سماحة المرجع الشيرازي دام ظله لأصحاب المواكب الكربلائية:

المسؤولية اليوم هي عولمة القضية الحسينية وإصلاح العراق

ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، بجموع أصحاب ومسؤولي وأعضاء المواكب الحسينية في مدينة كربلاء المقدّسة، ومسؤولين من العتبة الحسينية المطهّرة، بعد الزوال ليوم الثلاثاء العاشر من شهر ربيع الثاني1440 للهجرة الموافق للثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر 2018 للميلاد، الذين وفدوا على بيت المرجعية المكرّم بمدينة قم المقدّسة، كالسنوات السابقة، بمناسبة أيّام ذكرى استشهاد كريمة أهل البيت صلوات الله عليهم السيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها. إليكم نصّها الكامل:
 

بسم الله الرحمن الرحيم

بمناسبة ذكرى استشهاد مولاتنا وسيّدتنا كريمة أهل البيت، السيّدة فاطمة المعصومة، بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، أرفع التعازي إلى المقام الرفيع والمنيع لسيّدنا ومولانا بقيّة الله في الأرضين، المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعجّل في ظهوره، حتى يمتلئ كل مكان بالعدل والخير، بعد أن امتلأ الكلّ بالجور والظلم، وأن يجعلنا جميعاً من أنصاره وأعوانه. وأقدّم التعازي بهذه المناسبة إلى المؤمنين والمؤمنات جميعاً في كل مكان. 


عظمة القضية الحسينية

يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (الحسين في السماء أكبر منه في الأرض). فهل يوجد على وجه الأرض، اسماً ومناسبة، مطروحاً ومطروحة أكثر من اسم ومناسبات الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ ولكن ما يقام للإمام الحسين صلوات الله عليه وباسمه، من المواكب والحسينيات والمجالس والمناسبات، في كل بلد وفي كل قرية وفي كل ريف، في جميع المناطق في العالم، وفي طول التاريخ، منذ استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه ولحدّ هذا اليوم، أي ما يقارب ألف واربعمئة سنة، وفي الألوف من السنين الآتية وإلى يوم القيامة، التي تعدّ بالمليارات والمليارات، هذه كلّها بالنسبة لما يقام للإمام الحسين صلوات الله عليه في السماء، هو قليل وقليل. وهذه الخدمات التي كانت وتكون وسوف تكون إلى يوم القيامة باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه، والتضحيات، هي قليلة، وقليل بالنسبة للإمام الحسين صلوات الله عليه.

الشكر لمقيمي الشعائر الحسينية

أنا أشكر جميع الذين اشتركوا ويشتركون في مناسبات الإمام الحسين صلوات الله عليه، سواء في محرّم وصفر، أو في طول أيّام السنة، في الحسينيات والمساجد، وفي المؤسسات والمواكب والهيئات، أشكرهم جميعاً وأدعو لهم جميعاً بأن لا يسلبهم الله عزّ وجلّ هذا التوفيق، بل يواصله لهم ويزيده لهم، ويجعله في أعقابهم وذريّاتهم.

ماذا عملنا للإمام الحسين؟

قبل قرابة ثمانين سنة، قال أحد العلماء من غير دين الإسلام، لأحد علماء دين الإسلام في مدينة بغداد: أنتم المسملون، ورغم كل التضحيات التي عندكم للإمام الحسين صلوات الله عليه، ورغم كل الخدمات التي عندكم للإمام الحسين صلوات الله عليه، غير مستفيدين بالمقدار المناسب من الإمام الحسين صلوات الله عليه. ولو كان الحسين صلوات الله عليه لنا لما تركنا حتى شبراً واحداً من الكرة الأرضية إلاّ ونصبنا علماً باسم الحسين صلوات الله عليه، ودعونا باسم الحسين صلوات الله عليه الناس. 

