خلاصة الابحاث العلمية الرمضانية لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله

في الليالي السبع الأولى من شهر رمضان العظيم 1443 هجرية

الليلة الأولى

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية الأولى للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

في بداية هذه الجلسة، سأل أحد الحضور حول اعتبار سند رواية (صوموا تصحّوا) الواردة في بحار الأنوار: ج 59، ص 267، ح45، لدى الشيعة والمخالفين، فقال سماحته دام ظله: لا ينحصر اعتبار الحديث في اعتبار سنده، بل توجد جهات أخرى في اعتباره، كالروايات المقبولة التي تفتقد للسند المعتبر، ولكن يعمل بها الفقهاء، والرواية المذكورة هي في المستحبّات، ويؤيّدها الاعتبار أيضاً.

ثم طرحت أسئلة حول علم الدراية، كالفرق بين الحديث المقبول والحديث المعمول به، وحجيّة أخبار الآحاد في الأصول، واعتبار الأحاديث المستفيضة، وفرقها مع المتواتر، واعتبار الرواية المشهورة. فأجاب سماحته دام ظله، بقوله: لا يوجد فرق بين الحديث المقبول والمعمول من جهة الاعتبار، والأخبار الآحادية المعتبرة في الأصول هي حجّة أيضاً، ويلزم اعتبار السند في الأحاديث المستفيضة، خلافاً للأحاديث المتواترة، واعتبار الرواية المشهورة.

كما سأل الحضور في الجلسة حول حكم الدم في بيض الدجاج، ودليل نجاسته، وحرمة أكله، فأجاب سماحته دام ظله مفصّلاً، وقال: لا يوجد لهذه المسألة دليل خاص، ولم تطرح في كتب المتقدّمين، ولكن مشهور المتأخّرين يقول بنجاسته وحرمة أكله، علماً أنّ بعض الفقهاء قد شكّكوا في نجاسته خلال مباحثهم الاستدلالية، ولكن في مقام فتاوى الموافق المشهور، أفتوا بنجاسته وحرمة أكله، أو الاحتياط فيه. ومن إطلاقات الأدلّة في هذه المسألة، رواية جاءت بالضمن، وهي: إلاّ أن ترى في منقاره دماً (وسائل الشيعة: ج1، ص 230، ح 590). وكذلك الدم في بيض الدجاج، هو دم الحيوان الذي له دم دافق. علماً إنّه إذا خرج الدم في بيض الدجاج بدون انشقاق غشائه، فستكون البيضة كلها طاهرة وحلالاً.

كذلك سأل أحد الفضلاء حول صوم المريض الذي ارتفع عذره وسط النهار، ولم يأتي بمفطر، هل عليه أن يصوم ذلك اليوم؟ فأجاب سماحته دام ظله: إن ارتفع عذر المريض قبل الظهر، ولم يصدق عليه اسم المريض، فلا إشكال في أن يصوم ذلك اليوم، وهذه المسألة هي محلّ اختلاف.

بعدها سئل سماحته حول ماء الفم اليابس، وبول الحيوان المحرّم لحمه، على بدن المصلّي، فقال سماحته: في هذه الموارد، لا يكفي زوال عين النجاسة، ويلزم إجراء الماء عليه ليطهر.

أما ختام هذه الجلسة، فكانت أسئلة، حول حجيّة الشهرة في الأنساب، وشبهة صاحب المعالم في دلالة صيغة الأمر على الواجب، ودليل جواز الاستخارة من قبل الآخرين، وأجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، عليها بالتفصيل.

