ومنها المرحلة التي أمضاها الشهيد في العراق، فلقد كان له نشاطات كثيرة، ومن الفعاليات التي كان للشهيد دوراً بارزاً فيها، هي نشر ومعرفة الإسلام بين المسلمين بواسطة الصحف والمجلات المختلفة والتي كان للشهيد دوراً ريادياً في تحريرها، وعندما نطالع سيرة هذا الشهيد عندما كان يعيش في مدينة كربلاء المقدسة نراه (وطبعاً بالتعاون مع أخيه السيد المرجع الإمام الشيرازي (قدس سره) قد قام بإصدار مجموعة كبيرة من النشريات والدوريات بأسامي وعناوين مختلفة.

ومن تلك النشريات:

1. مجلة الأخلاق والآداب: وكانت تصدر في بداية كل شهر.

2. مجلة أجوبة المسائل الشرعية: وكانت تصدر شهرياً.

3. مجلة نداء الإسلام: وكانت تصدر شهرياً.

4. مجلة القرآن يهدي: وكانت تصدر في كربلاء، وهي تعنى بشؤون القرآن الكريم، وتفسيره، وعلومه.

5. مجلة أعلام الشيعة في الإسلام: حيث كانت تبحث في سيرة وحياة هؤلاء الأعلام، وتصدر شهرياً.

6. مجلة مبادئ الإسلام: وهذه المجلة كانت تصدر بعدّة لغات عالمية حية، وبالأخص باللغة الإنجيليزية وتصدّر إلى أوروبا وأمريكا.

7. مجلة صوت الإسلام: وكانت تصدر شهرياً.

8. مجلة ذكريات الأئمة المعصومين عليهم السلام: من حيث ذكرى مواليدهم أو وفياتهم عليهم السلام.

وطبعاً كان هدف الشهيد الشيرازي هو إيصال صوت الإسلام وتثقيف الشباب.

وهذه بعض النشاطات الثقافية التي أمضاها الشهيد في العراق، وأيضاً واصل هذه النشاطات عندما هاجر من العراق إلى لبنان، حيث فتح بعض المؤسسات الدينية، ومنها مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ودار الإمام الصادق عليه السلام للطباعة والنشر، وكانت تطبع في هذه الدار مختلف الكتب والنشريات الإسلامية وتنشر.

ومن المؤسسات الدينية التي أسسها الشهيد في لبنان  مكتب جماعة العلماء في بيروت لإدارة التبليغ وقضاء حوائج المستضعفين والمعوزين.

هذه بعض الجوانب المشرقة في حياة الشهيد الشيرازي قدس سره.

أسرة القادة

في أيّ بيئة تربّى الشهيد؟ وكيف كان تعامل الأسرة معه بدءاً من والده المرجع الميرزا مهدي، ومن أخيه المجدّد السيد محمد الشيرازي؟

وأما بالنسبة إلى أسرة وبيت الشهيد الشيرازي، فإنها لا تحتاج إلى البيان والشرح، لأنها أسرة جهادية، أسرة أنجبت أبناءً كانوا قادة للثورات، ومن هؤلاء الميرزا الشيرازي الذي قاد ثورة التنباك، والميرزا محمد تقي الشيرازي الذي كان يقود ثورة العشرين في العراق.

إنّ هذه الأسرة أسرة مجاهدة، أسرة الزهد والتقوى، أسرة العلم والورع.

واليوم وكما يطالعنا التاريخ فإنّ هذه الأسرة أنجبت سبعة من كبار المراجع العظام، ويعتبر سماحة آية الله العظمى الفقيه السيد صادق الشيرازي (دام ظله) من آخر هذه المراجع التي أنجبتها هذه الأسرة العلمية العريقة.

 

بالتصميم والجهاد تأسست الحوزة الزينيبة

كيف فكر الشهيد في إنشاء الحوزة العلمية في سورية؟

وكما ينقل عن الشهيد الشيرازي، أنه سئل كيف فكّرتم في تأسيس الحوزة في سورية؟ وما هو السبب؟ فأجاب الشهيد المرحوم رداً على هذا التساؤل: عندما كنت أسكن في لبنان كنت أتردّد إلى سورية وأدرس الأوضاع والأجواء في هذا البلد وبالأخص في منطقة السيدة زينب عليها السلام، عندما شعرت بإحساس شديد وضروري أنه لابد أن أؤسس في منطقة السيدة زينب عليها السلام حوزة علمية، مثل باقي المدن المشرفة ككربلاء المقدسة، والنجف الأشرف، وسامراء المعظمة، والكاظمية المشرفة، ومشهد وقم المقدستان، فلابد أن أؤسس على غرار هذه المدن المشرفة التي تتواجد فيها الحوزات الدينية حوزة علمية في سورية، لأنّ وفود الزائرين يأتون إلى هذه المنطقة من كل الأماكن، ولذلك قال الشهيد: فصممت أن أقوم بتأسيس حوزة علمية في منطقة السيدة زينب عليهاالسلام.

