التقرير الكامل للجلسة العلمية الرمضانية الرابعة  لسماحة المرجع الشيرازي 1439هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

 

• تتمة بحث العلم الإجمالي والشبهة غير المحصورة:

قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظلّه) في تتمة بحث مسألة العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة:

ورد في أدلّة (صلّ إلى القبلة) أو (صلّ مع الثوب الطّاهر) إذا علَم الشخص المكلّف جهة القبلة على نحو التفصيل أو يعلم تفصيلاً انّ هذا الثوب طاهر فيجب عليه أن يصلّي بنفس الثياب أو نفس الجهة. ولكن إذا اشتبهت عليه جهة القبلة بين جهتين اثنتين، أو الثوب الطاهر اشتبه بين ثوبين اثنين، فهنا يرد البحث هل أنّ العلم الإجمالي منجّز أم ﻻ؟ وإن كان المتسالم عليه بين المتأخرين متسالم عليه هو ان العلم الإجمالي في التنجز كالعلم التفصيلي.

 

• فتوى الميرزا القمي والنراقي:

وما زلت أتذكّر وقد أشرت في بعض كتاباتي أنّ عشرة من الفقهاء قد أفتوا في موارد وجزئيات متعدّدة بعدم تنجّز العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة، ومن هؤلاء المرحوم الميرزا القمّي في كتابه القوانين، والمرحوم النراقي في كتابه المستند.

ورد في رواية حيث سُئل الإمام صلوات الله عليه بأنّ شخصاً له ثوبان أحدهما طاهر والآخر نجس ولا يعلم أيّهما الطاهر، فقال الإمام صلوات الله عليه: (يصلّي فيهما جميعاً)، وهذا يعني: انّ العلم الإجمالي منجّز في الشبهة المحصورة.

يقول المرحوم النراقي في المستند: في هذا المورد لدينا رواية خاصّة تقول: يصلّي مرّتين وفي كلّ مرّة في ثياب، ونحن نقول بها، ولكن إذا كان هناك ثلاثة من الأثواب، اثنتان منهما متنجّستان والثالثة طاهرة وهو لا يعلم به بخصوصه، فهنا لا يلزم عليه أن يصلّي ثلاث مرّات بل عليه صلاة واحدة فقط، مع العلم أنّه من المسلّم عليه هنا ثلاثة من الشبهة المحصورة.

كما رأيت مثل هذا القول في التقريرات المنسوبة للميرزا الشيرازي الكبير. وبالطبع اليوم ﻻ نرى من يقول بهذا القول، ونفس الميرزا القمّي والمرحوم النراقي قد أفتيا كراراً في الفقه طبقاً لتنجّز العلم الإجمالي.

 

• موارد نص الشبهة المحصورة:

ولدينا فقط في موردين اثنين وفرعين جزئيين (كما أتذكر) من موارد الشبهة المحصورة، دليل خاص على تنجّز العلم الإجمالي:

١ ـ في مورد الثوب المشتبه بالنجس قال عليه السلام: (يصلّي فيهما جميعاً) حيث هذه الرواية سندها معتبر وصحيحة ودلالتها وظاهرة.

٢ ـ في مورد الاشتباه بجهة القبلة، فإذا لم يعلم من أيّ جهة، فهناك رواية: (يصلّي إلى أربعة جوانب)، علماً أنّ هذه الرواية سندها غير معتبر، ولكن المشهور عمل بها وأفتوا على طبقها، وإن كانت هناك رواية صحيحة تقول بأنّه يكفي إذا صلّى إلى جهة واحدة، ولكن المشهور لم يعمل طبق الرواية الصحيحة، وإن أفتى بعض من غير المشهور على طبق هذه الرواية الصحيحة.

 

• الاشتغال اليقيني والبراءة اليقينية:

هذا البحث (الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية) كلام الفقهاء، وهو بحث صحيح عقلاً وعقلائياً.