الليلة الثانية

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية الثانية للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

تكملة لمبحث الجلسة السابقة، قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، في بداية الجلسة الثانية: عند مراجعتنا للرسائل العملية للمتأخّرين كصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري، والشيخ زين العابدين المازندراني، وغيرهم من مراجع التقليد، يتّضح أنّه من وسط أكثر من مئة فقيه، أربعة من المتأخّرين فقط، قالوا بطهارة وحلالية الدم في بيض الدجاج، والباقي من الفقهاء قالوا بنجاسته وحرمته، أو بالاحتياط في اجتنابه. وبعدها أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، مفصّلاً، عن الأسئلة التي سألها بعض الحاضرين في الجلسة حول الدم في بيض الدجاج

وسأل أحد الحضور: أي من الديون تحتسب من مؤونة السنة؟ وجرى بحث فروعات هذه المسألة. فأشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى انّ هذه المسألة خلافية، وأجاب بقوله: الدَين الذي يؤخذ خلال وطول السنة الخمسية، وقبل حلول رأس السنة الخمسية، يصرف في الحلال بالسنة نفسها، فلا خمس عليه إجماعاً. والفرض الثاني: أداء دَين السنوات الخمسية الماضية، بعضهم لم يحسبه من مؤونة السنة، ولكن يبدو أنّ أداء كل الديون، تحتسب من مؤونة السنة، ولا يتعلّق بها الخمس.

كما سأل أحد الفضلاء: هل الخمس حقيقة شرعية أو متشرّعة؟ وحكم خمس الهدية الأكبر من الشأنية، بأنّ الهدية هي فرار من الخمس، وهل تصدق المؤونة على الديون التي حان موعد أدائها بعد فاصلة قليلة من رأس السنة الخمسية؟. فقال سماحته دام ظله: الخمس حقيقة شرعية، والهدية الأكبر من الشأنية لا تحتسب من المؤونة، ويتعلّق بها الخمس، بخلاف الخيرات والمبرّات، التي يعدّها الشارع من المستحبّات، فإن كانت أكبر من شأنية الشخص فهي من المؤونة ولا يتعلّق بها الخمس، ولا يضرّ عنوان الفرار من الخمس بالمؤونة. ولذا إن كان المصروف لأجل الفرار من الخمس، وكان بشأنية الشخص فلا خمس عليه. ولكن المرحوم الوالد وبعض الفقهاء، أشكلوا على صدق المؤونة على الديون التي حان موعد أداءها بعد فاصلة قليلة من رأس السنة الخمسية، لجهة دقيّة المسألة. ويبدو انّه بالتوسعة العرفية تحتسب من مؤونة السنة، ولا يتعلّق بها الخمس.

كذلك سأل آخر عن كفاية العزل في أداء الدَين واستثنائها من خمس السنة، أو لزوم التسليم؟ فأجاب سماحته وقال: يستنبط من الأدلّة انّ العزل هو في زكاة الفطرة، في حكم تسليمها، فقط.

بعدها سأل أحدهم حول الدليل على مفطرية التدخين؟ فقال سماحته دام ظله: مفطرية التدخين والغبار الغليظ، هو عنوان مستقل عن الأكل والشرب، وله رواية خاصة عمل بها المشهور. (يراجع: وسائل الشيعة: ج 10، ص69، ح12850).

اختتمت الجلسة بأسئلة حول حكم مطالعة الروايات الضعيفة، وقراءة لسان الحال حال الصيام، هل أنّها إفطار بالحرام أم لا؟ فأجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بشكل مفصّل عليها.

الليلة الثالثة

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية الثالثة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

في بداية هذه الجلسة، ذكر أحد الفضلاء الآية الكريمة التالية: «وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» (سورة البقرة: الآية 125)، وقال: بأنّ بعض الفقهاء استند بهذه الآية على تقديم الطواف حول الكعبة على صلاة الجماعة في بيت الله الحرام؟ فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: كما جاء في ألفية ابن مالك، لا يستدلّ على الترتيب، بل (الفاء) و(ثم) يدلاّن على الترتيب. إذن ويستنبط من ظاهر الآية المذكورة، على عدم تقديم الطواف على صلاة الجماعة، إلاّ إذا استفدنا من القرائن الأخرى، بأنّ الطواف يقدّم على اثنين: الاعتكاف وصلاة الجماعة.

بعدها سأل أحد الحضور: هل المتبقّي من الدَين الباقي في قائمة رأس السنة الخمسية، يتعلّق به الخمس؟ فأجاب سماحته دام ظله: خمس الدَين والقرض على عهدة الدائن لا المديون، إلاّ إذا كان المديون قد اشتغل بالمبلغ وربح منه.

