|
||
القوالب والصور النمطية: محور الجلسة العلمية السابعة لآية الله السيد حسين الشيرازي
أقيمت الجلسة العلمية الفكرية السابعة لنجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، آية الله السيد حسين الشيرازي، عصر اليوم الخميس الثامن من شهر جمادى الثانية1440 للهجرة، الموافق للرابع عشر من شهر شباط/فبراير2019م، في مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدّسة. حضر هذه الجلسة التي هي من سلسلة الجلسات العلمية الفكرية الجديدة لنجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، المعنونة بـ(معهد الانضباط وقهر المستحيل) جمع من الفضلاء، وطلبة العلوم الدينية، وإعلاميين، وأكاديميين، وضيوف وفضلاء من دولة العراق. كان موضوع هذه الجلسة، هو: القوالب والصّور النمطية. وتناول حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي هذا الموضوع باستشهاده بالآيات القرآنية الكريمة، والروايات الشريفة عن مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، مع شرح مفصّل لكل عنوان من عناوينها الفرعية، مصحوبة بالأمثلة من واقع الحياة في مناحيها المختلفة. إليكم أدناه رؤوس نقاط موضوع هذه الجلسة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين قال تعالى: «بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ» (الزخرف/23ـ22). قال تعالى: «قُلْ كُلٌّ يعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» (الإسراء/84). نهج البلاغة: واتخذوا التواضع مَسلحة بينكم وبين عدوّكم ابليس وجنوده. قال تعالى: «فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزْقَهُ فَيقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا» (الفجر/17ـ15). قال تعالى: «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ» (الحج/34). ـ «المخبتين»: الخبت: هي الأرض التي تتوفر فيها خمس خصال: 1) الجرداء الخالية من الطرقات والنباتات وكل شيء 2) المستوية بدون الجبال والوديان 3) الوسيعة الشاسعة 4) المنخفضة الواطية 5) الرخوة الهشة الناعمة. البشارة الالهية عبر النبي صلى الله عليه وآله تخصّ الذين هم كالأرض الجرداء الخالية من الطرقات والمستوية و...، فالحقيقة هي أرض جرداء بلا طرقات ولا تضاريس ولا نباتات ولا شيء امثالها، كما انها مستوية خالية من الارتفاعات والانخفاضات، كما انها لا تحديد لمساحتها، ولا ترفّع ولا تصلّب، لكن الانسان يستحيل عليه تجريد الحقائق عن هذه المزيفات لها.
ننظر الى هذه الخصال الخمس الاساسية في مفهوم «الخبت» والاسباب التي تودّي الى تزييفها وتبديلها، ضمن عناوين خمسة: العنوان الأول: التجرّد: ابرز وظائف عقولنا البدائية، خلق قوالب وصور واحكام نمطية من خلال 1) دمج وتركيب وتوليف معطيات مختلفة بل ومتناقضة ومتعارضة في اغلب الأحيان 2) الترسيخ والتأكيد 3) الإطراد والتعميم. ـ القوالب النمطية، ابرز عوامل تزييف وتشويه الحقائق الكونية، فمنذ نعومة اظفارنا نتعلّم على تنقيح (الواقع والوقائع) والأحداث طبقا لما يتناسب مع المحتوى العقلي الضحل ولكنه الراسخ جدّاً. ـ عقولنا البدائية تفشل بشكل ذريع ومريع وبطريقة صادمة للغاية، عندما تحاول التوليف بين الحقيقة والمحتوى العقلي، فتقع فريسة وضحية بلا حدود لتكوّن القوالب النمطية المضلّلة في جميع الأبعاد. ـ العنوان الثاني: الاستواء دون انحياز (ضد ومع): الجهاز التنشيطي الشبكي: هو مركز الانتباه والتحفيز في عقل الانسان، ويرتبط نشاطه بالحفاظ على الوعي واليقظة، واي خلل فيه يؤدّي الى التحذير ومن ثم الى الغيبوبة، وحسّ اللامسة يرتبط كلياً بنشاط هذا الجهاز في كل خلية في الجسم، وهذا الجهاز هو المسئول عن كل التحيزات (الانتباهية والتجاهلية) في عقل الانسان بشكلٍ مستمر. ـ عندما يشتري الانسان سيارة من طراز معيّن، يبدأ في الانتباه والالتفات وتحديد كل السيارات التي هي من نفس الطراز في كل زمان ومكان، بعد أن كان يتجاهلها بشكل تام، تلك هي الطريقة التي نلاحظ ونتعاطى مع الأشياء في عالمنا، فالعقل يقوم بفرز المدركات والأحداث التي يتلقاها، فيتجاهل ويتغافل ويتهاون ويغضي عن كل ما هو ليس من طراز معتقداته ويتفاعل مع كلّ ما هو من طرازه.
