النصّ الكامل لكلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

 بمناسبة قرب حلول شهر رمضان العظيم 1444 هجرية

على أعتاب حلول شهر رمضان العظيم 1444للهجرة (2023م) وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمّة قيّمة ومهمّة، بجموع المبلّغين الدينيين، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم السبت المصادف للخامس والعشرين من شهر شعبان المعظّم للسنة المذكورة أعلاه، (18/3/2023م)، إليكم نصّها الكامل:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أمران مهمّان

نحن على أعتاب شهر رمضان العظيم. وكما هو معهود، أذكّر السادة الكرام الحضور، ولكل من سيسمع كلامي بالمستقبل، بأمرين، أحدهما واجب عيني على الجميع ودائماً، والآخر واجب عيني حالياً، لأنّه لا يوجد من فيه الكفاية، وإلاّ فهو بذاته واجب كفائي. والأمر الأول هو: ترويض النفس. والثاني: تبليغ الإسلام الصحيح، وليس الإسلام بالاسم فقط الذي قال بخصوصه رسول الله صلى الله عليه وآله: (يأتي زمان على الناس لا يبقى فيه من الإسلام إلاّ اسمه).

 

ترويض النفس

بالنسبة للأمر الأول: يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إنّما هي نفسي أروضها بالتقوى). بلى إنّ الإمام صلوات الله عليه قد قصد نفسه في حديثه الشريف، ولكن كلامه هو خطاب للجميع. و(أروض) تعني الإذلال. أي أذلّ نفسي الأمّارة بالسوء التي ذكر القرآن الكريم بأنّها موجودة عند البشر كلّهم، بقوله تعالى: (وإنّ النفس لأمّارة بالسوء). فهذه النفس تضغط على المرء، وكل من عاش في الدنيا وصار من أصحاب النار في الآخرة، كان سببه النفس. وهذه النفس بحاجة إلى الترويض والإذلال، أي كبح جماحها حتى لاتتلف الإنسان، ولا تتلف دنياه وآخرته أيضاً.

 

لنيل احترام أهل البيت

نقل الكافي الشريف رواية، وهي معروفة ونقلتها غيرها من كتب الأحاديث، عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه، يقول فيها: (ليس منّا ولا كرامة، من كان في مصر فيه مئة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه). وهذه الرواية يجدر بنا أن نضعها نصب أعيننا دائماً، وشهر رمضان العظيم فرصة جيّدة لأن نعمل بهذه الرواية، على الأقل. والمقصود من كلام الإمام صلوات الله عليه (ولا كرامة) يعني لا احترام له عندنا. ولا شكّ أنّ هذه الرواية تبيّن بعض مراتب الورع. وهذا الأمر صعب جدّاً ولكنه ممكن. فعلى المرء أن يستفيد من شهر رمضان العظيم الذي هو خير فرصة، إلى أن يكون هو الأورع من الجميع في مدينته.

 

عدوّان لدودان للإنسان

إنّ كل إنسان له عدوّين لدودين جدّاً، أحدهما في الباطن وهي النفس، والآخر في الخارج وهو الشيطان. وكذلك لكل إنسان صديقين جيّدين جدّاً، أحدهما في الباطن وهم الملائكة، حيث ذكرت الروايات الشريفة أنّ في قلب كل إنسان خمسة وعشرين ملك، وهم يشجّعون على عمل الخير. والصديق الآخر الخارجي، فهم الأنبياء والكتب الإلهية المقدّسة. ولكن لماذا تتغلب النفس الأمّارة بالسوء على الإنسان، ويكون كما يذكره القرآن الكريم: (وأكثرهم لا يعقلون)؟ والسبب هو صعوبة مقاومة النفس، ولكنه ممكن. فحقّاً إنّه لمن المؤسف أن يرحل المرء عن الدنيا، ولا نقول يكون مصيره العذاب، بل يبتلى بالحسرة الطويلة.

 

قمع النفس

في رواية أخرى، يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: ( أغلق بابك فإنّ الشيطان لا يفتح باباً). ويعني أنّه على الإنسان أن يقمع النفس الأمّارة بالسوء، حتى لا ترتبط من الداخل بالشيطان، وأحسن فرصة للقيام بذلك هو شهر رمضان العظيم. وهذا الأمر لا يستلزم الكثير من العمل، بل بحاجة إلى التصميم فقط. فالعلم يتطلّب الكثير من العمل، والأخلاق تتطلب الكثير من العمل، وكذلك غيرهما، ولكن ما يرتبط بداخل وبباطن الإنسان فإنّه لا يتطلّب الكثير من العمل، بل يحتاج إلى العزم والتصميم، وفرصة ذلك هو شهر رمضان العظيم.

