سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: عرّفوا سيرة نبيّ الإسلام للبشرية لتنعم بالخير والرغد والرفاه

في يوم ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، مولانا رسول الله سيّدنا محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، الأحد 28 صفر الأحزان 1441 للهجرة (27/10/2019م)،وكالسنوات السابقة، حضرت جموع من العلماء والفضلاء والمؤمنين والمعزّين من العديد من المدن والمحافظات الإيرانية، في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمدينة قم المقدّسة، واستمعوا إلى كلمة سماحته دام ظله بخصوص الذكرى الأليمة المذكورة.

قال سماحته دام ظله في بداية كلمته: أرفع التعازي لمولانا بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف بذكرى مصاب استشهاد أشرف الأولين والآخرين، مولانا نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وكذلك وعلى رواية، ذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، وذكرى استشهاد مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه. وكذلك أعزّي المؤمنين كافّة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل في الظهور الشريف لمولانا الإمام وليّ العصر أرواحناه فداه، حتى يعين وينصر المظلومين جميعاً في العالم.

لقد استفادت السيّدة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها الشريف التي ألقتها على جمع من المهاجرين والأنصار، من ألفاظ تدعو إلى التأمّل فيها. وأنا هنا أوصي الجميع، وبالأخص الشباب، إلى مطالعة هذه الخطبة، لأنّ السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ذكرت فيها مطالب مهمة، ومنها ما يخص حادثة استشهاد النبي صلى الله عليه وآله.

جاء في هذه الخطبة قولها صلوات الله عليها: (واكدت الآمال). والمقصود من هاتين الكلمتين هو انّه لو لم يغتصبوا حقّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لما أريق دم أيّ إنسان بغير حقّ، ولم يقضي أي شخص ليلته إلى الصباح وهو جائع، ولم تظلم أيّة حكومة شعبها، وكما قالت صلوات الله عليها (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم).

كما أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته إلى واقعة الأربعين الحسيني المقدّسة للسنة الجارية 1441 للهجرة، وقال: أنا ومن باب الوظيفة الشرعية، أشكر جميع من كان لهم الدور في إحياء شعيرة الأربعين الحسيني المقدّس، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّق الجميع في هذا الطريق، أكثر وأكثر.

اعلموا أنّه من كان له مشاركة أكثر في هذا الطريق، فأجره مضاعف. والله تعالى يتقبّل ما تمّ بذله من زحمات بهذا الخصوص. وحقّاً إنّه لمدعاة للتأسّف من قام بالخدمة أقلّ من استطاعته وقدرته في سبيل إحياء هذه الشعيرة المقدّسة.

بلطف من الله تعالى تم توفير ما احتاجته جموع الزائرين بالأربعين الحسيني، ولكن بقيت وظلّت بعض النواقص، التي بإمكان كل واحد أن يقوم بإزالتها وبالأخص الشباب. فالشاب الواحد بإمكانه، أن يلعب دوراً بهذا الخصوص، ولو بتشجيع الآخرين على خدمة القضية الحسينية المقدّسة.

من سنّة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله أنّه كان يقترض لرفع احتياجات الناس، وكان صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات يقترض مرّة ثانية لتسديد دينه وقرضه السابق، وهذه من السننن المنسية، التي يجب أن نحييها في سبيل الشعائر الحسينية.

ثم تحدّث سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حول المطلب الأساس لكلمته وقال: إنّ دنيا اليوم تشهد الإعلام الضال والمضل أكثر وأكثر من التبليغ والإعلام لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، فما السبب؟! ففي الماضي لم تك متوفّرة وسائل الإعلام ولا الإمكانيات، أي بالعكس من دنيا اليوم المتوفّر فيها الكثير من الإمكانيات، ومنها الاستقراض. ففي الإسلام ليس الملاك هو الشخص أو التيار، بل الملاك في الإسلام هي السيرة التي أسّسها النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقط، ومن المؤسف له انّ العالم اليوم أجنبي عن هذا الملاك ولا يعرفه.

إنّ تاريخ النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله موجود بين أيدينا، ويجب الرجوع إليه، وقراءته ومطالعته بدقّة وببحث دقيق أيضاً.

قرأت في إحدى المجلاّت قبل قرابة خمسين سنة، أنّه تم تأليف أكثر من مئة كتاب حول شخصية سياسية. واليوم، وبعد مرور قرابة ألف وأربعمئة سنة عن زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، كم تمّ تأليفه من كتب حوله صلى الله عليه وآله؟! وهذه من مسؤولية الجميع، وحتى الذين لا يمكنهم الكتابة والتأليف بإمكانهم أن يشجّعوا غيرهم على الخدمة في هذا الطريق.

وأضاف سماحته: كان من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله تحمّل المشكلات، وهذا ما لم نشهده في المجتمعات إلاّ نادراً أو قليلاً. وقد ذكر التاريخ انّ إحدى نساء النبيّ صلى الله عليه وآله قد اتهمته، والعياذ بالله، بالفاحشة. فلم يضربها النبيّ صلى الله عليه وآله، ولم يردّ عليها حتى بكلمة واحدة، ولم يسجنها. وهذه الأخلاق ضرورية للمجتمع اليوم، وهي من السنن المنسية. فعلى المجتمع أن يحافظ على تمساكه، أي الزوجة مع زوجها، والزوج مع زوجته، والوالدين مع أبنائهما، والأبناء مع والديهم، وهكذا الحكومات مع الشعوب، والناس بعضهم مع بعض، وعليهم جميعاً بالمداراة.