ولكن الكلام هو فيما إذا كانت الشبهة غير محصورة فهل هناك يقين بالاشتغال حتّى نحتاج إلى اليقين ببراءة الذمّة، أو ليس هناك يقين بالاشتغال في الأصل؟ كمثل الثوب الطاهر المشتبه بين خمسين ثوباً، فإذا قلنا نحتاج إلى البراءة اليقينية فيجب أن يصلّي المكلف خمسين صلاة.

في هذه الحالة، لا يقين لدينا بلزوم قراءة الصلاة مع الثوب الطاهر، إلاّ إذا تمسّك احد بإطلاقات الأدلّة، مثل (صلّ مع الثوب الطّاهر)، وهذا الاطلاق إمّا منصرف من هكذا مورد أو لا أقل من الشكّ في إطلاقه. وبناءً على هذا ففي الشبهة غير المحصورة فلا وجود لليقين بالاشتغال، ولهذا السبب قال صاحب العروة وأغلب الشرّاح: إذا اشتبه الحرام في أطراف الشبهة غير المحصورة، فإنّ الحرام سيرفع: ولذلك يحقّ له بالتدريج وليست مرّة واحدة أن يرتكب الجميع.

نعم، بعضهم وهم أقليّة كالمرحوم الحاج السيّد حسين القمي وربما المرحوم الوالد، يقولون: إنّ ارتكاب أطراف غير المحصورة جائز حينما ﻻ يحصل العلم والقطع بارتكاب الحرام.

الخلاصة: من الممكن أن يقولوا في الشبهة غير المحصورة انّ اليقين بالحرام وليس اليقين بالاشتغال، وهذا يعني: انّه لم يتوجّه التكليف من الأساس، وعندما يقال يرفع التكليف، فهذا من باب المسامحة.

بعبارة أخرى: إنّ الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية في مكان شمول الأدلة لأطراف الشبهة أن تكون عقلائية، وإذا كانت الأطراف والمصاديق غير محصورة، فإنّ شمول الأدلّة في هذا المورد تكون غير عقلائية. وطبعاً هذا مبنى واحد وقول واحد في الشبهة غير المحصورة، وقد قلنا أنّ هناك ستة عشر قولاً في الشبهة غير المحصورة، وعلى كلّ مبنى وقول في الشبهة غير المحصورة، وعلى كلّ مبنى وقول في الشبهة غير المحصورة قال أغلب الفقهاء: التكليف سوف يضمحل من أساسه ويتلاشى، وقال بعضهم: التكليف باق على حاله كاملاً.

على سبيل المثال: في مسألة الماء المضاف المشتبه في مئة ماء، فقال صاحب العروة وأكثر الشرّاح: يكفي أن يتوضّأ بوضوء واحد سواء صادف ذلك الماء المطلق، أم صادف مع نفس الماء المضاف، لأنّ في هذه الحالة التي تكون الأطراف غير محصورة فإنّ تكليف الوضوء يسقط مع الماء المطلق، وفي المقابل فقد قال بعضهم: يجب عليه أن يتوضّأ بوضوئين اثنين حتّى يتيقّن أنّه توضّأ بالماء المطلق.

أو في مثال الصلاة مع الثوب الطاهر، فقد قال الشارع المقدّس: (صلّ في الثوب الطاهر)، وهذا دليل عام، وأمّا إذا كان الثوب الطاهر مشتبهاً بين اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فبناءً على تنجّز العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة، فإنّ هذا الخطاب (صلّ) يشمل جميع الأطراف، ولكن إذا كانت الأطراف غير محصورة، وعلى سبيل المثال: الثوب الطاهر المشتبه بين مئة ثوب: فهنا تكليف الصلاة مع الثوب الطاهر ﻻ يكون منجّزاً، أي: إنّ هذا الشرط (طهارة الثياب) ساقط، لأنّ الشرطية في مكان إمّا أن تكون معلومة بالتفصيل وإمّا معلومة بالإجمال، وإذا قلنا أنّ العلم الإجمالي غير منجّز في الشبهة غير المحصورة ، فإذن هنا حيث الثوب الطاهر مشتبه بين الأطراف غير المحصورة، فشرطية الطهارة ليست معلومة بالتفصيل ولا بالإجمال، وحينئذ يسقط الشرط، ولم تكن هذه خاصّة بالشرطية بل هي هكذا في الجزئية والمانعية والقاطعية أيضاً.