ـ حتى مرضى «الزهايمر» الذين يفقدون القدرة على خلق معلومات جديدة لكنهم لا يفقدون القدرة على تكوين انطباعات جديدة عن مدركات جديدة، كما لو أنها جيدة أو سيئة باضفاء طابع الجودة والرداءة، فالمعلومات عندما تكون مجردة وبسيطة لا تتحول الى قوالب وصور واحكام نمطية، فاقول: نعم للمعلومات الواسعة المتنوعة ونعم للأحكام المبدئية والجزئية، لا للانطباعات الكلية السالبة والموجبة. ـ العنوان الثالث: الرحابة والسعة وقابلية التمدد والشمولية والاستيعاب: ابرز الجوانب المشينة للقوالب النمطية هو طابع الضيق فيها، ويمكن تفسير وتحليل الضيق هذا من خلال خمسة عناوين: 1) الاعتماد على الخبرات السطحية في هذه الحياة البالغة التعقيد ومحاولة تراكمها وتكديس جملة منها بفرض تقييم العالم المعقد بلا حدود من خلالها، فالتكديس والتكريس يحققان خبروية محدودة. 2) الاعتماد على الخبرات القديمة البالية المهترئة في هذه الحياة المتغيرة بشكل متسارع جداً، فكل نظام من الطراز القديم يمكن الركون اليه والاستفادة منه، لكن الانسان من الطراز القديم كارثة. 3) الاعتماد على التخمينات والتخرّصات وتحويل التخمين الى استراتيجية حياة، قال تعالى: «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ» (الذاريات/11ـ10) وقال تعالى: «وَإِنْ هُمْ إِلَّا يخْرُصُونَ» (الأنعام/116). 4) الاعتماد على الدراسات المعملية: انتاج اكواماً هائلة من البيانات المختلفة والدقيقة، لكنها عقيمة بسبب: 1. اضطراب المناشيء 2. فقدان المعايير في كيفية الاستخراج والتجميع 3. الظروف التي انتجها من حيث الزمان والمكان وامثالهما 4. المستويات التي تم استخراجها منها 5. مدة الصلاحية وتاريخ الانتهاء. أقول: اغلب الدراسات العلمية المعاصرة الراقية في الاندية العلمية العالمية، تعتمد على هذا النوع من جميع المعلومات. 5) الاعتماد على التصورات العابرة التي يصطلح عليها القرآن الكريم بقوله: «رَجْمًا بِالْغَيبِ» (الكهف/22)، أقول: ربما يكون هذا العنوان يمثل اغلب مصاديق إصدار الاحكام في الحياة. ـ العنوان الرابع: الخفض والتواضع ومفارقة الاعتلاء والتعالي: نحن نبالغ في اضفاء وصف المصداقية على الأفكار التي تسكن عقولنا بشكل مترسخ والمطلوب بعض التواضع في خصوص البصيرة. ـ الثقة بالذات المفرطة: نحتاج الى ثقة عالية والمبالغة فيها، فقط من أجل تحقيق المبادرة والشجاعة على الإقدام والقدرة على تحفيز الذات والمجازفة ومعالجة طبيعة الإحجام والارتداد والانكفاء والتوقف العجينة مع ذات الانسان، كما ويجب المحافظة على المستوى الرفيع والعالي من الثقة من اجل ضمان الاستمرارية والثبات وعدم التراجع عن موارد التصدي، لكن في نفس الوقت نحتاج الى مستوى منخفض من الثقة بالذات في أمر المعرفة والمهارة والإحاطة الكافية، وذلك من أجل تحصيل الانتباه الكامل للتفاصيل والاهتمام بالجزئيات الحقيرة والتافهة التي قد تكون خطيرة في الواقع بحيث يكون تجاهلها يودّي الى الفشل، ومن أجل السعي والاندفاع نحو تحصيل مهارات اضافية، فالتواضع يحول دون تحوّل المعلومات الى قوالب وصور نمطية. ـ نهج البلاغة في وصف الملائكة: واشعر قلوبهم تواضع اخبات السكينة. ـ العنوان الخامس: الرخاوة والمرونة ومباعدة التصلّب ومجافاة القساوة والشدة والقابلية للاستثناءات: كل العلوم والمهارات والخبرويات وكافة الحقائق والقواعد والمبادئ والقيم وامثالها يجب أن تحتوي على درجة كبيره من التصلّب والتشدّد لكي تدرك حيزها من الحياة وتسود المواقف والأحداث والتوجهات في كافة مناحي الحياة ولكي تحقق المصالح والمنافع وتحميها وتحافظ عليها في مواجهة الخصام والمخاطر، ولكن في نفس الوقت يجب أن تحتوي على شيء من المرونة واللين والطواعية تستجيب للحالات الاستثنائية ففي المثل: ما من عامٍ الا وقد خصّ. ـ الخاتمة: ما ذكرنا يمثل الجانب المشين الشنيع البشع للقوالب النمطية، وللقوالب النمطية جانب مشرق ووضاء وهو جميع قواعد الحياة (المادية والمعنوية) والاسس الدينية والعبادية. ـ لا تنفك كلمة «القوالب النمطية» عن الوقوع ضحية نفسها، فهناك انطباع سيئ عن هذه المفردة قرين الاذهان بالرغم من احتوائها على جانب مشرق، كما أن الذين يتناولون هذا الموضوع بالبحث والتطبيق ووصف بعض الأحداث بها فانهم لا محالة يسقطون في فخها حيث يعتبرون بعض التصرفات ضحية لهذه القوالب، مع ان هذه الاحكام بذاتها نوع من النمطية.
|
||
|