كن الأورع

حسب وجهة نظري، ليبدء المرء بالعمل المذكور في عائلته، بأن يكون هو الأورع في أفرادها، سواء كان الأب أو الأمّ أو الابن أو البنت أو كنّة العائلة أو صهرها أو حفيدها، ومهما كان عدد العائلة، سواء كانوا بالعشرين أو بالثلاثين، أو أكثر أو أقلّ. وبعدها يوسّع دائرة ترويض النفس بأن تشمل الإخوة والأخوات وأبنائهم. فإن كانوا قرابة مئة شخص أو أكثر أو أقل، فليصمّم على أن يكون هو الأورع فيهم. ثم يوسّع الدائرة الترويضية بأن تشمل العشيرة والأقارب، وأبناء العم، وأبناء العمّة، وأبناء الخال والخالة، وأحفادهم وأصهارهم وغيرهم، وبعدها يوسّعها أكثر وأكبر بأن تكون ضمن إطار أهل قريته ومدينته ومحافظته وبلده.

 

إمكان تغيير النفس

نقرأ في أحد أدعية أيّام الاسبوع ما مضمونه بأنّه إلهي اجعلني بأن أكون الأفضل. والله تعالى لا يمنع فضله عن الناس، ولكن المشكلة في جدارة الإنسان واستحقاقه، في كبح جماح نفسه وقمعها، وفي الرغبة القوية فيها بأكل ما يشتهيه من الطعام مهما كان الثمن مثلاً، والرغبة القويّة بلبس كذا ثياب، مهما كان الثمن. فإذا قمع الإنسان نفسه سيوفّق. وبهذ الخصوص أذكر لكم قصّة عن أحد علماء النجف الأشرف، الذي كان فقيهاً وله كتب فقهية وأنا شخصياً اطّلعت على بعضها. وعندما كان والدي في النجف الأشرف قبل قرابة قرن، كان يصلّي خلف هذا الفقيه. وأراد الفقيه المذكور أن يتزوّج في شبابه، ولكنّه أخّر زواجه سنة بسبب عدم حصوله على نوع من القماش كان يأتي به الزوّار من سوريا إلى العراق ويباع في الأسواق العراقية لأنّه كان يُنسج في دولة سوريا، وكان ذلك القماش يستعمله الشباب غير الملتزمين في ليلة عرسهم وزفافهم بخياطته كلباس يلبسونه في عرسهم وليلة زفافهم. وبسبب تسلّط النفس على ذلك الفقيه في شبابه، أخّر زواجه إلى سنة، وقد كانت كل مقدّمات ومستلزمات الزواج مهيّأة ومتوفّرة له من أثاث وغيرها، إلاّ أنّه بسبب عدم حصوله على ذلك القماش الذي لم يستعمله رجال الدين أصلاً، أخّر زواجه. ولكن بعد ذلك، قام الفقيه المشار إليه بترويض نفسه بشكل وبنحو، وصل فيه إلى مرتبة رفيعة من السمو بالترويض، بحيث صار يصلّي خلفه الكثير والأغلب من الناس، ومنهم حتى الذين لم يكونوا يصلّون خلف أي أحد. فقد صار مركز ثقة واطمئنان للجميع في النجف الأشرف، مركز العلماء والزهّاد والعبّاد. وهذه القصّة تبيّن لنا بأنّه بإمكان المرء أن يغيّر نفسه القوية التي تسيّطر عليه بقوّة، وتسيّطر علينا جميعاً أيضاً، فهي الأمّارة بالسوء، ولكن يمكن قمعها وكبح جماحها، شيئاً فشيئاً.

 

خادعوا النفس

بالنسبة إلى الورع، فإنّه يعني الاجتناب. أي اجتناب كل ما لا يناسب الإنسان. فالإنسان قد خلق لأجل الآخرة لا للدنيا. وبهذا الخصوص يقول الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: (الدنيا ممر، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم) أي للآخرة. وفي رواية أخرى يقول مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه: (قال المسيح عليه السلام للحواريين: إنّما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها) فأيّ عاقل يبني على القنطرة بيتاً له وهي محل العبور؟ ولكن النفس لا تجعل المرء في أمان، ومع ذلك على المرء أن يغيّرها هويداً هويداً، وشيئاً فشيئاً. وبهذا الصدد تقول الرواية الشريفة: (خادعوا أنفسكم). وهذا تعبير رفيع جدّاً. فكما تخدع النفس الإنسان، عليه هو أن يسعى إلى خداعها أيضاً. فخادعوا من باب المفاعلة، أي العمل من الطرفين. فباطن الإنسان هو أسوأ من الشيطان الذي في الخارج، وكالمنافقين الذين هم أسوأ من المشركين ومن الكفّار، حيث وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: (هم العدو). وقد نزلت هذه الآية الكريمة في زمن كان النبي صلى الله عليه وآله يتعرّض للحروب من المشركين ولأذاهم ولسبّهم وفحشهم عليه وإنشادهم الأشعار الجارحة بحقّه وفي ذمّهم النبي الكريم صلى الله عليه وآله والعياذ بالله، وفي إنسابهم السوء والكذب إليه. فـ(هم العدو) يعني تقديم ما حقّه التأخير، ويفيد الحصر، ويعني يارسول الله صلى الله عليه وآله إنّ المشركين الذين يأتون من مكّة وغيرها إلى المدينة ويحاربونك ويقتلون ويُقتلون، ليسوا هم العدو الحقيقي، بل إنّ المنافقين هم العدو الحقيقي الموجودين في الداخل. وهكذا هي النفس، عدو داخلي باطني. وقد جعلها الله تعالى في الإنسان للامتحان وللاختبار. فهو تبارك وتعالى خلق النفس والملائكة، وجعلهما في باطن وداخل كل إنسان، لهذا الأمر وهو: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون).