 

• التكاليف والعناوين الواقعية:

سأل أحد الفضلاء: هل تتعلّق التكاليف والأحكام الشرعية بالعناوين الواقعية، إلاّ إذا كان لها عنواناً ثانوياً لذلك الحكم الواقعي الأولي؟

قال سماحته: في الشبهة غير المحصورة كما قال بعضهم بأنّ الشارع المقدّس إذا ألزم المكلّف بامتثال جميع الأطراف، ويقوم بأدائها في الشبهة الوجوبية، والاجتناب عنها في الشبهة التحريمية، فهذا موجب للعسر والحرج، والعسر والحرج عنوان ثانوي.

لكن قبل أن يصل إلى حدّ العسر والحرج، لابدّ أن نرى ما هي حدّ العناوين الواقعية التي تشملها، فهل إذا وصلت الأطراف إلى حدّ كثير وحين الشمول سوف تكون غير عقلائية؟ 

يبدو الجواب كلا، أي: نفس دليل العنوان الواقعي له قصور عن شمول مثل هكذا مورد.

وردت مسألة في العروة في كتاب الطهارة، فصل في الماء المشكوك نجاسته في المسألة الأولى ما يلي:

إنّ اشتبه في غير المحصور كواحد في ألف مثلاً، لا يجب الاجتناب عن شيء. وبين أربعين أو خمسين حاشية التي بين يديّ فإنّ خمسة أشخاص أو ستة قالوا لا يحقّ له أن يرتكب جميع الأطراف حتى لو كان ذلك بالتدريج، ولكن الأكثرية قالوا بأنّه يستطيع أن يرتكب الجميع تدريجياً، وهذا يعني في الواقع ليس هناك تكليف.

 

• شبهة ابن قبة:

وسأل آخر: هل في هذه الحالة لا تلزم شبهة ابن قبة؟

أجاب سماحته: كلا، لأنّ إشكال وملاحظة ابن قبة في الظن الذي يلزم منه تحليل الحرام، ولكن وبناءً على المشهور إذا اشتبه الحرام بين أطراف غير المحصورة، فليس هناك حرام من الأساس حتّى يلزم التحليل.

 

• الشبهة غير المحصورة والأمور المهمّة:

وقال أحد الحضور: يجب أن نقول في الأمور الخطيرة كمثل الأعراض والنفوس أنّ الاطلاقات تشمل الأطراف غير المحصورة، ولابدّ أن نستثني هذا المورد، أي مورد الأمور الخطيرة.

قال سماحته: إذا كانت من الأمور المهمّة فليس هناك حاجة إلى الاطلاق من الأساس أيضاً، لأنّه حتّى إذا كانت الشبهة بدوية فلابدّ أن نحتاط في الأمور الخطيرة، ولكن البحث الآن هو حول الأمور العادية وليست الخطيرة منها.

 

• الشكّ بين المحصورة وغير المحصورة:

سُئل سماحته: إذا شُكّ، في كون الشبهة محصورة أم غير محصورة؟ فما هو الأصل؟

أجاب سماحته: ذكر في المستند أو الجواهر أنّه إذا دار الأمر بين التكليف وعدم التكليف، فإنّ الأصل عدم التكليف، وبناءً على رأي المشهور فإنّه في الشبهة غير المحصورة ليس هناك تكليف في الأصل، لذلك نستطيع أن نقول في مثل هذه الموارد: لها حكم غير محصورة. وفي المقابل استشكل بعضهم أيضاً واعتبروا الأصل مع الشبهة المحصورة، وهذا له وجه أيضاً.

