![]() |
الخمر كوليرا المجتمع
كتاب الخمر كوليرا المجتمع لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله كتبه في 20 ذي القعدة سنة 1386 هـ في كربلاء المقدسة.
إن من مسلمات الأمور في الشريعة المقدسة هو أن الله سبحانه لا يحرم شيء إلا وفيه مضرة للإنسان ولا يأمر بشيء إلا وفيه النفع له ولا يستلزم من عدم معرفة ضرر شيء ما إن لا نطيع الله سبحانه في اجتنابه والابتعاد عنه فالأمر المتوجب علينا التعبد بالطاعة هذا فضلاً عما إذا كما كنا نعرف الضرر كله أو بعضه فستكون الحجة علينا أعظم ولا عذر لنا في فعله أو ارتكابه. نعم المحرمات في الشريعة المقدسة كثيرة إلا أن في بعضها ما يهدد المجتمع بأكمله في حالة تفشي تلك الجرائم، فمثلاً جريمة الزنا لو تفشت في المجتمع لاختلطت الأنساب والأعراق، واختل النظام الأسري فيه، وهكذا نجد الخمر وشربه آفة تفتك بالإنسان أولاً ومن ثم يكون المجتمع رذيلاً لا أخلاق له وموطن للإجرام منه يصدر وإليه يؤوب، ومن هنا قالوا أن ـ الخمر كوليرا المجتمع ـ وهو العنوان الذي اختاره سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله لكتابه حول الخمر ـ فكما أن مرض الكوليرا إذ تفشى في المجتمع يفنيه ويطحنه طحناً، كذلك الخمر إذا تفشى تصيّر المجتمع إلى مسوخ بشرية بدل أن يكون مجتمعاً فاضلاً يتصف بالإنسانية الكاملة.
مع أبحاث الكتاب: الكتاب عبارة عن مقدمة وفصلين، يتناول المؤلف في المقدمة الأسباب التي دعته إلى البحث في هذا الموضوع كما ويثبت فيه الهدف الذي يتوخاه بكتابه وكأنه أراد بذلك تحقيق الأهداف التالية: 1ـ أثبات تقدمية الإسلام على غيره كونه حرم شرب الخمر منذ قرون عديدة أي منذ بدايات الدعوة المحمدية صلوات الله على صاحبها مما كان له الأثر الفعال في المسلمين الذين تمتعوا بصحة الجسم والتفكير فتفوقوا على غيرهم المصابين بذلك الداء الوبيل. 2ـ إبراز مجمل الأمراض التي يسببها الخمر سواء في الفرد أو المجتمع. 3ـ إيراد اعترافات العلماء من غير المسلمين وبخاصة العالم المسيحي ـ المتسامح بوصفه الحالي مع الخمر وشاربه ـ بالأمراض الفتاكة التي يسببها وبذلك إثبات لأفضلية الإسلام على غيره. 4ـ إثبات اختلاف النظرة إلى المحرمات عبر القرون فكل عصر ينظر إليها نظرة تختلف عما سبقه مما يعطي لنا صورة واضحة لحيوية الإسلام وملائمته لكل العصور.
مع الطب الحديث: وهو الفصل الأول من الكتاب، أورد فيه المصنف مجمل الأمراض التي يسببها الخمر مدعماً ذلك بتصريحات علماء الطب وإحصائياتهم في ذلك، فمن الأمراض التي يوردها (سرطان الفم، سرطان الكبد، إلتهاب المعدة، تقليل العمر، تقليل شهوة الطعام، ضعف الجهاز العصبي، التأثير على الذاكرة، التأثير على النسل إضافة إلى الأمراض العقلية وما يسببه من جنايات) فأورد كل مرض منها وبحثه بإيجاز مدعماُ بحثه وكما قلنا بتصريحات الأطباء وبنتائج أبحاثهم فنراه عند كلامه عن سرطان الكبد يقول:(وقد دلت الأبحاث الطبية الحديثة في موضوع الإصابات السرطانية التي تغزو عضو الكبد بأن الكحول لها أخطر الأثر في عمليات الهدم التي تتعرض لها الأنسجة الكبدية إلى جانب الحركة المعاكسة التي تولد تضخم الأنسجة الرابطة التي تحيط بالتلافيف والفصوص الكبدية ذات التعاريج المنتظمة فتضايقها مؤدية إلى تقلصها النسيجي ثم إتلافها الأمر الذي يؤدي إلى اضمحلال نسبة الكبدية وتفوق الأنسجة الليفية الرابطة التي تسيطر على عضو الكبد وتحوله إلى مادة جامدة عاطلة ومشلولة). أما جانب الاحصائيات فهو من مميزات الكتاب فمثلاً يورد إحصائية مستشفى (بلفيو) في ولاية (نيويورك) ملخصها (ففي ألف إصابة بذات الرئة كان الخمسمائة منهم من المدمنين على الخمر بينما أربعة وعشرين بالمئة منهم من الذين لا يتعاطونها) وإن كانت تلك الإحصائيات قديمة إلا إنها كانت متلائمة ووقت إصدار الكتاب من جانب آخر نجد المصنف يؤكد دائماً على إحصائيات الدول الغربية المشجعة على شرب الخمور مما يعطي للكتاب ميزة خاصة.
مع الشريعة الإسلامية: وهذا عنوان الفصل الثاني والأخير في الكتاب أورد فيه المؤلف أحاديث شريفة تؤكد تحريم الخمر وعلة ذلك وما توضحه تلك الأحاديث من أسباب للتحريم ففي بعضها ذكر الأمراض سواء جسدية أو اجتماعية فمثلاً الحديث المروي عن الإمام الرضا عليه السلام:(وأن الله تعالى حرم الخمر لما فيها من الفساد وبطلان العقول في الحقائق، وذهاب الحياء من الوجه وإن الرجل إذا سكر فربما وقع على أمه أو قتل النفس التي حرم الله ويفسد أمواله ويذهب بالدين، ويسيء المعاشرة ويوقع العربدة وهو يورث مع ذلك الداء الدفين). فبلحاظ الحديث الشريف المتقدم نجده يبرر ويعلل سبب التحريم فيشير إلى الأمراض الصحية بقوله بطلان العقول ووفق قاعدة كلم الناس على قدر عقولهم نجد الإمام سلام الله عليه يقول:(وهو مع ذلك يورث الداء الدفين) دون أن يصرح ما هو ذلك الداء ولعمري إنه في زمانهم لا يعرف المجتمع الكثير من الأمراض التي يسببها الخمر والتي ظهرت بعد ذلك وما زالت تظهر فأوجز الكلام سلام الله عليه بالداء الدفين. كما ويشير إلى الأمراض الاجتماعية سواء الأسرية منها أو الاجتماعية فارتكاب الجرائم في المجتمع من مصاديق ذلك في الوقت الذي يشير فيه إلى فساد الاقتصاد. وخلاصة ما تقدم إن المصنف هدف أن يجعل من الكتاب لنا حقيقة مفادها سبق الإسلام غيره إلى معالجة هذا الداء الوبيل كونه الحاجب الشديد بوجه بناء المجتمع الفاضل والكامل الذي وعدنا به رب العزة والحمد لله رب العالمين.
عدد الصفحات: 48 الحجم: جيبي 12×17 الناشر: مكتب منابع الثقافة الإسلامية ـ كربلاء المقدسة. المطبعة: مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف.
|
|