لقد أشار القرآن الكريم إلى المنافقين وذكرهم في مواضع عديدة، بل وأنزل سورة بحقّهم. ومع كثرة المشكلات التي سبّبها المنافقون للنبيّ صلى الله عليه وآله، كان صلى الله عليه وآله يتعامل معهم بالمداراة، ويحلم عنهم. فعلى الجميع أن يقتدوا بالنبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، وأن يقوم الجميع بتبليغ سننه صلى الله عليه وآله حتى يتمّ البلاغ المبين. فانتشار الإسلام وتوسّعه كان بسبب وبفضل الأخلاق الراقية للنبيّ صلى الله عليه وآله. علماً انّ ترك الغضب فقط أو اجتنابه ليس هي الأخلاق كلّها، بل الأخلاق أن تعفو وتحلم عمّن اتهمك ويتهمك.

قبل أكثر من ألف سنة، كان أكثر من سبعين ألف منبر تسبّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكان ردّة فعل الإمام صلوات الله عليه تجاهها هو قوله: (فإنّه لي زكاة). ولهذا الأمر لو لم يغتصبوا حقّ الإمام عليّ صلوات الله عليه من بعد استشهاد النبيّ صلى الله عليه وآله، لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

لذا علينا جميعاً أن نهتمّ ونصمّم على أن لا نكون من الخاذلين بالنسبة إلى نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وعلينا أن نوصل سننه صلى الله عليه وآله إلى العالمين، وأن لا نكفّ عن هذا العمل ولا نتركه حتى مع وجود المشكلات. فسبب ابتعاد الشاب عن الإسلام، هي التصرّفات التي صدرت وتصدر ممن يضربون الإسلام باسم الإسلام، أو بسبب من تهاون وقصّر في تعريف وإيصال سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، أو عمل قليلاً في هذا المجال.

وأوضح سماحته: لأجل إيصال سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله علينا أن نبدأ من الصفر.

جاء شخص إلى المرحوم أخي قدّس سرّه الشريف، فسأله: هل يوجد مسجد في منطقتكم؟ قال الشخص: لا نملك مالاً لبناء مسجد. فأعطاه أخي قليلاً من المال (كان حينها يعادل أقلّ من نصف دولار) وقال له: خذ هذا المال وابنوا به مسجداً. قال الشخص: هل يمكن بناء مسجد بهذا المال القليل؟ قال السيّد الراحل: نعم يمكن بناء مسجد بهذا المال القليل وبهمّتكم.

هكذا الحال في جميع الأمور، وعلينا أن ننصر نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

وقال سماحته: لماذا ابتليت الدنيا اليوم وحتى البلاد الإسلامية بالمآسي والحروب؟! فحكومة النبيّ صلى الله عليه وآله، مع كل المشكلات التي تعرّضت لها، لم تجد فيها حتى قتيل سياسي واحد، ولكن كم يوجد اليوم في العالم من قتلى سياسيين؟! وعدم وجود حتى قتيل سياسي واحد في حكومة ودولة الرسول صلى الله عليه وآله، سببه هو حلم النبيّ صلى الله عليه وآله وعفوه.

كما انّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله لم يبع حتى قطعة أرض واحدة، وكان صلى الله عليه وآله يقول انّ الأرض لله ولمن عمّرها. وهذا ما يجب أن تعرفه البشرية اليوم.

كذلك، هل يمكن لأحد أن يجد في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله أحد مات من الجوع؟! في حين لو راجعت تاريخ أعداء أهل البيت صلوات الله عليه أمثال بني أمية، فسترى كم وكم ماتوا من الجوع وبسبب الجوع، وأحدهم هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري رضوان الله عليه.

لذا علينا إيصال وبيان السيرة المشرقة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله إلى الدنيا كلّها، فضلاً عن البلاد الإسلامية التي هي بحاجة إليها البتة.

في ختام كلمته القيّمة قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: أما حول الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة، أقول: حاجتان لم تتوفّرا للزائرين الحسينيين، وعلينا أن نهتّم بهما، وهما:

الأولى: مكان الاستراحة والسكن، ومسؤولية توفيره يقع بالدرجة الأولى على الحكومة، وبعدها بالدرجة الثانية على الأغنياء، وبعدهم على الفقراء.

الثانية: توفير وسائط النقل للزائرين.

وأكّد سماحته: يجب أن تتوسع رقعة الزيارة الأربعينية الحسينية وأن تقام بحماس وبأبهى من الماضي. ويجب بذل المساعي من الجميع في هذا الطريق، وأن يتحوّل هذا الأمر إلى ثقافة.

كذلك يجب الحفاظ على الحماس والحرارة التي رأيناهما في شهري محرّم الحرام وصفر الأحزان للسنة الجارية، إلى السنة القادمة.