سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكد:

المشكِّـكون يضرّون أنفسهم ويبقى المذهب بخيرٍ دائماً لأنه مصون من العمق 

مساء يوم التاسع عشر من شهر محرّم الحرام 1439 للهجرة (10/10/2017م)، قام بزيارة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، أحد وكلاء سماحته في مملكة البحرين، حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة.

في هذه الزيارة، تم تبادل الكلام حول أهمية الجوانب التبليغية والإعلامية والتثقيفية والنشر، بالخصوص في مجال ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، وردّ الشبهات ودحضها. فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

في الحقيقة لابدّ من (البلاغ المبين) وهو رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم. ولولا البلاغ والتبليغ لما كان الإسلام ينتشر منذ بدايته وما كانت الشبهات تُرَدّ والناس يهتدون بالأجوبة المقنعة.

وقال سماحته: لقد كان المرحوم السيّد الأخ الأكبر والشهيد السيد حسن قدّس سرّهما ونفرٌ من الأصدقاء في كربلاء يكتبون ويؤلّفون وينشرون الكتب ويصدرون خمس مجلاّت فكرية وثقافية وأخلاقية أهمّها مجلة (الثقافة والآداب) يوم لم يكن في العراق تطبع كتب إسلاميّة إلاّ بأعداد قليلة، وهذه المجلة كانت تطبع منها خمسة آلاف لتوعية الناس والشباب خاصة.

شخصيًّا لما كنتُ شاباً بعمر ابنك الشيخ محمد جواد سافرتُ ذات مرّة إلى بغداد لأتفق مع مكتبة المثنّى، وهي إحدى أكبر المكتبات التي لها فروع ممتدّة من جنوب العراق إلى شماله، تبيع الكتاب للمؤلّف وتأخذ نسبة من ثمن البيع. وافق مديرها المسيحي على بيع الكتاب وأخذ نسبة 40 % من ثمنه، وكنا نقبل أن يأخذ حتى 60% لأن المهم عندنا كان إيصال الكتاب إلى أيدي القراء. فقد باع 600 نسخة من مجموع 950 نسخة وأعاد إلينا البقيّة. ومنها وردتنا اتصالات وطلبات على الكتاب من أنحاء العراق. وذلك كان في سنة 1960 للميلاد. 

وأوضح سماحته: النشر، ضروري جدّاً.. وأنا رغم الشبهات التي تثار في زماننا على التشيّع لا أرى خوفاً على التشيّع.. إنّ التشيّع كان ولازال كالجبل الشامخ الصلد. والمشكِّـكون لم يخل منهم زمانٌ، وبعضهم كانوا من أصحاب الأئمة كابن أبي عذاقر الشّلمغاني وأربعة آخرون مثله في زمن الغيبة الصغرى التي دامت 69 سنة، وقد كان في كل بيت من بيوت الشيعة تُقرَأ كتبهم، ولمّا انحرفوا رموا الشيعة كتبهم خارج بيوتهم. هؤلاء سقطوا وانتهوا وبقيت العقيدة قائمة إلى يومنا. وهل المنحرفون في زماننا بقوّة الشلمغاني وحضوره في الوسط الشيعي؟!

المنحرفون اليوم تأثيرهم على عدد قليل من الشيعة، وهناك جمهور واسع من أتباع المذهب لا يعيرون أهمّية لهم. وهؤلاء المشكِّـكون لا يدرون أنهم يضرّون أنفسهم ويبقى المذهب بخيرٍ دائماً لأنه مصون من العمق. 

وشدّد سماحته بقوله: هذه الحياة هي ساحة اختبارات، وأنا أرى بوضوحٍ تامّ أنّ المستقبل هو لهذا المذهب الحقّ بكل ما فيه من عقائد وشعائر وفقه وأخلاق، وسوف تتلاشى جهود المناوئين من الداخل والخارج، ويندمون على ما صرفوا من عمرهم في تشكيك الناس كما تلاشت جهود مَن قبلهم. فأهل البيت صلوات الله عليهم حقًاً وصدقاً فوق كلّ التشكيكات والشبهات، وإذا لا يريد البعض أن يفهم هذه الحقيقة فهذا شأنه. فيجدر النشر والكتابة والتحدّث، وعدم التباطؤ في البلاغ.. فإنّ للكتاب أهمّيةً كبيرةً في هداية الناس.

وأضاف سماحته: قبل أشهر جاءني أحد كبار علماء السلفية الذي اهتدى إلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم، ويناهز عمره الثمانين. ذكر لي قصة هدايته أنها كانت بسبب قراءته لبعض الكتب الشيعية، وقد اقتناها ليتصيّد منها ضدّ الشيعة وإذا به يصل إلى نور الهداية من نفس الكتب. هذا الرجل، لا شكّ تعرفونه، فقد أعلن تشيّعه في حرم الإمام الحسين صلوات الله عليهم وبثّته الفضائيات. هو مصريٌّ مقيمٌ في أميركا، وقد سحبوا منه المسجد الذي كان يؤمّ المصلّين فيه ويحضره الآلاف. وهو كان من المساهمين ماليًّا في بنائه. وجرى بيني وبينه اتصال هاتفي في شهر رجب الفائت، فقال لي صرتُ كأبي ذر الغفاري. فقلتُ له أنت وضعك أحسن من أبي ذر رضوان الله عليه، فهو قد مات جوعاً وأنت تعيش مرتاحاً. وهذا هو الاختبار الحقيقي من الله ليرى فيك الاستقامة. فإن يهتدي بكتابك شخصٌ واحد خيرٌ لك مما في الدنيا كلّها. وغداً سنقف كلّنا بين يدي الله ولا ينفعنا سوى ما قدّمناه لله تعالى من دين محمد وآل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

وبيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: إنّ الواقفيّة بعد استشهاد الإمام الكاظم صلوات الله عليه، كان فيهم من كبار رواة الشيعة، وبعضهم كانوا وكلاء للإمام الصادق والإمام الكاظم صلوات الله عليهما، ولكنهم رفضوا إمامة الإمام الرضا صلوات الله عليه، في الوقت الذي هم قد رووا عن الأئمة من قبله حديث جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يذكر فيه أسماء الأئمة الاثني عشر حسب الترتيب حتى يصل إلى اسم الإمام الرضا إمامًا ثامنًا. ولكنهم مع ذلك سقطوا في الاختبار وأنكروا إمامته وأضلّوا عدداً قليلاً من الشيعة. وقد ماتوا كلّهم وانتهى ذكرهم وسارتْ قافلة التشيّع بسلامٍ دون أن تهزّها تلك الشبهات الواقفيّة ولا الذين سقطوا في الاختبار.

مع الأسف الشديد هؤلاء المنحرفون الجدد لا يتّعظون من تاريخ المنحرفين السابقين. وهذه كانت مشكلة البشر من بداية التاريخ. فالجهل والغفلة والغرور وحبّ الدنيا وحبّ الظهور الشخصي، أمراض فتّاكة. نسأل الله أن يجنّب المؤمنين منها في كلّ زمان ومكان.

وأضاف سماحته دام ظله: لا بدّ أنكم سمعتم عن الفيلسوف الكِنْدي الذي كان يعيش في زمن الإمام الهادي صلوات الله عليه، وكان يتبنّى النظرية اللادينيّة ويعيش في بغداد. عكف هذا الرجل سبع سنوات على تأليف كتاب سمّاه (تناقضات القرآن).

ثم أخبر أحد تلاميذه بذلك. وسافر هذا التلميذ من نفسه إلى سامراء والتقى بالإمام صلوات الله عليه، فأخبر الإمام بهذا الأمر. فأعطاه الإمام صلوات الله عليه سطراً واحداً من الردّ العلمي ومن الباب الذي يؤمن به الكِنْدي وهو باب الفلسفة، فقال له ما خلاصته أن للتناقض خمسة شروط للتحقّق من حيث وحدة المكان ووحدة الزمان وإلى آخرها، وأنّ هذه النظرية التي تؤمن بها لم تنطبق على ما توهّمتَه من تناقض في القرآن الكريم.

جاء التلميذ إلى الكِنْدي ونقل له كلام الإمام الهادي صلوات الله عليه من دون ذكر اسم الإمام. فتأمّل الكِنْدي لحظات ثم قال لتلميذه: هذا الكلام دقيق وعظيم، وهو ليس منك. بل هو من عالِمٍ يحيط بالحقائق. وهو لا يكون في زماننا إلاّ رجلٌ من سامرّاء.. وتحديداً هو عليّ بن محمد الهادي صلوات الله عليه. فقال التلميذ: نعم. إنه منه. فقرّر الكِنْدي أن يحرق كتابه الذي تعب عليه سنين.

وعقّب سماحته: نعم هؤلاء العلماء يعرفون في داخلهم مقام أئمتنا الأطهار صلوات الله عليهم، ولكن أن يأتي شخصٌ وينشر جهله ضد الأئمة ومقاماتهم في قالب البحث العلمي، وأن يكون من الشيعة، فهذا أمرٌ مؤسفٌ جدّاً، حيث قد فَهَمَ شيئاً وغابت عنه أشياء.. هؤلاء لم يبصروا الحقيقة ولم يدركوا أنّ المذهب لن يتراجع أمام الشبهات والتشكيكات لأن في عمقه قوّة من الغيب تصونه وتحافظ عليه حتى يوم ظهور الإمام الحجّة أرواحنا فداه، ليستلم الراية.

وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حديثه القيّم، مؤكّداً: كم من رجال، وكم من حكومات، وكم من أحزاب واجهوا التشيّع وأصبحوا خبراً في التاريخ. أمّا هذا المذهب فقد شقّ طريقه إلى الأمام وتجاوزهم من غير رجعة. وكما قال الإمام الحسين صلوات الله عليه: (ومَن تَخَلَّفَ لَمْ يَبلُغِ الفَتْحَ، والسلام).

ومن ثم قال حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ المهتدي البحراني: أحسنتم سيدنا.. هذه الأفكار هي ما تحتاجه الأمّة، ويا ليت المشكّكين ينفتحون على هذا النبع الزلال لمعالم الفكر الشيعي الأصيل الذي تتبنّونه. حفظكم الله من كلّ سوء.