 

ارتقي ولا تنزل

ثم إنّ الله تعالى خلق الإنسان وجعل الاختيار بيد الإنسان، ولم يخلقه أو يجعله كعمود حديد لا اختيار له ولا إرادة. والتصميم على تغيير النفس لا يخلو من صعوبة ولكنه ممكن، وهذا لاشكّ فيه أبداً، ولا يحتاج إلى وقت، بل يحتاج إلى الزيارات والأدعية. فالروايات الواصلة من المعصومين صلوات الله عليهم، لها التأثير البالغ في محاولة الإنسان على ترويض نفسه، في بداية شهر رمضان العظيم. ومن يسعى إلى ذلك سيوفّق في نهاية الشهر، وهذا ممكن، لي ولكل واحد منكم. وحتى لو لم يبلغ الدرجة من الورع التي ذكرها الإمام الصادق صلوات الله عليه في حديثه الشريف وهي (الأورع). فالورع وكما قلنا هو على مراتب ودرجات، والمهم أن لا ينزل المرء في درجات ورعه، والعياذ بالله.

المبنى الإلهي بالدنيا

إنّ كلام أهل البيت صلوات الله عليهم إرشادات قيّمة. ويقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في نهج البلاغة: (إنمّا أنتم في هذه الدنيا... لا تنالون منها نعمة إلاّ بفراق أخرى). فالمبنى الإلهي في الدنيا وتقديره فيها أنّه إذا منّ الله تعالى عليك بنعمة، سلب منك نعمة أخرى. فإذا حصل المرء على ثروة وأموال، واستطاع أن يشتري بها ما يشاء من الثياب، ويأكل ما يريد ويحبّ من الطعام، ويخلو من المشاكل، تراه يفتقد نعمة أخرى، وقد تكون مادية أو نعمة معنوية والعياذ بالله. فليس من المبنى الإلهي أن تجتمع كل النعم عند الإنسان. فهارون العباسي وغيره من حكّام بني العباس، لم تطل أعمارهم وابتلى كلّهم بالأمراض. فقد كتب التاريخ عن هارون الذي هو من مصاديق حصب جهنّم بلا شك، أنّه أراد ذات مرّة أن يذهب إلى مكان ما، فأتوا إليه بفرس ليركبه. ولكن قبل أن يركبه توجّه إلى أحد ممن كان حوله دائماً، فرفع ثوبه أمامه وأراه شيئاً كان على بطنه وكان يشبه الرمّانة، ولم يذكر التاريخ ما كان هذا الذي يشبه الرمّانة، هل هو السرطان أم لا، وبسبب الذي كان على بطنه مات هارون. وقال هارون لذلك الرجل أيضاً بأنّه انظر هذا حالي، وانظر إلى ولدي الأمين والمأمون لا يفكّران إلاّ باللهو واللعب، ولم يأتني أحدهما حتى بحصان يناسبني.

 

أصل طلب النعمة

بلى، هكذا هو الحال، إن حصل المرء على نعمة العزّة فستفارقه نعمّة أخرى، وإن نال نعمة صحّة البدن، يفتقد نعمة أخرى، وإن حصل على نعمة المال، يفقد أخرى، وإن حصل على نعمة الشرف، يفقد أخرى، وإن كان يتمتع بنعمة صلاح آبائه وأجداده، تراه يفقد نعمة أخرى. فليس المبنى أن يحصل الإنسان على كل ما يرغب به وكل ما يريده، وإن حصل على ما يريد وما يرغب به، فيسفقد ما سيكون عليه أصعب. ولا شكّ أنّه على الإنسان أن يفعل ويقوم بما هو ممكن وميسور ويدعو الله تعالى، ولكن ذلك لا يكون بشكل بحيث يؤخّر زواجه وعرسه إلى سنة كاملة لأجل عدم حصوله على قطعة قماش معيّن خاص، لكي يلبسه ليلة عرسه وزفافه، مثلاً.