إنّ هذا الأمر يجب أن يتحقّق بأيدي المؤمنين والمؤمنات وخصوصاً الشباب الغيارى من المؤمنين، والفتيات من المؤمنات. فرغم كثرة المجالس باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه في مناطق العالم، ولكن هناك أماكن كثيرة وبألوف الكيلومترات، ليس فيها مجالس ولا حسينيات، أي على مستوى الكرة الأرضية. فمن يحقّق هذا الأمر، وعلى يد من يتحقّق هذا الأمر؟

مسؤولية الشيعة

يقول القرآن الكريم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) سورة يونس: الآية14. وهذا يعني انّ الأجيال السابقة جاؤوا للدنيا وأدّوا ما عليهم ورحلوا عنها، وأتينا بكم أنتم بعد تلك الأجيال، أي بعد آبائكم وأجدادكم وأسلافكم، وجعلناكم في الأرض لنرى كيف تعملون. وهذا يعني انّ كل واحد من المؤمنين والمؤمنات ماذا يقدّم للإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وكم يقدّم من طاقاته وفهمه وماله وفكره؟ وكم يضحّي؟ هل بعشرة بالمئة أم بعشرين بالمئة؟ أم بثلاثين أم بستين أم بسبعين بالمئة؟ أم بمئة بالمئة؟

إنّ كل ما نعمله للإمام الحسين صلوات الله عليه فهو قليل، ولكن يجب علينا تعبئة الطاقات حتى يتحقّق ما قاله ذاك العالم غير المسلم للعالم المسلم، أي يتحقّق بيد المسلمين، وبيد المؤمنين، أي ننصب علماً للإمام الحسين صلوات الله عليه في كل شبر من الأرض، وندعوا الناس باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه. فكل واحد منكم أنتم أيّها الحضور، وكل من يسمع كلامي في المستقبل، عليه أن يشجّع أقربائه وأصدقائه ومعارفه وأرحامه في أي نقطة من نقاط العالم، على أن يغرسوا علماً للإمام الحسين صلوات الله عليه في كل مكان. ففي كل قريّة يجب أن يكون حسينية. وهذا العمل نقوم به نحن جميعاً، وإن كانت الأموال قليلة وغير كافية لهذا الأمر فعلينا أن نقترض، وبعدها نسعى لتسديد الديون.

تعبئة حسينية عالمية

علينا أن لا نتأخّر عن الذين ضحّوا من أجل الإمام الحسين صلوات الله عليه بكل شيء، حتى بأرواحهم وبأنفسهم، وأن لا نكون ممن يتحسّر يوم القيامة، بل على كل واحد منّا أن يكون عمله وتضحياته ما يتحسّر عليهما غيره، لا أن يتحسّر هو على عمل وتضحيات غيره. فلله الحمد يوجد في أكثر مناطق العالم اليوم حريّة، ويمكن أن ينصب علماً للإمام الحسين صلوات الله عليه في كل مكان. فلماذا بعض المناطق أو الكثير منها اليوم لا يوجد فيها علماً للإمام الحسين صلوات الله عليه؟ وهذا الأمر بحاجة إلى الهمّة من الجميع. فالموجود حالياً باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه جيّد جدّاً، وجزى الله جميع الذين عبّؤوا الطاقات في هذا المجال خيراً. فالمجالس الحسينية اليوم موجودة في الشرق الأوسط، وفي الشرق والغرب، وفي مختلف بلاد الدنيا، ولكنها قليلة، وهذا بحاجة إلى التعبئة، حتى يكون للإمام الحسين صلوات الله عليه راية في كل قرية وفي كل ريف وفي كل منطقة وفي كل شبر من الأرض. وهذا الأمر سيتحقّق لاشكّ، ولكن كم وما هو مقدار جهدنا وعملنا نحن جميعاً في هذا المجال؟

