الحمد لله
رب العالمين والصلاة وأزكى التسليم على النبي الأمين وآله المعصومين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.
وبعد: فهل
للكون إله خلقه ونظَّمه؟
هذا سؤال
يدور بخلد كثير، وخصوصاً الشبيبة: يا ترى! لنا إله خلقنا، كما يقول المؤمنون،
أم هذا شعور تبع المجتمع، وخضوع لمجهول خلقه ضعف الإنسان في القرون الوسطى
وما قبلها؟
إن الإجابة
على هذا السؤال ليس صعباً، وإن استصعبه بعض المؤمنين بتوسيع المجالات الفلسفية
وتعبيد الطريق الموصل إليه، والملحدون بتكوين الشبهات المختلفة وترتيب
المغالطات السفسطية.
هل رأيت
بناءً بغير مهندس وبنّاء؟
أم هل رأيت
مصنوعاً بغير صانع؟
إن عقرب
الساعة وإن كان في غاية الصغر لابد وأن يكون له صانع، فكيف بالعالم الوسيع،
الذي يلف بين جوانحه شمساً مضيئة وقمراً منيراً، ماءً وهواءً، وأرضاً ونباتاً،
وحيواناً وإنساناً؟
كل تحت
نظام، ولا يحيد عن القانون العام شيء إلا فسد وأفسد.
هل النظام
من قبل نفسه، أم ليس له منظم؟
كلا! لا
يقوم نظام إلا بمنظم، ولا تتكون حركة إلا بمحرك، ولا يكون شيء حادث إلا بصانع.
فالمنظم هو
الله تعالى، والمحرك هو الله سبحانه، والصانع هو الله عز وجل.
وقد ألمع
القرآن الحكيم إلى هذا الأمر الفطري في عدة آيات:
قال تعالى:
«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا
أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ» البقرة:
164.
وقال
سبحانه: «اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي لاَِجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم
بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ*وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ
مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى
بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» الرعد:
2ـ4.
وقال عزوجل:
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ
مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْأَنْهَارَ*وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ
لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ*وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ» إبراهيم:
32ـ34.
الأمام الصادق والسائل
عن الله:
قال
رجل للإمام الصادق عليه السلام: ما الدليل على صانع العالم؟
فقال الإمام
الصادق عليه السلام: «وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها، ألا ترى أنك
إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني، علمت أن له بانياً، وإن كنت لم ترَ الباني ولم
تشاهده؟» راجع الاحتجاج: ص332 احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه السلام في انواع
شتى من العلوم…
الإمام الصادق
والديصاني:
دخل أبو
شاكر الديصاني ـ وهو زنديق ـ على الإمام الصادق عليه السلام فقال له: يا جعفر
بن محمد! دلني على معبودي!
فقال الإمام
الصادق عليه السلام: اجلس، فإذا غلام صغير في كفه بيضة يلعب بها..
فقال الإمام
الصادق عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة!
فناوله
إياها.
فقال الإمام
الصادق عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ
جلد رقيق، ذهبة مائعة وفضة ذائبة… لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل
ألوان الطواويس، أترى له مدبرا؟!
فأطرق مليا!
ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، وانك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه.
الاحتجاج:
ص333، احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه السلام من العلوم…، وراجع التوحيد:
ص123 باب القدر.
من أدلة التوحيد:
هل لهذا
الكون الرحب إله واحد، أم إلهان، أم أكثر؟
يقول بعض
الفرق: الإله اثنان.
وتقول فرقة
أخرى: الإله ثلاثة.
وهناك شواذ
يقولون: بأن الإله أكثر، وأكثر..
الإجابة على
هذا السؤال بسيط، وطبعاً: يجيب كل موحد أن الإله واحد.
وما الدليل
على ذلك؟
من هو
الشريك؟
أولاً:
نستفهم من الذين يقولون بتعدد الإلهة من هو شريك الإله؟
1ـ تجيب الثنوية: الإلهان هما النور والظلمة.
نقول: النور
مخلوق ممكن فلا يكون إلها، والظلمة مخلوقة ممكنة، فلا تكون إلهاً، إذاً فمن
يقول بتعدد الإله بهذه الحجة، قوله ساقط.
2ـ تجيب النصارى: الآلهة هم الله والمسيح وروح
القدس.
نقول:
المسيح عليه السلام كان بشراً والبشر لا يكون إلها. وما هو روح القدس وما
الدليل على كونه إلهاً؟ وما الفرق بين روح القدس وسائر الملائكة، حتى احتجز هو
وحده بينهم كرسي الألوهية؟
3ـ
يجيب المشركون: الأصنام هي الآلهة، وهي شريكة لله!.
وعبدة
الأبقار يقولون: إن الشريك للإله هي الأبقار!.