 

التنازل عن الرغبات

نحن وأنتم، نرى وترون ما يحدث في المجتمع بخصوص قضايا الزواج. ومنها أنّك ترى أنّ زوجين قد تراضيا بالزواج، ورضي كل واحد منهما بالآخر، وتأكّدت رغبتهما بالزواج، وقاما بتهيأة أثاث الزواج ومتطلباته، ولكن بسبب اختلاف وجهة نظرهما حول يوم أو ساعة الزواج، ينفصلان عن بعض، ويقع الطلاق بينهما قبل أن يعيشا مع بعض. فلماذا لا يتنازل الزوج مثلاً عن قوله ووجهة نظره، أو تتنازل الزوجة؟ وما الإشكال في ذلك؟ ولذا على المرء أن يعوّد نفسه على أن لا يصرّ على كل ما يريده هو وما تحبّه نفسه، حتى يأمن من صعوبات أخرى وابتلاء آخر. فهل إذا طلّق الزوج زوجته بسبب اختلافهما حول يوم الزواج، هل سيأتون له بزوجة من الجنّة بعدها؟ وشهر رمضان العظيم وما فيه من الأدعية مثلاً، يكون بمثابة المذكّر للإنسان، وكذلك المجالس الكثيرة التي تقام ببركة أهل البيت صلوات الله عليهم في الشهر الفضيل، في الحسينيات والهيئات. وعلى المرء أن يرضى ويقبل بالظروف التي يعيشها، ويصمّم على ذلك.

 

للراحة والسعادة النفسية

 في الرواية الشريفة عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ أَهْلِهِ، وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِهِ). وهذا يعني أن يصمّم المرء على أن لا يرفض ما لا يحبّه من الطعام الذي يحبّه أفراد عائلته مثلاً، حتى لا يبتلى بالأصعب منه وحتى لا يفقد نعمة أخرى أكبر. وهذا الأمر يجعل المرء في راحة نفسية كبيرة لا تضاهيها راحة، وينام ليله براحة، وحتى لا تتحطّم أعصابه. وفي حديث شريف آخر عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقوله فيه: (مرارة الدنيا حلاوة الآخرة وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة). فمرارة الدنيا حلاوة الآخرة هو متنفّس كبير للإنسان وسعادة له من المشاكل. فالكل يعاني من مرارة في الدنيا، ولكن المرارة في الآخرة كبيرة وطويلة جدّاً. وهل سمعتم أحداً يقول بأنّه يحبّ أن يسرق بيته؟ بل ومن يرغب بذلك؟ وهذا هو المعني من حديث الإمام صلوات الله عليه. بلى قد يحبّ أحداً أن يسرق بيته إذا قال له أحدهم بصدق أنّه إذا سرقت ثلاجة بيتك التي سعرها خمسمئة ألف دينار مثلاً أنا سأشتري لك ثلاجة بسعر مليون دينار، أو إذا سرق سجّاد بيتك الذي ثمنها ثلاثمئة ألف دينار أنا سأشتري لك سجّاد سعرها ستمئة ألف دينار.

ثواب التحمّل

نحن لا نعلم كم سيكون أضعاف حلاوة الآخرة تجاه مرارة الدنيا؟ هل هو مئة ضعف أم ألف أم أكثر؟ علماً بأنّ القرآن الكريم يصف يوماً من أيّام الآخرة بأنّه مقداره خمسين ألف سنة، حيث يقول عزّ من قائل: (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ). ويعني انّ الجزاء ليوم واحد في الآخرة سيكون آلاف وأضعاف خمسين سنة عاشها الإنسان في الدنيا مثلاً. فالذي يعاني المرارة من زوجته، عليه أن يتحمّل، وكذلك على الزوجة أن تتحمّل المرارة من زوجها. فالله تبارك وتعالى يعوّض تلك المرارة بآلاف مضاعفة، وهذا الأمر لا يحتاج سوى إلى الصبر. فعلى الزوج أن يصبر على زوجته إن كانت بذيئة اللسان أو سيّئة الخلق ويتحمّلها حتى لا يبتلى ببلاء آخر قد يكون أشدّ. وهكذا ينبغي أن يكون بالنسبة للآباء مع أولادهم، وللأولاد مع آبائهم.

