|
|||||
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بكلمته بشيعة من الكويت يؤكّد: أيّتها الحكومات تعلّموا العفو والردّ بالأحسن من نبيّ الإسلام
ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة بجمع من أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم من دولة الكويت، الذين زاروا سماحته دام ظله في مساء يوم الجمعة العاشر من شهر ربيع الأول 1441 للهجرة، الموافق للثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر2019م، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، قال فيها: قال الله عزّ وجل في القرآن الحكيم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) سورة المؤمنون: الآية96. وهذا يعني أنّه إذا أساء إليك شخص، فأنت لا تدفع أي لا تردّ الإساءة بالإساءة. نعم يجوز للإنسان، ورخصة للإنسان، أن يدفع الإساءة بإساءة مثلها، كما في قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) سورة البقرة: الآية194. ولكن هذه رخصة وليست فضيلة. كذلك لا يجب على الإنسان أن يتحمّل الإساءة، ولكن الفضيلة والكرامة والفخر هو أن يدفع الإنسان الإساءة بالفضيلة وبالخلق الرفيع، أي ادفع بالتي هي أحسن. وأوضح سماحته: ربما يسيئ شخص إلى آخر، ويريد الأخير أن لا يعمل بالرخصة ويعمل بالفضيلة، فهذه الفضيلة لها مراتب، وهي: المرتبة الأولى: هو العفو، أي لا يردّ بالإساءة وفي الوقت نفسه لا يحسن، بل يعفو فقط، وهذه مرتبة من مراتب الإحسان. المرتبة الثانية وهي أعلى من الأولى أي من الإحسان: أن يحسن إلى المسيئ ويكرم المسيئ ولا يعفو فقط. المرتبة الثالثة وهي الأرفع من الأولى والثانية: أن يعمل بالأحسن كما قال القرآن الكريم. وأضاف سماحته: هذا الأمر صعب ولكنه ممكن، فكل أمر مهمّ هو صعب. وعلى سبيل المثال: الفقير الذي يريد أن يحصل على المال، عليه أن يتعب كثيراً حتى يحصل عليه. وهكذا يكون الأمر في الفضائل أيضاً. وبيّن سماحته: على الإنسان، أن يتحلّى بالفضيلة، مهما كان، رجلاً أو امرأة، وشاب وكبير السن، وعامل وكاسب وموظّف ومثقّف، وهذا صعب، والمراتب العليا من الفضيلة هي أصعب، ولكن إذا عزم الإنسان يوفّق، وتسهل عليه الصعاب، ومن أهم هذه الفضائل هي الآية الكريمة التي صدّرنا بها الحديث. فهل يظنّ الإنسان أنّه جاء إلى الدنيا حتى يأكل ويلبس ويتمتّع ويرتاح ثم يذهب منها؟ فإذا كان لهذه الأمور فماذا سيقول لله تعالى يوم القيامة، وبماذا يملأ صحيفة أعماله؟ فالدنيا مزرعة وحصاد هذه المزرعة في الآخرة، فإذا زرع الإنسان الشهوات في الدنيا، فماذا يحصد في الآخرة؟ أليس هذا الأمر مدعاة للتأسّف حقّاً؟ وقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: إنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله هو المقياس الأعظم، ومثله الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فهؤلاء المعصومون الأربعة عشر صلوات الله عليهم والقرآن الحكيم هم الملاك فقط وفقط، وكذلك كلّ من ينقل عن الله تعالى وعن العترة الطاهرة. وأشار سماحته إلى نموذج من فضائل مولانا نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وقال: بعد أن بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله باﻹسلام بدأ بدعوة الناس في مكّة إلى التوحيد بقوله: «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا» أي إنّه صلى الله عليه وآله بيّن لأهل مكّة بأن الربّ هو الله الواحد اﻷحد وليست اﻷصنام الزائفة. فاغتاضوا منه وآذوه، فكانوا يرمونه بالحجارة وكان الدم يسيل من رأسه الشريف إلى قدميه الشريفتين. كما انّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمشي في الأسواق ويدعو الناس إلى الله تعالى، وكان أبو لهب يمشي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ويضرب رسول الله صلى الله عليه وآله بحجر محدّد، أي منبّل وجارح، ويدمي جسم رسول الله صلى الله عليه وآله. وذكرت الروايات أنّه أدمى عرقوبي رسول الله صلى الله عليه وآله وكعبيه. والعرقوب هو أغلظ عصب في بدن الإنسان، ويكون في آخر القدمين، وإذا تعرّض هذا العرقوب للأذى أو أصيب وأصابه شيء، فسيجعل صاحبه متألّماً لآخر لحظة من عمره، لأنّه يصعب علاجه أو لا يمكن. وهذا يعني انّ رسول الله صلى الله عليه وآله ولآخر لحظة من عمره الشريف كان يتحمّل آلام عرقوبيه وكعبيه المصابين. ومع كل هذا الأذى الذي تعرّض له رسول الله صلى الله عليه وآله ورغم تكرّر تلك التصرّفات من أبي لهب، لم أجد أنا شخصياً في التاريخ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عاتب أبي لهب حتى لمرّة واحدة، ولم يقل له لماذا تتصرّف هكذا معي، حتى لمرّة واحدة، أبداً. وأردف سماحته: المثل الخطأ الموجود بين الناس هو هذا القول: الذي يحبّ يعاتب. وهذا خطأ وليس في الإسلام، فالذي يحبّ عليه أن يعفو. نعم توجد استثناءات بالعناوين الثانوية، كتربية