نقول: هل
الصخرة الصماء التي هي في مرتبة أنزل من الحيوان تصلح للألوهية؟
أم هل
البقرة العجماء التي هي في مرتبة أنزل من الإنسان تصلح للألوهية؟
إنْ هذه
الأقوال عند العقلاء إلا خرافة لا تستحق التدوين والمذاكرة.
وقد عرض
القرآن هذه الآراء التافهة عرضاً سريعاً منبهاً لما فيها من الخرافة والسخافة.
قال تعالى:
«إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ
لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً*إِن
يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً
مَرِيداً» النساء:
116ـ117.
وقال
سبحانه: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِيني فَلاَ
أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ
الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*وَأَنْ
أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ*وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ
يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ»
يونس: 104ـ106.
وقال عزوجل:
«وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ
وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» النحل:
51.
وقال تعالى:
«لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ…» المائدة:
17.
وقال
سبحانه: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ وَاحِدٌ» المائدة:
73.
وقال عزوجل:
«مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ
الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ..»
المائدة: 75.
وقال تعالى:
«قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ
الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»
المائدة: 17.
فساد العالم:
ثانياً:
نقول لو كان في العالم أكثر من إله واحد، لزم التنازع والتشاجر بين الآلهة،
وفسد نظام العالم، فإذا أراد هذا الإله شيئاً، وأراد الإله الآخر ما ينافيه،
تشاجر الإلهان، فأفسدا العالم.
فعدم الفساد
يدل على وحدة الإله.
النظام الموحد:
ثالثاً:
نظام العالم نظام موحد، يرتبط كل شيء منه بالشيء الآخر، فلولا الماء لم يكن
نبات، ولولا النبات لم يكن حيوان، ولولا النبات والحيوان لم يكن إنسان.
ولولا الشمس
لم يكن موجود حي، ولولا الهواء لم يعقل وجود شيء نامٍ.
حتى أن
العلماء يذكرون: إن بقاء الإنسان يرتبط ـ ارتباطا وثيقا ـ بخوافي أجنحة الطير،
فلولا الخوافي لم تكن قوادم، ولولا القوادم لم يطر طائر، ولولا الطير لامتلأ
الهواء والأرض بالهوام التي تفسد الزرع والضرع، وبفسادهما يهلك الإنسان..
والنظام
الموحد، لا يكون إلا من إله واحد.
لزوم التعريف:
رابعاً: لو
كان إله آخر، لزم أن يعرّف نفسه، وتظهر آثار ملكه، لكنا لم نعرف عن ذلك شيئا،
فليس في الكون إله ثان.
وقد أشار
القرآن الحكيم إلى طرف من الاستدلال:
قال تعالى:
«مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً
لَّذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» المؤمنون:
91.
وقال
سبحانه: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ
اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ»
الانبياء: 22.
وقال عزوجل:
«قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ*أَمَّنْ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ
بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ
هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ
خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ
الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ
يَعْلَمُونَ*أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا
تَذَكَّرُونَ» النمل:
59ـ64.
الإمام والسائل:
وقال رجل
للإمام الصادق عليه السلام: ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟
فقال الإمام
الصادق عليه السلام : «لا يخلو قولك: انهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين، أو
يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً.
فإن كانا
قويين، فلمَ لا يدفع كل واحد منهما صاحبه، ويتفرد بالربوبية؟.
وإن زعمت أن
أحدهما قوي والآخر ضعيف، ثبت أنه واحد، كما نقول للعجز الظاهر في الثاني.
وإن قلت:
إنهما اثنان، لم يخل، من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو مفترقين من كل جهة،
فلما رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، واختلاف الليل
والنهار والشمس والقمر، دل ذلك على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن
المدبر واحد» الاحتجاج: ص333، احتجاج أبي عبد الله الصادق عليه السلام في أنواع
شتى من العلوم.
دليل ظريف:
وقد أفحم
الإمام الرضا عليه السلام، رجلاً كان يقول بوجود إلهين بدليل ظريف..
قال الرجل
للإمام الرضا عليه السلام: إني أقول إن صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنه
واحد؟.
قال الإمام
عليه السلام: «قولك انه اثنان، دليل على أنه واحد، لأنك لم تدَّعِ الثاني إلا
بعد إثباتك للواحد، فالواحد مجمع عليه، وأكثر من واحد مختلف فيه» التوحيد:
ص269 باب الرد على الثنوية و الزنادقه...
وقال الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام ـ في وصيته لولده الإمام الحسن عليه السلام أو محمد
بن الحنفية، على اختلاف الرواية ـ: «واعلم يا بني انه لو كان لربك شريك لأتتك
رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت صفته وفعاله، ولكنه إله واحد، كما وصف
نفسه» تحف العقول: ص72 كتابه الى ابنه.
الذهاب إلى الجزء الثاني |