ثم سأل آخر حول البلاغة بخصوص حذف المضاف إليه في حال علم المخاطب به، وذكر قوله تعالى: «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ» (سورة الأنعام: الآية 145)، وأشار بأنّه يستنبط الحصر من هذه الآية.

قال سماحته دام ظله: لا يستنبط من هذه الآية الكريمة الحرمة المطلقة للدم، والحصر في الآية ولجهة الأدلّة الكثيرة والأشباه والنظائر الوافرة أيضاً الموجودة في الفقه، فقطعاً الحصر في الآية كما في الرواية الشريفة: (لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال) وسائل الشيعة: ج10، ص 31، ح12753، هو حصر إضافي.

كما سأل أحد الفضلاء: البالغ توّاً إن علم بأنّ الصوم لا يضرّه، هل يحقّ لوالديه الّذين يعلمان بضرر الصوم له، يمكنهما إجباره على الإفطار؟ فقال سماحته دام ظله: إن كان بالغاً ورشيداً، يعمل وفق وجهة نظره، وإن لم يك رشيداً لهما الحقّ في إجباره على عدم الصيام.

كذلك سأل أحد من الحضور حول حكم الذبيحة التي لا ترفس بعد الذبح، ولم تغمض عيناها، ولم يتحرّك ذَنَبها، أو لم يخرج الدم من بلعومها؟ فأجاب سماحته دام ظله على هذه المسألة وفروعاتها، وقال: الملاك في حليّة الذبيحة الحياة المستقرّة، أي ترفس بيدها ورجلها، وتحرّك ذَنَبها، وتغمض عيناه بعد الذبح، وهذه تكشف عن الحياة المستقرّة. وإن حصل العكس فهي ميتة. وكذلك إن لم يخرج الدم من بلعومها فهي ميتة.

بعدها تم السؤال حول موت السمك في الشبكة وهي بالماء؟ فقال سماحته دام ظله: إن مات كل السمك الموجود في الشبكة بالماء، فهو سمك طافي ولا يحلّ. ولكن إن مات بعض السمك في الشبكة، وخرج باقي السمك من الماء وهو حيّ، فيوجد دليل خاص على حليّته.

ثم بيّن سماحته دام ظله بعض التوضيحات حول العلم الإجمالي والشبهة المحصورة وغير المحصورة، واختلاف الآراء في المسألة، وأشار بأنّ المحقّقين قد أوكلوا الرجوع إلى كتاب بيان الأصول لمعرفة تفاصيل المسألة.

أما ختام هذه الجلسة، فكان السؤال حول الصوم في المناطق التي يكون طول نهارها غير متعارفاً؟ فأشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله إلى أنّ صاحب العروة الوثقى قد طرح مثلها وبيّن وجهة نظره (العروة الوثقى: كتاب الصوم، الفصل 12: في طرق ثبوت الهلال، ص339، م10) وعلّق عليها الكثير من المعلّقين، وقال دام ظله: بما انّ قلّة نادرة قد خالفت هذه وجهة النظر، ولكن بناء على المشهور، يكون الصوم مطابقاً للصوم في المناطق المتعارفة، أي كدول الشرق الأوسط.

الليلة الرابعة

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية الرابعة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

في مستهلّ هذه الجلسة سأل أحد الفضلاء حول حكم تعذيب المجرم لأخذ الإعتراف منه، وإذا فقد أحد أعضائه، فعلى من تقع ديته؟ فأجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: لقد أجمع المتقدّمين والمتأخّرين لحد هذا اليوم، على انّه لا يجوز التعذيب في الإسلام وهو حرام، وأساس هذا الحكم هو في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: «هلا شققت قلبه؟» (بحار الأنوار: ج69، ص 1410). ويكون حكم التعذيب جريمة العمد، ويقتصّ من المعذِّب، ولها كل أحكام العمد.