الوعد النبويّ

كان عمر الإمام الحسين صلوات الله عليه ثلاث أو أربع سنوات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلاماً بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه وسمعته السيّدة زينب سلام الله عليها من أمّ أيمن أو من أمّ سلمة. وسألت السيّدة زينب سلام الله عليها عن هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وآله من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الساعات الأخيرة من عمره الشريف قبل استشهاده، فأكّد لها الإمام صلوات الله عليه صحّة هذا الكلام، وقال لها هو مثل ما بلغك. وفي يوم الحادي عشر من محرّم سنة 61 للهجرة، الذي كان فيه الإمام الحسين صلوات الله عليه مضرّجاً بدمائه، وكذلك أهل بيته وأصحابه، وكان قلب السيّدة زينب سلام الله عليها مملؤاً بالفجائع، واستطاع هذا القلب وببركة الإمام الحسين صلوات الله عليه، على الصبر، رأت السيّدة زينب سلام الله عليها ابن أخيها الإمام السجّاد صلوات الله عليه في حالة غير طبيعية وهو ينظر إلى الأجساد، فقالت له: ياابن أخي ما لي أراك تجود بنفسك؟ والإمام السجّاد صلوات الله عليه كان على علم بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن السيّدة زينب سلام الله عليها نقلت للإمام السجّاد صلوات الله عليه كلام رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه بأنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه سوف يقتل ويستشهد ويصير ما يصير في كربلاء، ولكن سيأتي أناس: (ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً).

محاولات فاشلة ونتائج عكسية

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (لهذا الطف) ولم يقل في هذا الطف، وهذا يعني أنّه ينصب للإمام الحسين صلوات الله عليه علماً ويرفع في كل مكان. وكلمة (ليجتهدنّ) وكما يعرف أهل العلم الذين بحثوا عنها، قد ورد مثلها القليل والقليل جدّاً في القرآن الكريم وفي روايات المعصومين جميعاً صلوات الله عليهم. وهذه الكلمة فيها ثلاث تأكيدات وهي: لام القسم، ونون التأكيد الثقيلة، ومادة الجهد وهي مادة قويّة. وأما (أئمة الكفر) و(أشياع الضلالة) فيعني أتباعهم، يحاولون طمس اسم الإمام الحسين صلوات الله عليه وذكره وفي طمس الشعائر الحسينية المقدّسة، ومنها السلبيات التي كانت ولا تزال بالنسبة للقضية الحسينية المقدّسة، وهذه السلبيات ستبقى ولا تنقطع. ولكن هذه السلبيات ليس انّها لا تؤثر فقط بل تأثيرها عكسي، أي: فلا يزداد أثره (الإمام الحسين صلوات الله عليه) إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علوّاً. فكل السلبيات تجاه القضية الحسينية المقدّسة تعطي نتائج عكسية وتصير سبباً لكثرة القضية الحسينية المقدّسة. ففي العقود الثلاثة السوداء التي مرّت على العراق المظلوم وعلى العراقيين المظلومين، أي في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، كم قتلوا وقتلوا من زائري الإمام الحسين صلوات الله عليه، وماذا فعلوا مع عزاء الإمام الحسين صلوات الله عليه، وماذا فعلوا مع المواكب والهيئات، وكم من ألوف من الناس راضحوا ضحايا؟ ولكن ما الذي حدث وصار؟ أليس النتيجة صارت عكسية؟ وهذا هو وعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

لا تفوتنا فرصة الخدمة الحسينية

إنّ أصحاب السلبيات يؤدّون ما يملي عليهم الشيطان، ولكن شيعة أمير المؤمنين وشيعة الإمام الحسين وشيعة المعصومين صلوات الله عليهم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الكساء الشريف بـ(شيعتنا) يقع عليهم دور التعبئة الأكثر، والاجتهاد الأكثر، وأن يوصي بعضهم بعضاً، ويكرّر ويؤكّد بعضهم على بعض، على العمل للإمام الحسين صلوات الله عليه، وإلاً سيقوم بهذا الأمر في المستقبل من يأتي من بعدنا ويحقّقه، ولكن المهم هو أن نقوم به نحن في حياتنا وفي زماننا، وأن لا ندع أو لا تكون حتى قرية واحدة في بلاد الإسلام وبلاد غير الإسلام، لا يذكر فيها اسم الإمام الحسين صلوات الله عليه أو ليس فيها علم للإمام الحسين صلوات الله عليه، وحتى هذه الأمو تصير سبباً في انجذاب غير المسلمين إلى الإسلام ببركة الإمام الحسين صلوات الله عليه. 

