الشيخ الوحيد البهبهاني تجديد للمذهب وشهرة اطبقت الآفاق

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين.

وبعد: عرفت مدينة كربلاء ومنذ قرون خلت بان ظهر على ساحتها العلمية والحوزوية علماء اجلاء ومراجع كبار منهم العلم العلّامة استاذ الكل الشيخ محمد باقر البهبهاني، وفيما يلي موجز عنه قدس سره.

 

الأسم والولادة

الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمّد أكمل بن محمّد صالح الإصفهاني المعروف بالوحيد البهبهاني، وينتهي نسبه إلى الشيخ المفيد قدس سره كما نقل ذلك الشيخ الطهراني في «الكرام البررة»، بثلاث عشرة واسطة من طرف أبيه، أما من جهة أمه فيرتبط بثلاث وسائط فقط إلى المحدث الكبير

والعالم الرباني المجلسي الأول، ومن هنا عبر في تأليفه عن المجلسي الأول بالجدّ، وعن المجلسي الثاني بالخال كما وأن في ضمن حلقاته السببية نجد أمثال العالم الصالح العلامة ملا صالح المازندراني طاب رمسه.

 ولد في أصبهان سنة 1117 للهجرة[1].

 

دراسته وتحصيله العلمي:

تلقّى قدس سره بدايات علومه في حوزة إصفهان، وفي حدود 1135للهجرة سافر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية وتهيأت له الأسباب فيها لتحصيل وتكميل ما تعلمه من العلوم العقلية والنقلية عند العالمين العلمين السيد محمد الطباطبائي البروجردي – جد السيد بحر العلوم – والسيد صدر الدين القمي المشهور بالهمداني شارح كتاب وافية الأصول، وبعد استكمال أشواطه الدراسية، سافر إلى بهبهان ـ من نواحي خوزستان ـ وسكن فيها مدّة تقارب الثلاثين عاماً.

ثمّ سافر إلى كربلاء المقدّسة واستقرّ بها، فقام بأعباء المرجعية، ونهض بتكاليف الزعامة الشيعية ونشر العلم بها، فبرز تظلعه في العلوم وذاع صيته مطبقاً الآفاق.

 

وابرز من تتلمذ على يديه:

أبوه الشيخ محمّد أكمل، السيّد محمّد الطباطبائي البروجردي، السيّد صدر الدين الرضوي القمّي، الشيخ محمّد حسين الإصفهاني، السيّد محمّد باقر گلستانه، الشيخ محمّد القاساني.

 

أما تلامذته فأبرز من تتلمذ على يديه:

السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، الشهيد السيّد محمّد مهدي الخراساني المعروف بالشهيد الثالث، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، السيّد محسن الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقّق البغدادي، الشيخ محمّد المازندراني المعروف بأبي علي الحائري، الشيخ محمّد مهدي النراقي المعروف بالمحقّق النراقي، الشيخ أبو القاسم الجيلاني المعروف بالمحقّق القمّي، السيّد صدر الدين محمّد الموسوي العاملي، السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي، السيّد محمّد مهدي الشهرستاني، السيّد علي الطباطبائي، السيّد محمّد حسن الزنوزي الخوئي، السيّد محمّد قصير الخراساني، الشيخ محمّد تقي الإصفهاني، السيّد أحمد العطّار البغدادي، السيّد محمّد باقر الشفتي، الشيخ أسد الله التستري، الشيخ أحمد النراقي.

 

الشيخ وزيارة سيد الشهداء عليه السلام:

لزيارة سيد الشهداء عليه السلام والمداومة عليها ثواب كبير وآثار عظيمة ومنها طول العمر وان ايام الزيارة لا تعد من اعمار الزائرين، وكذا تسبب التوفيق لطلب العلم والتفرغ له وتحصيله ومن ثم يبلغ المداوم على الزيارة المخلص فيها المكانة والمنزلة العالية، ومما يذكر في احوال الشيخ المترجم قدس سره مداومته على زيارة الامام الحسين عليه السلام حتّى نهاية عمره الشريف، البالغ مئة عام، وإحراز غاية الآداب، ونهاية الخضوع والخشوع، حتّى كان يسقط في أبواب الحرم الحسيني الشريف على وجهه، ويقبّلها ويدخل الحرم، وهكذا كان عند زيارته لقبر أبي الفضل العباس سلام الله عليه، فكان هذا العمل احد اسرار تفوقه حتى قيل استاذ الكل فضلاً عن تواضعه وصبره على طلب العلم مهما كانت الظروفسُئل قدس سره ذات مرّة: بما بلغت من العلم والعزّة والشرف والقبول في الدنيا والآخرة؟

فكتب في الجواب: «لا أعلم من نفسي شيئاً أستحقّ به ذلك، إلّا أنّي لم أكن أحسب نفسي شيئاً أبداً، ولا أجعلها في عِداد الموجودين، فلم آل جهداً في تعظيم العلماء والمحمّدة على أسمائهم، ولم أترك الاشتغال بتحصيل العلم مهما استطعت، وقدّمته على كلّ مرحلة دائماً».