 

الورع ودائرته

ذات مرّة جاءني شاب وقال لي: إنّ أبي يضرب أمّي أمامنا جميعاً في البيت يومياً. فإن كانت هذه الأمّ أهلاً للصبر والتحمّل، فطوبى لها، لأنّ الله تعالى سيعوّضها ويجبر ذلك لها. وهذا لا يعني أنّه إذا كان بالإمكان حلّ المشاكل وإزالتها يترك حلّها ولا يقوم بإزالتها، كلا، بل عليه أن يسعى ويصبر. وشهر رمضان العظيم فرصة جيّدة للورع عن المحرّمات. علماً بأنّه علينا الورع عن المحرّمات في طول السنة. وقد يفعل الحرام أحداً، أربع مرّات بالشهر، ولكن غيره يفعل الحرام أربع مرّات بالسنة، فهذا الأخير سيكون أورع من الأول. وكذلك لا يقتصر الورع على اجتناب المحرّمات فقط، مع انّه هو هذا الأساس، بل يجري الورع في المكروهات والمستحبّات أيضاً. فمن الورع الالتزام بصلاة الليل، وهذا الالتزام هو من الدرجات الرفيعة للورع. ومن الورع  ترك المكروهات، وهي درجة رفيعة من الورع أيضاً. ولكن إذا أراد المرء أن يكون الأورع في مدينته، فهذا صعب ولكنه ممكن. وأسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً على هكذا تصميم. وعلى الإنسان أن يطلب من الله تعالى ذلك التوفيق بالدعاء. وكذلك بالدعاء يطلب من المعصومين صلوات الله عليهم قضاء الحاجة ويخاطبهم بقوله: حيث إنّ الله تعالى تفضّل عليكم، فاقضوا حاجتي. وهذا لا إشكال فيه، فهم صلوات الله عليهم قد قالوا لا تنسبوا لنا الخلق والرزق ونهوا عن ذلك، ولكن قالوا لا إشكال في غيرهما، فـ(إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم). والعمل على نيل الورع واجب عيني في طول السنة، وأفضل مناسبة له هو شهر رمضان العظيم، لأنّ المقتضيات فيه أكثر وأجمع، ومنها الأدعية والصلوات والزيارات.

 

تبليغ الإسلام

الأمر الثاني: تبليغ الإسلام الصحيح وليس الإسلام بالاسم الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله. فإنك ترى دولاً إسلامية بالاسم فقط، ولكنها لا تعمل بأحكام القرآن ولا تعمل بسيرة النبي ولا بسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. والإسلام الصحيح هو أصول الدين وفروعه والواجبات والمحرّمات. وتبليغ هذه الأمور هو واجب كفائي، ولكن لا يوجد من فيه الكفاية. فعلى كل واحد، وقدر استطاعته وقدرته أن يقوم بالتبليغ، ولا يعذر إن كان يتمتع بالقدرة والاستطاعة. ومن القدرات هي قدرة اللسان والقلم والأموال والتشجيع وغيرها. لأنّ القدرة من الشروط العامّة للتكليف، ويعذر من لا طاقة له ولا قدرة، ولكنه واجب على صاحب القدرة بالوجوب العيني، لأنّ الدنيا تشهد اليوم وبالأغلب، الإسلام غير الحقيقي، إي الإسلام بالاسم فقط.

 

لإتمام الحجّة

لقد أكّد القرآن الكريم عليه كثيراً، وكذلك أكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وقال (فليبلّغ الشاهد الغائب)، وكذلك في كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ورد التأكيد على التبليغ، وفي كلام السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وفي كلام باقي المعصومين صلوات الله عليهم. وبهذا الخصوص أكّد القرآن الكريم بأن يكون التبليغ بـ(البلاغ المبين) أي بشكل لا يبقى لأحد حجّة له على الله تعالى (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ) وحتى لا يقول أحدهم بأنّه ما علمت بالشكل الصحيح. فينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل يقنع الطرف المقابل ويجعله يؤمن بهما، وهذه من مقدّمات الوجود، وهو واجب، وإذا صار الأمر واجباً فمقدّماته تكون واجبة عقلية.

 

من يدافع عن المقدّسات؟

لقد كثرت اليوم وأكثر من السابق، الاتهامات لله عزّ وجلّ. والدفاع عن الله تعالى واجب كفائي، ولكن هل يوجد من فيه الكفاية؟ والجواب كلا. فالكثير منّا يرى في العالم الافتراضي كم توجّه من الإهانات لله تعالى، وعبر الكتابات وفي الصحف، وكذلك يتّهمون القرآن الكريم، ويوجّهون له الإهانات بحرقه مثلاً وغيرها. وكذلك نرى التهم بحقّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله في الدنيا اليوم. ولا تزال التهم التي نسبها المنافقون من الأصحاب إلى النبي صلى الله عليه وآله موجودة في الكتب وينقلونها في القنوات الفضائية وينشرونها، وينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله القبيح من الأمور، سواء من عند أصحاب القنوات أو مما تفوّه به المنافقون من الأصحاب وغيرهم من بعدهم وبعدهم. وكذلك نرى اليوم التهم بحقّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبتعابير قبيحة، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة إلى الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وما يثيرونه حول الإمام من تشكيك وشبهات وأكاذيب. فمن عليه أن يدافع؟ ومتى؟ والجواب: هذا واجب عيني على الجميع على سبيل الكفاية، ولكن لا يوجد اليوم من فيه الكفاية، والدليل عليه هو حال الدنيا اليوم، ففيها الإهانات والتهم، بل هي مليئة بهما.

