الآثار العلوية والعلوم المحمدية في بيت الإمام الكاظم عليه السلام

 

بعد استشهاد الإمام الصادق عليه السلام انتهت الإمامة إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم وهو ابن عشرين عاماً، حيث تصدى للتدريس في مجلس جده محمد صلى الله عليه واله، وهو لا يزال شاباً، وروى عنه العلماء في فنون العلم، وكان يعرف بين الرواة بالعالم، وكان ابو حنيفة يرجع إليه ويسأله في كثير من المسائل.

خاف الحاكم العباسي المهدي «جلس158ـ توفي169هـ» من الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حين رأى الناس قد فتنوا به، فطلبه إلى بغداد وأمر بسجنه إلا انه لم ير منه سوءاً، فقد فتن هو بشخصية الإمام عليه السلام لأخلاقه الحميدة وسجاياه الحسنة ثم أمر بإطلاق سراحه واعتذر منه لرؤيا رآها كما يذكر البغدادي في تاريخه.

في هذا الوقت انتقل الإمام الكاظم عليه السلام إلى كربلاء المقدسة أيام المهدي في حدود سنة162هـ إلى سنة 165هـ، لزيارة قبر جده الحسين عليه السلام، واستمر بقاء الإمام الكاظم عليه السلام في كربلاء المقدسة أكثر من سنتين، ولم يكن في دار أبيه على نهر العلقمي، وإنما بنى داره ومدرسته فيما بين حرم الإمام الحسين عليه السلام وأخيه العباس عليه السلام في الشمال الشرقي من الروضة الحسينية وغرب روضة سيدنا العباس عليه السلام وتصدى الإمام عليه السلام للتدريس ونشر الفقه الإسلامي والحديث، إذ كانت مدرسة الإمام الكاظم عليه السلام امتداداً لمدرسة أبيه وجده فازدلفت إليه الشيعة من كل فج زرافات ووحداناً، والتفت حوله جموع العلماء والمحدثين والرواة تستقي منه العلم وتنهل من معينه العذب، وتروي عنه الأحاديث.

وفي أيام المهدي العباسي والهادي العباسي «جلس169هـ ـ 170هـ» ساد الهدوء وخفت الوطأة على مدينة كربلاء المقدسة، واتجهت قوافل الزائرين والمجاورين إلى الحائر الحسيني من كافة الطبقات وعلى رأسهم العلماء والمحدثون يبنون حول المرقد المطهر منازلهم ليسكنوا إلى جواره على رغم وحشة المكان وخشونة الحياة، فقد ازدهرت جامعة كربلاء الكبرى على يد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، إذ تقدمت جامعة كربلاء الكبرى شوطاً كبيراً في هذه الفترة، وتوسعت أركانها وتركت نشاطها فقهياً واسعاً وزخرت بفقهاء كبار.

لم يمكث الإمام عليه السلام في كربلاء المقدسة كثيراً لأسباب يطول شرحها، منها موقع كربلاء القريب من عاصمة الخلافة العباسية، وضغط الجهاز الحاكم على الشيعة الامامية، وعيون الرقابة على جامعة كربلاء العلمية، وكذلك كانت السلطة تجهد على حضر رجوع الناس إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد أدرك الإمام الكاظم عليه السلام خطورة الموقف، فأعلن السفر إلى المدينة المنورة، ليكون بعيداً عن مركز الخلافة.

 واتخذ الشيعة الامامية من دار ومدرسة الإمام الكاظم عليه السلام مقراً للتدريس ومقاماً مقدساً يقصده للناس للزيارة والتبرك وقضاء الحاجات بفضل الله، ويقع هذا المقام اليوم في محلة باب بغداد زقاق السادة المعروف بـ (عكَد السادة) وأكثر هذا الزقاق هم سادة موسويون من أحفاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وقد نقشت على واجهة المقام هذه الأبيات:

موسى بن جعفر كلما جاءنا               إلى هـنا برغبـة يسكـن

من حولـه أحفاده قد أتوا               صاروا له من حوله مسكـن