ثم سأل آخر: إن تيقّن الشخص بعد فراغه من الصلاة وعمله بأحكام الشكّ، بنقصان صلاته، فما حكمها؟ قال سماحته دام ظله: بالاستفادة من العمومات، يستنبط انّه إن عمل ما يكون عمده، وجهله، ونسيانه، وسهوه بشكل مطلق، مبطلاً للصلاة، فعليه أن يعيد الصلاة أو يقضيها، وفي غير هذه الحالة، لا يلزمه القضاء أو الإعادة.

كما سأل أحد الحضور حول الخمس، وقال: متى يمكن إنقاص المخمس من ربح السنة؟ فقال سماحته دام ظله: طرح هذه المسألة صاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري، وصاحب العروة، ومع وجود الأدلّة، المسألة خلافية، ولكن يبدو انّه يحقّ له أن يصرف من المخمّس غير المستعمل بل من ربح السنة، ولا يعطي الخمس.

كما سأل أحد الفضلاء عن شخص تكون مصاريف معيشته من الخمس، فهل يتعلّق الخمس في أمواله؟ فأجاب سماحته دام ظله: طرح صاحب العروة هذه المسألة، واختلف الفقهاء في استنباطاتهم من رواية «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» (وسائل الشيعة: ج 9، ص508، ح12956)، بأنّ صاحب الخمس هو الإمام فقط، وفي هذه الحالة، وبزماننا الحالي، إن كانت مصاريف الشخص من الخمس، فعليه أن يدفع الخمس، أو أنّ لصاحب الخمس الإطلاق، ويشمل الفقهاء أيضاً، ففي هذه الحالة، لا يجب عليه الخمس.

وسأل أحد من الحضور حول وجه عدم وجوب الخمس في المهر والإرث؟ فقال سماحته: يوجد دليل خاص على وجوب الخمس في إرث من لا يحتسب، ويستنبط منه بأنّ إرث من لا يحتسب لا يتعلّق به الخمس، وهكذا لا يتعلّق الخمس في المهر بناء على الشهرة العظيمة.

كذلك سُئل سماحته عن ملاك كثير السفر، فبيّن دام ظله الاختلاف في المسألة والمباني المختلفة فيها، وقال: إن لم يستقر الشخص في مكان واحد عشرة أيّام، طيلة شهر واحد أو أكثر، فهو كثير السفر

في سياق الجلسة، تم السؤال حول فروعات أحكام الخمس، والكنز ومالكيّته. وبعد أن أجاب عن الفروعات المختلفة للمسألة، قال سماحته دام ظله: في مقدار الكنز المتعارف ـ وهكذا كان في زمن المعصومين صلوات الله عليهم ـ يدفع خمسه ويتملّكه. أما المقدار الأكثر من المتعارف، أو ثمنه كبير جدّاً، فأمره بيد الحاكم الشرعي، ولا يمتلكه الشخص.

أما ختام الجلسة، كانت أسئلة حول الملاك في حليّة السمك الميّت في شبكة الصياد، وحكم قول (لبيّك ياحسين عليه السلام) في حال الإحرام، وحكم الرجوع عن الإعتراف، وأجاب مفصّلاً عليها سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

الليلة الخامسة

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية الخامسة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

سأل أحد الفضلاء، في بداية هذه الجلسة، عن تعليقات بعض الفقهاء على حكم الصلاة والصوم في القطبين بكتاب العروة الوثقى، حيث يقول: «الظاهر عدم وجود محل كذلك في بسيط الأرض...»، وكذلك عن مبنى تعليقة المرحوم آية الله العظمى السيّد محمّد الشيرازي قدّس سرّه «والأولی جعل المدار آفاقَ مکّة المکرمة والمدینة المنورة...» (العروة الوثقى والتعلیقات علیها، ج10، ص282، م10).

أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: تعليقة سماحته ناظرة إلى الفرض الثاني لصاحب العروة، في المكان الذي يكون فيه الليل ثلاثة أشهر، والنهار ثلاثة أشهر، وليست ناظرة إلى الفرض الأول أي ستة أشهر ليلاً، وستّة نهاراً. وأمّا الاحتياط الأولوي للمرحوم الأخ رضوان الله تعالى عليه، يمكن لجهة شرافة مكّة والمدينة، وإلاّ في الموارد التي يقل فيها المصاديق المتعارفة أو تكثر، كشِبْر الأيادي في مقدار الكُر، يكفي الأخذ بالأقلّ.