لمن يرجو شفاعة الحسين

فمعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (حسين منّي وأنا من حسين) يعني انّ الدين الإسلامي ينتشر بسبب الإمام الحسين صلوات الله عليه ويقوى بسببه، ويصير الإسلام عالمياً بسبب الإمام الحسين صلوات الله عليه، فالله تعالى لا يقبل غير دين الإسلام. وهذا العمل بحاجة إلى همّة أكثر وإلى تعبئة أكثر وإلى جهد أكثر. فلا نقصّر في هذا المجال، ولا يقصّر من يريد شفاعة الإمام الحسين صلوات الله عليه في يوم الآخرة. ففي يوم القيامة، وكما في مضمون الحديث الشريف، يمرّ كل واحد من الناس، ونحن منهم، في عدّة حسابات. وفي مضمون أحد الأحاديث الشريفة انّ حساب الخلائق (أي المسلم وغيره والمؤمن وغيره) قبل يوم القيامة عند الإمام الحسين صلوات الله عليه. فكل واحد منّا يلتقي يوم القيامة بالإمام الحسين صلوات الله عليه وفي يديه صحيفة أعماله. 

عراق الحسين

كان الكلام الذي مرّ هو بالنسبة للإمام الحسين صلوات الله عليه ولشعائره المقدّسة. ولكن بالنسبة للعراق، عراق الإمام الحسين صلوات الله عليه، وعراق آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم، أقول:

لقد أعلن الإمام الحسين صلوات الله عليه وهو في طريقه إلى كربلاء المقدّسة، عن هدفه وقال: (أريد أن أسير بسيرة جدّي رسول الله وسيرة أبي علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما) وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كلها رفاه ونعمة للدنيا والآخرة. ولكن الأعداء قتلوه قبل أن يحقّق ذلك الهدف، فعلينا نحن جميعاً أن نجتهد لنحقّق هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه بما نقدر ونستطيع. وأنا أوصي الشباب والفتيات أن يقرأوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله التي كُتبت ونُقلت بأفواه أهل البيت صلوات الله عليهم، لا السيرة التي كتبت بأيدي ظالمة وبأيدي آثمة، بل نأخذ سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل البيت صلوات الله عليهم، وهكذا بالنسبة لسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

السيرة الوضّاءة

إن سبّب تأكيد الإمام الحسين صلوات الله عليه على سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، هو لأنّهما سيرة واحدة ولا تختلفان. فقد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله عشر سنوات، والإمام أمير المؤمنين خمس سنوات. وقد حكم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه نصف المعمورة ذلك الزمان من الكوفة، وهي عشرات الدول في خريطة العالم اليوم، في الشرق الأوسط وعمق أفريقيا وأوروبا، وكانت سيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وضّاءة ولا نظير لها في التاريخ إلى هذا اليوم.