لا إسلام بالقوّة والجبر

إنّ العمدة في تلك الإهانات والتهم هم بنو أميّة وبنو العباس الذين يسمّونهم في الكتب برؤوساء دول إسلامية، كمعاوية ويزيد ومروان وبني مروان الذين فعلوا الأفاعيل مع الإسلام ولم يبقوا منه إلاّ اسمه كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله. فقد ذكر التاريخ أنّ أحد أصحاب الإمام علي صلوات الله عليه جاء عند معاوية فقال الأخير له هل تجيد من القرآن شيء؟ فقال نعم. قال إذن اقرأ. فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجاً، فقال له معاوية يدخلون وليس يخرجون، فقال الرجل هذا كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله لا في زمانك، ففي زمانك يخرج الناس من دين الله أفواجاً. وهذا هو الواقع. فمن أسلم طوعاً ورغبة في زمن معاوية؟ وهذا لم يحدث إلاّ في زمن النبي الكريم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما فقط، وأما في زمن معاوية وبني أميّة وبني العباس، فقد أجبروا الناس على الإسلام بالزور وبالحرق وبالقتل، وذلك أسموه بالفتوحات الإسلامية، وهي في الواقع فتوحات الكفر وأسلوب الكفر، لأنّهم أجبروا الناس على الإسلام بالقوّة.

 

المجرم معاوية

نرى اليوم في شهر رمضان العظيم، إقامة الكثير من المجالس وأمثالها، فيجب علينا عينياً أن نقوم بعملية التمييز والتفريق بين الإسلام الحقيقي والإسلام غير الحقيقي. فبهذا الخصوص عليكم أنتم الحضور الكرام ومن يسمع كلامي، عليكم بأنفسكم أن تقوموا بتتبع التاريخ ونشره ونقله في الإعلام والكتب، وهذا من الواجب العيني اليوم. فقد كتب التاريخ أنّ معاوية أرسل بسر بن أرطأة في واقعة ما، فقتل بسر أكثر من ثلاثين ألف إنسان من المسلمين وأحرقهم وهم أحياء. فكم كان عدد المسلمين ذلك الوقت والزمان حتى يقتل ثلاثين ألف منهم في واقعة واحدة فقط؟ وكان كل القتلى هم قتلى سياسيين، إما رفضوا معاوية أو تظاهروا ضدّه. وكتب التاريخ أن العراق كان يسمّى بأرض السواد لكثرة الأشجار والمزارع فيه، وقد أغار معاوية على العراق ومدنه كثيراً وكان يقتل من في مدن العراق من المسلمين ويحرق مزارعهم. لكن نبي الإسلام وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما لم يسمحا أبداً حتى بقلع أو قطع شجرة واحدة من مزارع الكفّار. وكان جيش معاوية يغلق كل أبواب ومنافذ البيوت التي فيها من المسلمين من أطفال ونساء ورجال حتى يختنقوا ويموتوا. ومع ذكل كلّه يسمّون حكومة معاوية بالحكومة الإسلامية!

 

من جرائم المتوكّل

كما كتب التاريخ بأنّ المتوكّل أرسل أحد طغاته وكان اسمه بُغا، إلى مكان ما كان أهله قد تظاهروا ضد المتوكّل، فقتل منهم أكثر من ثلاثين ألف. في حين نرى انّ كل الحروب الدفاعية للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسراياها التي كان مجموعها قرابة ثمانين حرب وسرية، لم يتعدّى عدد القتلى فيها، من الطرفين، أي من المسلمين والكفّار والمشركين، ألف وأربعمئة قتيل. وكانت كل هذه الحروب التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وآله دفاعية، فهو صلى الله عليه وآله لم يذهب إلى الحرب والقتال، بل جاؤوا إليه من مكّة وغيرها وفرضوها عليه، وحدثت كلّها في أطراف المدينة المنوّرة أو بالقريب منها. فهل إنّ جواب الكلام والاعتراض عبر الكلام هو القتل أو السجن؟ ولكن ذلك كان منطق بني أميّة وبني العباس، وهو ليس منطق الإسلام الحقيقي الذي مثّله رسول الله صلى الله عليه وآله.