ثم سئل سماحته: عن صحيحة زرارة: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري، والكري، والراعي، والاشتقان لأنّه عملهم» (وسائل الشيعة ج8 ص485 ح11234)، فكيف يستنبط من هذه الرواية من عمله في السفر؟ وما المقصود من الاشتقان؟

قال سماحته: لا ينحصر دليل المسألة في هذه الرواية. وأما الاشتقان: فهو من دون الأربعة المذكورين، ليس عمله السفر، بل السفر طريقاً لعمله. وبيّن سماحته بعدها ملاك كثير السفر، وقال: لا شكّ أنّ كثير السفر، يقصر في سفرته الأولى ولا يصوم، ولكن من السفرة الثانية يتمّ الصلاة ويصوم.

كما سأل أحد الحضور: الباكرة غير الرشيدة، الفاقدة للأبّ والجدّ، من يكون ولي أمرها في الزواج؟ وما حكمها إذا تزوّجت بلا إذن الولي؟ فقال سماحته دام ظله: لجهة أدلّة ولاية أمور الحسبة، ولكن هو لحاكم الشرع. وأمّا الباكرة غير الرشيدة، إن تزوّجت بلا إذن الولي، فلجهة اختلاف الأدلّة، يوجد أربعة أقوال بخصوصها، ويبدو، على الأحوط الواجب، يحرم عملها، ولا يبطل عقدها، ولهذا فإنّ انفصالها عن زوجها يحتاج إلى طلاق.

بعدها سُئل سماحته عن الظنّ المعتبر في الصلاة، وانّ الشكّ والظنّ فيها، دقي أو عرفي؟ فقال سماحته: في الشكّ بالركعات وأفعال الصلاة، الظنّ معتبر، ومرجعه العرف، حيث يستنبط من الرواية التي يقول فيها عليه السلام: «... وهو يرى...» (وسائل الشيعة ج8 ص201 ح10422) وهو غير الشكّ والعلم، وأن يكون الظنّ أكثر من ستين بالمئة.

كذلك سأل أحد الفضلاء عن الشخص غير العادل، هل يمكن أن يكون شاهداً في الطلاق؟ فقال سماحته: كلا، لجهة دليل العدالة الخاص الذي يكون شرطاً في شهود الطلاق. علماً أنّ المرحوم أخي رضوان الله عليه، وبعض الفقهاء، قد قالوا: الشخص الذي يقول الآخرون بعدالته، ولكنه لا يقول هو بعدالته، تصحّ شهادته في الطلاق، مع انّ بعض الفقهاء قالوا ببطلان هكذا طلاق، وعدّوا الزواج عقد شبهة، ولا يفرق عن الزواج الصحيح.

أما ختام هذه الجلسة، فكانت أسئلة حول فهم عدم الخصوصية، وحكم إمام الجماعة الذي يعلم وسط الصلاة بأن صلاته باطلة، فأجاب عنها سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

الليلة السادسة

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية السادسة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

في بدء هذه الجلسة، أشار أحد الحضور إلى المسألة 23 من شرائط الاعتكاف في كتاب العروة الوثقى، وسأل: ما هو التكليف، إذا تعامل المؤمنون مع موضع من المسجد معاملة تعاملية، ولكن تم الشكّ في جزئيته بالمسجد؟ فأجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: جزئية الموضع بالمسجد يثبت بعمل المؤمنين، لأنّ عمل المؤمنين، مع انّ الدليل هو لبّي، ولكن هو في حكم الدليل اللفظي.

ثم سُئل: إن دخلت بقّة في حلق الصائم، واضطر على بلعها، أو تقيوئها، فأيّهما يقدّم؟ وفي حال اختيار أحدهما، هل عليه القضاء والكفّارة؟ فقال سماحته دام ظله: في فرض السؤال، التزاحم بين ارتكاب الاثنين مفطر، لأنّ الشخص مجبر على ارتكاب أحد الحرامين، ويقدّم الأهم على المهم في التزاحم. وقال بتقدّم محتمل الأهمية المرحوم الميرزا الشيرازي، والميرزا النائيني وبعض الفقهاء. وفي حال عدم تشخيصه للأهم، يكون مخيّراً في ارتكاب أحد المفطرين. علماً أنّه يحتمل تقديم بلعها على التقيؤ، وقد تناول صاحب العروة نظير هذه المسألة، وهي محل خلاف بين المعلّقين على العروة.

