الكلمة الرابعة والعشرون (الأخيرة) لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: جمال الإسلام

تقرير: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

في إحدى الحروب المفروضة على الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عندما نصره الله عزّ وجلّ وخذل الأعداء وانكسروا، فرّ من الباقين منهم، وفي طريقهم صادفوا امرأة حامل، وعلى أثر اصطدامهم بها، سقطت المرأة بعنف على الأرض، فماتت هي ومات جنينها. وفي مثل هذه الحادثة على من تقع ومن يتحمّل دية المرأة الميتة ودية جنينها؟ فالذي قتلها هم الذين اصطدموا بها. ومن منطلق المسؤولية وكحاكم إسلامي، أمر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأن تُعطى دية المرأة ودية جنينها لورثتها. علماً انّ الذين فرّوا واصطدموا بالمرأة لم يكونوا من أصحاب الإمام بل كانوا من الأعداء الذين جاؤوا لقتال الإمام، وكانوا يكفّرون الإمام ويسبّونه، وكانوا يبغون قتل شخص الإمام إن أمكنهم، ولكنهم لم يوفّقوا وخذلهم الله وانكسروا.

إمام المسلمين مسؤول عن كل شيء

كما في الأحاديث الشريفة، فإنّ إمام المسلمين هو المسؤول عن دية كل من قُتل ولم يعلم قاتله، ولا يمكن التعرّف على القاتل. ففي روايات عديدة عن رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، انّه: لا يُطلّ دم امرئ مسلم. أي لا يبطل دم المسلم. فلا يبطل دم تلك المرأة وجنينها، والمسؤولية على إمام المسلمين، لأنّ ما حدث للمرأة قد وقع في أرض الإسلام التي يحكمها الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

نظير ذلك وقد في مدينة الكوفة أيّام حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه، حيث دُهس شخص في الزحام، ومات تحت الأرجل، فأمر الإمام أن تعطى ديته من بيت المال. ففي منطق الإسلام وفي منطق الإمام، المسؤول عن كل هذه الأمور هو إمام المسلمين. وهذا من فضائل الإسلام الذي مثّله أحسن تمثيل رسول الله ونفسه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. ولكن هل رئيس الحكومة في الدنيا اليوم وقبلها وفي مختلف التواريخ الماضية، مسؤول عن دم من يُقتل ولا يعرف قاتله؟

أمر غريب

بل ذات مرّة، وفي أيّام حكومته، كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يسير مع جماعة في مكان ما، فرأى فقيراً يستعطي وكان كبير السنّ. فقال الإمام لمن حوله: ما هذا؟ ويعني: ما هذا الاستعطاء؟ ولعله كان لأوّل وآخر مرّة، يجد الإمام في حكومته من يستعطي، ويعني انّ هذا الأمر كان غريباً عند الإمام. أي كيف يوجد في يلد الإسلام جائع ليس له شيء ويحتاج إلى أن يستعطي لكي يعطوه شيئاً. فقال من كان حول الإمام: إنّه نصراني وكبير السنّ ولا يستطيع العمل ولا يملك مالاً.

إنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يقل: من هذا؟ لأنّه شيء غريب في منطق الإمام أن يكون هذا الرجل من المسلمين أو غير مسلم، فالمهم عند الإمام صلوات الله عليه هو أنّه كيف يوجد في بلد الإسلام الذي يحكمه الإمام، شخص لا يملك لقمة عيش. علماً أنّه كان يوجد فقراء في بلد الإسلام ولكنهم لم يبقوا على فقرهم، بل كانوا يُكفون من بيت المال ومن الصدقات وغيرها. فعاتب الإمام صلوات الله عليه من حوله وقال: استعملتموه، حتى إذا كبر تركتموه؟! ففي البلد الإسلامي يجب أن لا يكون مثل هذا الشخص الذي لا مال عنده ولا يمكنه أن يسدّ جوعه. وهذا هو منطق الإسلام.

ثم أمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه للشخص من بيت المال شيئاً يناسبه ويعيش به.

المسلمون والبشرية يجهلون فضائل الإسلام

هذه هي فضائل الإسلام، التي مثّلها رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. وهذه النوادر من الفضائل لا يعرفها إلاً القليل من الناس، ويجهلها ولا يعلمها معظم الناس ومعظم البشرية، ولعله لا يعلمها حتى من شباب المسلمين. ومسؤولية تعريف هذه الفضائل هي على الجميع، وعلى كل من يستطيع أن ينشر فضائل الإسلام، وهي فضائل لا تختصّ بالأحياء فقط، بل حتى الأموات، ومنها:

إذا مات شخص، وكان مديوناً ولم يخلف مالاً ليُعطى دَينه أو خلّف مالاً أقل من دينه، فالمسؤول عن دَينه هو إمام المسلمين. وفي بعض الأحاديث الشريفة انّه إذا لم يعطي إمام المسلمين هذا الدَين كان عليه إثمه. وأوّل من أعلن ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: من مات وترك دَيناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ. وضياعاً يعني عائلة ليس لهم معين أو انّ الميّت لم يترك لها مالاً تعيش به، أي فقيرة. و(إليَّ) يعني على الدائن أن يأتيني ولا يذهب لورثة المديون، لأنّه لا يجب على الورثة أن يؤدّوا دين المديون من مالهم الخاصّ، إلاّ إذا كان الميّت قد خلف مالاً فيؤدّى دينه منه. و(عليَّ) يعني أنا إمام المسلمين مسؤول عن ذلك وبذمّتي.

المسؤولية العينية

بعد فتح مكّة المكرّمة من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، كما ذكر القرآن الكريم، وكان من أحد أسباب هذا الأمر هو إعلان رسول الله صلى الله عليه وآله المذكور أعلاه. وهذه الفضائل، إذا تطبّق في أي نقطة من نقاط العالم، سترى دخول الناس في دين الإسلام أفواجاً، ومن الأحرى أن تطبّق هذه الفضائل في البلاد الإسلامية أولاً.

إذن، يجب على الجميع، كواجب عيني، حيث ليس من فيه الكفاية، لا في البلاد الإسلامية ولا في العالم، يجب نشر الإسلام ونشر هذه المفردات المهمّة من الإسلام التي تجذب الناس إلى الإسلام، وهي ليست بالآحاد ولا بالعشرات ولا بالمئات، بل هي بالألوف والألوف.

أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لذلك. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.