بجلسته العلمية الفكرية الثامنة

آية الله السيد حسين الشيرازي يواصل البحث في القسم الثاني من موضوع القوالب والصور النمطية

في عصر يوم الخميس المصادف للخامس عشر من شهر جمادى الثانية للسنة الهجرية الجارية 1440 الموافق للحادي والعشرين من شهر شباط/فبراير2019م، أقيمت الجلسة العلمية الفكرية الثامنة لنجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله آية الله السيد حسين الشيرازي، وكان موضوع هذه الجلسة: القوالب والصور النمطيةـ القسم الثاني. 

حضر وشارك في هذه الجلسة العلماء والفضلاء وأعضاء مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله. 

تناول في هذه الجلسة تكلمة للموضوع المذكور الذي تناوله في الجلسة السابقة، ضمن سلسلة جلساته العلمية الجديد المعنونة بـ(معهد الانضباط وقهر المستحيل).

إليكم أدناه رؤوس نقاط من موضوع الجلسة المذكورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ـ قال تعالى: «وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» (الحجر/15ـ14).

حتى ابرز نعمة يعتبرها الانسان نقمة بسبب هذه القوالب.

ـ قال تعالى: «قَالَ يا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر/33ـ32).

طين يابس أسود متغير الريح له صوت اذا نُقر.

ـ نهج البلاغة: وقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصّب لشيء من الاشياء الا عن علّة تتحمّل تمويه الجهلاء أو حجّة تليط (تلصق) بعقول السفهاء. 

كذب العادلون بك اذ شبّهوك بأصنامهم... وقدّروك على الخلقه المختلفة القوى بقرائح عقولهم.

ـ اكتساب وتكون (القوالب النمطية) لا يتطلّب جهداً ولا نشاطاً ولا كدحاً أبداً، وبالعكس فان التخلص منها جزءً بسيطا منها يتطلب بذل مجهود كبير وهائل عبر زمن طويل غير مضمون.

ـ من المستحيل أن تكون بشراً ويمكنك تجنب استعمال القوالب النمطية والوقوع في شراكها وفخّها وضحية لها، فضلاً عن إمكان تجنب تكوّنها وحدوثها بشكل تلقائي ولا ارادي ولاواعي عبر مرور الوقت ضمن مراحل التنشئة وسياقاتها، فامتلاك القوالب النمطية، (لابدية عقلية) وقانون كوني مفروض يستحيل التنصّل عنه فهو شرٌ لابدّ منه.

ـ ابرز العوامل المشينة في طبيعة الإنسان التي تعتبر ابرز المناشئ لتكون القوالب النمطية، هي قدرته الهائلة على التكيف والانسجام والتساوق والتطابق مع 1) الأباطيل التي يتلقاها 2) والمواقف المضللة التي يتعرّض لها 3) والغزو الثقافي الذي يحيط به 4) والدعايات الاعلامية الماكرة التي تُصاغ بدهاء بشكل نصوص وصور وقصص ونكات وشواهد.

ـ ثاني ابرز العوامل المؤهلة لتكون (القوالب النمطية) المضلّلة هو الجانب الأبرز مجداً وعظمة وجدارة في الانسان، وهو القوّة الهائلة والطاقة الجبارة في عقله بالنسبة الى تصنيف المدركات بعد تلقيها وتخزينها، والقدرة على توليفها بعد تصنيفها، عبر ربط وتركيب بعضها ببعض وانتزاع (اللوازم والملزومات والملازمات) المقترنة بها في المحيط الاجتماعي الاعمى.

ـ ليست الكارثة تمتثل في امتلاك (القوالب النمطية) وانما تمتثل في استعمالها واستخدامها وتطبيقها على كل جزئي وكل مفردة في الحياة وبشكل راديكالي ومتطرّف وشططي وغالي.

ـ تعمل (القوالب النمطية) بشكل تلقائي ولا ارادي وتؤثر على منظومتنا الفكرية ومنظوراتنا العقلية والأحكام التي نُصدرها كما تؤثر من ثمّ على قراراتنا وسلوكياتنا وانفعالاتنا.

ـ تُنَشّط (القوالب النمطية) مفاهيم متطرّفة وراديكالية عميقة تفوق كل التعريفات الواردة في قواميس اللغة، فمثلاً: كلمة «فتى» تثير وتنشط مفاهيم من قبيل: الجمال والخارق والسرعة والنباهة وقوة الذكاء والحافظة والنشاط والحيوية وحِدّة السمع والبصر، وفي المقابل، تثير كلمة «عجوز» الوهن والخمول والبلادة وكثرة النسيان وضعف السمع والبصر.