 

صعوبات في الطريق

مع العلم بوجود مصاعب ومشاكل جمّة كالمصاعب المادية والسكن، لأنّ الحوزة تحتاج إلى امكانات مادية، وهي تحتاج إلى مدرسة، إضافة إلى أن في بداية تأسيس الحوزة كان لا يوجد سكن للطلبة في هذه المنطقة، وإن وجد فقليل جداً.

وأنا شخصياً عندما قدمت من العراق إلى سورية حيث منطقة السيدة زينب عليها السلام، وأعرف الكثير من الأشخاص كشقيقين مثلاً كانا يسكنان في بيت واحد، وكان الوالد والولد يعيشان في مسكن واحد، لأنه لم يكن هناك إلا سكن قليل جداً، ولم يكن كاليوم مثلاً (2005م) من كثرة تواجد دور السكن والبنايات والشقق، فلم يكن للطلبة في ذلك الزمان دوراً للسكن، فكان ثلاثة منهم مع عائلاتهم يسكنون بيتاً واحداً.

 

أرادوا إطفاء نور الله

ما هي المحاولات المختلفة من مختلف الأطراف لعرقلة تأسيس الحوزة؟ وكيف استطاع الشهيد تجاوز هذه العراقيل؟

كانت هناك عدّة محاولات من عدّة جهات لعرقلة تأسيس حوزة علمية في سورية، مثلاً من الطرق التي كانت تستخدم ضد الكيان الحوزوي ووجود حوزة علمية في سورية هي أنّ هؤلاء كانوا عندما يلتقون بنا يقولون: ليس هنا مكاناً للحوزة، فمصاريف سفرك على عهدتي واذهبوا إلى إيران.

فهؤلاء كانوا يريدون عن هذا الطريق صرف الطلبة عن البقاء وعن الحوزة، وفي الحقيقة لقد كانت هناك صعوبات ومشاكل جمّة على الطالب ومعيشته في الحوزة.

فأنا عندما قدمت إلى سورية كنت أستلم من الشهيد الشيرازي مبلغاً ومقداره (200 ليرة سورية) راتباً شهرياً كنت أدفع مبلغ مائة ليرة سورية لغرفة السكن، وأما المائة الأخرى فكنت أصرفها لمعيشتي الحياتية لمدة شهر واحد.

لذلك كان هؤلاء وبقدر استطاعتهم يضعون العراقيل أمام تأسيس حوزة علمية في سورية، إمّا عن طريق الطلبة وتشجيعهم للسفر إلى إيران، أو عن طرق أخرى.

 

التفسير المعمق

ما هي الدروس التي كان يدرّسها الشهيد في الحوزة؟ ويقال بأنه بدأ بتدريس درس التفسير وبعد ذلك ببحث الخارج؟

عندما بدأ الشهيد بتدريس التفسير باللغة الفارسية، كنت من أوائل الحاضرين في ذلك الدرس.

ودرسه (تفسير الشهيد) في الواقع كان درساً عميقاً ومفصّلاً، فأنا مثلاًَ حضرت دروساً  كثيرة في التفسير، أما كدرس تفسير الشهيد بعمقه وتفصيله فلم أحضر.

وبعد ذلك شرع في الأيام الثلاثة التي كان يتواجد فيها في سورية ببحث الخارج في الأصول، وقد وصل في بحث الخارج أصولاً (وذلك قبل استشهاده) في مبحث الأمر ومعناه.

وبقيت دروسه غير مكتملة وذلك بعد شهادته في بيروت.

 

غيض من فيض

أذكروا لنا بعض النشاطات في مختلف قرى ومدن سورية وبالأخص في مدينة اللاذقية والساحل السوري؟ وفي لبنان في طرابلس وفي بيروت وفي البقاع وفي الجنوب، بدءاً من تأسيسه للمساجد والحسينيات وغيرها من المؤسسات؟

كما أذكر شخصياً بعض المؤسسات التي قام الشهيد المرحوم بتأسيسه بعد تأسيس الحوزة العلمية الزينبية في سورية، هي كالتالي:

1. بناء مسجد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في مدينة حمص.

2. مسجد الإمام الحسين عليه السلام في صافيتا.

3. مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام في حمص.

4. مسجد الإمام الصادق عليه السلام في اللاذقية.

5. مسجد الإمام الرضا عليه السلام في جبلة.

وهذه هي من جملة المساجد التي قام الشهيد بتأسيسها في سورية.

ومن الحسينيات التي أسسها في سورية:

1. حسينية في بانياس.

2. حسينية في حمص.

هذه بعض المؤسسات التي أسسها الشهيد في سورية.

والحمد لله رب العالمين