العراق زمن أمير المؤمنين

من سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي عمل به هو أيضاً، أنّه كان يكتب لولاته على الأمصار والدول المبعوثين من قبله صلوات الله عليه، أنّه لا تتدخّل في الأعمال والاقتصاد وفي الاستيراد والتصدير، بل عليك الإدارة فقط، حتى لا يظلم أحد أحداً، فاجعل الأمور كلّها بيد الشعب. فلم يستلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر أي معاملة من معاملات المجالات المذكورة في طول أيّام حكومته، وما باع الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه شبراً من الأرض لأحد، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال: (الأرض لله ولمن عمّرها). أي الأرض هي ملك الله تعالى لأنّه هو الذي خلقها، ومن يعمّر الأرض بالزراعة أو بإحداثه لأنهار فيها أو بساتين وغيرها فهي ملك له. وبعدها قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (قضاء من الله ورسوله). أي هذا حكم الله وحكم رسوله. وصار نتيجة ذلك أنّ العراق الذي كان فيه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، صار مزروعاً كلّه. وكان العراق يسمّى بأرض السواد لكثرة الزراعة في أراضيه كلّها وكذلك في البيوت، ولكثرة البساتين فيه.

حال العراق بالماضي

أيّها الشباب اقرأوا التاريخ من بعد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيضاً، ففي العراق وحده وقبل قرابة ألف سنة، كان في العراق من الموصل إلى بغداد، على نهر دجلة أربعين سدّاً. وهذا الأمر لم تجده في العراق اليوم ولا حتى قبل خمسين سنة، بلى كان منه القليل قبل قرابة ستين سنّة. علماً انّ بناء السدود قبل ألف سنة لم يك بالأمر الهيّن والسهل كما هو عليه الآن. وكانت تلك السدود تغذّي المناطق من الموصل إلى بغداد بالماء لتكون مزروعة كلّها. وورد في التاريخ انّه من بغداد إلى البصرة كانت الديكة تتصايح، والديكة عادة تتواجد أو تكون في البيوت والمزارع. وهذا يعني انّ كل من كان يسافر من بغداد إلى البصرة كان يسمع صياح الديكة في كل الطريق. وعندما تكون الأرض مزروعة فسيكون المناخ فيها طيّباً والهواء فيها نقيّاً وجيّداً، وتقلّ الأمراض، وينعدم الفقر.

إدارة علوية للعراق

إنّ عراق اليوم وعراق الغد بحاجة إلى إدارة تتعلّم من عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. فتكفي المظالم التي مرّ العراقييون بها في العقود الخمسة الأخيرة ولحدّ الآن. فالشعب العراقي أعطى الألوف وعشرات الألوف من التضحيات، وتعرّض عشرات الألوف من أبناء العراق البررة إلى أشدّ أنواع التعذيب. ومسؤولية الخلاص من المظالم هي مسؤولية على الكلّ وعلى الجميع. فعلى كل رجل وامرأة، وعالم وموظّف، وكلّ أستاذ وطالب، وكل معلّم وتلميذ، وعلى العشائر الغيورة وغيرهم، عليهم جميعاً أن يتعاونوا ويتكاتفوا. فالشعب العراقي، مع شكري له، قد أبدى في مناسبة الأربعين الحسيني، تضحياته على شتّى المستويات، فيجب أن لا يبقى كما هو عليه اليوم، مع شديد الأسف. فالعراق لا نقص فيه، فلماذا حاله يكون كما نراه اليوم؟ ولا نلقي اللوم والمسؤولية على هذا وذاك، فهذه المسؤولية هي مسؤولية الكل، أي ليحاول الكل ويسعون إلى إصلاح العراق، حتى يكون عراق الغد إنموذجاً في التاريخ والدينا كما كان عراق زمان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

بلى، إنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ليس بيننا اليوم، ولكن سيرته موجودة وتاريخه موجود. والإمام الحسين صلوات الله عليه قد أعلن أنّه يريد أن يحيي سيرة رسول الله وسيرة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما. 

أمران مهمّان

إذن فليحاول الكلّ لأجل تحقّق ما يلي من أمرين:

الأول: غرس عَلَم للإمام الحسين صلوات الله عليه في كل شبر من العالم.

الثاني: العمل والاجتهاد والهمّة والتعاون من أجل إصلاح العراق حتى يكون إنموذجاً يتعلّم منه الآخرين، في بلاد الإسلام وبلاد غير الإسلام.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين. 

تقرير: علاء الكاظمي