بعدها سأل أحد الفضلاء: إن أفطر شخص بعض الأيام باحتماله للضرر البالغ، ثم تبيّن أنّ الصوم لا يضرّه، فما هو تكليفه؟ فأجاب سماحته دام ظله: يكفي احتمال الضرر، حتى إن كشف خلافه، وفي فرض السؤال يقضي الصوم ولا كفّارة عليه.

كما سُئل سماحته: إن قصد الشخص أن لا يصوم، وتندّم قبل الظهر، فهل يمكنه أن يصوم؟ قال سماحته دام ظله في جوابه على فروعات هذا السؤال: قال بعضهم بلزوم الإمساك والكفّارة، ولكن يبدو إن لم يأت الشخص بمفطر، يكون كالمسافر الذي يصل وطنه قبل الظهر في الصوم الواجب، وقبل الظهر، فيجب أن ينوي الصيام، وفي الصوم المستحبّ إلى الغروب يمكنه أن ينوي الصوم، مع انّه يجب عليه التوبة والاستغفار.

ثم سأل أحد الحضور: في حال طرو النسيان بعدد صلوات القضاء، كم عليه أن يقضي؟ قال سماحته: إن لم يك مقصّراً في مقدّمات النسيان، يقضي الأقل، وتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر. وإذا كان مقصّراً في مقدّمات النسيان، لا يشمله حديث الرفع.

كما سأل أحد الفضلاء: حكم الصائم الذي كان يجهل بعض المفطرات، ما حكم صيامه إن ارتكب تلك المفطرات التي يجهلها؟ وما الحكم في حال عدم ارتكابها؟ فأجاب سماحته دام ظله، وقال: العلم التفصيلي بالمفطرات هو ليس شرط صحّة الصوم. ولذا إن كان للصائم نيّة اجتناب كل ما هو مفطر، واجتنبها، فصومه صحيح، وفي عكس ذلك، عليه القضاء.

سُئل سماحته: إن أمَرَ صغير صغيراً على عمل ما، فهل يكون وليّه ضامناً؟ قال سماحته دام ظله: تسالم الفقهاء على أنّه لا فرق بين الصغير والكبير في باب الضمانات، وبين المجنون والعاقل، وفي هذه الموارد السبب أقوى من المباشر. إذن، إن كان للصغير مالاً أو للمجنون، فيؤخذ من ماله، وفي غير هذه الحالة، لا يكون على عهدة وليّه، بل على عهدة إمام المسلمين.

كان السؤال الأخير بهذه الجلسة حول التباكي على الإمام الحسين صلوات الله عليه. فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: التباكي هو التظاهر بالبكاء نفسه، أو البكي، كحديث الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه «إن لم تكن حليماً فتحلّم فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ وأوشك أن يكون منهم» (وسائل الشیعة ج15 ص268 ح20476)، ولا يقال عنه رياء، بل نوع من الجزع.

الليلة السابعة

مما جرى بحثه في جلسة المطارحة العلمية السابعة للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في ليالي شهر رمضان العظيم 1443 للهجرة (4/2022م):

كان السؤال الأول في هذه الجلسة حول صحّة أو عدم صحّة مصطلح (الفياض على الإطلاق) بالنسبة إلى الله عزّ وجلّ، ونوع علاقة أهل البيت صلوات الله عليهم مع الله تبارك وتعالى؟ فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: إنّ مصطلح الفياض على الإطلاق يستعمله الفلاسفة بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى، هو غير صحيح. علماً أنّ كلمة المطلق بالمعنى الحقيقي هو خاصّ بالله سبحانه وتعالى. وبيّن سماحته: السنخية هي بين المخلوقات، ولا توجد أية سنخية بين الله تعالى وأي مخلوق من المخلوقات، ويقول بالسنخية أصحاب وحدة الوجود والموجود، وهذا ليس بصحيح أصلاً. نقرأ في أدعية شهر رجب عن المعصومين صلوات الله عليهم الذين هم أشرف مخلوقات الله تعالى: «لا فرق بينك وبينها إلاّ أنّهم عبادك وخلقك» (بحار الأنوار ج95 ص393).