 

التعامل النبوي مع المنافقين

إنّ رئيس المنافقين، ابن أبي سلول، وصف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بـ(الأذلّ) كما ذكره القرآن الكريم. وإن لم يذكره القرآن لما ذكرته أنا شخصياً. لكن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل معه أي شيء. علماً بأنّ الأذل هو من أفضل التفضيل، ويعني هو الأذلّ لا غيره، والألف واللام في الكلمة تبيّن بأنّه لا حجم لهذا الذلّ، دلالة على سعته. وبعدها مات ذلك رئيس المنافقين فصلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل ردائه في قبره، علماً بأنّ القرآن الكريم يقول: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ)، فقال أحد من المنافقين للنبي صلى الله عليه وآله حينما أراد أن يجعل رداءه في قبر ابن أبي سلول: ألم ينهك الله؟ فلم يهتم رسول الله صلى الله عليه وآله بكلامه ولم يفعل معه أي شيء. فذاك التعيس الجاهل المنافق لم يفهم أنّ كل نهي لا يعني التحريم. والنبي الكريم صلى الله عليه وآله هو الأفهم والأعلم. فالنهي المشار إليه في القرآن الكريم كان تهديداً، كما يقول الأب لابنه إذا لم تدرس ولم تنجح في الامتحانات فسأمنعك من دخول البيت. فهل من الجيّد والحسن أن يمنع الأب ابنه من دخول البيت؟ وقد قال الإمام الصادق صلوات الله عليه حول تصرّف رسول الله صلى الله عليه وآله في موت رئيس المنافقين أنّه تاب قرابة ألف من المنافقين عن نفاقهم لما رأوا من تعامل النبي صلى الله عليه وآله. علماً بأنّ التعبير بالأذلّ من رئيس المنافقين كان من أشدّ التعابير في اللغة العربية، ولكن ذكروا انّ النبي صلى الله عليه وآله قد لعن ابن أبي سلول بعد التكبيرة الرابعة.

 

الخلق العلوي

هكذا كان تصرّف الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فحينما كان رئيس أكبر حكومة على وجه الأرض في ذلك الزمان، وكان في أطراف الإمام وحوله الكثير من الأصحاب المسلّحين، كان بعض الخوارج يتجاسرون على الإمام. فقد قال أحدهم للإمام، ووجهاً لوجه: قاتله الله كافراً ما أفقهه. فأراد بعض الأصحاب أن يعاقبوه، فنهاهم الإمام صلوات الله عليه. وهذا هو الإسلام. ففي الإسلام الحقيقي، ترى بعضهم يتجاسر على أكبر رئيس في حكومة الإسلام ويتلفّظون بكلام فحش عليه، فيدعهم وشأنهم ولا يفعل معهم أي شيء. وهذا التصرّف كان من أسباب دخول الناس إلى الإسلام أفواجاً.

حكّام جناة

أمّا عن بني العباس، فقد كتبوا أنّ هارون والمأمون والمتوكّل قد صنع كل واحد منهم شيئاً أسموه ببركة السباع، وملؤوه بالحيوانات المفترسة. فقد صنع هارون تلك البركة في بغداد، والمأمون في سرخس، والمتوكّل في سامراء. وكانوا يجوّعون الحيوانات المفترسة في البرك، ويلقون بعدها فيها من يعارضهم، فكانت السباع تقطّع الضحيّة خلال دقائق وهو حيّ! وقد كتبوا أنّ هارون جعل في البركة التي صنعها في بغداد أربعين من السباع. وهذا حدث في بلد يسمّى بالإسلامي، ولا يزال يسمّونه بالإسلامي، ويسمّون رئيسه الذي حكم عليه بالرئيس الإسلامي وبالخليفة الإسلامي وهو إسلام بالاسم فقط كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله. بل وفي زماننا الحالي يسمّون فترة حكم هارون في الكتب بالعصر الذهبي! فما هو هذا التوحّش؟ ومتى يعرف ذلك العالم؟ ومن يوصله له ومن يبيّنه له؟ فاليوم هو خير فرصة للقيام بذلك، بما تتواجد فيه من إمكانيات ووسائل بيد المؤمنين، ولا يوجد من فيه الكفاية اليوم، ويجب أن يكون ذلك بالبلاغ المبين.

 

من جرائم معاوية بالعراق

لقد أرسل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كميلاً إلى مدينة هيت في العراق ليكون والياً عليها. فأرسل معاوية فئة من جيشه إلى هيت التي كان أهلها من المسلمين ولم يتظاهروا ضد معاوية بل كانوا يتّبعون الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وذلك امتثالاً منهم لقول النبي الكريم صلى الله عليه وآله: (علي مع الحقّ والحقّ مع علي). فقام جيش معاوية بقتل فئة من أهل هيت وأحرق مزارعهم، وكان ذنب أهل هيت أنّهم يتّبعون علياً صلوات الله عليه. فمتى يعلم العالم الإسلام الحقيقي ومتى يصل إليه، وهو إسلام النبي الكريم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما؟ ومن يقوم بذلك؟ وهذا واجب على الجميع، كل حسب قدرته وإمكانه، من ماله ولسانه وتشجيعه وعبر اقتراضه أو عبر إعطاء القرض للآخرين. بلى ويعذر إن كان الأمر يتطلّب أكثر من قدرته وإمكانه. فعصر أولئك الحكّام هو عصر الظلام والسواد لا العصر الذهبي.