 

• الوثوق المخبري:

سأل أحد الحاضرين من الفضلاء عن استمرارية بحث الليلة الماضية حول الوثوق المخبري والخبري، فقال: لقد قال بعضهم: إذا أردنا أن نعمل بالوثوق المخبري فإنّ ثمانين بالمئة من الفقه سوف تعطّل، وﻻبدّ من تأسيس فقه جديد.

قال سماحته: إنّ عمل مشهور الفقهاء منذ الشيخ المفيد وحتّى اليوم مبنيّ على الوثوق الخبري، وعلى كلّ حال لن يلزم مثل هذه الأمور:

أولاً: ليس كما يقال أنّ ثمانين بالمئة من الفقه سيعطّل.

ثانياً: طريق الاحتياط مفتوح، وأينما يكون هناك عسر وحرج شخصي سوف يرفع التكليف. وقد ناقش ذلك المرحوم الحاج رضا الهمداني في أوائل كتاب الصلاة وبحثه بشكل جيّد وعرفي. وعمل الفقهاء منذ الشيخ المفيد وإلى يومك أيضاً أنّ الملاك تضمنه الوثاقة، نعم في بعض الأحيان طريق وثاقة المضمون، وثاقة السند، وفي بعض الأحيان القرائن الأخرى هي طريق وثاقة المضمون.

على سبيل المثال في مورد اشتباه جهة القبلة، فإنّ هناك رواية مرسلة أن يصلّي إلى أربعة جوانب، وقد عمل بها المشهور، والفقيه الذي يرى جبران عمل المشهور، وإن لم تكن هنا وثاقة مخبرية ولكن الوثاقة الخبرية موجودة، ولذلك فإنّ ذلك الفقيه سيُفتي على طبقها.

 

• نسبة الخبر إلى المعصوم:

هنا فرع من المناسب طرحه وهو: إذا أفتى فقيه على طبق هذه الرواية المرسلة لجهة عمل المشهور، هل يتمكّن في نهار شهر رمضان المبارك أن ينسب هذا المضمون (يصلّي إلى أربعة جوانب) إلى المعصوم؟

الظاهر انّه لا يمكنه ذلك، لأنّه لا يعلم بأنّ المعصوم قد قالها أو لا، نعم استناداً الى العمل بالمشهور وجابريتها لأجل ضعف السند، هذه الرواية تكون حجّة له، ويستطيع أن يفتي على طبقها، ولكن هذا لن يكون لوحدها دليلاً على الصدور.

 

• العمل بالمشهور وتصحيح السند:

وسأل آخر: إذا قلنا بأنّ الشهرة جابرة لضعف السند، فإذاً عمل المشهور يصحّح السند، فإذاً الرواية صحيحة ونسبتها إلى المعصوم تكون بلا إشكال؟

قال سماحته: لابدّ أن نرى هل العمل المشهور يكون السند صحيحاً أم الرواية تكون حجّة حتّى يجوز الإفتاء على مضمونها؟ فهذان الاثنان يختلفان عن بعضهما.

وعقب السائل: إذا قلنا بحجيّة الوثوق الخبري، ففي هذه الرواية قد حصل عند الفقيه الوثوق الخبري، واسنادها إلى المعصوم لا إشكال فيه.

قال سماحته: هناك فرق بين الحدس والحسّ، فإذا قال زيد العادل: لقد جاء جارك من الحجّ، فأنت تستطيع أن تنسب المجيء إلى الجار من دون النقل من هذا العادل، ولكن إذا قال صبي: لقد جاء جارك من الحجّ، وأنت قمت بالحدس صحّة حسّ الصبي الصغير، فهل تتمكّن بعنوان حسّك أن تقول: لقد جاء الفلاني من الحجّ؟ وقولك في المكان الذي يلزم الحس معتبر، فهل له اعتبار ومصداقية؟

نعم في بعض الأحيان الحدس القريب حسّ، وله حكم الحسّ، فلا مانع من ذلك.

الخلاصة: إذا كان هناك فرق بين الحدس والحسّ، فإنّ إحدى موارد الفرق هذا المورد، إلاّ إذا قيل ليس هناك فرق بين الحسّ والحدس.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.