بعدها سأل أحد الحضور عن الملائكة، هل هي مجرّدة، أم لا؟ فأجاب سماحته وقال: المجرد بالمعنى الحقيقي هو الله تعالى فحسب. والإنساب الحقيقي للكلمة إلى الملائكة باطل، ولكن يقال بها للملائكة بالنسبة المجازية.

كما ذكر أحد الفضلاء الآية الشريفة التالية: «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» سورة الأعراف: الآية 29 وهذه الآية «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» سورة الأنبياء: الآية 104، وسأل: ما المقصود من (تعودون) و(نعيده)؟ هل هو إشارة إلى مراتب العود كما انّ للخلقة مراتب؟ قال سماحته دام ظله: لقد شرح العلاّمة المجلسي رضوان الله عليه في مواضع عديدة من بحار الأنوار تلك الآيتين، والظاهر المقصود منهما هو الجواب على مشركي مكّة الذين أنكروا المعاد، وهنا يثبت الله تعالى المعاد، خلافاً لبعض الفلاسفة الذين ينكرون المعاد.

ثم سُئل سماحته عن الاستقرار في السجدة، وأنّه متى يكون زمان عدم الاستقرار في حال السجدة الواجبة؟ فقال سماحته: في حال قراءة الذكر الواجب للسجدة، الإجماع هو الاستقرار الواجب. ولذا إن لم يك الاستقرار في حال ذكر الواجب، يجب إعادتها. وأمّا في حال قراءة الأذكار المستحبّة في السجدة، كالصلوات، فهي مختلف فيها، وبعضهم عدّ الاستقرار في حال ذكرها واجباً.

كذلك سأل أحد الفضلاء: لأجل دفع المنكر، هل يجوز إيذاء قاصد المنكر؟ أجاب سماحته: لا يجوز الإيذاء، وكما قال صلوات الله عليه: لا يعبّد الله من حيث يعصى. وأمّا في الموارد التي تقول الرواية الشريفة عنها: «التي يجيء منها الفساد محضاً» (کتاب المکاسب، ج1، ص11، فهي تكون جائزة بإذن الفقيه الجامع للشرائط فقط.

وسئل سماحته عن حكم صيام الشخص المدمن الذي لا يمكنه ولا يقدر على ترك الدخان؟ فأجاب سماحته: المشهور بين الفقهاء هو مفطرية البخار، والدخان والغبار الغليظ. وأما الصوم بالنسبة للشخص الضرري أو الحرجي، فهي كباقي التكاليف، يجري لا ضرر ولا حرج. ولكن على الشخص أن يتابع العلاج ويترك الإدمان حتى يمكنه الصيام. ولكن إن لم يدخل الدخان الحلق، بل يكون في فضاء الفم فقط فلا إشكال فيه، كعدم وجود مانع من تذوّق الصائم للطعام.

وقال سماحته دام ظله بخصوص إنْ أَمَرَ الوالدين طفلهما الصغير على عمل ما، فهل يستحقّ الأجرة؟: المقدار الذي كان متداولاً في زمن المعصومين صلوات الله عليهم، ومتعارف ان الوالدين يأمران طفلهما الصغير على القيام بعمل ما، فمع قاعدة (لو كان لبان) لا يستحقّ الأجرة. وأما الولد البالغ، يمكنه أن يقصد التبرّع في العمل، وإلاّ يستحقّ الأجرة.

ختمت هذه الجلسة بأسئلة حول ضمانة الصغير الذي يأمر صغيراً بارتكاب جريمة، أو على القيام بعمل ما الذي له أجرة عرفاً، فأجاب عليها بالتفصيل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.