 

مجرم بن مجرم

بعد مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه، تظاهر بعض من أهل المدينة ضد يزيد اعتراضاً منهم على قتل الإمام صلوات الله عليه وأصحابه عليهم السلام في كربلاء، فأرسل يزيد مسلم بن عقبة الذي سمّاه بعضهم بمسرف لأنّه أسرف في القتل، أرسله إلى المدينة، فأباحها بما فيها، أي أباح أموال الناس وأعراضهم، وفعلوا فيها ما فعلوا من الزنا بالنساء المتزوّجات وغير المتزوّجات والفتيات، فولد في ذلك العام ألف ولد من الحرام، كما ذكر التاريخ. وهذا حدث في بلد إسلامي، وهذا الحكم يسمّونه بالإسلامي، وكان أصحابه يصلّون اليومية ويصلّون صلاة الجمعة ويصومون ويحجّون!

بلى، يجب أن يعرف ذلك العالم، وهذا واجب عيني. أي يعرف الإسلام الحقيقي ويعرف الإسلام بالاسم فقط الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله، وشهر رمضان العظيم أفضل فرصة لهذا الأمر.

 

أسباب عدم استجابة الدعاء

بخصوص سعي الإنسان في شهر رمضان إلى أن يكون هو الأورع، أقول: ذكر السيّد ابن طاووس في مهج الدعوات بالتفصيل، وكذلك ذكره العلاّمة المجلسي في الجزء التسعين من بحار الأنوار أسباب استجابة الدعاء، وأسباب عدم استجابة الدعاء. علماً بأنّ استجابة الدعاء ليس علّة تامّة بل مقتضية، شرط أن لا يكون مانعاً. فقوله عزّ من قائل (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) هو من المقتضيات، لكن إن وجد المانع فلا تأثير للمقتضي. فالمريض إذا شرب الدواء الذي يتشافى به ولكنه قام بعامل منع الشفاء، فهذا لا يشفى، لأنّ المقتضى ليس علّة تامّة. ومن موانع استجابة الدعاء التي ذكرها السيّد ابن طاووس والمجلسي: أن يكون الداعي طاهراً من مظالم العباد. فتارة يكون الحاكم ظالماً، أو الزوج يكون ظالماً، أو الزوجة أو الآباء والأمّهات أو الأبناء أو البائع أو المشتري أو المعلّم أو الطالب. فيجب عدم الظلم وحتى تتم الاستجابة. وشهر رمضان العظيم خير فرصة لذلك. هذا أولاً.

 

لا تعذر الظالم

ثانياً: أن لا يكون عاذراً لظالم على ظلمه والعياذ بالله. أي لا يبرّر عمل الظالم، وهذا ما نراه كثيراً اليوم والعياذ بالله. فلا يبرّر عمل الظالم بسجنه لأحد أو بقتله لأحد، ويبرّره بأنّه إذا لم يفعل فسيهلك. أقول: فليهلك وبئس المصير. وهكذا من يبرّر ظلم الزوجة لزوجها، أو ظلم الزوج لزوجته. علماً بأنّه قد يكون العاذر برئياً من الظلم وطاهراً منه ولم يظلم أحداً، لكنه يبرّر ظلم غيره.

 

لا للظلم ولا للحرام

ثالثاً: أن لا يكون داعياً في دفع مظلمة عنه وقد ظلم هو غيره بمثلها. مثلاً: صادروا أمواله فيدعو الله تعالى بإعادتها إليه، في حين أنّه هو عندما كان وزيراً، صادر أموال غيره. فهذا لا يستجاب الدعاء منه، مع أنّه يكون مظلوماً في وقتها، لكنه قد ارتكب الظلم نفسه من قبل.

الآخر: أن يطهّر طعامه من المحرّمات والشبهات. أي لا يأكل الطعام الحرام ولا الطعام الذي فيه الشبهة. والملاك في هذا الأمر، أي باجتناب الحرام والشبهات، هم الفقهاء لا العوام من الناس. والشبهة ليست أنّه لا يعرف هذا الطعام من الحرام أو الحلال لكنه قد حصل عليه بالطريقة الحلال. بل الشبهة يعني الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي المحصور، بحيث لا يعذر إن كان مطابقاً للواقع.

إذن، على الإنسان أن يطّلع على ذلك ويقرأ ويصمّم على تعليمه للآخرين.

أسأل الله تبارك وتعالى في الشهر المبارك والفضيل، شهر رمضان العظيم، أن يمنّ علينا جميعاً برعاية خاصّة يمكننا بها أن نكون الأورع من الناس. وهذا صعب ولكنه ممكن بالعزم وبالتصميم. فـ(ما رام امرؤ شيئاً إلاّ وصل إليه أو ما دونه). وصلّى الله على سيّدنا محّمد وآله الطاهرين.

تعريب وتقرير: علاء الكاظمي