 

آثاره ومصنفاته:

الفوائد الحائرية، التحفة الحسينية، شرح الفوائد الرجالية، التقريرات في الفقه، الردّ على شبهات الأخباريين، الحاشية على مدارك الأحكام، الحاشية على تهذيب الأحكام، الحاشية على مجمع الفائدة والبرهان، الحاشية على قوانين الأُصول، الحاشية على شرح القواعد، الحاشية على منتهى المقال، الحاشية على الذخيرة، الحاشية على الوافي، الحاشية على الكافي، حاشية المعالم، رسالة في القياس، رسالة في حجّية الإجماع، رسالة في أصالة البراءة، رسالة في الاجتهاد والأخبار.

 

وفاته:

تُوفّي قدس سره في التاسع والعشرين من شوال 1205ﻫ بمدينة كربلاء المقدّسة، ودُفن في رواق حرم الإمام الحسين صلوات الله عليه ممّا يلي أرجل الشهداء رضوان الله عليهم.

 

شواهد العلماء بحقه قدس سره:

الشيخ عبد النبي القزويني قدس سره في تتميم أمل الآمل ص75:

«فقيه العصر، فريد الدهر، وحيد الزمان، صدر فضلاء الزمان، صاحب الفكر العميق والذهن الدقيق، صرف عمره في اقتناء العلوم، واكتساب المعارف والدقائق، وتكميل النفس بالعلم بالحقائق، فحباه الله باستعداده علوماً لم يسبقه أحد فيها من المتقدّمين، ولا يلحقه أحد من المتأخّرين إلّا بالأخذ منه، ورزقه من العلوم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، لدقّتها ورقّتها ووقوعها موقعها، فصار اليوم إماماً في العلم، وركناً للدين، وشمسا لإزالة ظلم الجهالة، وبدر الإزاحة دياجير البطالة، فاستنارت الطلبة بعلومه، واستضاء الطالبون بفهومه، واستطارت فتاواه كشعاعا لشمس في الإشراق، مد الله ظلاله على العالمين، وأمدهم بجود وجوده إلى يوم الدين.

ومن زهده في الدنيا أنه دام ظله اختار السدد السنية والأعتاب العلية، فجعل مجاورتها له أقر من رقدة الوسنان، وأثلج من شربة الظمآن، وأذهب للجوع من رغفة الجوعان، فصير ترابها ذرورا لباصرته، وماءها المملح الزعاق أحلى من السكر لذائقته، وهمهمة الزوار مقوية لسامعته، ورمالها وجنادلها مفرشا لينا للامسته، ورياح أعراق الزائرين غالية لشامته، مع أنه لو أراد عراق العجم وخراسان، وشيراز وأصبهان، لحملوه إليهم بأجفان العيون، وجعلوه إماما يركنون إليه وإليه يوفضون، يصرفون له نقودهم وجواهرهم ويجعلون أنفسهم فداءا له».

السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قدس سره في بعض إجازاته:

 «شيخنا العالم العامل، العلّامة، وأُستاذنا الحبر الفاضل الفهّامة المحقّق النحرير، والفقيه العديم النظير، بقية العلماء ونادرة الفضلاء، مجدّد ما اندرس من طريقة الفقهاء، ومعيد ما انمحى من آثار القدماء، البحر الزاخر، والإمام الباهر».

العلامة النوري صاحب المستدرك:

«أولهم وأجلهم وأكملهم: الأستاذ الأكبر مروج الدين في رأس المائة الثالثة عشر المولى محمد باقر الإصبهاني البهبهاني الحائري، قال الشيخ عبد النبي القزويني في تتميم أمل الآمل بعد الترجمة: فقيه العصر إلى يوم الدين... إلى أن قال: وبالجملة، ولا يصل إليه مكثنا وقدرتنا انتهى»[2].

 

ولنختم الحديث حول قدس سره بهذه الابيات التي رثاه بها بعض من تلامذته:

جفون لا تجف مـن الدموع            ولم تعلق بها سنــة الهجوع

لرزء شب في الأحشاء نـارا           توقد بين أحنــاء الضلوع

يكلفني الخلي لـــه عزاء           وما أنـــا للعزا بالمستطيع

قضى من كان للإسلام سورا           فهدم جانــب السور المنيع

وشيخ الكلم رجعهم جميعـا           إليه في الأصول وفي الفروع

خـلت منه ربوع العلم حتى          بكته عين هــاتيك الربوع

بكاء كـــالتلميذ وحبر            من العلماء ذي شـرف رفيع

«بكوا أستاذه مطرا، فأرخ            وقل»: قد فات أستاذ الجميع[3]

(١٢٠٥)

والحمد لله رب العالمين.


     ـــــــــــــــــــــ

[1]ـ مرآة الاحوال: ج1، ص.130.

[2]ـ مستدرك الوسائل: ج3، ص384.

[3]ـ اعيان الشيعة: ج9، ص182.