ـ من مقتضيات طبيعة (القوالب النمطية) انها لا تكاد تقف عند حدٍ في تنشيط مفاهيم راديكالية تطرّفية، فلها سيرٌ تكاملي وتفاقمي فيما اذا تمّ إهمالها وتجاهلها أو حصل العجز عن الابصار والتفطّن بها، لذا فانه يمكن جعل حدٍّ لتزمّتها وتصلبها عبر (مُراقبة الإنطباعات) المختلفة الحاصلة في كل لحظة ومحاولة تقييمها واعادة تركيبها وتوليفها من جديد و بشكل متفاوت تماماً.

ـ سمعت شيخنا الاستاذ الميرزا جواد التبريزي ينقل حواراً دار في محضر استاذه السيد الخوئي (قدس سرهما) بين جملة من اساطين الحوزة العلمية في النجف الأشرف حول تسائل يكثر طرحه في اوساط الحوزة فيما يخصّ القوميات الثلاثة (الافغان والهنود والباكستانيين) الذين يهاجرون الى بلاد الغرب ويبدعون في الجامعات والكليات والاندية العلمية ويحرزون اعلى درجات التفوّق وفي كافة المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، لكنهم في مهاجرتهم الى الحوزات العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة، يخفقون في تحقيق أبسط الانجازات، ونقل الميرزا جواد عن السيد الخوئي انه كان يعزّي ذلك الى اقتضاء تركيبة العقول لدى تلك الفئات الثلاث حيث ان نبوغهم ينحصر في العقل العمل دون العقل النظري. أقول: هذا التحليل يجافي الحقيقة بل في غاية الوهن والضعف، 

أولاً: ان الانجاز الذي تحققه هذه الفئات في بلاد الغرب يعمّ الجانب العملي والنظري والاخفاق الذي يحرزونه في الحوزات العلمية يطال كلا الجانبين.

وثانياً: إنه مُدّعى فقير الدليل، والذي يبدو للنظر القاصر ان السبب الرئيسي في الجانبين (الغربي والحوزوي) يعود (القوالب النمطية) المتأصلة تجاه هذه الفئات، أولاً: في نفوسهم أنفسهم من النداءات السلبية المقوّضة للذات بشدّة وبشكل موصول والانهزامية المفرطة الهّدامة للذّات. وثانياً: استهانة الحوزات بهم والاستخفاف والازدراء والتحقير بهم في جميع المجالات حيث إنهم يعتبرونهم من الدرجة العاشرة وان غاية ما يمكنهم ممارسته والتصدي له في الحوزات، هو تدريس المقدمات.

ـ ربما لا يعارض الإنسان فئة معينة من الناس بشكل واعي ولا يستحفّ بهم ولا يستحقرهم حتي في باطن النية، بل يجلّهم في سريرته، لكنه يبقى شديد الحساسية بشأن أن لا يحسب من تلك الفئة في المحيط الاجتماعي، فيتفادى الإنسان حصول انطباع غير مرغوب عن نفسه لدى الآخرين أو يكون غير مرحّب به في بيئه وعشيرته فيما اذا حصل عنه نظرة خاصة، وهذا عين الاستخفاف والإستهانة لكنه غير واعي.

ـ التعليم بمختلف اساليبه (حتى في المستويات الراقية) لن يؤثر في معالجة (القوالب النمطية) غير الواعية والتلقائية، وغاية ساحة التأثير فية هي النوع الواعي منها، وبشكل محدود ومُتعثّر جدّاً.

ـ القوالب النمطية عصية على التأثير بالعوامل الاُخرى غير التعليم ايضاً، نظير: 1) المحاولات الاحساسية العاطفية 2) ممارسات القهر والغَلَبة واستعمال السيف والسوط، لانها تقبع في العقل اللاواعي الذي لا تطاله تأثير المؤثرات الواعية مطلقاً ولا تكاد تناله يد التغيير والتبديل أبداً، بسبب أعمقية المخزون العقلي اللاواعي عن نظيره الواعي بدرجة هائلة جداً.

ـ الانسان يمكنه أن يمتلك توجّهان عقليان متعارضان في جميع ابعاد الحياة، ويمكن أنّ يضلاّن منفصلين احدهما عن الآخر بحيث لا يشعر الانسان بالتعارض والتناقض الفكري في نفسه طيلة أيام عُمُره، ويتسبب في تضليله الموصول، وفي تكوين ابرز المصاديق المضللة للقوالب النمطية، ويمثّل هذا الجانب اللامنطقي واللاعقلاني الابرز في الحياة.