الأب لأولاده، فيجب أن يستعمل الأمور الضرورية للتربية، وهذه في محلّها. أما الخطّ العام هو (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ). فالعفو على شتّى المستويات فضيلة، إلاّ في الاستثناءات التي لا يجوز فيها العفو، وهذه أيضاً في محلّها بالحكم الشرعي. فيجدر أن يكون العفو في كل مجال ومستوى، على مستوى العائلة والزوجين والأقرباء والجيران والحكومات والشعوب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بالأخص في أيّام حكومته بالمدينة، التي طالت عشر سنوات، وبالخصوص مع المنافقين الذين كانوا بالألوف بين أصحابه، ومارسوا الظلم مع النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله. فلنتعلّم العفو من رسول الله صلى الله عليه وآله ونعزم عليه. وشدّد سماحته بقوله: لقد جاء الإنسان إلى الدنيا للفضيلة وليس للرذيلة. فالزوج إذا أراد الفضيلة فعليه أن يتحمّل زوجته إلى آخر حياته. وكذلك الزوجة إن تريد الفضيلة فعليها أن تتحمّل زوجها إلى آخر حياتها. فـ(الدينا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها) كما في الحديث الشريف. وهكذا يفعل الأرحام والجيران والشريكان. فمن يلتزم بالفضيلة ويعمل بها سيكون أسوة لغيره، من أبنائه وجيرانه وأرحامه وأقاربه وغيرهم، أي يتعلّمون منه. فالحديث الشريف يقول: كونوا دعاة لنا بأعمالكم لا بأقوالكم. أي على الإنسان أن يدعو إلى الله تعالى وإلى الخير وإلى الفضيلة بالعمل وعملاً. والمقصود من (بأقوالكم) في الحديث الشريف الذي مرّ ذكره، هو لا تكتفوا بالنصيحة القولية فقط التي هي مطلوبة أيضاً. فالأبناء يتربّون على أعمالنا أكثر من على أقوالنا. وبيّن سماحته، أيضاً وقال: إذن اعزموا على هذا الأمر أي دفع الإساءة بالأحسن، خصوصاً وأنّ أغلب المؤمنين والمؤمنات، قد نالت قلوبهم بعض الصفاء في شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان بإحيائهم وتعظيمهم للشعائر الحسينية المقدّسة، عبر الحضور والمشاركة في المجالس الحسينية وأقامتها، وعبر المشاركة في المشي في الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة وغيرها من الشعائر الحسينية، فليحاولوا الحفاظ على هذا الصفاء بفضائل الأخلاق، وليبدأ الإنسان من العفو، والعفو عند المقدرة. وأردف سماحته: الظالم الذي يغلط عليك ويسبّك، لا يمكنك أن تردّ عليه، وليس من الفضيلة أن تعفو عنه. أما يمكنك أن تقوم بهذا الأمر أي العفو، مع زوجتك ومع شريكك وجارك. علماً أنّ الحكومات العادلة مراتبهم عظيمة عند الله، والظالمين منهم، دركاتهم في جهنّم شديدة وشديدة، لأن الحكومات بإمكانها أن تفعل كل شيء، والعفو يجعل الإنسان عزيراً ومحبوباً في الدنيا وفي الآخرة، فلم لا تستعمل الحكومات العفو مع شعوبها؟ فرسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قد تركا بصمات لا يوجد لها نظير ولا نظائر في التاريخ وإلى اليوم. ونحن ندعو الدنيا كلّها، بما فيها الحكومات، وحتى حكومات غير المسلمين، إلى هذا الأمر المهم، وهو: اقرأوا تاريخ المعصومَين نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وانّه كيف عملا. وعلى سبيل المثال أّذكر النموذج التالي: كان شيخ المنافقين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورئيسهم هو عبد الله بن أبي اُبي بن سلول. وهذا الشخص قال كلمة على رسول الله صلى الله عليه وآله بين المئات من الأصحاب، وهي كلمة لم يتكلّم مثلها بالسوء أحد في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان هذا ابن أبي اُبي يصلّي ويصوم. وقد عبّر ابن أبي اُبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، والعياذ بالله، بـ(الأذلّ). وأنا أنقلها لأن القرآن الكريم قد نقلها. وأذلّ تعني الأشدّ والأكثر ذلاً، وعند دخول اللام والألف على هذه الكلمة فستعني انّه لا يوجد أحد أذلّ منه. ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عفا عنه. وقد ظنّ الكثير من المسلمين انّ النبيّ صلى الله عليه وآله سيأمر بقتله، ولذا جاء ابن أبي اُبي وكان من المؤمنين، فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن تأمر بقتله فأنا أقتله. فرفض رسول الله صلى الله عليه وآله، بل ولما مات ابن أبي اُبي، خلع رسول الله صلى الله عليه وآله قميصه وأعطاه لكي يجعلوه في كفن ابن أبي اُبي، مع انّ هذا الأمر لم ينفعه، كما قال الإمام الصادق صلوات الله عليه. وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمته القيّمة، مؤكّداً: نحن ندعو الكل إلى هذه الفضيلة من رسول الله صلى الله عليه وآله، بما فيها الحكومات، وحتى الحكومات غير المسلمة وفي بلاد الكفر. وهذه من مسؤولية الجميع في أن ندعو العالم إلى هذه الفضيلة بعد أن نعمل بها نحن. أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لذلك، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.
|
|||||
|